الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : الجدال والمراء

الجدل والمراء

معنى الجدل والمراء لغة واصطلاحاً
معنى الجدل لغة واصطلاحاً:
معنى الجدل لغة:
الجدل: اللدد في الخصومة والقدرة عليها، وجادله أي خاصمه مجادلة وجدالاً. والجدل: مقابلة الحجة بالحجة؛ والمجادلة: المناظرة والمخاصمة (1).
وقال ابن فارس: الجدالُ: الخصومة؛ سمي بذلك لشدته (2).
معنى الجدل اصطلاحاً:
قال الراغب: (الجِدَال: المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة) (3).
وقال الجرجاني: (الجدل: دفع المرء خصمه عن إفساد قوله: بحجة، أو شبهة، أو يقصد به تصحيح كلامه) (4).
وقال أيضاً: (الجدال: هو عبارة عن مراء يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها) (5).

(1) ((لسان العرب)) لابن منظور (11/ 105).
(2) ((مجمل اللغة)) لابن فارس (1/ 179).
(3) ((المفردات في غريب القرآن)) (ص189).
(4) ((التعريفات)) (ص74).
(5) ((التعريفات)) (ص75).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
معنى المراء لغة واصطلاحاً
معنى المراء لغة:
المراء: الجدال. والتماري والمماراة: المجادلة على مذهب الشك والريبة، ويقال للمناظرة مماراة (1). وماريته أماريه مماراة ومراء: جادلته (2)
معنى المراء اصطلاحاً:
المراء: هو كثرة الملاحاة للشخص لبيان غلطه وإفحامه، والباعث على ذلك الترفع (3).
وقال الجرجاني: (المراء: طعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه، من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير) (4).
وقال الهروي: (أَن يسْتَخْرج الرجلُ من مُناظره كلَاما ومعاني الخُصومة وغَيرها) (5).

(1) ((لسان العرب)) لابن منظور (15/ 278).
(2) ((المصباح المنير)) للفيومي (2/ 569).
(3) ((التعريفات الاعتقادية)) لسعد آل عبد اللطيف (ص265).
(4) ((التعريفات)) للجرجاني (ص209).
(5) ((تهذيب اللغة)) لأبي منصور الهروي (15/ 204).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ألفاظ مرادفة للجدال
قد شاعت بين الناس ألفاظ إن لم تكن واحدة في المفهوم فهي قريبة بعضها من بعض كالمناظرة والمحاورة والمناقشة والمباحثة لأنها ترجع في نهاية أمرها إلى طريقة البيان والتبيين التي أودعها الله في بني الإنسان جبلة وطبعاً، وقد توجد بينها فروق بينتها قواعد الجدل وأدب البحث والمناظرة، إذ يرى البعض أن الجدل يراد منه إلزام الخصم ومغالبته.
أما المناظرة: فهي تردد الكلام بين شخصين يقصد كل واحد منهما تصحيح قوله وإبطال قول صاحبه مع رغبة كل منهما في ظهور الحق.
والمحاورة: هي المراجعة في الكلام، ومنه التحاور أي التجاوب، وهي ضرب من الأدب الرفيع وأسلوب من أساليبه، وقد ورد لفظ الجدل والمحاورة في موضع واحد من سورة المجادلة في قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما [المجادلة: 1]. وقريب من ذلك المناقشة والمباحثة (1).

(1) ((مناهج الجدل في القرآن الكريم)) لزاهر الألمعي (ص25).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الفرق بين الجدال والمراء والحجاج
الفرق بين الجدال والحجاج
الفرق بينهما أن المطلوب بالحجاج هو ظهور الحجة.
والمطلوب بالجدال: الرجوع عن المذهب (1).
الفرق بين الجدال والمراء
قيل: هما بمعنى.
غير أن المراء مذموم، لأنه مخاصمة في الحق بعد ظهوره وليس كذلك الجدال (2).
ولا يكون المراء إلا اعتراضاً بخلاف الجدال فإنه يكون ابتداء واعتراضاً (3).

(1) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص158).
(2) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص159).
(3) ((المصباح المنير)) للفيومي (2/ 569).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ذم الجدال والمراء في القرآن والسنة
ذم الجدال والمراء في القرآن الكريم:
- قال الله تعالى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197].
وعن ابن مسعود في قوله: وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ قال: (أن تماري صاحبك حتى تغضبه) (1). وعن ابن عباس: (الجدال المراء والملاحاة حتى تغضب أخاك وصاحبك، فنهى الله عن ذلك) (2). وعن ابن عمر: (الجدال المراء والسباب والخصومات) (3).
وقال السدي: قد استقام أمر الحج فلا تجادلوا فيه (4).
وقال الطبري: اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: النهي عن أن يجادل المحرم أحداً. ثم اختلف قائلو هذا القول، فقال بعضهم: نهى عن أن يجادل صاحبه حتى يغضبه (5).
- وقال جل شأنه: وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ [البقرة: 204].
قال العيني: أي: شديد الجدال والخصومة والعداوة للمسلمين (6).
قال مقاتل: يَقُولُ جدلاً بالباطل (7).
وقال الطبري: أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك (8).
- وقال جل في علاه: مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر: 4].
(قال سهل: في القرآن آيتان ما أشدّهما على من يجادل في القرآن، وهما قوله تعالى: مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر: 4] أي: يماري في آيات الله ويخاصم بهوى نفسه وطبع جبلّة عقله، قال تعالى: وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197]، أي: لا مراء في الحج. والثانية: قوله: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ [البقرة: 176]) (9).
- وقال سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ [الحج: 8].
قال الزجاج: (فالمعنى ومن الناس من يجادل في الله بغير علم مُتَكَبِّراً) (10).
وقال البيضاوي: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ في توحيده وصفاته) (11).
وقال الشوكاني: (ومعنى اللفظ: ومن الناس فريق يجادل في الله، فيدخل في ذلك كل مجادل في ذات الله، أو صفاته أو شرائعه الواضحة) (12).
وقال السعدي: (ومن الناس طائفة وفرقة، سلكوا طريق الضلال، وجعلوا يجادلون بالباطل الحق، يريدون إحقاق الباطل وإبطال الحق، والحال أنهم في غاية الجهل ما عندهم من العلم شيء) (13).
- وقال جل شأنه: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت: 46].
(قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لا ينبغي أن يجادل من آمن منهم، لعلهم أن يحدثوا شيئاً في كتاب الله لا تعلمه أنت، قال: لا تجادلوا، لا ينبغي أن تجادل منهم) (14).

(1) رواه الطبري في ((تفسيره)) (4/ 141).
(2) رواه الطبري في ((تفسيره)) (4/ 144).
(3) رواه الطبري في ((تفسيره)) (4/ 145).
(4) ((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) (3/ 486).
(5) ((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) (3/ 477).
(6) ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) (18/ 114).
(7) ((تفسير مقاتل)) (ص178).
(8) ((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) (3/ 573).
(9) ((تفسير التستري)) للتستري (1/ 19).
(10) ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (3/ 414).
(11) ((أنوار التنزيل وأسرار التأويل)) للبيضاوي (4/ 215).
(12) ((فتح القدير)) للشوكاني (3/ 519).
(13) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (ص533).
(14) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن أبي حاتم (9/ 3068).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وقال السعدي: (ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب، إذا كانت من غير بصيرة من المجادل، أو بغير قاعدة مرضية، وأن لا يجادلوا إلا بالتي هي أحسن، بحسن خلق ولطف ولين كلام، ودعوة إلى الحق وتحسينه، ورد عن الباطل وتهجينه، بأقرب طريق موصل لذلك، وأن لا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو، بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق، إلا من ظلم من أهل الكتاب، بأن ظهر من قصده وحاله، أنه لا إرادة له في الحق، وإنما يجادل على وجه المشاغبة والمغالبة، فهذا لا فائدة في جداله، لأن المقصود منها ضائع) (1).
- وقال تعالى: هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [آل عمران: 66].
قال الطبري: (يعني بذلك جل ثناؤه: ها أنتم: هؤلاء القوم الذين خاصمتم وجادلتم فيما لكم به علم من أمر دينكم الذي وجدتموه في كتبكم، وأتتكم به رسل الله من عنده، وفي غير ذلك مما أوتيتموه، وثبتت عندكم صحته، فلم تحاجون؟ يقول: فلم تجادلون وتخاصمون فيما ليس لكم به علم) (2).
قال الشوكاني: (وفي الآية دليل على منع الجدال بالباطل، بل ورد الترغيب في ترك الجدال من المحق) (3).
وقال السعدي: (وقد اشتملت هذه الآيات على النهي عن المحاجة والمجادلة بغير علم، وأن من تكلم بذلك فهو متكلم في أمر لا يمكن منه ولا يسمح له فيه) (4).
ذم الجدال والمراء في السنة النبوية
- فعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف: 58])) (5).
قال القاري: (والمعنى ما كان ضلالتهم ووقوعهم في الكفر إلا بسبب الجدال وهو الخصومة بالباطل مع نبيهم، وطلب المعجزة منه عناداً أو جحوداً، وقيل: مقابلة الحجة بالحجة، وقيل: المراد هنا العناد، والمراء في القرآن ضرب بعضه ببعض لترويج مذاهبهم وآراء مشايخهم من غير أن يكون لهم نصرة على ما هو الحق، وذلك محرم لا المناظرة لغرض صحيح كإظهار الحق فإنه فرض كفاية) (6).
وقال المناوي: (أي الجدال المؤدي إلى مراء ووقوع في شك أما التنازع في الأحكام فجائز إجماعاً إنما المحذور جدال لا يرجع إلى علم ولا يقضى فيه بضرس قاطع وليس فيه اتباع للبرهان ولا تأول على النصفة بل يخبط خبط عشواء غير فارق بين حق وباطل) (7).
وقال البيضاوي: (المراد بهذا الجدل العِناد، والمراء والتعصُّب) (8).
- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم)) (9).
قال الصنعاني: (أي الشديد المراء أي الذي يحج صاحبه) (10).

(1) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (ص533).
(2) ((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) للطبري (5/ 483).
(3) ((فتح القدير)) للشوكاني (1/ 401).
(4) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (ص134).
(5) رواه الترمذي (3253)، وابن ماجه (48)، وأحمد (5/ 252) (22218). قال الترمذي: حسن صحيح. وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (7934)، وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (5633).
(6) ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للقاري (1/ 265).
(7) ((فيض القدير)) للمناوي (3/ 354).
(8) ((قوت المغتذي على جامع الترمذي)) للسيوطي (2/ 801).
(9) رواه البخاري (2457)، ومسلم (2668).
(10) ((سبل السلام)) للصنعاني (2/ 674).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وقال المهلب: (لما كان اللدد حاملاً على المطل بالحقوق والتعريج بها عن وجوهها، واللي بها عن مستحقيها وظلم أهلها؛ استحق فاعل ذلك بغضة الله وأليم عقابه) (1).
وقال النووي: (والألد: شديد الخصومة، مأخوذ من لديدي الوادي، وهما جانباه لأنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر وأما الخصم فهو الحاذق بالخصومة والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حق أو إثبات باطل) (2).
- وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المراء في القرآن كفر)) (3).
قال البيضاوي: (المراد بالمراء فيه التدارؤ، وهو أن يروم تكذيب القرآن بالقرآن ليدفع بعضه ببعض فيطرق إليه قدحاً وطعناً) (4).
وقال المناوي: (المراد الخوض فيه بأنه محدث أو قديم، والمجادلة في الآي المتشابهة المؤدي ذلك إلى الجحود والفتن وإراقة الدماء؛ فسماه باسم ما يخاف عاقبته وهو قريب من قول القاضي: أراد بالمراء التدارؤ وهو أن يروم تكذيب القرآن بالقرآن ليدفع بعضه ببعض فيتطرق إليه قدح وطعن، ومن حق الناظر في القرآن أن يجتهد في التوفيق بين الآيات والجمع بين المختلفات ما أمكنه (5).
- وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في ربضِ الجنةِ لمن ترك المراء وإن كان مُحقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)) (6).
قال السندي: (ومن ترك المراء: أي الجدال خوفاً من أن يقع صاحبه في اللجاج الموقع في الباطل) (7).

(1) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (8/ 259).
(2) ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) (16/ 219).
(3) رواه أبو داود (4603)، وأحمد (2/ 300) (7976)، وابن حبان (1/ 275) (74). قال الهيثمي في ((المجمع)) (7/ 154): رواه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (9187)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6687).
(4) ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للقاري (1/ 311).
(5) ((فيض القدير)) (6/ 265).
(6) رواه أبو داود (4800)، والطبراني في ((الكبير)) (8/ 98)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (10/ 420) (21176). وصححه النووي في ((رياض الصالحين)) (ص216)، وحسنه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2648).
(7) ((حاشية السندي على سنن ابن ماجة)) (ص26).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في ذم الجدال والمراء
- عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: (لا تمار أخاك فإنّ المراء لا تفهم حكمته، ولا تؤمن غائلته .. ) (1).
- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (من استحقاق حقيقة الإيمان ترك المراء والمرء صادق) (2).
- وقال أبو الدرداء: (كفى بك إثماً أن لا تزال ممارياً) (3).
- وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (ولن يصيب رجل حقيقة الإيمان حتى يترك المراء وهو يعلم أنه صادق ويترك الكذب في المزاحة) (4).
- وروي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (إذا أحببت أخاً فلا تماره, ولا تشاره, ولا تمازحه) (5).
- وقال مالك بن أنس: (المراء يقسّي القلوب، ويورث الضّغائن) (6).
- وقال أيضاً: (كلما جاء رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد - عليه السلام – لجدله) (7).
- وقال أيضاً: (ليس هذا الجدل من الدين بشيء) (8).
- وقال ابن أبي ليلى: (لا تمار أخاك؛ فإنه لا يأتي بخير) (9).
- وقال أيضاً: (لا أماري أخي إما أن أغضبه وإما أكذبه) (10).
- وقَالَ بلال بْن سعد: (إذا رأيت الرجل لجوجاً ممارياً معجباً برأيه فقد تمت خسارته) (11).
- وقال الشافعي: (المراء في العلم يقسي القلوب ويورث الضغائن) (12).
- وقال مسلم بن يسار: (إياكم والمراء , فإنها ساعة جهل العالم , وبها يبتغي الشيطان زلته) (13).
- وقال عبدوس بن مالك العطار: (سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - يقول: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات، والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال. والخصومات في الدين، إلى أن قال: لا تخاصم أحداً ولا تناظره، ولا تتعلم الجدال فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها، من السنن مكروه منهي عنه لا يكون صاحبه إن أصاب بكلامه السنة من أهل السنة حتى يدع الجدال) (14).
- وقال محمد بن الحسين: (من صفة الجاهل: الجدل, والمراء, والمغالبة) (15).
- وعن الحسن قال: (ما رأينا فقيها يماري) (16).
- وعنه أيضاً: (المؤمن يداري ولا يماري , ينشر حكمة الله , فإن قبلت حمد الله , وإن ردت حمد الله) (17).
- وعن زياد بن حدير قال: (قال لي عمر: هل تعرف ما يهرم الإسلام؟ قال: قلت: لا. قال: يهرمه زلّة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمّة المضلّين) (18).
- وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: (ما ماريت أخي أبداً؛ لأني إن ماريته إما أن أكذبه، وإما أن أغضبه) (19).
- وقال عبد الله بن الحسن: (المراء رائد الغضب، فأخزى الله عقلاً يأتيك بالغضب) (20).
- وقال الأصمعي: (سمعت أعرابياً يقول: من لاحى الرجال وماراهم قلّت كرامته، ومن أكثر من شيء عرف به) (21).
- وقال عمر بن عبد العزيز: (قد أفلح من عصم من المراء والغضب والطّمع) (22).
- وقال الأوزاعيّ: (إذا أراد الله بقوم شرّاً ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل) (23).
- وقال أَبُو حاتم: وإن من المزاح مَا يكون سببا لتهييج المراء والواجب على العاقل اجتنابه لأن المراء مذموم في الأحوال كلها ولا يخلو المماري من أن يفوته أحد رجلين في المراء إما رجل هو أعلم منه فكيف يجادل من هو دونه في العلم أو يكون ذلك أعلم منه فكيف يماري من هو أعلم منه (24).

(1) ((جامع الأصول)) (2/ 753) (1262).
(2) ((الزهد)) لهناد بن سري (2/ 557).
(3) رواه الدارمي (1/ 336) (301).
(4) ((الزهد)) لأحمد بن حنبل (ص269).
(5) رواه البخاري في ((الأدب المفرد)) (545)، وأبو داود في ((الزهد)) (ص180). وصحح إسناده الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (424).
(6) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 117).
(7) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 201).
(8) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 202).
(9) ((الزهد)) لهناد بن سري (2/ 557).
(10) ((الزهد)) لهناد بن سري (2/ 557).
(11) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان البستي (ص79).
(12) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 202).
(13) ((أخلاق العلماء)) للآجري (ص57).
(14) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 201).
(15) ((أخلاق العلماء)) للآجري (ص63).
(16) ((أخلاق العلماء)) للآجري (ص58).
(17) ((أخلاق العلماء)) للآجري (ص58).
(18) ((نضرة النعيم)) لمجموعة باحثين (9/ 4347).
(19) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 18).
(20) ((البيان والتبيين)) للجاحظ (1/ 315).
(21) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 18).
(22) ((البداية والنهاية)) لابن كثير (9/ 234).
(23) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 202).
(24) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان البستي (ص78).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقسام الجدال
ينقسم الجدال إلى قسمين:
1 - الجدال المحمود:
وهو الذي يقوم على تقرير الحق وإظهاره بإقامة الأدلة والبراهين على صدقه. وفيه خير للإسلام وعزة للمسلمين لأن فيه دعوة الله وذب عن دينه، وقد جاءت نصوص تأمر بهذا النوع من الجدال، وهي التي تتعلق بإظهار الحق والدلالة عليه والدعوة إليه، وتدفع كل ما يلحق بالإسلام والمسلمين من أذى وإلصاق تهم باطلة.
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الجدال في قوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125]. وقال جل في علاه: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت: 46].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)) (1).
وقد حصل هذا النوع من الجدال بين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وبين الخوارج زمن علي بن أبي طالب بأمر علي فأقام عليهم الحجة وأفحمهم، فرجع عن هذه البدعة خلق كثير. وكذلك مجادلة أحمد بن حنبل رحمه الله للمعتزلة، ومجادلات ابن تيمية لأهل البدع.
2 - الجدال المذموم:
هو الجدال الذي يقوم على تقرير الباطل، وطلب المال والجاه، ويقوم على الزور وإضاعة الحقوق، ونشر الشهوات والشبهات، والتشكيك في الغيبيات التي أمرنا بالإيمان والتسليم والتصديق بها كأخبار الوحي وأسماء الله وصفاته، والبعث والنشور والجنة والنار، والجدال في القرآن.
وقد جاءت الكثير من النصوص والآثار التي حذرت من هذا النوع من الجدال ونهت عنه، ومن هذه النصوص:
قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ [الحج: 3].
وقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ [الحج: 8].
وقوله سبحانه: مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ [غافر: 4].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((المراء في القرآن كفر)) (2).
وقال ابن عثيمين: (المجادلة والمناظرة نوعان:
النوع الأول: مجادلة مماراة: يماري بذلك السفهاء ويجاري العلماء ويريد أن ينتصر قوله؛ فهذه مذمومة.
النوع الثاني: مجادلة لإثبات الحق وإن كان عليه؛ فهذه محمودة مأمور بها) (3).
وقال الكرماني: (الجدال: هو الخصام ومنه قبيح وحسن وأحسن؛ فما كان للفرائض فهو أحسن، وما كان للمستحبات فهو حسن، وما كان لغير ذلك فهو قبيح) (4)

(1) رواه أبو داود (2504)، والنسائي (3096)، وأحمد (3/ 124) (12268). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (3578).
(2) رواه أبو داود (4603)، وأحمد (2/ 300) (7976)، وابن حبان (1/ 275) (74). قال الهيثمي في ((المجمع)) (7/ 154): رواه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (9187)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (6687).
(3) ((العلم)) (ص164).
(4) ((فتح الباري)) لابن حجر (13/ 314).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،آثار وأضرار الجدال والمراء
17 - الجدال والمراء غير المحمود من فضول الكلام الّذي يعاب عليه صاحبه.
18 - قد يؤدي الجدل الباطل إلى تكفير الآخرين أو تفسيقهم.
19 - يدعو إلى التشفي من الآخرين.
20 - يذكي العداوة، ويورث الشقاق بين أفراد المجتمع.
21 - يقود صاحبه إلى الكذب.
22 - يؤدي إلى إطلاق اللسان في بذيء الألفاظ.
23 - يؤدي بالمجادل إلى إنكار الحق ورده.
آداب الجدال
هناك جملة من الآداب ينبغي للمجادل المسلم أن يتحلى بها، أثناء المجادلة ومنها (1):
1 - النية الصادقة في نصرة الحق والدعوة إلى دين الله تعالى، وترك الرياء والسمعة، أو طلب الجاه والرفعة.
2 - العلم الصحيح المستفاد من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه سلف هذه الأمة الصالح.
3 - رد الاختلاف إلى كتاب الله وسنة رسوله.
4 - تقديم النقل ونصوصه على العقل وظنونه.
5 - التحلي بالأخلاق الإسلامية العالية أثناء الجدال من القول المهذب، واحترام الآخرين، وعدم الطعن في الأشخاص أو لمزهم والاستهزاء بهم.
6 - أن تكون غايتك إظهار الحق، وإقناع الناس به، مع الابتعاد عن الباطل أو تلبيسه على الناس.
7 - تقديم الأهم فالأهم من الحجج والبينات والأدلة المفحمة للخصم بقصد الإقناع وإظهار وجه الصواب.
8 - مجانبة إطالة الكلام، وغرابة الألفاظ، أو خروجها عن صلب الموضوع.
9 - عدم الالتزام في أثناء المناظرة بضد الدعوى التي تحاول إثباتها وإلا فشلت.
10 - عدم التعارض بين الأدلة أو التناقض في البينات والحجج.
11 - عدم الطعن في أدلة الخصم إلا ضمن الأمور المبينة على المنهج الصحيح.
12 - إعلان التسليم بالقضايا المتفق عليها، وقبول نتائج المناظرة.
13 - الامتناع عن المجادلة إذا كانت تؤدي إلى فتنة وفساد أو ضرر يلحق بالدعوة.
14 - أهمية مراعاة الظروف المحيطة بالمناظرة من حيث الأشخاص والموضوع والزمان والمكان.

(1) ((وسائل الدعوة)) لعبد الرحيم المغذوي (ص98 - 99) بتصرف.،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أركان الجدال
للجدل أركان لابد أن يقوم ويستند عليها، كما أن لتلك الأركان شروطاً لابد من تحققها فيها، وذلك على النحو التالي:
الركن الأول: الموضوع الذي يجري فيه الجدال.
ويشترط فيه:
1 - أن يكون الموضوع مما يجوز أن تجري فيه المجادلة شرعاً، وعقلاً، فلا تجوز المجادلة في ذات الله تعالى، أو أسمائه وصفاته، وكذلك لا يجوز الجدال في آيات الله وضرب بعضها ببعض، ولا الجدال فيما غيّب عنا، وليس لنا سبيل إلى معرفته والعلم به.
2 - أن يكون الموضوع المتجادل فيه معلوماً ومحدداً لدى المتجادلين، فلا ينبغي الجدال فيما تجهل أو ما كان متشعباً وليس باستطاعتك التمكن منه، وهذا من التكلف المنهي عنه.
3 - أن يكون الهدف من الموضوع المتجادل فيه إظهار وجه الحق والصواب، ودمغ الباطل والارتياب، والدعوة إلى دين الله، والذب عن عقيدة الإسلام.
الركن الثاني: فريقا أو طرفا الجدال: وهما من انتصبا للجدال في قضية أو مسألة ما موضع خلاف بينهما:
ويشترط فيهما:
1 - أهليتهما للجدال: والمراد بذلك الوفرة العلمية والعقلية لمن يتصدى للجدال، وتمكن المجادل من عدته وعتاده أثناء المناظرة والجدال.
2 - التزام طرفي الجدال بآداب الجدال وضوابطه المجادلة، حتى تسير الأمور في نطاق من الأدب والالتزام والاحترام.
الركن الثالث: منهج الجدال: والمقصود به الطريق الذي تسير عليه المجادلة أو المناظرة، وما يجب أن تكون عليه، وتتصف به.
ويشترط في المنهج:
1 - الوضوح والعلم به، فلا يتصور أن يقوم أحد، ويجادل بدون معرفة وعلم بالطريق الذي يجب أن يسلكه في جداله ومناظراته.
2 - تضمن المنهج للكيفية التي يسير بها الجدال، واتفاق الأطراف على تلك الأسس والكيفية (1).

(1) ((وسائل الدعوة)) لعبد الرحيم المغذوي (ص91 - 93) باختصار.،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،مراحل الجدال
لابد أن يمر الجدال الصادق والحسن بمراحل حتى يؤدي إلى نتيجته المرجوة، وهذه المراحل هي:
1 - مرحلة المبادئ: وفي هذه المرحلة يتم تحديد موضوع الجدال وتعيين موضوع النزاع بدقة، كما يتم تعيين الأطراف المتجادلة، وذلك حتى لا تتشعب الموضوعات وتتشقق إلى موضوعات وأمور أخرى بعيدة عن الموضوع المتنازع عليه أصلاً، وكذا فيه احتراز من عدم دخول أطراف آخرين في النزاع والجدال غير الأطراف المتفق عليهم أصلاً.
2 - مرحلة الأوسط: وفي هذه المرحلة يتم تقديم الدلائل والحجج والبراهين القاطعة على صحة دعوى كل فريق ضمن المنهج المتفق عليه.
3 - مرحلة المقاطع: وهي مرحلة إذا انتهت فيها تقديم الأدلة والحجج والبراهين ووصلت المجادلة إلى ضرورة التسليم بما تؤدي إليه تلك الأدلة والحجج والبراهين والوقوف عند هذا الحد.
4 - مرحلة النتائج: وهي المرحلة التي يعجز فيها طرف من الأطراف المتنازعة عن مجاراة الطرف الآخر لغلبة حجته وقوتها، فعندئذ تكون النتيجة، وهي انتصار طرف على الآخر ونجاحه، سواء سلم الطرف الآخر بتلك النتيجة أم لا (1).

(1) ((وسائل الدعوة)) لعبد الرحيم المغذوي (ص93 - 94).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،نماذج من الجدال المحمود
أولاً: من القرآن الكريم:
1 - مجادلة نوح عليه السلام قومه في دعوتهم إلى عبادة الله وحده، وعدم الإشراك به، قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالا إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ قالُوا يَا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [هود: 25 - 33].
2 - مجادلة إبراهيم لأبيه وقومه لإثبات الحق وإظهار بطلان الآلهة التي يعبدونها من دون الله، وأنها لا تضر ولا تنفع، قال الله تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام: 74 - 83].
3 - المجادلة والمناظرة التي دارت بين إبراهيم عليه السلام والنمرود حينما ادعى النمرود الربوبية، والتي انتصر فيها إبراهيم الخليل على عدو الله نمرود، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة: 258].
4 - المجادلة والمناظرة التي دارت بين شعيب وقومه عندما دعاهم لعبادة الله وحده والابتعاد عن الكفر، وعدم تطفيف المكيال والميزان، وأكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى: وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ قالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ قالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى مَا أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ قالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ قالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ هود: 84 - 93.
ثانياً: من السنة النبوية:
والأمثلة من السنة على الجدال المحمود كثيرة، ونذكر منها على سبيل المثال:
1 - المجادلة التي دارت بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية: فعن الزهري قال: ((أن قريشا بعثوا سهيل بن عمرو أخا بني عامر بن لؤي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ائت محمداً وصالحه، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فوالله لا تتحدث العرب أنه دخلها عنوة أبداً. فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً قال: قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل. فلما انتهى سهيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال الكلام، وتراجعا ثم جرى بينهما الصلح. فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر أليس برسول الله؟ قال: بلى. قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى. قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال: أبو بكر: يا عمر الزم غرزه فإني أشهد أنه رسول الله. قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله. ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألست برسول الله؟ قال: بلى. قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى. قال أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني))) (1).
2 - الجدال الذي دار بين سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وبين النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب. قال ابن كثير: قال ابن إسحاق: ((فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مرابطاً، وأقام المشركون يحاصرونه بضعاً وعشرين ليلة قريباً من شهر، ولم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل. فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، ومن لا أتهم، عن الزهري، إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المري، وهما قائدا غطفان وأعطاهما ثلث ثمار المدينة، على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهم الصلح، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح، إلا المراوضة. فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك بعث إلى السعدين فذكر لهما ذلك، واستشارهما فيه. فقالا: يا رسول الله أمراً تحبه فنصنعه، أم شيئاً أمرك الله به لابد لنا من العمل به، أم شيئاً تصنعه لنا؟ فقال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما. فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرىً أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟ مالنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت وذاك. فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا))) (2).

(1) رواه أحمد (4/ 323) (18930)، والطبري في ((التاريخ)) (2/ 633).
(2) انظر ((السيرة النبوية)) لابن كثير (3/ 201 - 202)، و ((سيرة ابن هشام)) (2/ 223).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،حكم وأمثال في الجدال والمراء
- دع المِراء لقلَّة خَيره (1).
- المراء لؤم (2).
- دع المراء وإن كنت محقاً (3).
- من ترك المراء سلمت له المروءة (4)
من أقوال الحكماء:
- يقال: لا تمار حكيماً ولا سفيها، فإن الحكيم يغلبك، والسفيه يؤذيك (5).
- قال محمد بن الحسين: وعند الحكماء: أن المراء أكثره يغير قلوب الإخوان, ويورث التفرقة بعد الألفة, والوحشة بعد الأنس (6).

(1) ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (2/ 1069).
(2) ((الأمثال المولدة)) للخوارزمي (ص123).
(3) ((مجمع الأمثال)) للنيسابوري (1/ 274).
(4) ((مجمع الأمثال)) للنيسابوري (2/ 296).
(5) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 18).
(6) ((أخلاق العلماء)) للآجري (ص59).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وصايا ونصائح في التحذير من الجدال والمراء
- قال لقمان: يا بنيّ، من لا يملك لسانه يندم، ومن يكثر المراء يشتم، ومن يصاحب صاحب السّوء لا يسلم، ومن يصاحب الصّالح يغنم (1).
- وقال أيضاً: لا تمارين حكيماً، ولا تجادلن لجوجاً، ولا تعاشرن ظلوماً، ولا تصاحبن متهماً (2).
- وقال أيضاً: يا بني من قصر في الخصومة خصم، ومن بالغ فيها أثم، فقل الحق ولو على نفسك فلا تبال من غضب (3).
- وعن يونس قال: كتب إلي ميمون بن مهران: (إيّاك والخصومة والجدال في الدّين، ولا تجادلنّ عالماً ولا جاهلاً. أمّا العالم فإنّه يحزن عنك علمه، ولا يبالي ما صنعت، وأمّا الجاهل فإنّه يخشّن بصدرك، ولا يطيعك) (4).
- وقال مسعر بن كدام- رحمه الله تعالى- يوصي ابنه كداما:
إنّي منحتك يا كدام نصيحتي ... فاسمع لقول أب عليك شفيق
أمّا المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق
إنّي بلوتهما فلم أحمدهما ... لمجاور جاراً ولا لرفيق
والجهل يزري بالفتى في قومه ... وعروقه في النّاس أيّ عروق؟ (5) ...

(1) ((مكارم الأخلاق)) للخرائطي (ص295).
(2) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 18).
(3) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 18).
(4) ((سنن الدارمي)) (1/ 341).
(5) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان البستي (ص78 - 79).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الجدال والمراء في واحة الشعر ..
قال إسماعيل بن يسار:
فدع عنك المراء ولا ترده ... لقلة خير أسباب المراء
وأيقن أن من مارى أخاه ... تعرض من أخيه للحاء
ولا تبغِ الخلاف فإن فيه ... تفرق بين ذات الأصفياء
وإن أيقنت أن الغي فيما ... دعاك إليه إخوان الصفاء
فجاملهم بحسن القول فيما ... أردت وقد عزمت على الإباء (1)
وقال العرزمي:
نصحتك فيما قلته وذكرته ... وذلك حق في المودة واجب
لا تركنن إلى المراء فإنه ... إلى الشر دعاء وللغي جالب
وقال زيد بن جندب الإيادي:
كنا أناساً على دين ففرقنا ... طول الجدال وخلط الجد باللعب
ما كان أغنى رجالاً ضل سعيهم ... عن الجدال وأغناهم عن الخطب (2)
وقال ابن الرومى:
لذوى الجدال إذا غدوا لجدالهم ... حجج تضلّ عن الهدى وتجور
وهن كآنية الزّجاج تصادمت ... فهوت، وكلّ كاسر مكسور
فالقاتل المقتول ثمّ لضعفه ... ولوهيه، والآسر المأسور (3)
وقال أبو محمد بن سنان الخفاجي:
فإياك إياك المراء فإنه ... سبب لكل تنافر وتشامس
وافعل جميلاً لا يضيع صنيعه ... واسمع بقوتك للضعيف البائس
لا تفخرن وإن فصلت فبالتقى ... ناضل وفي بذل المكارم نافس (4)
وقال آخر:
لا تفن عمرك في الجدال مخاصماً ... إن الجدال يخل بالأديان
واحذر مجادلة الرجال فإنها ... تدعو إلى الشحناء والشنآن
وإذا اضطررت إلى الجدال ولم تجد ... لك مهرباً وتلاقت الصفان
فاجعل كتاب الله درعاً سابغاً ... والشرع سيفك وابد في الميدان
والسنة البيضاء دونك جنة ... واركب جواد العزم في الجولان
واثبت بصبرك تحت ألوية الهدى ... فالصبر أوثق عدة الإنسان
واطعن برمح الحق كل معاند ... لله در الفارس الطعان
واحمل بسيف الصدق حملة مخلص ... متجرد لله غير جبان
وإذا غلبت الخصم لا تهزأ به ... فالعجب يخمد جمرة الإنسان
لا تغضبن إذا سئلت ولا تصح ... فكلاهما خلقان مذمومان (5)
وأحسنَ من قال:
وإياك من حلو المزاح ومره ... ومن أن يراك الناس فيه مماريا
وإن مراء المرء يخلق وجهه ... وإن مزاح المرء يبدي التشانيا
دعاه مزاح أو مراء إلى التي ... بها صار مقلي الإخاء وقاليا (6)
وقال أَبُو الأخفش الكناني أنه قَالَ لابن له:
أبني لا تك ماحييت مماريا ... ودع السفاهة إنها لا تنفع
لا تحملن ضغينة لقرابة ... إن الضغينة للقرابة تقطع
لا تحسبن الحلم منك مذلة ... إن الحليم هو الأعز الأمنع (7)
وقال زيد بن جندب:
ما كان أغنى رجالا ضلّ سعيهم ... عن الجدال وأعناهم عن الشّغب (8) ...

(1) ((مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي)) لأحمد قبش (ص450).
(2) ((البيان والتبيين)) للجاحظ (1/ 58).
(3) ((زهر الآداب وثمر الألباب)) للقيرواني (4/ 922).
(4) ((مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي)) لأحمد قبش (ص450).
(5) ((موارد الظمآن لدروس الزمان)) لعبد العزيز السلمان (4/ 478).
(6) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان البستي (ص79).
(7) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان البستي (ص79).
(8) ((محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء)) للراغب (1/ 102).