طاعة الوالدين فى الزواج والطلاق
المفتي
الشيخ عطية صقر من علماء الأزهر
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
فى بعض الأحوال يضغط الأب أو الأم على الابن أن يتزوج امرأة معينة، أو أن يطلق زوجته ، ويهددانه بالغضب عليه إن لم يفعل ، أو بالحرمان من الميراث مثلا، فما رأى الدين فى ذلك ؟
الجواب
مخالفة الوالدين فى اختيار الزوج أو الزوجة حرام إذا كان لهما رأى دينى فى الزوج أو الزوجة يحذران منه . أما إذا كان رأى الوالدين ليس دينيا، بل لمصلحة شخصية أو غرض آخر - والزواج فيه تكافؤ وصلاح - فلا حرمة فى مخالفة الوالدين .
ومطلوب أن يكون هناك تفاهم بالحسنى بين الطرفين ، رجاء تحقق الاستقرار فى الأسرة الجديدة ، وحتى يتحقق الغرض الاجتماعى من الزواج الذى ليس هو علاقة خاصة فقط بين الزوج والزوجة ، وإنما هو علاقة أيضا بين أسرتين ، وفيه دعم للروابط الاجتماعية .
ويقاس هذا على إرغام الوالدين لولدهما على طلاق زوجته التى يحبها ويستريح لها ، فقد روى الترمذى وصححه أن : عمر رضى الله عنه أمر ابنه أن يطلق زوجته فأبى، فشكاه للرسول صلى الله عليه وسلم فأمر بطلاقها ، لكن سئل أحمد بن حنبل بعد ذلك فى مثل هذه الحالة فقال للسائل :
لا تطلق زوجتك ، فذكر له حادث عمر، فقال أحمد : إذا كان أبوك مثل عمر فطلقها . والمعنى أن عمر كانت له نظرة دينية فى زوجة ابنه ، لكن غير عمر ليست له هذه النظرة، فهى غالبا نظرة شخصية ولتحقيق غرض معين يكون من ورائه هدم أسرة يستريح لها الابن خلقا ودينا .
صح أن إبراهيم عليه السلام أمر ولده إسماعيل أن يطلق زوجته الأولى ، مُكنِّيًا عن ذلك بتغيير عتبة الباب ، كما رواه البخارى ، وذلك لأنه وجدها تتأفف من عشرته فقد تكون فتنة لزوجها، وقال الإمام الغزالى فى " الإحياء ج 2 ص 51 " بعد ذكر حديث ابن عمر: فهذا يدل علي أن حق الوالد مقدم ، ولكن والد يكرهها لا لغرض ، مثل عمر .
وعلى هذا يحمل ما ورد من أمر أبى بكر الصديق ولده عبد الله أن يطلق زوجته عاتكة، وما أخرجه أحمد عن معاذ بن جبل ، أوصانى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات ، وذكر منها " ولا تعص والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك " وما جاء فى صحيح ابن حبان أن رجلا سأل أبا الدرداء فقال له ، إن أبى لم يزل بى حتى زوجنى، وإنه الآن يأمرنى بطلاقها . قال : ما أنا بالذى آمرك أن تعق والديك ، ولا بالذى آمرك أن تطلق امرأتك ، غير أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الوالد أوسط أبواب الجنة ، فحافظ على ذلك إن شئت أو دع " قال فأحسب أن عطاء - وهو الراوى - قال فطلقها .
هذا، وقد رأى جماعة أن الطاعة فى تطليق الزوجة تكون للأب لا للأم ، قال ابن تيمية فيمن تأمره أمه بطلاق امرأته : لا يحل له أن يطلقها ، بل عليه أن يبرها ، وليس تطليق امرأته من برها " غذاء الألباب ج 1 ص 332 " وجاء فى هذا الكتاب أن ابن تيمية علل عدم طاعة الوالدين فى زواج امرأة معينة : إذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر طبعه عنه ، مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه ، كان النكاح بذلك أولى ، فإن أكل المكروه ساعة ، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذى صاحبه ولا يمكن فراقه " ص 334 " راجع الجزء الخامس من موسوعة " الأسرة تحت رعاية الإسلام "