الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : التجسس

التجسس

معنى التجسس لغة واصطلاحاً
معنى التجسس لغة:
مأخوذ من الْجَسِّ: وهو جَسُّ الخَبَرِ, ومعناه: بحث عنه وفحَصَ، وتَجَسَّسْتُ فلاناً ومن فلان بحثت عنه, والتَّجَسُّسُ بالجيم التفتيش عن بواطن الأُمور وأَكثر ما يقال في الشر، والجاسُوسُ: العَيْنُ يَتَجَسَّسُ الأخبارَ ثم يأتي بها وهو صاحب سِرِّ الشَّر والناموسُ صاحب سرِّ الخير (1).
معنى التجسس اصطلاحاً:
وقال الزحيلي: (التجسس: البحث عن العورات والمعايب وكشف ما ستره الناس) (2).

(1) انظر ((تهذيب اللغة)) للأزهري (10/ 242) , و ((لسان العرب)) لابن منظور (6/ 38) , و ((تاج العروس من جواهر القاموس)) للزبيدي (15/ 499).
(2) ((التفسير المنير)) للزحيلي (26/ 247).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الفرق بين التجسس والتحسس
قال أبو هلال العسكري: (الفرق بين التحسس والتجسس: التحسس - بالحاء المهملة -: طلب الشيء بالحاسة, والتجسس - بالجيم - مثله. وفي الحديث: ((لا تحسسوا، ولا تجسسوا)) قيل: معناهما واحد، وعطف أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين كقول الشاعر:
متى أدن منه ينأ عني ويبعد.
وقيل: التجسس - بالجيم - البحث عن عورات النساء, - وبالحاء - الاستماع لحديث القوم،
ويروى أن ابن عباس سئل عن الفرق بينهما فقال: (لا يبعد أحدهما عن الآخر: التحسس في الخير، والتجسس في الشر) (1).
قلت: ويؤيده قوله تعالى حكاية عن يعقوب: يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ [يوسف: 87]- بالحاء -. على القراءة المشهورة، فإنه كان متوقعا لأن يأتيه الخبر بسلامة يوسف.
وقوله سبحانه: وَلَا تَجَسَّسُوا [الحجرات: 12]- بالجيم - فإن المنهي عنه البحث عن معائب الناس وأسرارهم التي لا يرضون بإفشائها واطلاع الغير عليها) (2).
وقال بعضهم: (التحسس بالحاء أن تستمع الأخبار بنفسك, وبالجيم أن تتفحص عنها بغيرك) (3).
وقال الترمذي الحكيم: (التحسس يعني بالحاء هو طلب أخباره والفتش عنه شفقة ونصحاً واحتياطاً فتطيب نفسه لطيب أخباره وحسن حاله أو ليرفده إن كان في أمره خلل بنصح واحتياط ومعونة والتجسس أن تفتش عن أخبار مغطية مكروهة أن تعلم بها فتستخرجها بفتشك لهتك الستور والكشف عن العورات والمساوئ) (4).
وقال ابن حبيب: (بالحاء أن تسمع ما يقول أخوك فيك وبالجيم أن ترسل من يسأل لك عما يقال لك في أخيك من السوء) (5).

(1) ذكره أبو هلال العسكري في ((الفروق اللغوية)) (ص 118).
(2) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص: 117 – 118).
(3) ((تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين وتحذير السالكين من أفعال الهالكين)) لابن النحاس (ص: 45).
(4) ((تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين وتحذير السالكين من أفعال الهالكين)) لابن النحاس (ص: 46).
(5) ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) للعيني (20/ 133).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ذم التجسس والنهي عنه في القرآن والسنة
ذم التجسس والنهي عنه في القرآن الكريم:
- نهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن التجسس في آية محكمة وصريحة تدل على حرمة هذا الفعل المشين والخصلة المذمومة, وتبين أثرها السيئ على المجتمع المسلم وعلى تماسكه وترابطه فقال تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 12].
قال ابن جرير وهو يتحدث عن تفسير هذه الآية: قوله: (ولا تجسسوا) يقول: ولا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره وبه فاحمدوا أو ذموا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره .. ثم ذكر أثر ابن عباس: (نهى الله المؤمن من أن يتتبع عورات المؤمن) (1).
وقال الإمام البغوي: (نهى الله تعالى عن البحث عن المستور من أمور الناس وتتبع عوراتهم حتى لا يظهر على ما ستره الله منها) (2).
- ومن ذلك قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: 58].
وأي إيذاء أكبر من تتبع عورات الناس, والبحث عن سوءاتهم, والتجسس عليهم, وإظهار ما ستره الله من ذنوبهم.
قال الشيخ ابن عثيمين: (التجسس أذية، يتأذى به المتجسس عليه، ويؤدي إلى البغضاء والعداوة ويؤدي إلى تكليف الإنسان نفسه ما لم يلزمه، فإنك تجد المتجسس والعياذ بالله، مرة هنا ومرة هنا، ومرة هنا، ومرة ينظر إلى هذا ومرة ينظر إلى هذا، فقد أتعب نفسه في أذية عباد الله) (3).
- وقال تعالى وهو يتحدث عن المنافقين وعن صفاتهم: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة: 47].
قال مجاهد: معناه وفيكم محبون لهم يؤدون إليهم ما يسمعون منكم، وهم الجواسيس (4).
وقال الإمام القرطبي: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أي عيون لهم ينقلون إليهم الأخبار منكم (5).
ذم التجسس والنهي عنه في السنة النبوية:
ولقد شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن التجسس والتحذير منه, وبين أنه مفسد للأخوة, وسبب في تقطيع الأواصر والصلات, وسبيل إلى إفساد الناس:
- فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً)) (6).
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (التجسس أن لا تترك عباد الله تحت سترها فتتوصل إلى الاطلاع عليهم والتجسس عن أحوالهم وهتك الستر حتى ينكشف لك ما كان مستورا عنك) (7).

(1) رواه الطبري في ((تفسيره)) (22/ 304).
(2) ((تفسير البغوي)) (7/ 345).
(3) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 251 – 252).
(4) ((تفسير البغوي)) (4/ 56).
(5) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (8/ 157).
(6) رواه البخاري (6064)، ومسلم (2563).
(7) ((بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية)) لمحمد بن محمد الخادمي (2/ 295).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وعن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتَبّع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)) (1).
قال صاحب عون المعبود: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه): فيه تنبيه على أن غيبة المسلم من شعار المنافق لا المؤمن, (ولا تتبعوا عوراتهم): أي لا تجسسوا عيوبهم ومساويهم .... (يتبع الله عورته): ذكره على سبيل المشاكلة أي يكشف عيوبه وهذا في الآخرة. وقيل: معناه يجازيه بسوء صنيعه, (يفضحه): أي يكشف مساويه, (في بيته): أي ولو كان في بيته مخفياً من الناس) (2).
- وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم)). فقال أبو الدرداء: (كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها) (3).
- وفي رواية أخرى عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعرضوا عن الناس، ألم تر أنك إن ابتغيت الريبة في الناس أفسدتهم، أو كدت تفسدهم)) (4).
قال الإمام المناوي رحمه الله: (أي ولوا عن الناس ولا تتبعوا أحوالهم ولا تبحثوا عن عوراتهم ... ألم تعلم أنك إن اتبعت التهمة فيهم لتعلمها وتظهرها أوقعتهم في الفساد أو قاربت أن تفسدهم لوقوع بعضهم في بعض بنحو غيبة أو لحصول تهمة لا أصل لها أو هتك عرض ذوي الهيئات المأمور بإقالة عثراتهم وقد يترتب على التفتيش من المفاسد ما يربو على تلك المفسدة التي يراد إزالتها، والحاصل أن الشارع ناظر إلى الستر مهما أمكن والخطاب لولاة الأمور ومن في معناهم) (5).
- وعن ابن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك يوم القيامة، ومن أرى عينيه في المنام ما لم ير كلف أن يعقد شعيرة)) (6).
- وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ وَكَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ وَعَمْرِو بْنِ الأَسْوَدِ وَالْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ وَأَبي أُمَامَةَ عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ((إِنَّ الأَمِيرَ إِذَا ابْتَغَى الرِّيبَةَ فِى النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ)) (7).
يقول المناوي رحمه الله: (إن الأمير إذا ابتغى الريبة) أي طلب الريبة أي التهمة في الناس بنية فضائحهم أفسدهم وما أمهلهم وجاهرهم بسوء الظن فيها فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ورموا به ففسدوا، ومقصود الحديث حث الإمام على التغافل وعدم تتبع العورات فإن بذلك يقوم النظام ويحصل الانتظام والإنسان قل ما يسلم من عيبه فلو عاملهم بكل ما قالوه أو فعلوه اشتدت عليهم الأوجاع واتسع المجال بل يستر عيوبهم ويتغافل ويصفح ولا يتبع عوراتهم ولا يتجسس عليهم) (8).

(1) رواه أبو داود (4880)، وأحمد (4/ 420) (19791)، وأبو يعلى (13/ 419) (7423)، والبيهقي (10/ 247) (20953). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/ 175): إسناده جيد، وقال الألباني في ((4880)): حسن صحيح.
(2) ((عون المعبود شرح سنن أبي داود)) للعظيم آبادي (9/ 2160).
(3) رواه أبو داود (4880)، وأبو يعلى (13/ 382) (7389)، وابن حبان (13/ 72) (5760)، والطبراني (19/ 379) (16560)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7/ 107) (9659). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه النووي في ((تحقيق رياض الصالحين)) (508)، وصحح إسناده ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (1/ 300)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(4) رواه البخاري في ((الأدب المفرد)) (248)، والطبراني (19/ 365) (859). قال الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (186): صحيح.
(5) ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) للمناوي بتصرف يسير (1/ 713).
(6) رواه الطبراني (11/ 248) (11637). قال الألباني في ((صحيح الجامع)) (6028): صحيح. والحديث رواه بنحوه البخاري (7042).
(7) رواه أبو داود (4889)، وأحمد (6/ 4) (23866)، والطبراني (8/ 108) (7516)، والحاكم (4/ 419)، والبيهقي (8/ 333) (17402). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 242): [فيه] إسماعيل بن عياش وجبير بن نفير أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو في التابعين وكثير بن مرة نص الأئمة على أنه تابعي وذكره عبدان في الصحابة، قال الهيثمى (5/ 218): رواه أحمد والطبرانى، ورجاله ثقات، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (3/ 469) كما قال في المقدمة، والسيوطي في ((الجامع الصغير)) (1956)، وصححه لغيره الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(8) ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) للمناوي (2/ 409).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في ذم التجسس
- عن ابن عباس في قوله: ولا تجسسوا قال: (نهى الله المؤمن أن يتبع عورات أخيه المؤمن) (1).
- وعن أبي قلابة، أن عمر بن الخطاب، حدث أن أبا محجن الثقفي شرب الخمر في بيته هو وأصحابه، فانطلق عمر حتى دخل عليه فإذا ليس عنده إلا رجل واحد، فقال له أبو محجن يا أمير المؤمنين، إن هذا لا يحل لك، قد نهاك الله عن التجسس، فقال عمر: ما يقول هذا؟ فقال زيد بن ثابت وعبد الله بن الأرقم: صدق يا أمير المؤمنين هذا التجسس. قال: فخرج عمر وتركه. (2).
- وعن عبد الرحمن بن عوف أنه حرس مع عمر بن الخطاب ليلة المدينة فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه فلما دنوا منه إذا باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط فقال عمر وأخذ بيد عبد الرحمن بن عوف: أتدري بيت من هذا قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن شرب فما ترى قال: أرى أن قد أتينا ما نهى الله عنه قال الله: ولا تجسسوا فقد تجسسنا فانصرف عنهم وتركهم (3).
- وعن الشعبي أن عمر بن الخطاب فقد رجلا من أصحابه فقال لابن عوف: انطلق بنا إلى منزل فلان فننظر فأتيا منزله فوجدا بابه مفتوحا وهو جالس وامرأته تصب له في إناء فتناوله إياه فقال عمر لابن عوف: هذا الذي شغله عنا فقال ابن عوف لعمر وما يدريك ما في الإناء فقال عمر: إنا نخاف أن يكون هذا التجسس قال: بل هو التجسس قال: وما التوبة من هذا قال: لا تعلمه بما اطلعت عليه من أمره ولا يكونن في نفسك إلا خير ثم انصرفا (4).
- وعن الحسن رضي الله عنه قال: أتى عمر بن الخطاب رجل فقال: إن فلانا لا يصحوا فدخل عليه عمر رضي الله عنه فقال: إني لأجد ريح شراب يا فلان أنت بهذا فقال الرجل: يا ابن الخطاب وأنت بهذا ألم ينهك الله أن تتجسس فعرفها عمر فانطلق وتركه (5).
- وعن ثور الكندي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعس بالمدينة من الليل فسمع صوت رجل في بيت يتغنى فتسور عليه فوجد عنده امرأة وعنده خمر فقال: يا عدو الله أظننت أن الله يسترك وأنت على معصيته فقال: وأنت يا أمير المؤمنين لا تعجل على أن أكون عصيت الله واحدة فقد عصيت الله في ثلاث، قال الله: ولا تجسسوا وقد تجسست وقال: (وأتوا البيوت من أبوابها) وقد تسورت علي ودخلت علي بغير إذن وقال الله (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) قال عمر رضي الله عنه: فهل عندك من خير إن عفوت عنك قال: نعم فعفا عنه وخرج وتركه (6).
- وأتي ابن مسعود رضي الله عنه فقيل: هذا فلان تقطر لحيته خمراً فقال عبد الله: إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به (7).
- وقال مجاهد في قوله: (ولا تجسسوا) قال: (خذوا ما ظهر لكم ودعوا ما ستر الله) (8).

(1) رواه ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (10/ 3250).
(2) رواه الثعلبي في ((الكشف والبيان)) (9/ 83).
(3) رواه عبدالرزاق (10/ 231)، والخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (398)، والبيهقي (8/ 333) (17403). قال الذهبي في ((المهذب)) (7/ 3482): إسناده صحيح.
(4) ذكره السيوطي في ((الدر المنثور)) (7/ 567) وعزاه إلى سنن سعيد بن منصور وابن المنذر.
(5) ذكره السيوطي في ((الدر المنثور)) (7/ 567) وعزاه إلى سنن سعيد بن منصور وابن المنذر.
(6) رواه الخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (419).
(7) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (9/ 86)، أبو داود (4890)، والبيهقي (8/ 334) (18081). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال النووي في ((تحقيق رياض الصالحين)) (508): إسناده على شرط الشيخين، وقال الزيلعي في ((تخريج الكشاف)) (3/ 347): له طريق آخر، وصحح إسناده الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(8) ((تفسير جامع البيان)) للطبري (22/ 304).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، وقال قتادة في تفسيرها: هل تدرون ما التجسس أو التجسيس؟ هو أن تتبع، أو تبتغي عيب أخيك لتطلع على سره (1).
- وقال ابن زيد في تفسيرها أيضاً: قال: حتى أنظر في ذلك وأسأل عنه، حتى أعرف حق هو، أم باطل؟ ; قال: فسماه الله تجسسا، قال: يتجسس كما يتجسس الكلاب (2).
- وقال الحسن: لا تسأل عن عمل أخيك الحسن والسيئ فإنه من التجسس (3).
- وقال أبو حاتم: الواجب على العاقل مباينة العام في الأخلاق والأفعال بلزوم ترك التجسس عن عيوب الناس لأن من بحث عن مكنون غيره بحث عن مكنون نفسه وربما طم مكنونه على ما بحث من مكنون غيره وكيف يستحسن مسلم ثلب مسلم بالشيء الذي هو فيه (4).
- وقال أيضاً: التجسس من شعب النفاق كما أن حسن الظن من شعب الإيمان (5).
- وقال: الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه فإن من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنه ولم يتعب قلبه (6).

(1) ((تفسير جامع البيان)) للطبري (22/ 304).
(2) ((تفسير جامع البيان)) للطبري (22/ 305).
(3) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان البستي (1/ 125).
(4) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان البستي (1/ 128).
(5) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان البستي (1/ 126).
(6) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان البستي (1/ 125).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقسام التجسس وحكم كل قسم:
الأصل في التجسس أنه محرم شرعاً منهي عنه بأدلة واضحة صريحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام السلف الصالح والأئمة والعلماء, غير أن هناك بعض الصور قد استثناها الشرع الحنيف وأقرها, وتكلم عنها أهل العلم في كتبهم وفصلوا فيها وجعلوا لها ضابطاً مهماً وهو اقتضاء المصلحة للتجسس.
وعليه فيمكننا أن نقسم التجسس إلى قسمين:
تجسس ممنوع:
(ويقصد به تتبع عورات الناس وأسرارهم والكشف عن معائبهم بدافع الفضول وإشباع غريزة حب الاستطلاع دون أن يكون له غرض مباح من جلب منفعة راجحة أو دفع مفسدة متوقعة سواء أكان ذلك بالتطلع أو التنصت والاستماع) (1).
وهذا النوع من أنواع التجسس هو الذي نصت الأدلة الواضحة على تحريمه ولم يبح إلا في حالات خاصة سنتكلم عنها في التجسس المشروع، وفيما ذكرنا من الأدلة على تحريمه ما يغني عن إعادتها.
قال عبد العزيز بن أحمد المسعود: (إن الأصل في المسلم الطهارة والعفة والبراءة والسلامة من كل شيء مشين ولذا كان الأصل في الإسلام النهي عن التجسس بجميع صوره وأشكاله سواء كان تجسس الفرد على الفرد أو الفرد على الدولة أو الدولة على الدولة لأن التجسس انتهاك لحرمة المسلم وكشف ستره وقد يسبب الحقد والبغض بين أفراد المجتمع المسلم وهذا الذي يرفضه الإسلام جملة وتفصيلاً) (2).
تجسس مشروع:
(ويراد به كل تجسس يهدف إلى مصلحة الدولة الإسلامية في تعاملها مع أعدائها أو إلى مصلحة المجتمع الإسلامي بتنقيته وتطهيره من أهل الشر والفساد).
وهذا القسم من أقسام التجسس يتفاوت حكمه التكليفي من الوجوب إلى الإباحة حسب ما تقتضيه المصلحة والضرورة, فهناك ما هو تجسس واجب: (وهو ما يكون طريقاً إلى إنقاذ نفس من الهلاك أو القضاء على الفساد الظاهر كاستدراك فوات حرمة من حرمات الله ... ووجه وجوبه أن ذلك من ضمن وسيلة النهي عن المنكر) (3). وهناك ما هو تجسس مباح وهو ما عدا ذلك من الصور التي استثناها الشرع من التحريم ولا تصل إلى درجة الوجوب كالتجسس على الأعداء لمعرفة عددهم وعتادهم وغيرها.

(1) ((عقوبة الإعدام دراسة فقهية مقارنة لأحكام العقوبة بالقتل في الفقه الإسلامي)) لمحمد بن سعد الغامدي (ص: 470).
(2) ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثرهما في حفظ الأمة)) (ص: 238).
(3) ((أحكام السماع والاستماع في الشريعة الإسلامية)) لمحمد معين الدين بصري (ص: 353).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،آثار التجسس الممنوع:
1. أن التجسس مظهر من مظاهر سوء الظن وأثر من آثاره فهو متولد عن صفة مذمومة سيئة نهى عنها الدين الحنيف.
يقول محمد الطاهر بن عاشور: (التجسس من آثار الظن لأن الظن يبعث عليه حين تدعو الظان نفسه إلى تحقيق ما ظنه سرا فيسلك طريق التجسس) (1).
2. والتجسس صورة من صور ضعف الإيمان وضعف التدين وقلة المراقبة, هذا على الجانب الديني أما الأخلاقي والسلوكي فهو يدل على دناءة النفس وخستها, وضعف همتها وانشغالها بالتافه من الأمور عن معاليها وغاياتها.
3. وهو سبيل إلى قطع الصلات وتقويض العلاقات, وظهور العداء بين الأحبة وبث الفرقة بين الإخوان (فقد يرى المتجسس من المتجسس عليه ما يسوءه فتنشأ عنه العداوة والحقد. ويدخل صدره الحرج والتخوف بعد أن كانت ضمائره خالصة طيبة وذلك من نكد العيش) (2).
4. وبالتجسس تنهار القدوات, وتصغر في الأعين القامات وعندها تهون الذنوب وتحقر السيئات, وتفسير ذلك أن المتجسس عليه إذا كان في منزل القدوة؛ واطلع منه على أمر سيئ أو ذنب أو معصية فإنه لا شك سيقل قدره وستتلاشى مكانته ولن يقبل منه نصحاً ولا توجيهاً, بل ربما تهون المعصية التي عملها على المتجسس فيعملها بحجة أن ليس أحسن حالاً من فلان القدوة الذي عملها وتلبس بها.
5. والتجسس يؤدي إلى فساد الحياة فتصبح مليئة بالشكوك والتخوفات, فلا يأمن الإنسان على خصوصياته من أن تنكشف أو تظهر للناس, بل يعيش المرء في حالة من الشك الذي لا ينتهي وهذا تصديق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه قال: ((إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم)) (3).
6. والتجسس سبيل إلى الكراهية ودافع إلى الانتقام, فإذا علم شخص ما أن فلان يتجسس عليه ويريد أن يهتك ستره ويفضح أمره سعى هو من جانبه إلى التجسس عليه وفضحه وهكذا.
يقول ابن عاشور: فـ (إن اطلع المتجسس عليه على تجسس الآخر ساءه فنشأ في نفسه كره له وانثلمت الأخوة ...، ثم يبعث ذلك على انتقام كليهما من أخيه) (4).
7. كما أنه سبيل إلى إشاعة الفاحشة بين المسلمين وانتشار السوء بينهم, وذلك بما يحصل من نشر لما استتر من الفضائح وإظهار لما خفي من السوءات.
8. وهو دليل بين واضح على سوء الطوية وعن نفاق يعشش في القلب, وأن صاحبه بعيد عن الإيمان وإن ادعاه, قصي عن التقوى وإن تزيا بلباسها، لذا كان نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هذه صفته بقوله: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ... )) (5).
9. أن صاحبه متوعد بالفضيحة وكشف العورة حتى ولو كان في قعر داره, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتَبّع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)) (6).
10. ويكفي بالتجسس سوءا أن صاحبه يعرض نفسه لغضب الله واستحقاق العذاب الأليم, هذا في الآخرة, أما في الدنيا فيبقى مكروهاً مبغوضاً من الناس فهو دائماً في محل ريبة, لا يأنسون به ولا يرتاحون بحضوره.

(1) ((التحرير والتنوير)) لمحمد الطاهر بن عاشور (26/ 253).
(2) ((التحرير والتنوير)) لمحمد الطاهر بن عاشور (26/ 254).
(3) رواه أبو داود (4880)، وأبو يعلى (13/ 382) (7389)، وابن حبان (13/ 72) (5760)، والطبراني (19/ 379) (16560)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7/ 107) (9659). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه النووي في ((تحقيق رياض الصالحين)) (508)، وصحح إسناده ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (1/ 300)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(4) ((التحرير والتنوير)) لمحمد الطاهر بن عاشور (26/ 254).
(5) رواه أبو داود (4880)، وأحمد (4/ 420) (19791)، وأبو يعلى (13/ 419) (7423)، والبيهقي (10/ 247) (20953). من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/ 175): إسناده جيد، وقال الألباني في ((4880)): حسن صحيح.
(6) رواه أبو داود (4880)، وأحمد (4/ 420) (19791)، وأبو يعلى (13/ 419) (7423)، والبيهقي (10/ 247) (20953). من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/ 175): إسناده جيد، وقال الألباني في ((4880)): حسن صحيح.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،صور التجسس
صور التجسس الممنوع:
- التجسس على بيوت المسلمين والاطلاع على عوراتهم (بالاستماع من وراء الأبواب أو بالدخول في البيوت على حين غفلة من أهلها أو باستئذان لغرض كاذب كشرب الماء والمقصود غير ذلك .... وكل ذلك لا يجوز في شرع الإسلام) (1).
- ومن صوره أيضاً اقتحام البيوت والخلوات بحجة ضبط من فيها متلبسين بالمعصية ولا شك أن هذا مما لا يبيحه الشرع ولا يقبله.
وقد قدمنا قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما دخل على أبي محجن رضي الله عنه بعد أن سمع أنه يشرب الخمر في بيته هو وأصحابه, وعندما دخل عليه بين له أبو محجن أن ما يفعله هو من التجسس الذي نهى الله عز وجل عنه, وأقره على ذلك زيد بن ثابت وعبد الله بن الأرقم فخرج عمر وتركه (2).
- ومن صور التجسس الممنوع التقصي والبحث عن معاص وسيئات اقترفت في الماضي والتجسس على أصحابها لمعرفتها.
قال صاحب غذاء الألباب: (ويحرم تجسيس على ما يفسق به في الزمن الماضي أو الفسق الماضي مثل أن يشرب الخمر في الزمن الذي مضى وتبحث عنه أنت بعد مدة لأن ذلك إشاعة للمنكر بما لا فائدة فيه ولا عود على الإسلام وإنما هو عيب ونقص فينبغي كفه ونسيانه دون إذاعته وإعلانه، وإنما يحرم التجسس عن ذلك إن لم يجدد العود عليه والإتيان به ثانيا. فإن عاوده فلا حرمة إذن.
قال في الرعاية: ويحرم التعرض لمنكر فعل خفية على الأشهر أو ماض أو بعيد وقيل يجهل فاعله ومحله. وقال أيضا: لا إنكار فيما مضى وفات إلا في العقائد أو الآراء) (3).
- ومن صور التجسس الممنوع استماع المرء إلى حديث قوم وهم له كارهون, فقد تُوُعِّدَ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه سيصب في أذنه الآنك يوم القيامة بسبب فعلته. فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك يوم القيامة)) (4).
قال علي بن ذريان في كتابه بهجة الأسماع في أحكام السماع: (ومن هذا الحديث يعلم أن الاستماع لحديث الآخرين بغير رضاهم وإذنهم هو من التجسس المحرم الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وحذر منه, وكفى بترتيب العقوبة المذكورة في الحديث على من يفعل هذا دليلاً على حرمته) (5).
ويدخل في هذه الصورة من صور التجسس التنصت على هواتف الناس ومكالماتهم وهو (يتضمن معنى تسمع حديث قوم أو التجسس عليهم فيكون حكم المسألة هو حكم التجسس ... أو يكون حكمه حكم التسمع إلى حديث قوم وهم كارهون لأن العادة أن الناس لا يريدون أن يطلع على مكالمتهم أحد والذي يتنصت على هواتف الناس بهذا المعنى يدخل تحت الوعيد) (6).

(1) ((المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية)) (4/ 207).
(2) ((تفسير عبد الرزاق الصنعاني)) (3/ 223).
(3) ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) للسفاريني (1/ 263).
(4) رواه الطبراني (11/ 248) (11637). قال الألباني في ((صحيح الجامع)) (6028): صحيح. والحديث رواه بنحوه البخاري (7042).
(5) ((بهجة الأسماع في أحكام السماع في الفقه الإسلامي)) لعلي بن ذريان (ص: 364).
(6) ((أحكام السماع والاستماع في الشريعة الإسلامية)) لمحمد معين الدين بصري (ص: 357).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ومن صور التجسس الممنوع التجسس على الكافر المسالم خاصة إذا لم يظهر منه ما يدعو للريبة قال محمد معين الدين البصري: (والظاهر عدم الجواز إذا لم يظهر منه الريبة في إرادة الفساد لأمر الله بالقسط معهم قال تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: 8] ولأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسماء رضي الله عنها بصلة رحم أمها تطبيقاً للآية السابقة).
- ومن أبشع صور التجسس وأقبحها التجسس على المسلمين لصالح أعداء الدين (فإذا كان التجسس للوقوف على عورات الأفراد ومعائبهم أمراً محرماً فإن التجسس على الأمة الإسلامية لحساب أعدائها أشد حرمة, وأعظم خطراً وضرراً على البلاد والعباد وخيانة لله ورسوله وللأمة وقد تحدث الفقهاء رحمهم الله تعالى على عقوبة من يقوم بهذا العمل الخطير, الذي يعرض الأمة الإسلامية بأكملها لأضرار فادحة قد يستمر أثرها لأمد بعيد محطماً كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة الإسلامية) (1).
قال عبد القادر العاني: (ومن أكبر الكبائر وأفظعها التجسس على المسلمين وإفشاء أسرارهم الحربية إلى أعدائهم أو إلى من يوصل إليهم) (2).
وقال محمد الطاهر بن عاشور: (وإذ قد اعتبر النهي عن التجسس من فروع النهي عن الظن فهو مقيد بالتجسس الذي هو إثم أو يفضي إلى الإثم، وإذا علم أنه يترتب عليه مفسدة عامة صار التجسس كبيرة. ومنه التجسس على المسلمين لمن يبتغي الضر بهم ... ) (3).
صور التجسس المشروع:
- من صور التجسس المشروع التجسس على أعداء الأمة لمعرفة عددهم وعتادهم (فقد اتفق الفقهاء على أن التجسس والتنصت على الكفار في الحرب مشروع وجائز لمعرفة عددهم، وعتادهم، وما يخططون له، ويدبرون من المكائد للمسلمين، وهو الأمر الذي يكون بعلم الإمام وتحت نظره ومعرفته) (4).
(فالتجسس على أعداء الأمة الإسلامية بتتبع أخبارهم، والاطلاع على مخططاتهم التي يعدونها للقضاء على الأمة الإسلامية، وإثارة الفتنة والقلاقل بين صفوفها، وزعزعة أمنها واستقرارها أمر مشروع، بل قد يكون واجباً في حالة قيام حرب بينهم وبين المسلمين، وقد دل على مشروعيته الكتاب والسنة وعمل الصحابة:
فمن الكتاب: عموم قول الله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال: 60].
فقد أمرت الآية المسلمين بإعداد ما يستطيعون من قوة لمواجهة الأعداء، ومن أسباب القوة التخطيط السليم، واليقظة والحذر، والتأهب الدائم، لإحباط مخططات الأعداء، ولا شك أن ذلك لا يتم إلا بمعرفة أخبار الأعداء وخططهم، ورصد تحركاتهم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فدلت الآية على مشروعية التجسس على الأعداء بكل وسيلة شريفة وطريقة نبيلة).
ومن السنة أحاديث كثيرة منها:

(1) ((عقوبة الإعدام دراسة فقهية مقارنة لأحكام العقوبة بالقتل في الفقه الإسلامي)) لمحمد بن سعد الغامدي (ص: 472).
(2) ((بيان المعاني)) لعبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني (6/ 226).
(3) ((التحرير والتنوير)) لمحمد الطاهر بن عاشور (26/ 254).
(4) ((بهجة الأسماع في أحكام السماع في الفقه الإسلامي)) لعلي بن ذريان (ص: 376).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ما ورد أن نعيم بن مسعود رضي الله عنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق، فقال: ((يا رسول الله، مرني بما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا، فذهب نعيم بن مسعود إلى بني قريظة، وكان لهم نديمهم في الجاهلية وحذرهم: إن هزمت قريش فنجت بنفسها فإنها ستترككم تحت رحمة محمد وصحبه, ونصحهم ألا يطمئنوا لقريش إلا أن يأخذوا الرهائن من السادة والأشراف ثم ذهب إلى قريش وأوهمهم أن بني قريظة نادمة على نقض العهد مع محمد, وقال: تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم؟ ثم ذهب إلى غطفان وأوهمهم بما أوهم به قريشاً فاستعجلت قريش وعد قريظة لها نصرتها, فكان جوابهم ما يؤكد كلام نعيم بن مسعود من أنهم بيتوا الغدر ونجح نعيم ابن مسعود في الإيقاع بهم وتفريق كلمتهم)) (1).
- وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوم الأحزاب من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال إن لكل نبي حواريا وإن حواري الزبير)) (2) ....
- وعن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، يزيد أحدهما على صاحبه قالا: ((خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما أتى ذا الحليفة، قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة، وبعث عينا له من خزاعة، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان بغدير الأشطاط أتاه عينه، قال: إن قريشا جمعوا لك جموعا، وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت، ومانعوك، فقال: أشيروا أيها الناس علي، أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت، فإن يأتونا كان الله عز وجل قد قطع عينا من المشركين، وإلا تركناهم محروبين، قال أبو بكر: يا رسول الله، خرجت عامدا لهذا البيت، لا تريد قتل أحد، ولا حرب أحد، فتوجه له، فمن صدنا عنه قاتلناه. قال: امضوا على اسم الله)) (3).
... فهذه الأحاديث جميعها تدل على مشروعية جمع المعلومات عن الأعداء وكشف مخططاتهم وذلك بالطرق المشروعة والوسائل الشريفة، وأنه عليه الصلاة والسلام كان يتخير لهذه المهمة الأشخاص الذين كان يثق بهم حرصاً منه على صحة المعلومات التي تصله، ودقتها، لكي يبني عليها خططه العسكرية في مواجهة الأعداء) (4).
- ومن صور التجسس المشروع (تتبع المجرمين الخطرين وأهل الريب وقد عده بعض الفقهاء من التجسس المشروع إذا كانت جرائمهم ذات خطر كبير على الأفراد أو على الأمة بأسرها، وغلب على الظن وقوعها بأمارات وعلامات ظاهرة، وذلك كالتجسس على إنسان يغلب على الظن أنه يتربص بآخر ليقتله، أو بامرأة أجنبية ليزني بها، بل قد يكون واجباً إذا خيف فوات تدارك الجريمة بدون التجسس.
ورد في نهاية المحتاج: (وليس لأحد البحث والتجسس واقتحام الدور بالظنون، نعم إذا غلب على ظنه وقوع معصية ولو بقرينة ظاهرة كإخبار ثقة جاز له، بل وجب عليه التجسس إن فات تداركها كقتل وزنى، وإلا فلا) (5).

(1) رواه بنحوه البيهقي في ((دلائل النبوة)) (3/ 445 - 447).
(2) رواه البخاري (4113).
(3) رواه البخاري (4178).
(4) ((عقوبة الإعدام دراسة فقهية مقارنة لأحكام العقوبة بالقتل في الفقه الإسلامي)) لمحمد بن سعد الغامدي (ص: 465 - 467).
(5) ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (4/ 47 - 49).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وذكر القاضي أبو يعلى جوازه في حالة ما إذا كان في تركه انتهاك حرمة يفوت استدراكها، مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلاً خلا برجل ليقتله، أو بامرأة ليزني بها، فيجوز له في مثل هذه الحال أن يتجسس، ويقدم على الكشف والبحث، حذراً من فوات ما لا يستدرك من انتهاك المحارم وارتكاب المحظورات (1).
(ويتخرج على هذه المسألة وضع الدولة أجهزة تنصت ومراقبة على أجهزة الاتصال لأشخاص معينين، إن كانت الريبة تدور بهم للإيقاع بهم، ومعرفة صحة الشكوك المنسوبة إليهم، فهذا جائز وفق ما ذكرنا، إن كان بإذن الإمام وتحت نظره وفق المصلحة التي يراها الإمام) (2).
- ومن صور التجسس المشروع تفقد الوالي لأحوال رعيته لمعرفة المظلومين والمحتاجين وتأمين احتياجاتهم إذ هم أمانة في عنق الوالي (3).
ومن أمثلة ذلك:
- ما روي عن أسلم رضي الله عنه قال: خرجت ليلة مع عمر إلى حرة واقم، حتى إذا كنا بصرار إذا بنار فقال: يا أسلم هاهنا ركب قد قصر بهم الليل، انطلق بنا إليهم، فأتيناهم فإذا امرأة معها صبيان لها وقدر منصوبة على النار وصبيانها يتضاغون، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، قالت: وعليك السلام. قال: أدنو؟ قالت: ادن أو دع. فدنا فقال: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد. قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: من الجوع. فقال: وأي شيء على النار؟ قالت: ماء أعللهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر. فبكى عمر ورجع يهرول إلى دار الدقيق فأخرج عدلا من دقيق وجراب شحم، وقال: يا أسلم احمله على ظهري، فقلت: أنا أحمله عنك. فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة؟ فحمله على ظهره وانطلقنا إلى المرأة فألقي عن ظهره وأخرج من الدقيق في القدر، وألقى عليه من الشحم، وجعل ينفخ تحت القدر والدخان يتخلل لحيته ساعة، ثم أنزلها عن النار وقال: آتيني بصحفة. فأتي بها فغرفها ثم تركها بين يدي الصبيان وقال: كلوا، فأكلوا حتى شبعوا - والمرأة تدعو له وهي لا تعرفه - فلم يزل عندهم حتى نام الصغار، ثم أوصلهم بنفقة وانصرف، ثم أقبل علي فقال: يا أسلم الجوع الذي أسهرهم وأبكاهم (4).
- وقدم المدينة رفقة من تجار، فنزلوا المصلى فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: هل لك أن تحرسهم الليلة؟ قال: نعم! فباتا يحرسانهم ويصليان، فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لأمه: اتق الله تعالى وأحسني إلى صبيك. ثم عاد إلى مكانه، فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان آخر الليل سمع بكاء الصبي فأتى إلى أمه فقال لها: ويحك، إنك أم سوء، ما لي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة من البكاء؟! فقالت: يا عبد الله إني أشغله عن الطعام فيأبى ذلك، قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للمفطوم. قال: وكم عمر ابنك هذا؟ قالت: كذا وكذا شهرا، فقال: ويحك لا تعجليه عن الفطام. فلما صلى الصبح وهو لا يستبين للناس قراءته من البكاء. قال: بؤسا لعمر. كم قتل من أولاد المسلمين. ثم أمر مناديه فنادى، لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام. وكتب بذلك إلى الآفاق (5).

(1) ((الأحكام السلطانية)) للماوردي (ص: 366).
(2) ((بهجة الأسماع في أحكام السماع في الفقه الإسلامي)) لعلي بن ذريان (ص: 376).
(3) ((عقوبة الإعدام دراسة فقهية مقارنة لأحكام العقوبة بالقتل في الفقه الإسلامي)) لمحمد بن سعد الغامدي (ص: 469).
(4) ((البداية والنهاية)) لابن كثير (7/ 153 - 154).
(5) ذكره ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (7/ 153).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أسباب التجسس الممنوع
للتجسس الممنوع عدة دوافع يمكننا أن نذكر منها ما يلي:
1. الفضول المحض: قد يكون الدافع إلى التجسس وتتبع عورات الناس هو الفضول المحض وحب الاستطلاع ومعرفة ما خفي واستتر.
2. قصد الإيذاء والفضيحة: فيتجسس على الشخص لكي يؤذيه أو يفضحه لغرض في نفسه قد يكون دافعه الحسد أو الكراهية أو غير ذلك من الأمور.
3. سوء الظن: فالتجسس كما أسلفنا هو أثر من آثار سوء الظن, فإذا ظن شخص بشخص سوءا دفعه ذلك إلى التحقق من ظنه فيعمد إلى التجسس وتتبع العورات.
4. الانتقام والمعاملة بالمثل: وذلك إذا علم المتجسس عليه أن شخص ما يتتبع عورته ويتجسس على خصوصياته فعند ذلك يدفعه الانتقام إلى التجسس والبحث والتقصي, وخاصة إذا تسبب المتجسس في أذيته وفضحه.
5. الدافع المادي: بأن يكون مدفوعاً من جهة ما للتجسس والتقصي بمقابل إغراء مادي.
الوسائل المعينة على ترك التجسس
لا بد لكل داء من دواء ولكل صفة سيئة من علاج ونذكر من علاج التجسس ما يلي:
1. أن يراقب الله تبارك وتعالى قبل كل شيء, ويخشى أليم عقابه, وقوة انتقامه الذي أعده للمتجسسين على عورات الناس, فإن في ذلك زاجر له عن هذه الخلة القبيحة.
2. أن يترك الإنسان فضوله وحبه للتفتيش والاستطلاع على الآخرين وذلك بأن يشغل نفسه بما يهمه في دنياه وأخراه, ويعلق نفسه بمعالي الأمور ويبعدها عن سفاسفها, ويعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) (1).
3. أن ينمي في نفسه الحرص على وحدة المسلمين وترابطهم والخوف من تفككهم وتقطع الأواصر بينهم, فإن هذا يجعله يبتعد عن كل ما يكون سبباً في تهديد هذه الوحدة والترابط سواء كان ذلك السبب هو التجسس أو غيره من الأخلاق السيئة.
4. أن يتدبر الشخص في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وآثار السلف التي تحذر من هذه الصفة فإن في ذلك رادع قوي وعلاج ناجع.
5. أن يعرف أن ما يفعله هو أذية للمسلمين بكل المقاييس وأن أذيتهم لا تجوز شرعاً.
6. أن يخشى المتجسس من الفضيحة التي توعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يتتبعون عورات الناس وأن الله سيفضحهم ولو في قعر دورهم.

(1) رواه الترمذي (2317)، وابن ماجه (3976)، وابن حبان (1/ 466) (229)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3/ 188) (2881)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (4/ 255) (4987). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الترمذي: غريب، وقال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (7/ 184): [فيه] قرة بن عبد الرحمن أرجو أنه لا بأس به، وقال الخطيب البغدادي في ((تاريخ بغداد)) (12/ 64): الصحيح مرسل، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/ 29): رواته ثقات إلا قرة ففيه خلاف، وحسنه النووي في ((تحقيق رياض الصالحين)) (67)، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (8234)، وحسنه البهوتي في ((كشاف القناع)) (2/ 449)، وقال السفاريني في ((شرح كتاب الشهاب)) (292): الصحيح أنه حديث حسن، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،التجسس في واحة الشعر ..
قال الشاعر:
لا تلتمس من مساوي الناس ماستروا ... فيهتك الناس سترا من مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحدا عيبا بما فيكا (1)
وقال آخر:
يخرج أسرار الفتى جليسة ... رب امرئ جاسوسه أنيسه (2)
وشكا بعض الملوك تنقيب العوام عن أسرار الملوك فقال:
ما يريد الناس منا ... ما ينام الناس عنا
لو سكنَّا باطن الأر ... ض لكانوا حيث كنا
إنما همهم أن ... ينشروا ما قد دفنا) (3). ...

(1) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان البستي (ص: 128).
(2) ((الصداقة والصديق)) لأبي حيان التوحيدي (ص: 284).
(3) ((الرسائل)) للجاحظ (1/ 158 – 159).