الأحد، 25 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : تمهيد و مقدمة عن علم الأخلاق

تمهيد ومقدمة عن علم الأخلاق

اختلف المؤرخون لعلم الأخلاق أن يحصلوا على تعريف موحد أو تحديد قاطع يصور ذلك العلم فى مختلف الأزمان ومتعدد العصور ولدى جميع الفلاسفة والباحثين ، من أجل ذلك اختلفت تعريفاته وتعددت تحديداته
وإليك عزيزى القارئ بعض هذه التعريفات وآراء الأخلاقيين فى قبولها ورفضها
1 - الأخلاق هى علم العادات ، وأصحاب هذا التعريف قد تأثروا بالأصل الأغريقى لكلمة (ايتوس) ومعناها العادة
إلا أن هذا التعريف قاصر عن دائرة علم الأخلاق التى لا تقتصر على أعمال الإنسان الإرادية التى تتكون عنها العادات والتقاليد ، وإنما بجانب ذلك تتناول التوجيه السديد المقنع لعمل الخير واجتناب الشر ، والحض على التمسك بصالح التقاليد والعادات ، بمقدار اجتناب ما هو فاسد منها ، وفوق هذا وذاك يدخل فى نطاق دائرة علم الأخلاق تقييم أعمال الإنسان والحكم عليها بأنها خير يجب أن يمارس ، أو شر ينبغى الابتعاد عنه
2 - الأخلاق هى علم الإنسان ، وهو تعريف الكاتب الفرنسى باسكال
وإذا كان التعريف الأول قد أخذ عليه أنه أضيق من دائرة اختصاص العلم فإن هذا التعريف أوسع من الدائرة ، لأنه يتناول كل ما هو متعلق بالإنسان من علوم ومعارف ، يتناول علوم الطب والنفس والمنطق والتاريخ وسائر العلوم التى تدور حول الإنسان وتتخذه موضوعا
3 - الأخلاق هى علم الخير والشر ، وهو تعريف لا يفى بموضوعات هذا العلم ، لأنه لا يقف عند حد الكشف عن حقيقة كل من الخير والشر ، وإنما يحدد كذلك الواجب والواجبات ويحض عليها
4 - الأخلاق هى دراسة الواجب والواجبات ، وهو تعريف كذلك قاصر لأنه أهمل جانبا هاما من جوانب العلم ، وهو تقييم الأعمال الإنسانية على ضوء تحديده لقيمة كل من الخير والشر
5 - الأخلاق هى العلم بالفضائل وكيفية اقتنائها ليتحلى الإنسان بها والرذائل وكيفية توقيعها ليتخلى عنها ، وهذا هو تعريف البستانى فى دائرة معارفه ، إلا أنه قاصر عن بيان كيفية تحلى الإنسان بالفضائل وتخليه عن الرذائل وبيان أمثل الطرق لذلك
الأخلاق عند أفلاطون
عنى أفلاطون بالأخلاق أشد العناية، والبحث فيها ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسة يتجه الأول إلى البحث في الخير الأسمى، ويستحه الثاني إلى البحث في تحقيق الخير الأسمى في جزئياته وذلك عن طريق الفضائل وهو ما يتحقق لدى الأفراد، والثالث البحث في الأخلاق التي تحقق الخير في الدولة وبمعنى أدق البحث في السياسة ، والخير عند أفلاطون وسيلة الإنسان وغايته في تحقيق السعادة من كل عمل أخلاقي ، وهو يوحد بين السعادة والدافع الأخلاقي إذ جعلهما شيئاً واحداً (بدوي، 1984) ، غير إن التفرقة بينهما هي من نتاج العصر الحديث التي ابتدأت منذ زمن كانط[†] (Immanuel Kant) الذي جعل السعادة منفصلة تماما عن الدوافع الأخلاقية من رغبات وشهوات ، إذ يرى إن الدافع الأخلاقي مرتبط بالواجب وهو لا صلة له بالسعادة فقد يتأتى عن تحقيق الواجب سعادة ؛ وقد ينتج عن تحقيقه شقاء ؛ والنتيجة الأخلاقية في كلتا الحالتين واحدة عند كانط (Immanuel Kant) لان الأخلاق هي تحقيق الواجب وليس تحقيق السعادة (الطويل ، 1979).
ولكن أفلاطون الذي سبقه بزمن طويل يؤكد ارتباط الخير المتمثل بالعدل في السعادة المتمثلة بتحقيق اللذة ، وجوهر الخير الأقصى مرتبط بالوجود الحقيقي وهو وجود الصور وتبعاً لفكرة الخير الأقصى إذ يقدم أفلاطون صورتين متعارضتين للخير تحاول إحداهما أن تسود الأخرى وأن كانت الغلبة للأولى منهما، ومؤداها أن الوجود الحقيقي لا يكون لغير المثل، أما المحسوسات فمجرد أشباح للمثل صبغت على نمطها وهي مفارقة للمادة وعلى الإنسان أن يتشبه بها بما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فيتحرر من علائق رسمه وقيوده فإن كان الوجود الحقيقي هو وجود الصورة لكن ما يتصل بهذا الوجود هو الحقيقة فهو الخير وكل ما يتعارض مع هذا الوجود هو الشر (الطويل، 1979).
ينظر أفلاطون إلى الطبيعة الإنسانية نظرة ثنائية من نفس وحسد، وأن منزلة الحسد من النفس بمنزلة المادة، ومنزلة النفس منها بمنزلة الصورة، وأن المادة هي من أجل الصورة والصورة من أجل الأفعال أو الانفعالات الصادرة عنها (ابن رشد، 1998)، ويرى أن النفس جاءت من عالم المثل ودخلت بالجسد لتقضي حكماً بالسجن فيه وتعود مرة أخرى إلى عالم المثل (Armstrong, 1965)، فالنفس تنسب إلى عالم المثل، والجسد إلى عالم الحس، ويعد النفس من عالم المثل فهي إلهية وأزلية أبدية سابقة في وجودها على الجسد، وهي باقية بعد الموت (ابن العبري، 1980)، ولكنها تحاول الفرار من عالم الحس إلى عالم المثل كونها حلت بالجسد كارهة إلا أن طول ملازمتها له دفعها لتألفه وترضى بشواته لتنسى حقائق الغيب وكمالها العلوي (المسير، 1988)، والنفس ليست نتيجة لحياة الجسد، بل هي التي تهبه الحياة (أفلاطون، 1961) وهذا جعل أفلاطون الخير مستقرة النفس، وجعل الشر مستقرة الجسم وكلما كان الإنسان ابتعاداً عن الجسم حقق لنفسه قدراً أكبر من الخير وتحقيقاً لهذا المفهوم الأخلاقي يدعو أفلاطون الإنسان الى إن يتشبه قدر الإمكان بالإلهة أو بالصورة أو المثل لكي يكون حراً ، ولان النفس سجينة في الجسم ولا بد لها إن تتحرر منه يقدم أفلاطون انوذجه الأمثل للإنسان في اسمي صور الأخلاق المتشبه بقدر الإمكان بالإلهة المتمثلة بصورة الفيلسوف .
يعد الفيلسوف عند أفلاطون الحكيم الذي أحرز كل الفضائل ويمارس الموت بالحياة بإماتته للشهوات واخذ النفس بالمجاهدة والرياضة والزهد في ملذات الحياة وإماتة كل العلائق المتصلة بالوجود الحسي من اجل خلوص النفس الى حياة الصورة أو المثل وهذا هو المقوم الوحيد للخير الأقصى (الطويل ، 1979).
لم يتنكر أفلاطون للذات إذ وقف طويلا في بحثه لها إذ أقضى التأمل فيها الى ربطها بالنوع الأخير من الخير واشترط فيها تجردها من الألم ووجوب ارتباطها بالوجود اللامحدود ؛ وهي عندما تكون كذلك لا تعد شراً ، وإزاء هذا الموقف فان أفلاطون حينما يقدم صورتين متباينتين للخير : فانه في الأولى يدعو الى العزوف عن الحياة والتوجه الى الموت ، ويدعو في الثانية الأخذ بشيء من الحياة، فإنه يعتقد أن الجمع بين الصورتين في تناسق وانسجام يؤدي إلى الخير على الرغم من أنه يمثل في كثير من الأحيان إلى الصورة الأولى على حساب الصورة الثانية (بدوي، 1984).
أما الفضائل عند أفلاطون فقد ناقض فيها رأي أساتذة سقراط في قول أن الفضيلة علم متجاوزاً الماهيات المتحققة في المحسوسات إلى ما سماه بالمثل؛ فالعلم ينتقل من عقل عن طريق الحجة والبراهين ويستحق نقل الأحاسيس الأخلاقية من فرد الى أخر لان الفرد قد يعرف الشر ويأتيه ويعرف الخير ولا يفعله(الطويل ،1979) ،( كرم ، 1980 لذا لو كانت الفضال تنتقل بالتعليم كما تنتقل العلوم لاتسعت مساحة الفضيلة لتضم نسبة كبيرة من المتعلمين.
أضاف أفلاطون شرطاً أخر ليكون العلم ذا فاعلية في تحقيق الفضيلة عند الأفراد وهي قوة الإيمان والاقتناع (ابن رشد ، 1998) ؛ إذ تصبح المعرفة قوة ملهمة ويصبح العلم على هذا النحو وسيلة لنجاح التربية الخلقية وبث الفضيلة في النفوس .
ومما سبق ذكره يبدو الاتفاق بين أفلاطون وأستاذه على مبدأ اثر التربية والتعليم والتهذيب في صنع الفضائل وتنميتها ولكن أفلاطون يربطها بالنفس التي يريدها إن تتسامى في أفعالها وتقترب من الإلهة لترتبط بالصورة المطلقة.
ميز أفلاطون بين نوعين من الفضيلة ، فضيلة فطرية وفضيلة مكتسبة والأولى لا تحتاج تعلم وتعليم أما الثانية فهي تكسب صاحبها فضلا وتقديرا وهي التي تعتمد في معرفة الخير ونيته وتتحقق هذه الفضيلة عن طريق الانسجام والتناسق بين قوى النفس الثلاثة القوة الشهوية والقوة الغضبية والقوة العاقلة وكذلك الفضائل تنقسم بنفس التقسيم لان معنى الفضيلة تحقيق الطبيعة وتعيين الحدود لكل فضيلة من فضائل النفس مرتبة بحسب ما وضعت له (عبد النور ، 1975)، (الالوسي ، 1990) ؛ وتبعا لهذا فالفضيلة الأولى تقابل القوة الشهوية ولان مهمتها خدمة القوة العاقلة إذ تضبط نفسها وتخضع لما تقول القوة العاقلة وفضيلتها العفة وضبط النفس أما القوة الثانية ومهمتها تلبية الأوامر التي تصدر عن القوة العليا وفضيلتها الشجاعة أو القوة العليا ومهمتها التمييز بين الخير وأنواعه وهي مسؤولة عن تحقيق الخير الأسمى وفضيلتها الحكمة ، ولكن هذه القوة لا بد إن تجمعها وحدة تعلو عليها مهمتها الموازنة بين الفضائل والانسجام بينها تسمى العدالة وهي إعطاء كل شيء حقه فهي ليست فضيلة خاصة ولكن هي حالة الصلاح والبر الحاصلة من اجتماع الحكمة والشجاعة والعفة (العراقي ، 1984).
ويستنتج من فضيلة العدالة في الفكر الفلسفي الأفلاطوني بأنها حالة النفس التي توفرت فيها المعرفة الفلسفية التي جعلتها تعيش في حالة من التكامل المتمثل بانتظام عمل قوى التنفس الثلاثة وانسجام بعضها مع بعض ؛ إذ خضعت الى الأولى التي هي احكم واكم منها وفق نظام دقيق يمكن الفرد من توحيد الكثرة التي ترافق أفعال النفس فحققت بذلك فضيلة العدالة (مطر ، 1986) ؛ فهي مفتاح السعادة الإنسانية والقانون والنظام للنفس البشرية التي من خلالها ترتبط بها النفس مع السماء الإلهية حينما تحترم هذه النفس هذا النظام وتسعى الى تحقيق العدالة فيه (جورجياس،1970).
ترد الأخلاق الى النفس بشرط إن تتسامى في أفعالها لتقترب من الإلهة ، فالخير مستقره النفس والشر مستقره الجسم وربط بين السعادة والباعث عليها (الدوافع الأخلاقية ) ، وربط الأخلاق بالوجود الحقيقي (وجود الصور ) ، ويبدو الخلق الحسن بإماتة الشهوات واخذ النفس بالمجاهدة والزهد في ملذات الحياة ، والخير هو اللذة الخالية من الألم ، والأخلاق تتجسد في شخص أحرز كل الفضائل ومارس الموت بالحياة وهو الفيلسوف ، الفضيلة المكتسبة تنتج عن التناسق بين قوى النفس الثلاثة الشهوية الغضبية والعاقلة ، وفضيلة العدالة مهمتها الموازنة بين الفضائل ، وميز بين نوعين من الفضيلة فطرية موروثة وفضيلة مكتسبة .
الأخلاق عند أرسطو
نشرت دروس أرسطو الأخلاقية في كتابين : احدهما الأخلاق الاوديمية (Ethics Eudemian ) وهو شرح لتلميذه اوديموس ، والكتاب الاخر الأخلاق النيقوماخية (Nichomachean Ethics) الذي ينسب الى ابنة نيقوماخوس إذ ترجح حوله الآراء في انه يعبر عن أراء أرسطو الأخلاقية الذي يظهر إن مسيرة أرسطو الأخلاقية كانت في نفس اتجاه كل من سقراط وأفلاطون محاربا اللذة الغاية القصوى للأفعال الإنسانية معتنقا بدلا منها السعادة (الطويل ، 1979).
ويعد أرسطو من أوضح الممثلين للأخلاق اليونانية فهي تجمع بين فعل الخير والنجاح وتحصيل السعادة التي تعنى من حيث الغاية بسعادة الإنسان وهي اللذة الناشئة عن تحصيل كمال الفعل المقوم لطبيعته، فحين يعبر أرسطو باللذة عن السعادة فهو يشير الى الفضيلة التي يعني بها إن يحقق الإنسان الكمال الممكن لشخصيته (بدوي ، 1984).
إن أرسطو لم يفعل مثلما فعل أستاذه حين رتب الفضائل تصاعديا ولم يميز بينها إلا تمييزاً عاما يستند الى طبيعة الفعل الذي يقوم به الإنسان ؛ فإما إن يكون ذلك الفعل معقولاً يصدر عن دوافع عقلية وفضائله نظرية عقلية ؛ وإما إن يكون الفعل لا معقولاً وهو يصدر عن الشهوات التي لا تخضع في اندفاعها وتحقيقها للفعل ، ومن فضائل النوع الأول الحكمة والفطنة وما يتصل بها من الفضائل النظرية وهي المتعلقة بالتأمل والفكر ، أما النوع الثاني فمن فضائله العفة والعدالة ويلاحظ فيها الانتقال في الواقع من أحوال متعارضة ينتج عنها حالة متوسطة تمثل الفضيلة عند أرسطو وهي نوع من الوسط بين طرفين أحداهما إفراط والأخرى تفريط فالكرم وسط بين لفراط التبذير وتفريط التقدير ، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور (بدوي ،1984).
وهذه الفضيلة ملك اختيار الوسط بين الإفراط والتفريط – كلاهما رذيلة وهذا ما يسمى بالوسط الذهبي (Golden means) أو بنظرية الأوساط –فالوسط ليس متوسطا حسابيا بل هو الوسط المناسب للإنسان وليس هناك من قواعد بسيطة لتقرير ما هو مناسب والمعول عليه بما يسميه أرسطو ( بالحصانة) أي الحكمة العملية التي تمكن الإنسان من إن يهتدي الى الوسط العدل وهذه وصف لا يخلو من النسبية ، فبمقار ما يكون الفعل اقرب نحو الوسط منه الى احد الطرفين يكون فاضلاً وبعكسه يكون رذيلاً ( بيصار ،1973).
ولكن يعد الوسط في الواقع اعتياديا يتغير بتغير الأفراد والظروف التي تكتنفهم ، والعقل وحده يعين هذا الوسط مع مراعاة ظروفه، فما يعد كرما عند فقير يعد بخلاً عند ثري ، وهناك من الأفعال والانفعالات ما ليس له وسط كالسرقة والقتل والحسد مما يعد رذيلة بالرغم من أي اعتبار (الطويل ، 1979).
اعتنى أرسطو في كتابه الأخلاق بتحليلاته للمعاني الأخلاقية والنفسية ، وقد ركز على جملة امور أخلاقية على النحو الآتي :
1. الحياة الجيدة (الخيرة) : تكمن الجودة في قدرة الإنسان على تأدية وظائفه على نحو أفضل مما يؤديه غيره ، فوظائف الإنسان هي الوظائف التي تكسبه صفة الخير إذا أداها على نحو فعال ، من خلال أنشطة تتضمن التفكير والقدرة على الحكم بفكره وبمبادئه على رغباته وسلوكه.
2. الفضائل الأخلاقية : مهارات تكتسب بالمران ، إذ يصبح الرجل كريما إذا تدرب أو اعتاد على إتيان الأفعال التي يؤديها الكريم عن رغبة منه ، فضلاً على انه لن يصبح كريما إلا حين يكتسب الاستعداد الشخصي الراسخ لتأدية هذه الأفعال دون حافز من خارج نفسه .
3. الفضيلة العقلية : تمكن الإنسان من الحصول على الإجابات الصحيحة عن مشكلات السلوك العملية وهي تتضمن المهارة في التروي مع التركيز على توفير الفضيلة الخلقية ؛ لان توفر الغايات السليمة أمر يتعلق بها ، وان الخير الخلقي والحكمة العملية لا ينفصلان فكلاهما بحكم تعريفه يتضمن الاخر .
4. الفضيلة العقلية ( الحكمة النظرية ) : تتضمن معرفة حدسية البدايات لا تقبل البرهان ( مدركات عقلية وحقائق) ومعرفة برهانيه ، وما يترتب على هذه الفضيلة اسمي الموضوعات لأنها الفضيلة التي تمثل الجانب الإلهي في نفس الإنسان " لأنه ليس هناك من فاعلية يمكن إن تنسب الى الله سوى التفكير الخالص ( كامل ، 1963).
الأخلاق هي تجمع الفعل الخير والنجاح وتحصيل السعادة ، وفضائل الفعل المعقول يصدر عن دوافع عقلية مرتبطة بالتأمل والفكر أما فضائل الفعل اللامعقول يصدر عن الشهوات التي لا تخضع للعقل ، والسعادة معياراً تحقيق الكمال الممكن عند الإنسان ، والفضائل الأخلاقية مهارات تكتسب بالمرات والتدريب ، والخير الخلقي والحكمة العملية لا ينفصلان فكلاهما يتضمن الأخر ، والفضيلة نوع من الوسط بين طرفين أحداهما إفراط والأخر تفريطا، ويعول على الحكمة العملية التي تهدي الى الوسط
وهكذا تختلف آراء العلماء فى تحديد مفهوم العلم ودائرة نفوذه تبعا لاختلاف تصوراتهم فى أطوار حياتهم وتحت تأثير ظروف معينة ، من البيئة أو الوراثة ، أو درجة المعرفة إلى غير ذلك
إلا أنه من الممكن مع هذا وضع تعريف عام يصور الإطار العام لذلك العلم ويحدد القدر المشترك بين مختلف التعريفات والمتفق عليه عند العلماء والباحثين لا فى طور دون طور ، ولا لجماعة دون أخرى ، وإنما فى مختلف الأزمان ولدى مختلف الجماعات والأمم ، وذلك التعريف هو
أن علم الأخلاق هو العلم بالفضائل وكيفية اقتنائها ليتحلى بها الإنسان ، والعلم بالرذائل وكيفية توقيها ليتخلى عنها ، والإلمام بقواعد السلوك الإنسانى ، وبالمقياس الذى تقاس به أعمال الإنسان الإرادية ، فيحكم عليها بأنها خير أو شر ، مع تحديد الجزاء لكل منهما
والغاية التى يتوخاها علم الأخلاق من كل ذلك إنما هى تحقيق السعادة النفسية والطمأنينة القلبية للإنسان ، وتهيئة الحياة الآمنة ، والعيشة الراضية له فى كل من حياته العاجلة والآجلة
أما الخلق ذاته فقد عرفه البعض بأنه عادة الإرادة أو بأنه تغلب ميل من الميول على غيره باستمرار
أما الفلاسفة الإسلاميون فقد عرفوه بعدة تعريفات
1 - تعريف ابن مسكويه : حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية
2 - تعريف الإمام الغزالى : هيئة للنفس راسخة ، عنها تصدر الأفعال بسهولة من غير حاجة إلى فكر وروية
3 - تعريف محيى الدين ابن عربى : حال للنفس يفعل الإنسان به أفعاله بلا روية ولا اختيار
وعلى الرغم من تعدد التعريفات لفلاسفة الاسلام إلا أنها جميعا تنتج عنها أخلاق إسلامية موحدة ونمط للسلوك متسق
أقسام علم الأخلاق
ينقسم البحث فى مجال علم الأخلاق إلى مجالين متميزين و هما : مجال البحث فى الأخلاق النظرية ، و مجال البحث فى الأخلاق العملية
أولاً الأخلاق النظرية
وتبحث فى المبادئ الكلية التى تستنبط منها الواجبات الفرعية :كالبحث عن حقيقة الخير المطلق و فكرة الفضيلة من حيث هى ، وعن مصدر الإيجاب و منبعه ، و عن مقاصد العمل البعيدة و أهدافه العليا و نحو ذلك .
ويطلق على هذا القسم أيضا فلسفة الأخلاق ، و علاقته بعلم الأخلاق العملى كعلاقة علم أصول الفقه بعلم الفقه ، فموضوعه ليس هو أنواع الأفعال التى لها مثال فى الخارج كما هو الحال فى علم الأخلاق العملى، و إنما موضوعه هو : " جنس العمل المطلق و فكرته المجردة التى لا يتحقق مسماها خارجا إلا فى ضمن الأناوع التى يبحث عنها العلم العملى" . تلك الأنواع التى تعتبر بمثابة و سائل لتحقيق الغايات التى يبحث عنها العلم النظريى ، و التى تتمثل فى الخير المطلق أو الفضيلة الكلية ( انظر كتاب : دراسات إسلامية - د. محمد عبد الله دراز صــ 101 ، 102 - دار القلم - الكويت 1980  ) .
وتهتم الأخلاق النظرية بدراسة الضمير ؛ حقيقته و مظاهره من عواطف مختلفة كالرضا و السرور الداخلى حينما يقوم الإنسان بفعل الخير و الألم و التأنيب عند فعل الشر ، و كذلك ما يصدره الضمير من أعمال أخلاقية على مختلف الأعمال الإختيارية ، و هل هى عن فكر و روية أم عن تقليد و محاكاه .
كما يدرس هذا القسم - النظرى - الطرق التى تتبع فى تعريف المثل الأعلى فى الأخلاق ، و أركان المسؤلية الخلقية ، كالحرية و الإرادة و مسائل الجبر و الإختيار و الثواب و العقاب ، كما يبحث فى الحق و الواجب و ما يتصل بهما . كل هذا مع  بيان النقد الذى يوجه إلى النظريات و الآراء المختلفة التى تتوارد على هذه المسائل . ثم يحاول إيجاد الحلول لما تتقارب فيه الآراء من المشاكل الأخلاقية .
( انظر مباحث فى فلسفة الأخلاق - د. محمد يوسف موسى - صــ 12) .
والخلاصة : أن علم الأخلاق النظرى الغاية منه تحصيل الإعتقاد اليقينى بحال الموجودات التى لا يتعلق وجودها بفعل الإنسان و غايته الحق
  ثانيا الأخلاق العملية 
وتبحث فى أنواع الملكات الفاضلة التى ينبغى على الإنسان أن يتحلى بها و يمارسها فى الحياه العملية اليومية ، و ذلك مثل الصدق و الإخلاص و الأمانة  و الوفاء و العفة و الشجاعة و العدل و الرحمة و نحو ذلك . و هذه كلها تمثل أنواعا من الأفعال لها مثال فى الخارج . وقد عرفت كل الأمم و العوب فى القديم و الحديث هذا النوع من الأخلاق العملية .
( انظر : مقدمة فى علم الأخلاق أ.د محمود حمدى زقزوق صــ 18 - الطبعة الخامسة 1413 هـ - 1992 م )  .
وتهتم الأخلاق العلمية ، بدراسة الواجبات المختلفة كواجب الإنسان نحو نفسه و أسرته ووطنه و نحو الكائنات الحية الأخرى كالحيوان ، كما تهتم بدراسة واجب الإنسان نحو خالقه و رازقه ، و تبحث فى الحقوق كحق الحياه و التملك .. إلخ و تمثل الأخلاق تطبيقا عمليا لمباحث الأخلاق  النظرية " على ظروف الحياه العملية المختلفة ليقول فيها كلمة الأخلاق بم يتفق و المقاييس الأخلاقية .
يقول الدكتور محمد بيصار : " أما الجانب العملى من الأخلاق فيختص بالرقابة لممارسة الحانب النظرى و مدى تطبيقه فى الحياه الواقعية للفرد و الجماعة ، بحيث يكون من شأنه الحكم بمطابقة الفعل أو عدم مطابقته لقانون الأخلاق ، و بموافقته أو عدمها لمعانى الحق و الواجب ن و لمقاييس الأخلاق ، سواء تعلق ذلك بالفرد أو الجماعة . كالبحث فى أقوم الطرق لتربية الخلق و استقامة الضمير ، و تعويد الإنسان على الفعال الحميدة بتكرارها ، و الإدمان على ممارستها ، و إبعاده عن نقائصها بهجرها و ا ستنباحها .
ولهذا اعتمد المربون و المرشدون على علم الأخلاق فى شئون التربية و التهذيب لعنايته بالجانب العملى التطبيقى من سلوك الأفراد و الجماعات بجانب عنايته بالجانب النظرى منهما ( أنظر: العقيدة و الأخلاق أ.د محمد بيصار صـ 199 ) .
و بالجملة : فإن القسم العملى هو الذى ليس الغاية منه حصول الإعتقاد اليقينى بالموجودات بل المقصود منه إنما هو حصول رأى فى أمر يحصل بكسب الإنسان ليكتسب ما هو الخير منه . فلا يكون المقصود منه هو حصول رأى فقط كالنظرى ، بل المقصود هو حصول رأى لأجل عمل ، و غاية هذا القسم العملى هو الخير ( أنظر كتاب : تأملات فى فلسفة الأخلاق -  د . منصور على رجب صـ 27 - الطبعة الثانية - 1955 م - الناشر / مكتبة الأنجلو مصرية 165 شارع محمد فريد القاهرة) .
 وبعد : فهل علم الأخلاق ينتسب إلى القسم العملى فحسب ، أو أنه ينتسب إلى العملى من ناحية و إلى النظرى من ناحية أخرى ؟
يجاب عن ذلك : بانه لما كانت غاية القسم النظرى الحق و غاية القسم العملى الخير و كان علم الأخلاق يبحث فى الحق ، كما يبحث فى الخير ، كان له نسب غليهما معا . فهو علم نظرى حينما يبحث عن الحق ، و هو علم عملى حينما يوجهك إلى الخير . وعلم الأخلاق يجمع بموضوعاته بين اللذة و الفائدة . اللذة حين يفسر لك معنى الإنسان و الفائدة حين يهديك إلى سواء السبيل ( المصدر السابق صــ 27) .
و من ثم فقد بان لنا أن القول بأن علم الأخلاق " عملى فقط " يكون نزولا بهذا العلم الجليل عن مكانته ، و حطّاً من قدره . إذ يجعله مجرد أعمال و تقاليد خاصة تبعا لما يترائى للأمم و الجماعات على اختلاف ألسنتها و ألوانها و مشاربها بلا ضابط ولا قاعدة عامة تسلم بها العقول . و تجمع عليها الأنظار فى كل زمان و مكان . و تكون النتيجة أن يصبح السلوك الإنسانى تبعا للهوى و يختار كل إنسان لنفسه ما يحلو ، و يكون اقصى ضابط للسلوك لا يعدو مرتبة التقليد التى دعت الجاهلين لأن يقولوا : { بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }
( سورة البقرة الآية 170 ) .
والذى يقول إن علم الأخلاق علم " نظرى " فقط يعطل مهمته الكبرى التى لا غنى عنها للإنسانية ، و هو علم التوجيه و القيادات و التربية و الإصلاح ، و هو فن عظيم عنيت به السالات السماوية ، كما عنى به الفلاسفة و الحكماء و المصلحون فى مختلف العصور . ولو علم هواة الظلم و الطغيان أن تعاليم الأخلاق لا تعدو تعاليم نظرية باردة ، لما أبدوا من جانبهم أى اهتمام ، ولا قاموا فى وجه  المصلحين باية معارضة ولا صبوا عليهم ما رواه لنا التاريخ من بلايا و محن و نقم .
وبعد كل هذا البيان لنا أن نترك  كل من يريد ان يكتب عن الأخلاق بأنها نظرية فقط و نحكم عليه بأنه يريد محو هذه المقررات و المقدسات الإنسانية التى جاءت لتهدى الناس إلى طريق الحق و النور ، و لكن علينا أن نسير على مأثور الهدى الإنسانى  فى نظريات علم الأخلاق و عملياته .
( انظر فى ذلك : مدخل إلى فلسفة الأخلاق - د . ابو بكر ذكرى صـ 14 ، و مباحث فى علم الأخلاق - د. محمد  يوسف موسى صـ 17 ، دراسات فى علم الأخلاق - د. جابر بليطح صـ39 ، 40 - بتصرف)
 
....................................................................
 
المصادر
1 - كتاب العقيدة والأخلاق للدكتور محمد بيصار
2 - الأخلاق بين الفلاسفة المسلمين والفلاسفة اليونانيين دراسة مقارنة للدكتور عبدالسلام محمد نجادات
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ