الأحد، 31 مارس 2013

قسم المقالات : سياسة إيطاليا بمطامعها في بلاد المسلمين بقلم الشيخ محمد رشيد رضا

سياسة إيطاليا بمطامعها في بلاد المسلمين بقلم الشيخ محمد رشيد رضا


دولة إيطاليا تحاول مجاراة الدول الاستعمارية ، ولكنها تجهل الاستعمار فتسلك
إليه غير طرقه ، وتأتيه من غير أبوابه . ومن المعروف المشهور أن لها طمعًا
قديمًا في ولاية طرابلس الغرب العثمانية ، وقد علمنا في هذه السنة أن أطماعها قد
تعلقت بولاية اليمن ، وأنها منذ زمن غير قريب تدس الدسائس إلى إمام الزيدية فيها
لتقوي عزيمته على محاربة الدولة العلية ، وتتوهم أنها تدخل اليمن في ظلمات هذه
الفتنة ، فلا يفطن لها أحد . وإن طمعها في اليمن لأدل على جهلها بطرق الاستعمار
من طمعها في طرابلس الغرب ، لا لأن عرب اليمن أشجع وأمرن على الحرب من
عرب طرابلس ، ولا لأن الزعيم الديني الذي في اليمن سياسي حربي بالفعل ،
والزعيم الديني ( وهو السنوسي ) الذي في صحاري طرابلس ليس كذلك - بل
لأن اليمن والحجاز صنوان ، فالدولة التي يستقر سلطانها وقوتها في اليمن تكون
خطرا متصلاً بالحجاز ، فأول من يتألب عليها إذا كانت غير مسلمة عرب الجزيرة ،
ويجب على جميع المسلمين في جميع أقطار الأرض أن يكونوا عونًا لهم بكل ما
يستطيعون ؛ فكأن دولة إيطاليا بطمعها في اليمن تهدد المسلمين بهدم الكعبة ،
والقضاء على الإسلام في حرم الله تعالى وحرم رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) .
ومع هذا ترى لبعض خدم هذه الدولة وسائل سياسية تضحك الثكلى ؛ يراد
فيها غش المسلمين وإقناعهم بأن إيطاليا محبة للإسلام والمسلمين : منها تلك الهدية
التي أرسلتها إلى السنوسي ، وما أمكن أن ترسل إليه إلا باسم رجل مسلم من
مستخدميها ، ثم كتب إليه بعد ذلك بأن ملك إيطاليا دفع ثمنها لحبه الشديد في
الإسلام نفسه وفي المسلمين عامة ، والسنوسي خاصة ! ! ومنها ما ذكرناه في
بعض أجزاء منار هذه السنة من استخدام الشيخ عبد الرحمن عليش في بناء مسجد
وإيقافه ليُصَلَّى فيه على روح ( أمبرتو الأول ) ملك إيطاليا السابق ؛ ليشيعوا
ذلك بين جهلة مسلمي طرابلس واليمن والصوال ، والشيخ عليش يصفه بالإيمان
ليوهم الناس أنه كان مسلما ! !
ومنها إنشاء مجلة بمصر نصفها عربي ونصفها طلياني ، كتب عليها ( عربية
تليانية إسلامية ) ويدير أعمالها وسياستها رجل طلياني ، ويكتب فيها من الخبط
والخلط في الدين والتصوف ما يبكي المسلم الصادق ، ويضحك المارق والمنافق .
وأما الحب الذي يضعه مدير سياسة هذا الفخ حوله ؛ ليجذب به إليه من يراه من
أغرار المسلمين الذين يشبهون الطير في غرارتها ، فهو مدح الإسلام ودعوى إقناع
الأوربيين بفضله ، وأي فضيحة على المسلمين أشنع من ثقتهم بأن بعض الأجانب
الذين يخدمون دولة طامعة في بلادهم ، هو الذي يبين لأوربا وللمسلمين جميعًا حقيقة
الإسلام وفضله ، وهو لا يعرف أحكامه ولا يستخدم إلا الجاهلين بها ؟ ولماذا لم
يجعل هذه الخدمة للإسلام بلغات الدول التي يقول : إنها أعدي أعدائه كإنكلترا
و فرنسا ، دون لغة أهله العربية ولغة محبيه - بزعمه - الإيطاليون ؟
وقد وقع لبعض جرائد المسلمين تقريظ لهذه الصحيفة الخادعة ، ولعله كان قبل
التأمل فيها والتفطن لما في أحشائها ومطاويها ، فعسى أن لا تعود هي ولا غيرها
إلى ذلك .


المصدر مجلة المنار