طلاق مكره
المفتي
جاد الحق على جاد الحق .
جمادى الآخرة 1400 هجرية - 14 مايو 1980م
المبادئ
طلاق المكره واقع عند الحنفية غير واقع عن غيرهم وبه أخذ القانون رقم 25 لسنة 1929
السؤال
بالطلب المقدم من السيد / ع ى أ من السودان المتضمن أن السائل متزوج من سودانية إسمها ث أ ع وقد رزق منها بأربعة أطفال وقد وقع منه على زوجته ثلاث طلقات .
وكان مجبرا، عليها لأن زوجته مريضة بالأعصاب، وكثيرا ما تهدده وتطالبه بالطلاق، وخوفا منه على حياتها وحياة أطفاله وحياته هو شخصيا وإصرارها على طلب الطلاق فقد تم ذلك رغم عدم رغبته فى الطلاق، وقال إنه لو لم ينفذ لها رغبتها فى الطلاق لاعتدت عليه وآذته .
وطلب بيان الحكم الشرعى فى هذه الطلقات
الجواب
اختلف فقهاء الشريعة فى وقوع طلاق المكره أو عدم وقوعه .
فذهب الفقه الحنفى إلى وقوع الطلاق مع الإكراه .
وذهب فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن طلاق المكره غير واقع .
لحديث ( رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) وبهذا النظر جاء حكم المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعمول به فى مصر حيث قررت أن طلاق السكران والمكره لا يقع .
واختلف أصحاب هذا الرأى فى مدى الإكراه وشروطه ففى فقه المالكية إن الإكراه على إيقاع الطلاق بالقول لا يلزم به شىء لا قضاء ولا ديانة بشرط أن لا ينوى حل عقد الزواج باطنا .
ثم إن الإكراه الذى لا يقع به الطلاق هو أنه يغلب على ظن المكره أنه إن لم يفعل الطلاق يلحقه أذى مؤلم من قتل أو ضرب كثيرا أو قليلا، أو سجن وإن لم يكن طويلا، أو يغلب على ظنه أنه إن لم يطلق يقتل ولده أو يلحقه أذى ومثل الولد الوالد .
ففى هذه الأحوال إذا طلق لا يقع الطلاق .
ومثل التهديد بما سلف التهديد بإتلاف المال أو أخذه ولو كان يسيرا على المعتمد من المذهب حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج - 2 ص 415 وما بعدها .
وفى الفقه الشافعى ان الإكراه يحصل بالتخويف فى نظر المكره كالتهديد بالضرب الشديد أو الحبس أو إتلاف المال .
وتختلف الشدة باختلاف طبقات الناس وأحوالهم .
فالوجيه أى صاحب المنزلة بين أهله الذى يهدد بالتشهير به أو الاستهزاء به أمام الملأ يعتبر ذلك فى حقه إكراها، والشتم فى حق رجل ذى مروءة إكراه .
ومثل ذلك التهديد بقتل الولد أو الفجور به أو الزنا بامرأة إذ لا شك فى أنه إيذاء يلحقه أشد من الضرب أو الشتم .
ومثل ذلك التهديد بقتل أبيه أو أحد عصبته وإن علا أو سفل ،أو إيذاء بجرح، وكذلك التهديد بقتل قريبه من ذوى أرحامه أو جرحه أو الفجور به كل ذلك يعتبر إكراها وقال الفقهاء الشافعيون إن طلاق المكره لا يقع بشروط أن يقع التهديد بالإيذاء من شخص قادر على تنفيذ ما هدد به عاجلا .
وأن يعجز المكره عن دفع التهديد والإيذاء من شخص قادر على تنفيذ ما هدد به عاجلا .
وأن يعجز المكره عن دفع التهديد وأن يظن المكره أنه إن امتنع عن الطلاق يقع الإيذاء الذى هدد به .
وأن لا يكون الإكراه بحق . وأن لا يظهر من المكره نوع اختيار .
وأن لا ينوى الطلاق ( تحفة المحتاج وحواشيها بشرح المنهاج ج - 8 ص 36، 37 فى كتاب الطلاق ) .
ويشترط الفقه الحنبلى لعدم وقوع طلاق المكره أن يكون الإكراه بغير حق .
وأن يكون بما يؤلم كالقتل أو قطع اليد أو الضرب الشديد أو ضرب يسير لذى مروءة، أو أخذ مال كثير، أو إخراج من الديار، أو تعذيب لولده بخلاف باقى الأقارب .
وأن يكون المهدد قادرا على تنفيذ ما هدد به وأن يغلب على ظن المكره أنه إن لم يطلق يقع به الإيذاء المهدد به .
وأن يعجز عن دفع ما هدد به المغنى لابن قدامة الحنبلى ج - 7 ص 315 من كتاب الطلاق .
ومن هذا العرض الموجز لأقوال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة فى الإكراه الذى لا يقع معه الطلاق وشروطه يظهر أن الفقه الشافعى هو الذى اتسعت فيه دائرة الإكراه، حيث يتضح من الأمثلة المضروبة فيما سبق أنهم لا يقصرون الإيذاء الواقع بالإكراه على ذات المكره فقط، بل إذا كان الإكراه بإيذاء بقتل أو فجور أو قطع أو ضرب لأحد عصبته أو ذوى الأرحام، كما مثلوا بالزنا بامرأة المكره، وأن تلك الأمثلة بوجه عام تعنى أن فقهاء هذا المذهب قد راعوا ما نسميه الآن بالإكراه الأدبى .
لما كان ذلك وكان السائل قد قرر فى طلبه أنه أوقع الطلقات الثلاث مكرها من زوجته المريضة بمرض عصبى خوفا على نفسه وعلى أولاده وعلى ذات زوجته لأنه إذا لم ينطق بلفظ الطلاق حال نوبتها العصبية كطلبها اعتدت عليه وآذته بما لا قبل له باحتماله كانت هذه الحال من باب الإكراه الأدبى للسائل، تخريجا على الأمثلة التى ذكرها فقهاء الشافعية، ولكن يلزم توافر الشروط التى اشترطها هؤلاء الفقهاء لعدم وقوع الطلاق وموجزها، أن تكون هذه الزوجة وقت التهديد قادرة على فعل ما هددت به، وأن يكون السائل فى حالة عجز عن منعها من إيذائه، أو إيقاع الأذى بنفسها أو بأولادها وأن يغلب على ظنه إيذاؤها إياه فى نفسه أو فى أولادهما أو نفسها بما يضر ولا يحتمل إن لم يوقع الطلاق فى الحال .
وأن لا يظهر منه نوع اختيار، كما إذا أكره على الطلاق بلفظ محدد فنطق بلفظ آخر .
وأخيرا ألا ينوى الطلاق وقت التلفظ به حال الإكراه، بمعنى أن لا يوافق لفظه نية مستقرة فى قلبه بالطلاق .
فإذا توافرت هذه الشروط فى حال السائل فإنه يكون مكرها إكراها أدبيا، فلا يقع بما صدر منه طلاق فى حال تحقق الشروط متروك له شخصيا، وعليه الإثم إن لم تكن الشروط متحققة .
فليتق الله فيما فوض إليه، لأن هذا أمر يتعلق بحل أو حرمة هذه الزوجة بالطلاق الثالث والله سبحانه وتعالى أعلم