الخميس، 22 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : السخرية والإستهزاء

السخرية والإستهزاء

معنى السخرية والاستهزاء لغة واصطلاحاً
معنى السخرية لغة واصطلاحاً
معنى السخرية لغة:
يقال (سَخِرَ منه وبه سَخْراً وسَخَراً ومَسْخَراً وسُخْراً بالضم وسُخْرَةً وسِخْرِيّاً وسُخْرِيّاً وسُخْرِيَّة هزئ به) (1).
و (التَّسخير: سياقة إِلى الغَرَض المختصّ به قهرًا، فالمسخَّر: هو المقيَّض للفعل.
والسُّخرىّ: هو الَّذى يُقهر أَن يتسخَّر لنا بإِرادته، وسخِرت منه: إِذا سخَّرته للهُزْءِ منه) (2).
معنى السخرية اصطلاحاً:
استزراء العقل معنى بمنزلة الاستنخار في الفعل حسا، وقال ابن الكمال: السخرية والهزء من شيء يحق عند صاحبه ولا يحق عند الهازئ (3).
وقال في الإحياء: (معنى السخرية الاستهانة والتحقير، والتنبيه على العيوب والنقائص، على وجه يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في القول والفعل، وقد يكون بالإشارة والإيماء) (4).
معنى الاستهزاء لغة واصطلاحاً
معنى الاستهزاء لغة:
الاستهزاء مصدر قولهم: استهزأ يستهزأ، يقال (هَزَأَ مِنْهُ وهَزِأَ بِهِ، يَهْزَأُ هُزْءًا بِالضَّمِّ، وهُزُءًا بِضَمَّتَيْنِ، وهُزُوءًا بِالضَّمِّ والمدّ، ومَهْزُأَةً على مَفْعُلَة بِضَم الْعين، أَي: سَخِرَ مِنْهُ) (5).
معنى الاستهزاء اصطلاحاً:
الاستهزاء هو: ارتياد الهزء (6) من غير أَن يسْبق مِنْهُ فعل يستهزأ بِهِ من أجله (7).
وقال ابن تيمية: (الاستهزاء هو: السخرية؛ وهو حمل الأقوال والأفعال على الهزل واللعب لا على الجد والحقيقة، فالذي يسخر بالناس هو الذي يذم صفاتهم وأفعالهم ذماً يخرجها عن درجة الاعتبار كما سخروا بالمطوِّعين من المؤمنين في الصدقات) (8).

(1) ((لسان العرب)) لابن منظور (4/ 352).
(2) ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزآبادي (3/ 203) بتصرف.
(3) ((التوقيف على مهمات التعاريف)) للمناوي (ص 192).
(4) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (ص 192).
(5) ((تاج العروس)) للزبيدي (1/ 509) بتصرف يسير.
(6) ((التوقيف على مهمات التعاريف)) للمناوي (ص 50).
(7) ((الفروق)) لأبي هلال العسكري (ص 254).
(8) ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (6/ 22).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الفرق بين الاستهزاء والسخرية وبعض الصفات
الفرق بين الاستهزاء والسخرية:
(أن الإنسان يستهزأ به من غير أن يسبق منه فعل يستهزأ به من أجله.
والسخر: يدل على فعل يسبق من المسخور منه والعبارة من اللفظين تدل عن صحة ما قلناه وذلك أنك تقول استهزأت به فتعدى الفعل منك بالباء والباء للإلصاق كأنك ألصقت به استهزاء من غير أن يدل على شيء وقع الاستهزاء من أجله، وتقول سخرت منه فيقتضي ذلك من وقع السخر من أجله كما تقول تعجبت منه فيدل ذلك على فعل وقع التعجب من أجله) (1).
الفرق بين السخرية واللعب:
(أن في السخرية: خديعة واستنقاصا لمن يسخر به، ولا يكون إلا بذي حياة.
وأما اللعب: فقد يكون بجماد، ولذلك أسند سبحانه السخرية إلى الكفار بالنسبة إلى الأنبياء كقوله سبحانه: وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ [هود: 38]) (2).
الفرق بين المزاح والاستهزاء:
(أن المزاح لا يقتضي تحقير من يمازحه ولا اعتقاد ذلك ألا ترى أن التابع يمازح المتبوع من الرؤساء والملوك ولا يقتضي ذلك تحقيرهم ولا اعتقاد تحقيرهم ولكن يقتضي الاستئناس بهم، والاستهزاء: يقتضي تحقير المستهزأ به واعتقاد تحقيره) (3).

(1) ((الفروق)) لأبي هلال العسكري (ص50).
(2) ((الفروق)) لأبي هلال العسكري (ص275).
(3) ((الفروق)) لأبي هلال العسكري (ص493).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،النهي عن السخرية والاستهزاء في القرآن والسنة
النهي عن السخرية والاستهزاء في القرآن الكريم:
نهى الله سبحانه وتعالى عن السخرية والاستهزاء بكل أشكالها وأنواعها:
- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11].
قال ابن كثير: (ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، ... فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له؛ ... وقوله: وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ أي: لا تلمزوا الناس. والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون ... وقوله: وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ أي: لا تتداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها. عن الشعبي قال: حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال: فينا نزلت في بني سلمة: وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فكان إذا دعي أحد منهم باسم من تلك الأسماء قالوا: يا رسول الله، إنه يغضب من هذا. فنزلت: وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ (1)) (2).
وقال ابن جرير: (إن الله عمّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السخرية، فلا يحلّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك) (3).
- وقال سبحانه: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ [الهمزة: 1 - 4].
(وَيْلٌ أي: وعيد، ووبال، وشدة عذاب لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الذي يهمز الناس بفعله، ويلمزهم بقوله، فالهماز: الذي يعيب الناس، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل، واللماز: الذي يعيبهم بقوله. ومن صفة هذا الهماز اللماز، أنه لا هم له سوى جمع المال وتعديده والغبطة به، وليس له رغبة في إنفاقه في طرق الخيرات وصلة الأرحام، ونحو ذلك) (4). (ولقد سجل القرآن الكريم عاقبة الساخرين والمستهزئين من المؤمنين وأخبر بانعكاس الوضعية يوم القيامة بصورة يصبح الساخرون موضع سخرية واستهزاء من طرف عباده المستضعفين في هذه الدنيا قال الحق سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ [المطففين: 28 - 34]) (5).
النهي عن السخرية والاستهزاء في السنة النبوية:
(1) رواه أبو داود (4962)، وابن ماجه (3030)، وأحمد (4/ 260) (18314)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (6/ 466) (11516)، والطبراني (22/ 389) (968)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5/ 307) (6745). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(2) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (7/ 376).
(3) ((جامع البيان في تأويل القرآن)) لابن جرير (22/ 376).
(4) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص 934).
(5) ((قضايا اللهو والترفيه)) لمادون رشيد (ص 206).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
 عن عائشة قالت قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم- ((حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة. فقال لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته. قالت وحكيت له إنسانا فقال: ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا)) (1).
(وقوله: (وقالت بيدها) أي أشارت بها (تعني قصيرة) أي تريد عائشة كونها قصيرة وفي المشكاة قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا تعني قصيرة ((لقد مزجت بكلمة)) أي أعمالك ((لو مزج)) بصيغة المجهول أي لو خلط (بها) أي على تقدير تجسيدها وكونها مائعة (لمزج) بصيغة المجهول أيضا والمعنى تغير وصار مغلوبا. وفي المشكاة: لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته. قال القاري: أي غلبته وغيرته. قال القاضي: المزج الخلط والتغيير بضم غيره إليه) (2).
وقوله ((ما أحب أني حكيت إنسانا)): (أي فعلت مثل فعله أو قلت مثل قوله منقصا له يقال حكاه وحاكاه، قال الطيبي: وأكثر ما تستعمل المحاكاة في القبيح ((وأن لي كذا وكذا)) أي لو أعطيت كذا وكذا من الدنيا أي شيئا كثيرا منها بسبب ذلك فهي جملة حالية واردة على التعميم والمبالغة، قال النووي: من الغيبة المحرمة المحاكاة بأن يمشي متعارجا أو مطاطيا رأسه أو غير ذلك من الهيئات) (3).
- وعن أم هانئ، رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ((قلت: يا رسول الله، أرأيت قول الله تبارك وتعالى: وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ [العنكبوت: 29] ما كان ذلك المنكر الذي كانوا يأتونه؟ قال: كانوا يسخرون بأهل الطريق ويخذفونهم)) (4).
قال المباركفوري: (اختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه فقيل كانوا يخذفون الناس بالحصباء ويستخفون بالغريب، وقيل كانوا يتضارطون في مجالسهم قالته عائشة، وقيل كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضا، وقيل كانوا يلعبون بالحمام، وقيل كانوا يناقرون بين الديكة ويناطحون بين الكباش؛ وقيل يبزق بعضهم على بعض ويلعبون بالنرد والشطرنج ويلبسون المصبغات) (5).
- وعن ابن مسعود، ((أنه كان يجتني سواكا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون؟ قالوا: يا نبي الله، من دقة ساقيه، فقال: والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد)) (6).
- وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره التقوى هاهنا)) ويشير إلى صدره ثلاث مرات ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه)) (7).
قوله: ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)) قال ابن عثيمين: (يعني يكفي المؤمن من الشر أن يحقر أخاه المسلم، وهذا تعظيم لاحتقار المسلم، وأنه شر عظيم، لو لم يأت الإنسان من الشر إلا هذا، لكان كافيا، فلا تحقرن أخاك المسلم، لا في خلقته ولا في ثيابه ولا في كلامه ولا في خلقه ولا غير ذلك، أخوك المسلم حقه عليك عظيم فعليك أن تحترمه وأن توقره، وأما احتقاره فإنه محرم، ولا يحل لك أن تحتقره، وكذلك حديث ابن مسعود وحديث جندب بن عبد الله رضي الله عنهما كلاهما يدل على تحريم احتقار المسلم، وأنه لا يحل له حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حدث بحديث ابن مسعود، أنه لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، قالوا يا رسول الله: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا ظن الصحابة رضي الله عنهم أن الإنسان إذا تلبس لباسا حسنا وانتعل نعلا حسنا) (8).

(1) رواه أبو داود (4875)، والترمذي (2502)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (3/ 113). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (118)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(2) ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (7/ 177).
(3) ((فيض القدير)) للمناوي (5/ 524).
(4) رواه الترمذي (3190)، وأحمد (6/ 341) (26935)، والحاكم (4/ 316)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5/ 310) (6755). قال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (4/ 424): [فيه] سعيد بن زيد هو عندي في جملة من ينسب إلى الصدق، وقال البيهقي: [له متابعه].
(5) ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (9/ 36).
(6) رواه أحمد (1/ 420) (3991)، والبزار (5/ 221) (1827)، وابن حبان (15/ 546) (7069)، والطبراني (9/ 78) (8452). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/ 292): رجاله رجال الصحيح، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((المسند)) (6/ 39)، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2750): صحيح بطرقه الكثيرة.
(7) رواه مسلم (2564).
(8) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 260).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في السخرية والاستهزاء
- عن عبد الله بن مسعود قال: (لو سخرت من كلب، لخشيت أن أكون كلباً، وإني لأكره أن أرى الرجل فارغاً ليس في عمل آخرة ولا دنيا) (1).
- وقال أبو موسى الأشعري: (لو رأيت رجلاً يرضع شاة في الطريق فسخرت منه، خفت أن لا أموت حتى أرضعها) (2).
- وعن الأسود، قال: كنا عند عائشة فسقط فسطاط على إنسان فضحكوا فقالت عائشة: لا سخر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة)) (3).
- وقال إبراهيم النخعي: (إني لأرى الشيء أكرهه فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله) (4).
- وقال عمرو بن شرحبيل: (لو رأيت رجلاً يرضع عنزاً فسخرت منه خشيت أن أكون مثله).
- وقال يحيي بن معاذ: ليكن حظ المؤمن منك ثلاثاً: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه.
- وقال القرطبي: (من لقب أخاه أو سخر منه فهو فاسق) (5).
- وقال السفاريني: (إن كل من افتخر على إخوانه واحتقر أحدا من أقرانه وأخدانه أو سخر أو استهزأ بأحد من المؤمنين فقد باء بالإثم والوزر المبين) (6).
- وقال ابن حجر الهيتمي: (لا تحتقر غيرك عسى أن يكون عند الله خيرا منك وأفضل وأقرب) (7).


(1) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (8/ 390)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (33/ 170)، واللفظ له.
(2) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (8/ 389).
(3) رواه أبو داود الطيالسي في ((المسند)) (3/ 55) (1477).
(4) ((شعب الإيمان)) للبيهقي (9/ 118).
(5) ((تفسير القرطبي)) (16/ 328).
(6) ((غذاء الألباب)) للسفاريني (ص 134).
(7) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (2/ 8).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،حكم الاستهزاء
حكم الاستهزاء بالله وآياته ورسوله:
حكم الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، قال تعالى: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ [التوبة: 64 - 66] قال ابن تيمية: (وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر) (1).
ويقول الفخر الرازي في تفسيره: (إن الاستهزاء بالدين كيف كان كفر بالله، وذلك لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف، والعمدة الكبرى في الإيمان) (2).
ويقول السعدي: (إن الاستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج عن الدين؛ لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة) (3).
حكم الاستهزاء بالمؤمنين:
الاستهزاء بالمؤمنين له حالتان:
الحالة الأولى: الاستهزاء والسخرية بالمؤمنين بخَلقهم أو خُلقهم، وهو محرم بالإجماع، قال ابن حجر الهيتمي: (وقد قام الإجماع على تحريم ذلك) (4).
الحالة الثانية: الاستهزاء بالمؤمنين بسبب تمسكهم بالإسلام، وهذا يراعى فيه أمرين، الأمر الأول: أن يكون المستهزئ جاهلاً بأن ما يستهزئ به من الشريعة الإسلامية.
الأمر الثاني: أن لا يقصد المستهزئ باستهزائه ما يقوم به المسلم من الطاعات.
فإذا انتفى هذان الأمران، وقصد الاستهزاء بالمسلم بسبب تمسكه بالدين فهذا حكمه الردة عن الإسلام.
وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة ما يلي: (سب الدين والاستهزاء بشيء من القرآن والسنة والاستهزاء بالمتمسك بهما نظرا لما تمسك به كإعفاء اللحية وتحجب المسلمة؛ هذا كفر إذا صدر من مكلف، وينبغي أن يبين له أن هذا كفر فإن أصر بعد العلم فهو كافر، قال الله تعالى قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (5).
وسئل الشيخ بن عثيمين عن حكم من يسخر بالملتزمين بدين الله ويستهزئ بهم؟
فأجاب بقوله: (هؤلاء الذين يسخرون بالملتزمين بدين الله المنفذين لأوامر الله فيهم نوع نفاق لأن الله قال عن المنافقين: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 79]. ثم إن كانوا يستهزئون بهم من أجل ما هم عليه من الشرع فإن استهزاءهم بهم استهزاء بالشريعة، والاستهزاء بالشريعة كفر، أما إذا كانوا يستهزئون بهم يعنون أشخاصهم وزيهم بقطع النظر عما هم عليه من اتباع السنة فإنهم لا يكفرون بذلك؛ لأن الإنسان قد يستهزئ بالشخص نفسه بقطع النظر عن عمله وفعله، لكنهم على خطر عظيم) (6).


(1) ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (ص 31).
(2) ((التفسير الكبير)) للرازي (16/ 95).
(3) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص 342).
(4) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) للهيتمي (2/ 33).
(5) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (1/ 387).
(6) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (2/ 158).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،آثار ومضار السخرية
إن السخرية بكل أشكالها قبيحة وغاية في القبح والظلم والعدوان والشناعة، ولها آثارها ومضارها في الفرد وفي المجتمع الإسلامي، ومن هذه المضار:
1 - أن السخرية والاستهزاء (تقطع الروابط الاجتماعية القائمة على الأخوة والتواد والتراحم.
2 - تبذر بذور العداوة والبغضاء.
3 - تولد الرغبة بالانتقام) (1).
4 - (أنَّ ضرر استهزائهم بالمُؤْمنين راجعٌ إليهم.
5 - حُصُول الهَوَان والحَقارة للمستهزئ) (2).
6 - تورث الأحقاد والأضغان في الصدور.
7 - من يسخر بالناس يعرض نفسه لغضب الله.
8 - السخرية من المسلم قد تؤدي به إلى خسران حسناته في الآخرة.
9 - (في السّخرية مخالفة صريحة لأمر الله عزّ وجلّ ثمّ هي جالبة لسخطه مستوجبة لعذابه.
10 - السّخرية تفكّك عرى المجتمع وتجعل المستسخر به ناقما على السّاخر متربّصا به يحاول الانتقام لنفسه.
11 - السّخرية نذير شؤم للسّاخرين، فقد كان الغرق عاقبة قوم نوح الّذين كفروا بالله وسخروا من نوح.
12 - السّخرية تفقد السّاخر الوقار وتسقط عنه المروءة.
13 - السّاخر يظلم نفسه بتحقير من وقّره الله عزّ وجلّ واستصغار من عظّمه الله.
14 - السّخرية انتهاك صريح لحقوق الإنسان عامة، ومخلّة بمبدأ تكريم الإنسان على وجه الخصوص.
15 - السّخرية تميت القلب وتورثه الغفلة حتّى إذا كان يوم القيامة ندم السّاخر على ما قدّمت يداه، ولات ساعة مندم أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر: 56].
16 - السّخرية من سمات الكفّار والمنافقين، وقد نهينا عن التّشبّه بهم.
17 - في ارتكاب السّخرية اقتراف أمر محرّم نهى عنه الشّرع الحنيف.
18 - السّاخرون من النّاس في الدّنيا، يسخر منهم الله عزّ وجلّ، وأنبياؤه الكرام.
19 - السّخرية تنسي الإنسان ذكر ربّه، وبذلك يخسر السّاخر نفسه ويلقي بها في النّار.
20 - السّخرية داء من أدواء الجاهليّة يجب تجنّبه والبعد عنه.
21 - اللّامز لأخيه المؤمن السّاخر منه، إنّما يلمز نفسه ويسخر منها لأنّ المؤمنين كرجل واحد.
22 - السّخرية وما في معناها من الاستهزاء بالضّعفاء والمساكين والتّحقير لهم والإزراء عليهم، كلّ ذلك مبعد من الله عزّ وجلّ.
23 - على السّاخر أن يتوقّع عقوبته في الدّار العاجلة أيضا بأن يحدث له مثل ما حدث للمسخور منه) (3).
24 - (بعد الناس عن المستهزئ لخوفهم منه وعدم سلامتهم منه.
25 - يصرف عن قبول الحق واستماع النصح.
26 - يسود بين الطغاة وسفلة الأقوام.
27 - دليل على أن صاحبه عمي القلب لا يرى ما فضل الله به غيره عليه.
28 - آية على جهالة صاحبه لأن من علم قدر الله لم يحتقر عباده) (4).


(1) مستفاد من كتاب ((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن الميداني (2/ 223).
(2) ((التفسير الكبير)) للرازي (2/ 64).
(3) ((نضرة النعيم)) لمجموعة مؤلفين (10/ 4614).
(4) ((نضرة النعيم)) لمجموعة مؤلفين (9/ 3883).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،صور السخرية والاستهزاء
تختلف صور الاستهزاء حسب ما يصدر من المستهزئ أو الساخر فقد تكون السخرية بالكلام، أو بالهمز واللمز، أو بالنبز بالألقاب أو غير ذلك، ومن هذه الصور:
1 - السخرية:
(إن السخرية تنافي ما يوجبه الحق، وهي ظلم قبيح من الإنسان لأخيه الإنسان وعدوان على كرامته، وإيذاء لنفسه وقلبه، ومن آثارها أنها تقطع الروابط الاجتماعية القائمة على الأخوة والتواد والتراحم، وتبذر بذور العداوة والبغضاء، وتولد الرغبة بالانتقام، ثم أعمال الانتقام، ما استطاع المظلوم بها إلى ذلك سبيلا) (1).
قال ابن عباس في قوله تعالى: وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا [الكهف: 49] (الصغيرة التبسم، والكبيرة الضحك بحالة الاستهزاء) (2).
قال ابن النحاس: (واعلم أن معنى السخرية والاستحقار والاستهانة، والتنبيه على العيوب والنقايص على من يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء، وقد يكون بالضحك كأن يضحك على كلامه إذا تخبط فيه أو غلط، أو على صنعته أو قبح في صورته ونحو ذلك) (3).
2 - الهمز واللمز:
اختلف على معنى الهمز واللمز على أقوال منها: (أن الهُمَزَة: الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللُّمَزَة: الذي يَلْمِزهم بلسانه، قاله ابن زيد.
أن الهُمَزَة: الذي يهمز بلسانه، واللُّمَزَة: الذي يلمز بعينه، قاله سفيان الثوري) (4).
وقال ابن تيمية: (اللمز: هو العيب والطعن، ومنه قوله تعالى: وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ [التوبة: 58] أي يعيبك ويطعن عليك، وقوله: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ [التوبة: 79] وقوله: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ [الحجرات: 49] أي لا يلمز بعضكم بعضا كقوله: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا [النور: 12] ... والهمز: العيب والطعن بشدة وعنف، ومنه همز الأرض بعقبه، ومنه الهمزة وهي نبرة من الصدر) (5).
و (اللمز هو أن يعيب الإنسان أخاه في وجهه بكلام ولو خفي، ورب لمز خفي هو أشد من طعن صريح، وأعمق جرحاً في داخل النفس، لأن فيه بالإضافة إلى الطعن والتجريح بالعيب معنى استغباء الملموز واستغفاله، فكأن اللامز يشعر الذين في المجلس أن الملموز غبي لا يتنبه إلى الطعن الذي يوجه ضده في رمز الكلام.
واللمز قبيحة اجتماعية تورث الأحقاد والأضغان، وتقطع أواصر الأخوة الإيمانية، وهو ظلم من الإنسان لأخيه الإنسان، وعدوان على حقه عليه) (6).
قال سبحانه: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ (فجعل اللامز أخاه لامزا نفسه، لأن المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره، وطلب صلاحه، ومحبته الخير) (7).


(1) ((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن الميداني (2/ 223).
(2) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) للهيتمي (2/ 34).
(3) ((تنبيه الغافلين)) لابن النحاس (ص 180).
(4) ((زاد المسير)) لابن الجوزي (6/ 189).
(5) ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (5/ 236).
(6) ((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن الميداني (2/ 226).
(7) ((جامع البيان في تأويل القرآن)) لابن جرير (22/ 298).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وقال أبو السعود في تفسيره: (فإن مناط الخيرية في الفريقين ليس ما يظهر للناس من الصور والأشكال ولا الأوضاع والأطوار التي عليها يدور أمر السخرية غالبا بل إنما هو الأمور الكامنة في القلوب فلا يجترئ أحد على استحقار أحد فلعله أجمع منه لما نيط به الخيرية عند الله تعالى فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله تعالى والاستهانة بمن عظمه الله تعالى) (1).
الفرق بين الهمز واللمز:
(قال المبرد: الهمز هو أن يهمز الإنسان بقول قبيح من حيث لا يسمع أو يحثه ويوسده على أمر قبيح أي يغريه به، واللمز أجهر من الهمز وفي القرآن هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ولم يقل لمزات لأن مكايدة الشيطان خفية، قال الشيخ رحمه الله: المشهور عند الناس إن اللمز العيب سرا، والهمز العيب بكسر العين وقال قتادة: يلمزك في الصدقات يطعن عليك وهو دال على صحة القول الأول
الفرق بين الهمزة واللمزة:
قيل هما بمعنى. وقيل بينهما فرق.
فإن الهمزة: الذي يعكس بظهر الغيب.
واللمزة: الذي يعكس في وجهك.
وقيل: الهمزة: الذي يؤذي جليسه بسوء لفظه.
واللمزة: الذي يكثر عيبه على جليسه، ويشير برأسه، ويومئ بعينه) (2).
3 - التنابز بالألقاب:
(اللقب: هو ما يدعى به الشخص من لفظ غير اسمه وغير كنيته، وهو قسمان: قبيح، وهو ما يكرهه الشخص لكونه تقصيراً به وذماً؛ وحسن، وهو بخلاف ذلك، كالصديق لأبي بكر، والفاروق لعمر، وأسد الله لحمزة، رضي الله تعالى عنهم) (3).
قال ابن عباس: (التنابز بالألقاب أن يكون الرجل قد عمل السيئات ثم تاب، فنهى الله أن يعير بما سلف) (4).
ثم إن التنابز بالألقاب التي هي (مما يؤذي الناس، إذ يحمل معنى التحقير والإهانة، نهى الله عنه، وجعله من المحرمات، وجعله من الفسوق والظلم، وربما يصل التنابز بالألقاب إلى مستوى الشتيمة، كالنبز بالحمار والثور والكلب ونحو ذلك.
ومن شأن التنابز بالألقاب أنه يقطع أواصر الأخوة الإيمانية، ويفسد المودات ويولد العداوات والأحقاد، وربما يوصل إلى التقاتل مع ثورات الغضب وهيجان الحماقات) (5).
ويستثنى من النهي بالتنابز بالألقاب؛ الألقاب الحسنة كالصديق، والفاروق وغيرها. وكذلك التي هي للشهرة كالأعمش وغيرها.
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ [الحجرات: 11]: (من لقب أخاه وسخر به فهو فاسق. والسخرية الاستحقار والاستهانة، والتنبيه على العيوب والنقائص يوم يضحك منه، وقد يكون بالمحاكاة بالفعل أو القول أو الإشارة أو الإيماء أو الضحك على كلامه إذا تخبط فيه أو غلط أو على صنعته أو قبيح صورته) (6).
وقال الخازن: (قال بعض العلماء: المراد بهذه الألقاب ما يكرهه المنادى به أو يفيد ذما له، فأما الألقاب التي صارت كالأعلام لأصحابها كالأعمش والأعرج وما أشبه ذلك فلا بأس بها إذا لم يكرهها المدعو بها، وأما الألقاب التي تكسب حمدا ومدحا تكون حقا وصدقا فلا يكره كما قيل لأبي بكر: عتيق، ولعمر: الفاروق، ولعثمان: ذو النورين ولعلي: أبو تراب ولخالد سيف الله ونحو ذلك) (7).
4 - التعيير والتهكم:


(1) ((إرشاد العقل السليم)) لأبي السعود (6/ 186).
(2) ((الفروق)) لأبي هلال العسكري (ص 559).
(3) ((تفسير البحر المحيط)) لأبي حيان الأندلسي (8/ 79).
(4) رواه الطبري في ((جامع البيان)) (22/ 301 - 302).
(5) ((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن الميداني (2/ 227).
(6) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) للهيتمي (2/ 34).
(7) ((لباب التأويل)) للخازن (4/ 181).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،معنى التعيير (أن يريد الإنسان ذم رجل وتنقصه وإظهار عيبه لينفر الناس عنه إما محبة لإيذائه أو لعداوته أو مخافة من مزاحمته على مال أو رئاسة أو غير ذلك من الأسباب المذمومة فلا يتوصل إلى ذلك إلا بإظهار الطعن فيه بسبب ...) (1).
وقال الكفوي في معنى التهكم: (هو ما كان ظاهره جدا وباطنه هزلا والهزل الذي يراد به الجد بالعكس ولا تخلو ألفاظ التهكم من لفظة من اللفظ الدال على نوع من أنواع الذم أو لفظة من معناها الهجو) (2).
فعن ابن عمر قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع، فقال: ((يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله قال: ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك)) (3).
وعن المعرور بن سويد، قال: ((لقيت أبا ذر بالربذة، وعليه حلة، وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم)) (4).


(1) ((الفرق بين النصيحة والتعيير)) لابن رجب (ص 25).
(2) ((الكليات)) للكفوي (ص 303).
(3) رواه الترمذي (2032)، وابن حبان (13/ 75) (5763). قال الترمذي: حسن غريب، وصحح إسناده الزيلعي في ((تخريج الكشاف)) (3/ 344)، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (4/ 451) كما قال في المقدمة، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(4) رواه البخاري (30).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أسباب السخرية والاستهزاء
أسباب السخرية ودوافعها كثيرة منها:
1 - (الكبر الذي يلازمه بطر الحق وغمط الناس.
2 - الرغبة بتحطيم مكانة الآخرين.
3 - التسلية والضحك على حساب آلام الآخرين.
4 - الاستهانة بأقوال الآخرين وأعمالهم، أو خلقتهم، أو طبائعهم، أو أسرهم أو أنسابهم إلى غير ذلك) (1).
5 - الفراغ وحب إضحاك الآخرين.


(1) مستفاد من كتاب ((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن الميداني (2/ 223).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،