الجمعة، 16 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : الشهامة

الشهامة

تعريف الشهامة لغة واصطلاحا
تعريف الشهامة لغة:
يقال شهم الرجل شهامة وشهومة، ومادة (شهم) تدل على الذكاء. يقال: رجل شهم (1).
قال ابن منظور: (شهم: الشهم: الذكي الفؤاد المتوقد، الجلد، والجمع شهام؛ قال: الشهم وابن النفر الشهام، وقد شهم الرجل، بالضم، شهامة وشهومة إذا كان ذكيا، فهو شهم أي جلد) (2).
قال أبو بكر الأنباري: (قال الفراء: الشهم معناه في كلام العرب: الحمول، الجيد القيام بما يحمل، الذي لا تلقاه إلا حمولا، طيب النفس بما حمل ... وقال الأصمعي: الشهم معناه في كلامهم الذكي الحاد النفس الذي كأنه مروع من حدة نفسه) (3).
تعريف الشهامة اصطلاحا:
قال ابن مسكويه: (الشهامة هي الحرص على الأعمال العظام توقعا للأحدوثة الجميلة) (4).
وقيل هي: (الحرص على الأمور العظام توقعا للذكر الجميل عند الحق والخلق) (5).
وقيل الشهامة هي: (عزة النفس وحرصها على مباشرة أمور عظيمة تستتبع الذكر الجميل) (6).

(1) (([1354] انظر ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/ 223).
(2) (([1355] ((لسان العرب)) لابن منظور (12/ 328)، ((كتاب العين)) للخليل بن أحمد (3/ 405)، ((المحكم والمحيط الأعظم)) لابن سيده (4/ 196)، ((معجم ديوان الأدب)) لأبي إبراهيم الفارابي (2/ 277).
(3) (([1356] ((الزاهر في معاني كلمات الناس)) لأبي بكر الأنباري (1/ 114).
(4) (([1357] ((تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق)) لابن مسكويه (ص: 30).
(5) (([1358] ((التوقيف على مهمات التعاريف)) للمناوي (ص: 5).
(6) (([1359] ((المعجم الوسيط)) لإبراهيم مصطفى, وآخرون (ص: 498).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مدح الشهامة والترغيب عليها من القرآن والسنة
مدح الشهامة في القرآن الكريم:
- قال تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص: 24].
قال ابن عطية: (استعمال السؤال بالخطب إنما هو في مصاب أو مضطهد أو من يشفق عليه أو يأتي بمنكر من الأمر فكأنه بالجملة في شر فأخبرتاه بخبرهما) (1).
قال الحجازي: (فثار موسى، وتحركت فيه عوامل الشهامة والرجولة، وسقى لهما، وأدلى بدلوه بين دلاء الرجال حتى شربت ماشيتهما) (2).
- وقال سبحانه: وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء: 104].
قال السعدي: (ذكر - سبحانه - ما يقوي قلوب المؤمنين، فذكر شيئين: الأول: أن ما يصيبكم من الألم والتعب والجراح ونحو ذلك فإنه يصيب أعداءكم، فليس من المروءة الإنسانية والشهامة الإسلامية أن تكونوا أضعف منهم، وأنتم وإياهم قد تساويتم فيما يوجب ذلك، لأن العادة الجارية لا يضعف إلا من توالت عليه الآلام وانتصر عليه الأعداء على الدوام، لا من يدال مرة، ويدال عليه أخرى) (3).
الترغيب على الشهامة من السنة النبوية:
- عن أنس رضي الله عنه، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، قال: وقد فزع أهل المدينة ليلة سمعوا صوتا، قال: فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس لأبي طلحة عري، وهو متقلد سيفه، فقال: لم تراعوا، لم تراعوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجدته بحرا. يعني الفرس)) (4).
قال القرطبي: (في هذا الحديث ما يدلُّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد جمع له من جودة ركوب الخيل، والشجاعة، والشهامة، والانتهاض الغائي في الحروب، والفروسية وأهوالها، ما لم يكن عند أحد من الناس، ولذلك قال أصحابه عنه: إنه كان أشجع الناس، وأجرأ الناس في حال الباس، ولذلك قالوا: إن الشجاع منهم كان الذي يلوذ بجنابه إذا التحمت الحروب، وناهيك به؛ فإنَّه ما ولَّى قطٌّ منهزمًا، ولا تحدَّث أحد عنه قط بفرار) (5).
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارا، قال: اللهم سبع كسبع يوسف، فأخذتهم سنة حصت كل شيء، حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف، وينظر أحدهم إلى السماء، فيرى الدخان من الجوع، فأتاه أبو سفيان، فقال: يا محمد، إنك تأمر بطاعة الله، وبصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم)) (6).
قال ابن حجر: (قوله فقيل يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت إنما قال لمضر لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى من حولهم فحسن أن يطلب الدعاء لهم ولعل السائل عدل عن التعبير بقريش لئلا يذكرهم فيذكر بجرمهم فقال لمضر ليندرجوا فيهم ويشير أيضا إلى أن غير المدعو عليهم قد هلكوا بجريرتهم وقد وقع في الرواية الأخيرة وإن قومك هلكوا ولا منافاة بينهما لأن مضر أيضا قومه وقد تقدم في المناقب أنه صلى الله عليه وسلم كان من مضر قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمضر إنك لجريء أي أتأمرني أن أستسقي لمضر مع ما هم عليه من المعصية والإشراك به) (7).
ووجه الشهامة في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رغم عداوة قريش وإيذائها للمؤمنين، لما جاءه أبو سفيان يطلب منه الاستسقاء لم يرفض لحسن خلقه وشهامته ورغبته في هدايتهم فإن الشهامة ومكارم الأخلاق مع الأعداء لها أثر كبير في ذهاب العداوة أو تخفيفها.

(1) (([1360] ((المحرر الوجيز)) لابن عطية (4/ 283).
(2) (([1361] ((التفسير الواضح)) للحجازي محمد محمود (2/ 825).
(3) (([1362] ((تسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (ص: 199).
(4) (([1363] رواه البخاري (3040) واللفظ له ومسلم (2307).
(5) (([1364] ((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم)) للقرطبي (6/ 100).
(6) (([1365] رواه البخاري (1007) ومسلم (2798). واللفظ للبخاري.
(7) (([1366] ((فتح الباري)) لابن حجر (8/ 571).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،من صور الشهامة
1. النجدة:
عن أنس رضي الله عنه، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، قال: وقد فزع أهل المدينة ليلة سمعوا صوتا، قال: فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس لأبي طلحة عري، وهو متقلد سيفه، فقال: لم تراعوا، لم تراعوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجدته بحرا. يعني الفرس)) (1).
2. إغاثة الملهوف:
عن أسلم مولى عمر قال: (خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة، فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صبية صغارا، والله ما ينضجون كراعا، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم. فوقف معها عمر ولم يمض، ثم قال: مرحبا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما، وحمل بينهما نفقة وثيابا، ثم ناولها بخطامه، ثم قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها؟ قال عمر: ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها، قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه، ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه) (2).
3. الحرص على الأعمال العظام.

(1) (([1367] رواه البخاري (3040)، ومسلم (2307). واللفظ للبخاري.
(2) (([1368] رواه البخاري (4160).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،فوائد الشهامة
1 - الشهامة من مكارم الأخلاق الفاضلة.
2 - إنها من صفات الرجال العظماء.
3 - تشيع المحبة في النفوس.
4 - تزيل العداوة بين الناس.
5 - فيها حفظ الأعراض ونشر الأمن في المجتمع.
6 - إنها علامة على علو الهمة وشرف النفس.
موانع اكتساب صفة الشهامة
1. قسوة القلب.
2. الأنانية وخذلان المسلمين واللامبالاة بمعاناتهم:
إن خذلان المسلم لأخيه المسلم أمر تنكره الشريعة وأن من حق المسلم على المسلم أن لا يخذله، (وهو إن حدث ذريعة لخذلان المسلمين جميعا حيث تنتشر عدوى الأنانية وحب الذات، وإيثار الراحة والمصلحة الخاصة على مشاركة الغير آلامهم وآمالهم، فيكثر التنصل من المسئولية بين المسلمين، حتى يقضي عليهم أعداؤهم واحدا تلو الآخر فتموت فيهم خلال الآباء والشهامة ونجدة الملهوف، وإغاثة المنكوب وسوف يجنح المظلوم والضعيف إلى الأعداء طوعا أو كرها، لما يقع به من ضيم وما يصيبه من خذلان من إخوانه ثم ينزوي بعيدا عنهم، وتنقطع عرى الأخوة بينه وبين من خذلوه وأسلموه للأعداء) (1).
3. الجبن والبخل:
فالشهامة إنما تقوم على الشجاعة لنجدة المحتاج والكرم لإعانة أصحاب الحاجات فمن فقدهما ضعفت شهامته وماتت مروءته.
4. الذل والهوان وضعف النفس:
فالإنسان الذليل والأمة الذليلة أبعد الناس عن النصرة وتلبية نداء الإغاثة ففاقد الشيء لا يعطيه.
5. الحقد والعداوة والبغضاء.
6. لبس الرجال للحرير.
قال ابن القيم: (حرم – الذهب – لما يورثه بملامسته للبدن من الأنوثة والتخنث وضد الشهامة والرجولة، فإن لبسه يكسب القلب صفة من صفات الإناث؛ ولهذا لا تكاد تجد من يلبسه في الأكثر إلا وعلى شمائله من التخنث والتأنث والرخاوة ما لا يخفى، حتى لو كان من أشهم الناس وأكثرهم فحولية ورجولية، فلا بد أن ينقصه لبس الحرير منها، وإن لم يذهبها) (2).
7. الوقوع في الفواحش.
8. اختلاط النساء بالرجال.

(1) (([1369] ((الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية)) لمحماس الجلعود (2/ 937).
(2) (([1370] ((زاد المعاد)) لابن القيم (4/ 73).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الوسائل المعينة على اكتساب صفة الشهامة
1 - الصبر.
قال الراغب الأصفهاني: (الصبر يزيل الجزع ويورث الشهامة المختصة بالرجولية) (1).
2 - الشجاعة.
3 - علو الهمة وشرف النفس.
قال الشيخ بكر أبو زيد: (كبر الهمة في العلم، من سجايا الإسلام التحلي بكبر الهمة، مركز السالب والموجب في شخصك، الرقيب على جوارحك، كبر الهمة يجلب لك بإذن الله خيراً غير مجذوذ، لترقى إلى درجات الكمال، فيجري في عروقك دم الشهامة والركض في ميدان العلم والعمل، فلا يراك الناس واقفاً إلا على أبواب الفضائل، ولا باسطاً يديك إلا لمهمات الأمور) (2).
4 - العدل والإنصاف (3).
5 - مصاحبة ذوي الشهامة والنجدة.
6 - الإيمان بالقضاء والقدر.
قال الشيخ صالح الفوزان: (ومن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر: أنه يدفع الإنسان إلى العمل والإنتاج والقوة والشهامة؛ فالمجاهد في سبيل الله يمضي في جهاده ولا يهاب الموت لأنه يعلم أن الموت لا بد منه، وأنه إذا جاء لا يؤخر؛ لا يمنع منه حصون ولا جنود، أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَة [النساء: 78] قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران: 154]، وهكذا حينما يستشعر المجاهد هذه الدفعات القوية من الإيمان بالقدر؛ يمضي في جهاده حتى يتحقق النصر على الأعداء وتتوفر القوة للإسلام والمسلمين) (4).

(1) (([1371] ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص 115).
(2) (([1372] ((حلية طالب العلم)) لبكر أبوزيد (ص 173)، ((مواد الظمآن لدروس الزمان)) لعبد العزيز السلمان (3/ 409)
(3) (([1373] ((بريقة محمودية)) لأبي سعيد الخادمي (3/ 154).
(4) (([1374] ((الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد)) لصالح الفوزان (ص 303 – 304).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،نماذج من حيات النبي صلى الله عليه وسلم في الشهامة:
كان للنبي صلى الله عليه وسلم النصيب الأوفى من هذه الصفة، فكان صلوات الله وسلامه عليه ((أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، قال: وقد فزع أهل المدينة ليلة سمعوا صوتا، قال: فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس لأبي طلحة عري، وهو متقلد سيفه، فقال: لم تراعوا، لم تراعوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجدته بحرا. يعني الفرس)) (1).
- وعن أبي إسحاق قال سأل رجل البراء رضي الله عنه، فقال يا أبا عمارة أوليتم يوم حنين قال البراء وأنا أسمع: ((أما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يول يومئذ كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)) (2).
- وعن عمران بن الحصين، قال: ((ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم كتيبة إلا كان أول من يضرب)) (3).
- وعن ابن عمر، قال: ((ما رأيت أحدا أجود ولا أنجد ولا أشجع ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (4). وغيرها من الآثار التي تدل على شهامة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

(1) (([1375] رواه البخاري (3040)، ومسلم (2307). واللفظ للبخاري.
(2) (([1376] رواه البخاري (3042).
(3) قال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (867): أخرجه أبو الشيخ وفيه من لم أعرفه.
(4) رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (1/ 373)، وابن أبي الدنيا في ((مكارم الأخلاق)) (60)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (4/ 32).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ماذج من الصحابة رضي الله عنهم في الشهامة:
- عن عبد الرحمن ابن عوف قال: (إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن فكأني لم آمن بمكانهما إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه يا عم أرني أبا جهل فقلت يا ابن أخي وما تصنع به قال عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله فما سرني أني بين رجلين مكانهما فأشرت لهما إليه فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه وهما ابنا عفراء) (1).
قال ابن حجر: (قوله الصقرين .. شبههما به لما اشتهر عنه من الشجاعة والشهامة والإقدام على الصيد ولأنه إذا تشبت بشيء لم يفارقه حتى يأخذه) (2).
- وعن أسلم، مولى عمر قال: (خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة، فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صبية صغارا، والله ما ينضجون كراعا، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم. فوقف معها عمر ولم يمض، ثم قال: مرحبا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما، وحمل بينهما نفقة وثيابا، ثم ناولها بخطامه، ثم قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها؟ قال عمر: ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها، قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه، ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه) (3).

(1) (([1379] رواه البخاري (3988).
(2) (([1380] ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) لابن حجر (7/ 308).
(3) (([1381] رواه البخاري (4160).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وعن سلمة بن الأكوع قال: ((بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا معه، وخرجت معه بفرس طلحة أنديه مع الظهر، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستاقه أجمع، وقتل راعيه، قال: فقلت: يا رباح، خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشركين قد أغاروا على سرحه، قال: ثم قمت على أكمة، فاستقبلت المدينة، فناديت ثلاثا: يا صباحاه، ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز، أقول: أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع، فألحق رجلا منهم فأصك سهما في رحله، حتى خلص نصل السهم إلى كتفه، قال: قلت: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع قال: فوالله، ما زلت أرميهم وأعقر بهم، فإذا رجع إلي فارس أتيت شجرة، فجلست في أصلها، ثم رميته فعقرت به، حتى إذا تضايق الجبل، فدخلوا في تضايقه، علوت الجبل فجعلت أرديهم بالحجارة، قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري، وخلوا بيني وبينه، ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة، وثلاثين رمحا، يستخفون ولا يطرحون شيئا إلا جعلت عليه آراما من الحجارة يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حتى أتوا متضايقا من ثنية، فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري، فجلسوا يتضحون - يعني يتغدون - وجلست على رأس قرن، قال الفزاري: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح، والله، ما فارقنا منذ غلس يرمينا حتى انتزع كل شيء في أيدينا، قال: فليقم إليه نفر منكم أربعة، قال: فصعد إلي منهم أربعة في الجبل، قال: فلما أمكنوني من الكلام، قال: قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا، ومن أنت؟ قال: قلت: أنا سلمة بن الأكوع، والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم، لا أطلب رجلا منكم إلا أدركته، ولا يطلبني رجل منكم فيدركني، قال أحدهم: أنا أظن، قال: فرجعوا، فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر، قال: فإذا أولهم الأخرم الأسدي، على إثره أبو قتادة الأنصاري، وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي، قال: فأخذت بعنان الأخرم، قال: فولوا مدبرين، قلت: يا أخرم، احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال: يا سلمة، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق، والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة، قال: فخليته، فالتقى هو وعبد الرحمن، قال: فعقر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله، وتحول على فرسه ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن، فطعنه فقتله، فوالذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم، لتبعتهم أعدو على رجلي حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولا غبارهم شيئا حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له: ذو قرد ليشربوا منه وهم عطاش، قال: فنظروا إلي أعدو وراءهم، فخليتهم عنه - يعني أجليتهم عنه - فما ذاقوا منه قطرة، قال: ويخرجون فيشتدون في ثنية، قال: فأعدو فألحق رجلا منهم فأصكه بسهم في نغض كتفه، قال: قلت: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع قال: يا ثكلته أمه، أكوعه بكرة؟ قال: قلت: نعم يا عدو نفسه، أكوعك بكرة، قال: وأردوا فرسين على ثنية، قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن، وسطيحة فيها ماء، فتوضأت وشربت، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذي حلأتهم عنه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ تلك الإبل وكل شيء استنقذته من المشركين، وكل رمح وبردة، وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الذي استنقذت من القوم، وإذا هو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها، قال: قلت: يا رسول الله، خلني فأنتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم، فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه في ضوء النار، فقال: يا سلمة، أتراك كنت فاعلا؟ قلت: نعم، والذي أكرمك، فقال: إنهم الآن ليقرون في أرض غطفان، قال: فجاء رجل من غطفان، فقال: نحر لهم فلان جزورا فلما كشفوا جلدها رأوا غبارا، فقالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين، فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة، قال: ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين سهم الفارس، وسهم الراجل، فجمعهما لي جميعا، ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة)) (1).

(1) (([1382] رواه البخاري (4194) ومسلم (1807) واللفظ له.،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الشهامة في واحة الشعر ..
قال أوس:
حتى أتيح له أخو قنص ... شهم، يطر ضواريا كثبا (1)
وقال ابن سيده:
شهم إذا اجتمع الكماة، وألهمت ... أفواهها بأواسط الأوتار (2)
وقال الشاعر:
شهم الفؤاد ذكاؤه ما مثله ... عند العزيمة في الأنام ذكاء (3)
وقال الشاعر:
يابس الجنبين من غير بؤس ... وندى الكفين شهم مدل (4)
وقال ابن هرمة:
حيي تقي ساكن الطير وادع ... إذا لم يتر، شهم إذا تير مانع (5)
وقال الشاعر:
جميع الكتب يدرك من قراها ... فتور أو كلال أو سآمة
سوى القرآن فافهم واستمع لي ... وقول المصطفى يا ذا الشهامة (6)
وقال الشاعر:
لك في الشهامة والصرامة موقف ... لصفاته اعجاز كل مفوه (7) ...

(1) (([1383] ((لسان العرب)) لابن منظور (4/ 498).
(2) (([1384] ((لسان العرب)) لابن منظور (7/ 427).
(3) (([1385] ((الزاهر في معاني كلمات الناس)) لأبي بكر الأنباري (2/ 366).
(4) (([1386] ((المحكم والمحيط الأعظم)) لابن سيده (9/ 402).
(5) (([1387] ((المحكم والمحيط الأعظم)) لابن سيده (9/ 531).
(6) (([1388] ((موارد الظمآن لدروس الزمان)) لعبد العزيز السلمان (1/ 474)
(7) (([1389] ((البرق الشامي)) لعماد الدين الأصبهاني (5/ 64)