الأحد، 11 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : خصائص الأخلاق الإسلامية

خصائص الأخلاق الإسلامية

(لأخلاقنا الإسلامية خصائص مميزة تنفرد بها، وتجعلها ذات شخصية مستقلة، وطبيعة خاصة.
فهي أخلاق تستمد مصدرها من كتاب الله تعالى، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وما دامت أخلاقنا الإسلامية تقوم على القرآن والسنة، فهي بذلك تتسم بالشمول، والصلاحية للتطبيق في كل زمان ومكان، كما أنها تتسم بأنها قائمة على الإقناع العقلي والوجداني (العاطفي) معاً، كما أنها تقوم على المسؤولية، فللمسؤولية في أخلاق المسلم جانبان: شخصي وجماعي معاً، كما أنها تحكم على الأعمال ظاهراً وباطناً، فالرقابة الذاتية لها أثرها الفعال في أخلاق المسلم، وهي في النهاية تجعل الجزاء العادل لكل من الأخيار والأشرار في الدنيا والآخرة.
أولاً: الأخلاق الإسلامية ربانية المصدر:
الأخلاق الإسلامية تعتمد على كتاب الله وسنة الني صلى الله عليه وسلم، فهي ربانية الهدف والغاية، وعلى هذا فهي بعيدة كل البعد عن الرأي البشري، والنظام الوضعي، والفكر الفلسفي (1).
وما دامت الأخلاق الإسلامية ربانية المصدر فهي تتسم بسمة الخلود والصدق والصحة، وكيف لا؟ والله تعالى يقول: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] ...
ثانياً: الشمول والتكامل:
من خصائص الأخلاق الإسلامية: إنها شاملة، ومتكاملة، وهي خاصية منبثقة من الخاصية الأولى، وهي الربانية، فالإنسان لأنه محدود الكينونة في الزمان والمكان، والعلم والتجربة، كما أنه محكوم بضعفه وميله وشهوته ورغبته، وقصوره وجهله، لذلك كان من المستحيل أن تكون الأخلاق الوضعية للبشر شاملة وعالمية، فأما حين يتولى الله سبحانه وتعالى ذلك كله، فإن التصور العقائدي، وكذلك المنهج الحياتي للإنسان يجيئان بكل ما يعتور الصبغة البشرية من القصور والنقص، وهكذا كان الشمول خاصية من خصائص الأخلاق الإسلامية (2) ...
ثالثاً: الصلاحية العامة لكل زمان ومكان:
أخلاقنا الإسلامية ربانية المصدر، وتمتاز بالشمول، ولما كانت كذلك فهي صالح لجميع الناس في كل العصور، وفي جميع الأماكن، نظراً لما تتميز به من اسهولة واليسر، وعدم المشقة، ورفع الحرج عن الناس، وعدم تكليفهم بما لا يطاق.
قال تعالى: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185].
قال عز وجل: يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النساء: 28] ...
رابعاً: الإقناع العقلي والوجداني:
العقل السليم يقنع بما أتت به الشريعة الإسلامية من نظم أخلاقية متميزة ومستقلة عن غيرها، من النظم الأخلاقية التي وضعها المفكرون والفلاسفة على حسب البيئة التي يعيشون فيها، أو على حسب أهوائهم.
كذلك فإن الجانب الوجداني (العاطفي) والذي محله القلب على قناعة تامة بأصول الأخلاق الإسلامية. إن أخلاقنا الإسلامية بها يقنع العقل السليم، ويرضى بها القلب.
فالعقل السليم، والقلب النير عندما يعلم أن الأخلاق الإسلامية تنهى عن: الكذب، والغيبة، والنميمة، وقول الزور، والظلم، والشح، والعدوان، والمنكر بكل أساليبه يكون على قناعة بهذا الخلق الرباني المتميز والمستقل عن غيره (3).
خامساً: المسؤولية:
الأخلاق الإسلامية تجعل الإنسان مسؤولاً عما يصدر منه في كل جوانب الحياة، سواء كانت هذه المسؤولية مسؤولية شخصية، أم مسؤولية جماعية، ولا تجعله اتكالياً لا يأبه بما يدور حوله من أشياء، وهذه خاصية من خصائص أخلاقنا انفردت بها الشريعة الغراء.

(1) ((خصائص التصور الإسلامي ومقوماته)) (ص: 65).
(2) ((أخلاقنا الاجتماعية)) مصطفى السباعي (ص: 173).
(3) ((السلوك الاجتماعي في الإسلام)) حسن أيوب (ص: 167).
ونعني بالمسؤولية الشخصية: إن الإنسان مسؤول عما يصدر منه عن نفسه إن كان خيراً فخيراً، وإن كان شراً فشراً، وفي هذا الصدد يقول الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ [فصلت: 46].
ويقول سبحانه: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور: 21].
ويقول عز وجل: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الإسراء: 15].
ويقول تعالى: وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ [النساء: 111].
ويقول تعالى: السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء: 26].
فهذه الآيات وغيرها تبين لنا مدى المسؤولية التي تقع على عاتق الإنسان عما يصدره منه عنه نفسه. ويقول صلى الله عليه وسلم: (( ... وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا يهوى بها في جهنم)) (1)، يقول ابن حجر في شرح الحديث: (لا يلقى لها بالاً: أي: لا يتأمل بخاطره، ولا يتفكر في عاقبتها، ولا يظن أنها تؤثر شيئاً) (2)، فقبل أن تخرج الكلمة من فيك، أعط نفسك فرصة للتفكير، هل ما ستقوله يرضي الله أم يغضبه؟ هل تكون عاقبته خيراً أم شراً؟ وطالما لم تخرج فأنت مالكها، فإذا خرجت كنت أسيرها، وإذا كان هذا في الكلام ففي سائر التصرفات من باب أولى.
ونعني بالمسؤولية العامة (الجماعية): تلك المسؤولية التي تراعي الصالح العام للناس، فلا يكون الرجل إمعة متكاسلاً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا)) (3)، وأعلم أن كل كلام الإنسان عليه لا له إلا أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر الله، كما جاء في الحديث: ((كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر الله)) (4)، فعليك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان)) (5)، وأعلم: ((إن الناس إذا رأوا منكراً، ولا يغيرونه، أوشك الله أن يعمهم بعقابه)) (6).
سادساً: العبرة بالظاهر والباطن من الأعمال معاً:
أخلاقنا الإسلامية لا تكتفي بالظاهر من الأعمال، ولا تحكم عليه بالخير والشر بمقتضى الظاهر فقط، بل يمتد الحكم ليشمل النوايا والمقاصد، وهي أمور باطنية، فالعبرة إذاً بالنية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) (7)، ... والنية هي مدار التكليف، وعلى ذلك ننظر إلى نية الإنسان حتى نحكم على عمله الظاهر بالإيجاب أو بالسلب.
سابعاً: الرقابة الدينية:
الرقابة: تعني مراقبة المسلم لجانب مولاه سبحانه في جميع أمور الحياة (8).

(1) رواه البخاري (6478).
(2) ((فتح الباري)) (11/ 311).
(3) رواه الترمذي (2007)، والبزار (7/ 229). وحسنه الترمذي، وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (6271).
(4) رواه الترمذي (2412)، وابن ماجه (3974)، وأبو يعلى (13/ 58). قال الترمذي: غريب. وضعفه الالباني في ((السلسلة الضعيفة)) (1366).
(5) رواه مسلم (49).
(6) رواه أبو داود (4338)، والترمذي (3057)، ابن ماجه (4005). قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (2136).
(7) رواه البخاري (1).
(8) ((الإسلام عقيدة وشريعة)) الشيخ شلتوت (ص: 4).
وعلى هذا فإن الرقابة في أخلاقنا الإسلامية لها مدلولها المستقل والمختلف عن الرقابة في مصادر الأخلاق الأخرى، حيث تكون رقابة خارجية من الغير تتمثل في رقابة السلطة، والأفراد (1).
أما الرقابة في الإسلام فهي رقابة ذاتية في المقام الأول، وهي رقابة نابعة من التربية الإسلامية الصحيحة، ومن إيقاظ الضمير، فإذا كان المسلم يعلم أن الله معه، وأنه مطلع على حركاته وسكناته، فإنه يكون رقيباً على نفسه ولا يحتاج إلى رقابة الغير عليه، يقول تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [الحديد: 4]، ويقول سبحانه: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه: 7]، ويقول عز وجل: إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1]، فإذا قرأ المسلم هذه الآيات وعرف معناها فإنه حينئذ يتيقن أنه إذا تمكن من الإفلات من رقابة السلطة، فإنه لن يتمكن من الإفلات من رقابة الله، وهذا في حد ذاته أكبر ضمان لعدم الانحراف والانسياق إلى الأخلاق المذمومة (2).
ثامناً: تراعى التدرج:
التدرج في إلقاء الأوامر، بتقديم الأهم على المهم، واجتناب الأفحش، والسهولة واليسر ... وهو أهم ما يميز أخلاقنا الإسلامية، فهي لا تطلب من الناس العمل بما لا يطاق، ولا بالمستحيل.
تاسعاً: الجزاء على الخير والشر:
الجزاء من جنس العمل – كما يقال – وأخلاق الإسلام تعطي الجزاء لكل من يعمل خيراً، أو يقترف شراً. هذا الجزاء قد يكون في الدنيا، وقد يكون في الآخرة.
فالأخيار من الناس: جزاؤهم عظيم في الدنيا والآخرة:
أما جزاؤهم في الآخرة: فتشير إليه آيات كثيرة منها:
قوله تعالى: وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 72].
قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ [البينة: 7 - 8].
وأما جزاؤهم في الدنيا: فتشير إليه آيات منها:
قوله تعالى وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
- قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ...
والأشرار من الناس: جزاؤهم عظيم في الدنيا والآخرة
أما جزاؤهم في الآخرة: فتشير إليه آيات كثيرة منها
- قوله تعالى: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ...
وأما جزاؤهم في الدنيا: فتشير إليه آيات منها:
قوله تعالى: وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [النحل: 112].) (3).

(1) ((نظام الحكومة النبوية)) عبد الحي الكتاني (ص: 470).
(2) ((القيم الخلفية في الإسلام)) (ص: 11).
(3) ((الأخلاق الإسلامية)) لحسن السعيد المرسي (ص 53)