الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : الجبن

الجبن

معنى الجبن لغة واصطلاحاً
معنى الجبن لغة:
تقول: (جَبَنَ يَجْبُن وجَبُنَ جُبْناً وجُبُناً وجَبانةً وأَجْبَنَه وجده جَباناً أَو حَسِبَه إياه، والجَبانُ من الرِّجالِ الذي يَهاب التقدُّمَ على كل شيء لَيْلاً كان أَو نهاراً، ... وهو ضِدُّ الشَّجاعة والشُّجاع والأُنثى جَبان مثل حصان ورَزَان وجَبانةٌ ونِساء جَباناتٌ) (1).
معنى الجبن اصطلاحاً:
هي هيئة حاصلة للقوة الغضبية بها يحجم عن مباشرة ما ينبغي وما لا ينبغي (2).
وقال ابن مسكويه هو: (الخوف مما لا ينبغي أن يخاف منه) (3).
وعرفه الجاحظ بقوله: (هو الجزع عند المخاوف والإحجام عما تحذر عاقبته أو لا تؤمن مغبته) (4).

(1) ((لسان العرب)) لابن منظور (13/ 84).
(2) ((التعريفات)) للجرجاني (ص73).
(3) ((تهذيب الأخلاق)) لابن مسكويه (ص23).
(4) ((تهذيب الأخلاق)) للجاحظ (ص 33).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ذم الجبن في القرآن والسنة
ذم الجبن في القرآن الكريم:
ذم الله الجبن في كتابه بنهيه عباده المؤمنين عن الفرار في الجهاد في سبيل الله، قال ابن تيمية: (وما في القرآن من الحض على الجهاد والترغيب فيه وذم الناكلين عنه والتاركين له كله ذم للجبن) (1).
- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:16]
قال الشوكاني: (نهى الله المؤمنين أن ينهزموا عن الكفار إذا لقوهم، وقد دب بعضهم إلى بعض للقتال، فظاهر هذه الآية العموم لكل المؤمنين في كل زمن، وعلى كل حال، إلا حالة التحرف والتحيز) (2).
- ووصف الله سبحانه المنافقين بأنهم جبناء وأنهم لا يصمدون أمام الحروب والمعارك فقال: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:19 - 20]
قوله: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ (بأبدانهم عند القتال، وبأموالهم عند النفقة فيه، فلا يجاهدون بأموالهم وأنفسهم. فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نظر المغشي عليه مِنَ الْمَوْتِ من شدة الجبن، الذي خلع قلوبهم، والقلق الذي أذهلهم، وخوفًا من إجبارهم على ما يكرهون، من القتال.
فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ وصاروا في حال الأمن والطمأنينة، سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَة أي: خاطبوكم، وتكلموا معكم، بكلام حديد، ودعاوى غير صحيحة.
وحين تسمعهم، تظنهم أهل الشجاعة والإقدام، أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ الذي يراد منهم، وهذا شر ما في الإنسان، أن يكون شحيحًا بما أمر به، شحيحًا بماله أن ينفقه في وجهه، شحيحًا في بدنه أن يجاهد أعداء الله، أو يدعو إلى سبيل الله) (3).
- ووصفهم بأنهم فرَّارون من المعارك فقال: وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا [الأحزاب:13].
ثم بين الله سبحانه وتعالى بأنَّ ما يفرون منه سيأتيهم لا محالة فقال: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:16].
- وقال أيضاً في حقهم: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4]

(1) ((الحسبة في الإسلام)) لابن تيمية (ص 102).
(2) ((فتح القدير)) للشوكاني (3/ 160).
(3) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (660).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وقال ابن تيمية: (قد بين الله في كتابه: أن ما يوجبه الجبن من الفرار هو من الكبائر الموجبة للنار، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:15 - 16]
فأخبر أن الذين يخافون العدو خوفاً منعهم من الجهاد منافقون فقال: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ [الأنفال:56 - 57]) (1).
ذم الجبن في السنة النبوية:
- روى البخاري في صحيحه عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه بينما هو يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مقفلة من حنين فعلقه الناس يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال ((اعطوني ردائي لو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا، ولا كذوبا، ولا جبانا)) (2).
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لأبي طلحة: ((التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر، فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرا يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين ... )) (3).
- وعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه قال: ((إن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يتعوذ من خمس: من البخل، والجبن، وفتنة الصدر، وعذاب القبر، وسوء العمر)) (4).
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع)) (5).
قال ابن القيم في شرحه للحديث: (هنا أمران أمر لفظي وأمر معنوي فأما اللفظي: فإنه وصف الشح بكونه هالعا والهالع صاحبه وأكثر ما يسمى هلوعا ولا يقال: هالع له فإنه لا يتعدى وفيه وجهان:
أحدهما ـ أنه على النسب كقولهم: ليل نائم وشر قائم ونهار صائم ويوم عاصف كله عند سيبويه على النسب أي ذو كذا.
والثاني ـ أن اللفظة غيرت عن بابها للازدواج مع خالع وله نظائر

(1) ((قاعدة في الانغماس في العدو)) لابن تيمية (ص 40).
(2) رواه البخاري (2821).
(3) رواه البخاري (2891).
(4) رواه أبو داود (1539)، والنسائي (8/ 267)، وابن ماجه (772)، وأحمد (1/ 22) (145)، وابن حبان (3/ 300) (1024)، والحاكم (1/ 712). والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده الطبري في ((مسند عمر)) (2/ 573)، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (3/ 21) كما قال في المقدمة، وصححه العيني في ((عمدة القاري)) (8/ 211)، والسخاوي في ((البلدانيات)) (91)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (1/ 86).
(5) رواه أبو داود (2511)، وأحمد (2/ 302) (7997)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7/ 424) (10831). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال البيهقي: [له متابعة]، وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (4881)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (15/ 164)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود))


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وأما المعنوي: فإن الشح والجبن أردى صفتين في العبد ولا سيما إذا كان شحه هالعا أي ملولة في الهلع وجبنه خالعا أي قد خلع قلبه من مكانه فلا سماحة ولا شجاعة ولا نفع بماله ولا ببدنه كما يقال لا طعنة ولا جفنة ولا يطرد ولا يشرد بل قد قمعه وصغره وحقره ودساه الشح والخوف والطمع والفزع) (1).
- وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أنسابكم هذه ليست بسباب على أحد، وإنما أنتم ولد آدم، طف الصاع، لم تملؤوه، ليس لأحد فضل إلا بالدين أو عمل صالح، حسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا جبانا)) (2).
قال المناوي: (أي يكفيه من الشر والحرمان من الخير والبعد من منازل الأخيار ومقامات الأبرار كونه متصفا بذلك أو ببعضه) (3).
- وعن يعلى العامري رضي الله عنه قال: ((جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضمهما إليه وقال: إن الولد مبخلة مجبنة)) (4).
(أي: سبب لبخل الأب وجبنه ويحمل أبويه على البخل وكذلك على الجبن فإنه يتقاعد من الغزوات والسرايا بسبب حب الأولاد ويمسك ماله لهم) (5).

(1) ((عدة الصابرين)) لابن القيم (ص275).
(2) رواه أحمد (4/ 145) (17351)، والطبراني (17/ 295) (814). قال الهيثمي في ((ترغيب الترهيب)) (8/ 86): فيه ابن لهيعة وفيه لين وبقية رجاله وثقوا، وصححه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2962).
(3) ((فيض القدير)) للمناوي (5/ 484).
(4) رواه ابن ماجه (2972)، وأحمد (4/ 172) (17598)، والحاكم (3/ 179)، والبيهقي (10/ 202) (21385). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، قال الذهبي في ((المهذب)) (8/ 4210): إسناده قوي، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 57): رجاله ثقات، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (2150)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(5) ((شروح سنن ابن ماجه)) للسيوطي (2/ 1338).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أقوال السلف والعلماء في ذم الجبن
- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (كرم المؤمن تقواه ودينه حسبه ومروءته خلقه والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء فالجبان يفر عن أبيه وأمه والجريء يقاتل عما لا يؤوب به إلى رحله والقتل حتف من الحتوف والشهيد من احتسب نفسه على الله) (1).
- (وقالت عائشة رضي الله عنها: إن لله خلقا، قلوبهم كقلوب الطير، كلما خفقت الريح خفقت معها، فأفٍّ للجبناء، أفٍّ للجبناء) (2).
- وقال خالد بن الوليد: (حضرت كذا وكذا زحفا في الجاهلية والإسلام وما في جسدي موضع إلا وفيه طعنة برمح أو ضربة بسيف وها أنا ذا أموت على فراشي فلا نامت أعين الجبناء) (3).
- وقال ابن تيمية: (فإن الجميع يتمادحون بالشجاعة والكرم حتى إن ذلك عامة ما يمدح به الشعراء ممدوحيهم في شعرهم وكذلك يتذامون بالبخل والجبن) (4).
- وقال ابن القيم: (والجبن والبخل قرينان لأنهما عدم النفع بالمال والبدن وهما من أسباب الألم لأن الجبان تفوته محبوبات ومفرحات وملذوذات عظيمة لا تنال إلا بالبذل والشجاعة والبخل يحول بينه دونها أيضا فهذان الخلقان من أعظم أسباب الآلام) (5).
- وقال أيضاً: (فإن الإحسان المتوقع من العبد إما بماله وإما ببدنه فالبخيل مانع لنفع ماله والجبان مانع لنفع بدنه المشهور عند الناس أن البخل مستلزم الجبن من غير عكس لأن من بخل بماله فهو بنفسه أبخل) (6).
- (وقيل كتب زياد إلى ابن عباس: أن صف لي الشجاعة والجبن والجود والبخل فكتب إليه: كتبت تسألني عن طبائع ركبت في الإنسان تركيب الجوارح، اعلم أن الشجاع يقاتل عمن لا يعرفه، والجبان يفر عن عرسه، وأن الجواد يعطي من لا يلزمه، وأن البخيل يمسك عن نفسه، وقال الشاعر:
يفر جبان القوم عن عرس نفسه ... ويحمي شجاع القوم من لا يناسبه (7)
- وقالوا: الجبن غريزة كالشجاعة يضعها الله فيمن شاء من خلقه) (8).
(وقال المتنبي:
يرى الجبناء أن الجبن حزمٌ ... وتلك خديعة الطبع اللئيم
- وقالوا: حد الجبن الضن بالحياة، والحرص على النجاة
- وقال هانئ الشيباني لقومه يوم ذي قار يحرضهم على القتال: يا بني بكر هالك معذور، خيرٌ من ناجٍ فرور، المنية، ولا الدنية، استقبال الموت خير من استدباره، الثغر في ثغور النحور، خير من في الأعجاز والظهور، يا بني بكر قاتلوا، فما من المنايا بدٌ، الجبان مبغض حتى لأمه، والشجاع محببٌ حتى لعدوه) (9).

(1) رواه مالك في ((الموطأ)) (3/ 659) (1681).
(2) ذكره النويري في ((نهاية الأرب)) (3/ 318).
(3) رواه الواقدي في ((المغازي)) (ص 884)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (16/ 273)، وابن الجوزي في ((المنتظم)) (4/ 316)
(4) ((الاستقامة)) لابن تيمية. بتصرف (2/ 263).
(5) ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (2/ 433).
(6) ((الجواب الكافي)) لابن القيم (ص 113).
(7) ذكره النويري في ((نهاية الأرب)) (3/ 318 - 319).
(8) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 320).
(9) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 320).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
آثار ومضار الجبن
للجبن والخور أثار سيئة تعود على الجبان نفسه فمنها:
1 - (إهانة النفس وسوء العيش وطمع طبقات الأنذال وغيرهم.
2 - قلة الثبات والصبر، في المواطن التي يجب فيها الثبات.
3 - أنه سبب للكسل ومحبة الراحة اللذين هما سببا كل رذيلة.
4 - الاستحذاء لكل أحد والرضى بكل رذيلة وضيم.
5 - الدخول تحت كل فضيحة في النفس والأهل والمال.
6 - سماع كل قبيحة فاحشة من الشتم والقذف واحتمال كل ظلم من كل معامل وقلة الأنفة مما يأنف منه الناس) (1).
7 - أنه يشك في القَدَر، ويسيء الظن بالله.
8 - أن ما يوجبه الجبن من الفرار في الجهاد في سبيل الله هو من الكبائر الموجبة للنار.

(1) ملخص من كتاب ((تهذيب الأخلاق)) لابن مسكويه (ص170 - 171).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
علاج الجبن
الجبن له أسباب تجعل الشخص جبانا، ويلزم في علاجه إزالة علته، وعلتُه:
(إما جهل فيزول بالتجربة، وإما ضعف فيزول بارتكاب الفعل المخوف مرة بعد أخرى، حتى يصير ذلك له عادة وطبعاً،... فالمبتدئ في المناظرة، والإمامة، والخطابة، والوعظ، ... قد تجبن نفسه، ويخور طبعه، ويتلجلج لسانه، وما ذاك إلا لضعف قلبه، ومواجهة ما لم يتعوده، فإذا تكرر ذلك منه مرات، فارقه الضعف، وصار الإقدام على ذلك الفعل ضرورياً غير قابل للزوال، ... واعلم أن قوة النفس والعزم الجازم بالظفر سبب للظفر كما قال علي رضي الله عنه لما قيل له: كيف كنت تصرع الأبطال؟ قال: كنت ألقي الرجل فأقدر أني أقتله، ويقدر هو أيضاً أني أقتله فأكون أنا ونفسه عوناً عليه. ومن وصايا بعضهم: أشعروا قلوبكم في الحرب الجرأة، فإنها سبب الظفر. ومن كلام القدماء: من تهيب عدوه فقد جهز إلى نفسه جيشاً) (1).
وقال ابن مسكويه في وسائل علاج الجبن: (وذلك بأن توقظ النفس التي تمرض هذا المرض –مرض الجبن - بالهز والتحريك. فإن الإنسان لا يخلو من القوة الغضبية رأسا حتى تجلب إليه من مكان آخر ولكنها تكون ناقصة عن الواجب فهي بمنزلة النار الخامدة التي فيها بقية لقبول الترويح والنفخ، فهي تتحرك لا محالة إذا حركت بما يلائمها وتبعث ما في طبيعتها من التوقد والتلهب.
وقد حكي عن بعض المتفلسفين أنه كان يتعمد مواطن الخوف فيقف فيها ويحمل نفسه على المخاطرات العظيمة بالتعرض لها ويركب البحر عند اضطرابه وهيجانه ليعود نفسه الثبات في المخاوف ويحرك منها القوة التي تسكن عند الحاجة إلى حركتها ويخرجها عن رذيلة الكسل ولواحقه ولا يكره لمثل صاحب هذا المرض بعض المراء والتعرض للملاحاة وخصومة من يأمن غائلته حتى يقرب من الفضيلة التي هي وسط بين الرذيلتين أعني الشجاعة التي هي صحة النفس المطلوبة فإذا وجدها وأحس بها من نفسه كف ووقف ولم يتجاوزها حذرا من الوقوع في الجانب الآخر) (2).

(1) ((مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق)) لابن النحاس. بتصرف (2/ 954).
(2) ((تهذيب الأخلاق)) لابن مسكويه (ص170 - 171).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ما وصف به الجبان
وصف الجبان بصفات عديدة فوصف بأنه:
(فشل، وهل، هياب، رعديد (1)، رعش، خوار، خرع، ورع، ضرع (2)، منخوب، ونخيب (3) وإنه لمنخوب القلب، مخلوع الفؤاد، واهي الجأش (4)، خوار العود، خرع العود، رخو المعجم، رخو المغمز (5)، هش المكسر.، وفيه جبن خالع (6). وإنه لخشل فشل (7)، وهاع لاع (8). وهو فرأ (9) ما يقاتل، وما وراءه إلا الفشل والخور. وهو أجبن من صافر (10)، وأجبن من صفرد (11)، وأجبن من كروان (12)، وأجبن من ثرملة (13)، وأجبن من رباح (14).ويقال رجل قصف، وقصم، إذا كان ضعيفا سريع الانكسار. وقد انخرع الرجل إذا ضعف وانكسر، وضرب بذقنه الأرض إذا جبن وخاف. وورد عليه من الهول ما خلع قلبه، وهزم فؤاده، وزلزل أقدامه، وكسر بأسه، وفل غربه (15).وثلم حده، وكسر فوقه (16)، وفت في ساعده، وأوهن ساعده (17).وقد أحجم عن قرنه (18)، ونكل، ونكص، وانخزل، وتقاعس، وتراد، وارتد، وانكفأ. ويقال كهمت فلانا الشدائد إذا جبنته) (19).

(1) الذي يرعد عند القتال جبنا. والرعش مثله.
(2) كل ذلك بمعنى الضعيف الذي لا جلد له.
(3) مخلوع القلب.
(4) أي ضعيف القلب.
(5) من غمزت العود ونحوه إذا ضغطت عليه بيدك لتقومه.
(6) أي شديد يخلع قلب صاحبه.
(7) أي نهاية في الجبن. وأصل الخشل بفتح فسكون وهو البيضة التي استخرج جوفها ثم أطلق على كل فارغ الجوف والمراد به هنا الجبان الذي قد خلع فؤاده جبنا. وكسرت شينه مع الفشل للازدواج.
(8) ويقال هائع لائع أيضا وهو الأصل فيهما أي جبان جزوع.
(9) حمار الوحش.
(10) كل ما لا يصيد من الطير.
(11) طائر ضعيف يضرب به المثل في الجبانة.
(12) طائر آخر يقال هو الحجل.
(13) أنثى الثعلب.
(14) ولد القرد.
(15) بمعنى ثلم حده.
(16) من فوق السهم وهو مشق رأسه حيث يقع الوتر.
(17) كلاهما بمعنى أضعف عزمه.
(18) القرن بالكسر الكفؤ في الحرب. وأحجم عنه كف هيبة. وكذا ما يليه من الأفعال.
(19) ((نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد)) لإبراهيم اليازجي (1/ 85 - 86).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
من أخبار الجبناء
- قال أبو الفرج الأصفهاني: (كان أبو حية النميري وهو الهيثم بن الربيع بن زرارة جبانا بخيلا كذابا، قال ابن قتيبة: وكان له سيف يسميه، لعاب المنية، ليس بينه وبين الخشبة فرق، قال: وكان أجبن الناس، قال: فحدثني جار له، قال: دخل ليلة إلى بيته كلب فظنه لصا، فأشرفت عليه، وقد انتضى سيفه وهو واقف في وسط الدار يقول: أيها المغتر بنا، المجترئ علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك، خيرٌ قليل، وسيفٌ صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهورة ضربته، لا تخاف نبوته، اخرج بالعفو عنك قبل أن أدخل بالعقوبة عليك، إني والله إن أدع قيسا إليك لا تقم لها، وما قيس؟ تملأ والله الفضاء خيلا ورجلا، سبحان الله ما أكثرها وأطيبها فبينا هو كذلك، إذا الكلب قد خرج، فقال: الحمد لله الذي مسخك كلبا، وكفانا حربا) (1).
- (ولِيمَ بعض الجبناء على جبنه، فقال: أول الحرب شكوى، وأوسطها نجوى، وآخرها بلوى) (2).
- (وقال آخر: الحرب مقتلة للعباد، مذهبة للطارف والتلاد.
- وقيل لجبان: لم لا تقاتل؟ فقال: عند النطاح يغلب الكبش الأجم.
- وقالوا: الحياة أفضل من الموت، والفرار في وقته ظفر.
- وقالوا: الشجاع ملقى، والجبان موقى. قال البديع الهمداني: ما ذاق هماً كالشجاع ولا خلا. . . بمسرةٍ كالعاجز المتواني
- وقالوا: الفرار في وقته، خير من الثبات في غير وقته.
- وقالوا: السلم أزكى للمال، وأبقى لأنفس الرجال). (3).
- وقيل لأعرابي: ألا تعرف القتال؟ فإن الله قد أمرك به، فقال: والله إني لأبغض الموت على فراشي في عافية، فكيف أمضي إليه ركضا، قال الشاعر:
تمشي المنايا إلى قومٍ فأبغضها ... فكيف أعدو إليها عاري الكفن (4)
- وقال الفرار السلمي:
وفوارسٍ لبستها بفوارس ... حتى إذا التبست أملت بها يدي
وتركتهم نقض الرماح ظهورهم ... من بين مقتولٍ وآخر مسند
هل ينفعني أن تقول نساؤهم ... وقتلت دون رجالهم لا تبعد
- وقال آخر:
قامت تشجعني هندٌ فقلت لها ... إن الشجاعة مقرون بها العطب
لا والذي منع الأبصار رؤيته ... ما يشتهي الموت عندي من له أرب
للحرب قوم أضل الله سعيهم ... إذا دعتهم إلى نيرانها وثبوا
- وقيل لجبان في بعض الوقائع: تقدم، فقال:
وقالوا: تقدم قلت لست بفاعل ... أخاف على فخارتي أن تحطما
فلو كان لي رأسان أتلفت واحدا ... ولكنه رأس إذا زال أعقما
وأوتم أولادا وأرمل نسوة ... فكيف على هذا ترون التقدما (5).
- (وقيل لأعرابي: ألا تغزو العدو؟ قال: وكيف يكونون لي عدواً وما أعرفهم ولا يعرفوني؟) (6).
- وقال أيمن بن خريم:
إن للفتنة ميطا بينا ... فرويد الميط منهم يعتدل
فإذا كان عطاء فأتهم ... وإذا كان قتال فاعتزل
إنما يسعرهم جهم لهم ... حطب النار فدعهم تشتعل
- وقال أبو دلامة: (كنت مع مروان أيام الضحاك الحروري، فخرج فارس منهم فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فقتله، ثم ثان فقتله، ثم ثالث فقتله فانقبض الناس عنه وجعل يدنو ويهدر كالفحل المغتلم. فقال مروان: من يخرج إليه وله عشرة آلاف؟ قال: فلما سمعت عشرة آلاف هانت علي الدنيا وسخوت بنفسي في سبيل عشرة آلاف وبرزت إليه، فإذا عليه فرو قد أصابه المطر فارمعل، ثم أصابته الشمس فاقفعل، وله عينان تتقدان كأنهما جمرتان. فلما رآني فهم الذي أخرجني، فأقبل نحوي وهو يرتجز ويقول:

(1) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 320).
(2) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 321).
(3) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 322).
(4) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 322).
(5) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 324).
(6) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (1/ 144).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وخارج أخرجه حب الطمع ... فر من الموت وفي الموت وقع
من كان ينوي أهله فلا رجع
فلما رأيته قنعت رأسي، ووليت هارباً، ومروان يقول: من هذا الفاضح؟ لا يفتكم، فدخلت في غمار الناس) (1).
- (وحكي أن عمرو بن معد يكرب مر بحي من أحياء العرب وإذا هو بفرس مشدود ورمح مركوز وإذا صاحبهما في وهدة من الأرض يقضي حاجته فقال له عمرو خذ حذرك فإني قاتلك لا محالة فالتفت إليه وقال له من أنت قال أبو ثور عمرو بن معد يكرب قال أنا أبو الحرث ولكن ما أنصفتني أنت على ظهر فرسك وأنا في وهدة فأعطني عهدك أن لا تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حذري فأعطاه عهداً على ذلك فخرج من الوهدة التي كان فيها وجلس محتبياً بحمائل سيفه فقال له عمرو ما هذا الجلوس قال ما أنا براكب فرسي ولا مقاتلك فإن كنت نكثت العهد فأنت أعلم ما يلقى الناكث فتركه ومضى وقال هذا أجبن من رأيت) (2).
- ومن الفرارين: (أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد. فر يوم مرداء هجر من أبي فديك. فسار من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيام، فجلس يوماً بالبصرة فقال: سرت على فرسي المهرجان من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيام. فقال له بعض جلسائه: أصلح الله الأمير، فلو ركبت النيروز لسرت إليها في يوم واحد. فلما دخل عليه أهل البصرة لم يروا كيف يكلمونه ولا ما يلقونه من القول، أيهنئونه أم يعزونه، حتى دخل عليه عبد الله بن الأهتم فاستشرف الناس له وقالوا: ما عسى أن يقال للمنهزم؟ فسلم ثم قال: مرحباً بالصابر المخذول، الذي خذله قومه الحمد لله الذي نظر لنا عليك ولم ينظر لك علينا، فقد تعرضت للشهادة جهدك، ولكن علم الله تعالى حاجة أهل الإسلام إليك فأبقاك لهم بخذلان من معك لك. فقال أمية بن عبد الله: ما وجدت أحداً أخبرني عن نفسي غيرك) (3).

(1) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (1/ 143).
(2) ((غرر الخصائص الواضحة)) لبرهان الدين محمد بن إبراهيم (ص 457).
(3) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (1/ 142).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الأمثال في الجبن
1 - من أمثالهم في الجبن: (إنَّ الجبان حتفه من فوقه
أي: أنَّ حذره وجبنه ليس بدافع عنه المنية إذا نزل به قدر الله. قال أبو عبيد: وهذا شبيه المعنى بالذي يحدث به عن خالد بن الوليد، فإنه قال عند موته: " لقد لقيت كذا وكذا زحفاً وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية، ثم ها أنذا أموت حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء " قال أبو عبيد: يقول: فما لهم يجبنون عن القتال ولم أمت أنا به، إنما أموت بأجلي. ومنه الشعر الذي تمثل به سعد بن معاذ يوم الخندق:
لبث قليلاً يلحق الهيجا حمل ... ما أحسن الموت إذا حان الأجل
وكذلك قول الأعشى:
أبالموت خشتني عباد وإنّما ... رأيت منايا الناس يسعى دليلها) (1)
2 - (في المثل فلان أَجْبَنُ من المَنزوف ضَرِطاً وأَجبن من المنزوف خَضْفاً:
يقال: أَن رجلاً فَزِع فضَرطَ حتى مات.
وقال اللحياني: هو رجل كان يدعي الشجاعة فلما رأَى الخيل جعل يَفْعل حتى مات هكذا قال يفعل يعني يَضْرَطُ.
وقال ابن بري: هو رجل كان إذا نُبِّه لشُرب الصَّبوح قال هلاَّ نَبَّهْتني لخيل قد أَغارت؟ فقيل له يوما على جهة الاختبار هذه نواصي الخيل فما زال يقول الخيل الخيلَ ويَضْرَط حتى مات) (2).
3 - (ومن أمثالهم في عيب الجبان قولهم: كل أزب نفور.
المثل لزهير بن جذيمة العبسي، وذلك أنَّ خالد بن جعفر بن كلاب كان يطلبه بذحلٍ، فكان زهير يوماً في إبل له يهنوها ومعه أخوه أسيد بن جذيمة فرأى أسيد خالد بن جعفر قد أقبل ومعه أصحابه، فأخبر زهيراً بمكانهم، فقال له زهير: كأنَّ أزب نفور، وإنما قال له هذا لأنَّ أسيداً كان أشعر، فقال: إنما يكون نفار الأزب من الإبل لكثرة شعره، يكون ذلك على عينيه، فكلما رآه ظن أنه شخص يطلبه فينفر من أجله) (3).
4 - (وقولهم: عصا الجبان أطول
قال أبو عبيد: وأحسبه إنما يفعل هذا لأنه من فشله يرى أنَّ طولها أشد ترهيباً لعدوه من قصرها) (4).

(1) ((الأمثال)) لابن سلام (ص316).
(2) ((لسان العرب)) لابن منظور (9/ 325).
(3) ((الأمثال)) لابن سلام (ص317).
(4) ((الأمثال)) لابن سلام (ص318).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الجبن في واحة الشعر ..
قال حسان بن ثابت يعير الحارث ابن هشام بفراره يوم بدر:
إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام
لأحبة لم يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرةٍ ولجامِ
ملأت به الفرجين فارمدَّت به ... وثوى أحبته بشر مقامِ
ومن أبلغ ما قيل في الجبن من الشعر القديم،
قول الشاعر:
ولو أنها عصفورة لحسبتها ... مسومةً تدعو عبيدا وأرنما
ومثله قول عروة بن الورد:
وأشجع قد أدركتهم فوجدتهم ... يخافون خطف الطير من كل جانب
وقال آخر:
ما زلت تحسب كل شيء بعدهم ... خيلا تكر عليهم ورجالا
وقول أبي تمام:
موكلٌ بيفاع الأرض يشرفه ... من خفة الخوف لا من خفة الطربِ
وقال ابن الرومي:
وفارسٍ أجبن من صفردٍ ... يحول أو يغور من صفره
لو صاح في الليل به صائحٌ ... لكانت الأرض له طفره
يرحمه الرحمن من جبنه ... فيرزق الجند به النصره (1).
وقال المتنبي:
وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطعن وحده والنزالا
وقال آخر:
جهلاً علينا وجبناً عن عدُوِكم ... لبئست الخلتانُ الجهلُ والجبن ...

(1) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 321).