الفرق بين الأخلاق والصفات الإنسانية
كيف نفرق بين الأخلاق، والسلوك الإنساني؟ (لدى التدبر في السلوك الإرادي للإنسان نلاحظ أنه ينقسم إلى أنواع شتى:
1 - فمنه ما هو أثر من آثار خلق في النفس محمود أو مذموم: كالعطاء عن جود، والإمساك عن شح، والإقدام عن شجاعة، والفرار عن جبن، والإقبال عن طمع، والكف عن عفة، والاعتراف عن حب للحق، والإنكار عن كبر وإفراط في الأنانية، والإغضاء عن حلم، والتحمل عن صبر، وهكذا.2 - ومنه ما هو استجابة لغريزة من غرائز الجسد أو النفس الفطرية، ضمن حدود الحاجات الطبيعية لها: كالأكل المباح عن جوع، والشرب المباح عن ظمأ، ومعاشرة الزوجة عن طلب لذلك، والنوم عن حاجة إليه، والسعي في اكتساب الرزق تلبية لداعي الفطرة، والاستمتاع المباح بالجمال تلبية لطلب النفس، والترويح عن النفس بشيء من مباحات اللهو واللعب، وأمثال ذلك.
3 - ومنه ما هو استجابة إرادية لترجيح فكري: كأن يرى الفكر مصلحة أو منفعة في سلوك ما، فتتوجه الإرادة لممارسته، أصاب الفكر في ذلك أو أخطأ، كمعظم أعمال الناس اليومية في وجوه الكسب وغيره.
وقد يرجع هذا في جذوره إلى تلبية دافع من دوافع الغرائز الجسدية أو النفسية، أو إلى دافع أخلاقي، أو إلى غير ذلك.
4 - ومنه ما هو من قبيل الآداب الشخصية أو الاجتماعية: كآداب الطعام والشراب، واللباس والمشي، والنظافة والنظام، والآداب المتعلقة بالأناقة وإصلاح مظاهر الجسد؛ كتنظيف الشعر وترجيله، وتقليم الأظافر، وإزالة شعر الإبطين والعانة، وإبداء كل حسن وجميل احتراماً لأذواق الناس، وتكريماً لهم، واسترضاء لمشاعرهم.
وربما يكون التزام بعض هذه الآداب أثراً من آثار خلق في النفس محمود، وربما يكون إهمالها أثراً من آثار خلق في النفس مذموم.
5 - ومنه ما هو طاعة للأوامر والتكاليف الربانية أو غير الربانية: وقد تكون هذه الأوامر والتكاليف ملزمة بسلوك أخلاقي، أو ملزمة بأعمال هي من قبيل العبادات المحضة، أو بأعمال هي من قبيل الآداب، أو ملزمة بأعمال تحقق المصالح والمنافع للناس، أو غير ذلك مما يخالف ما سبق أو يناقضه.
ومن هذا النوع أوامر الشرائع ونواهيها، وأوامر السلطات الحاكمة ونواهيها، ونحو ذلك من الأوامر والنواهي.
6 - ومنه ما هو من قبيل العادات التي تتأصل في السلوك: وقد ترجع هذه العادات إلى موجه أخلاقي، أو موجه غرزي، أو موجه تكليفي، أو موجه اجتماعي، أو نحو ذلك. وقد لا تكون أكثر من ممارسات عبث استحكمت بالعادة.
7 - ومنه ما هو من قبيل التقاليد الاجتماعية، التي تسري في سلوك الأفراد بعامل التقليد المحض، أو بقوة التأثير الاجتماعي، وقد تكون هذه التقاليد حسنة، وقد تكون سيئة.
وحين تكون قوة التأثير الاجتماعي هي العامل في ممارسة السلوك؛ فإن السلوك حينئذ يرجع إلى نوع الطاعة للمجتمع، في أوامر وتكاليف غير منصوص عليها في العبارة.
وهكذا تبين لنا أن السلوك الإرادي الإنساني له أنواع شتى، فليس كل سلوك مظهراً من مظاهر الأخلاق في النفس الإنسانية.
يضاف إلى ذلك أنه ربما يكون المظهر السلوكي الواحد أثراً لموجه أخلاقي تارة، وأثراً لغير ذلك تارة أخرى.) (1).
(1) ((الأخلاق الإسلامية وأسسها)) لعبد الرحمن حسن حبنكة (1/ 8).