الصبر
معنى الصبر لغة واصطلاحاً
معنى الصبر لغة
الصَبْرُ: حَبس النفس عن الجزع. وقد صَبَر فلانٌ عند المصيبة يَصْبِرُ صَبْراً (1).
وقال في اللسان: (الصَّبْرُ نقيض الجَزَع صَبَرَ يَصْبِرُ صَبْراً فهو صابِرٌ وصَبَّار وصَبِيرٌ وصَبُور والأُنثى صَبُور أَيضاً بغير هاء وجمعه صُبُرٌ. وأَصل الصَّبْر الحَبْس وكل من حَبَس شيئاً فقد صَبَرَه) (2).
معنى الصبر اصطلاحا:
عرفه ابن القيم بقوله: (هو خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها) (3).
وقيل هو: (ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله لا إلى الله) (4).
وقيل الصبر: (حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه) (5).
معنى الصبر لغة
الصَبْرُ: حَبس النفس عن الجزع. وقد صَبَر فلانٌ عند المصيبة يَصْبِرُ صَبْراً (1).
وقال في اللسان: (الصَّبْرُ نقيض الجَزَع صَبَرَ يَصْبِرُ صَبْراً فهو صابِرٌ وصَبَّار وصَبِيرٌ وصَبُور والأُنثى صَبُور أَيضاً بغير هاء وجمعه صُبُرٌ. وأَصل الصَّبْر الحَبْس وكل من حَبَس شيئاً فقد صَبَرَه) (2).
معنى الصبر اصطلاحا:
عرفه ابن القيم بقوله: (هو خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها) (3).
وقيل هو: (ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله لا إلى الله) (4).
وقيل الصبر: (حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه) (5).
(2) ((لسان العرب)) لابن منظور (4/ 437).
(3) ((عدة الصابرين)) لابن القيم (ص 34)
(4) ((التعريفات)) للجرجاني (ص131).
(5) ((مفردات ألفاظ القرآن الكريم)) للراغب الأصفهاني (474).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الفرق بين الصبر، والتصبر، والاصطبار، والمصابرة، والاحتمال
(الفرق بين هذه الأسماء بحسب حال العبد في نفسه وحاله مع غيره:
- فإن حبس نفسه ومنعها عن إجابة داعي ما لا يحسن إن كان خلقا له وملكة سمي صبراً.
- وإن كان بتكلف وتمرن وتجرع لمرارته سمي تصبرا.
كما يدل عليه هذا البناء لغة، فإنه موضوع للتكلف كالتحلم والتشجع والتكرم والتحمل ونحوها وإذا تكلفه العبد واستدعاه صار سجية له.
كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ومن يتصبر يصبره الله)) (1) وكذلك العبد يتكلف التعفف حتى يصير التعفف له سجية، كذلك سائر الأخلاق ...
- وأما الاصطبار فهو أبلغ من التصبر:
فإنه افتعال للصبر بمنزلة الاكتساب فالتصبر مبدأ الاصطبار، كما أن التكسب مقدمة الاكتساب، فلا يزال التصبر يتكرر حتى يصير اصطباراً.
- وأما المصابرة فهي مقاومة الخصم في ميدان الصبر:
فإنها مفاعلة تستدعي وقوعها بين اثنين كالمشاتمة والمضاربة قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 200] فأمرهم بالصبر، وهو حال الصابر في نفسه والمصابرة وهي حالة في الصبر مع خصمه والمرابطة وهي الثبات واللزوم والإقامة على الصبر والمصابرة فقد يصبر العبد ولا يصابر، وقد يصابر ولا يرابط، وقد يصبر ويصابر ويرابط من غير تعبد بالتقوى، فأخبر سبحانه أن ملاك ذلك كله التقوى، وأن الفلاح موقوف عليها فقال: وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 200] فالمرابطة كما أنها لزوم الثغر الذي يخاف هجوم العدو منه في الظاهر فهي لزوم ثغر القلب لئلا يدخل منه الهوى والشيطان فيزيله عن مملكته) (2).
والفرق بين الاحتمال والصبر:
(أن الاحتمال للشيء يفيد كظم الغيظ فيه، والصبر على الشدة يفيد حبس النفس عن المقابلة عليه بالقول والفعل، والصبر عن الشيء يفيد حبس النفس عن فعله، وصبرت على خطوب الدهر أي حبست النفس عن الجزع عندها، ولا يستعمل الاحتمال في ذلك لأنك لا تغتاظ منه) (3).
(الفرق بين هذه الأسماء بحسب حال العبد في نفسه وحاله مع غيره:
- فإن حبس نفسه ومنعها عن إجابة داعي ما لا يحسن إن كان خلقا له وملكة سمي صبراً.
- وإن كان بتكلف وتمرن وتجرع لمرارته سمي تصبرا.
كما يدل عليه هذا البناء لغة، فإنه موضوع للتكلف كالتحلم والتشجع والتكرم والتحمل ونحوها وإذا تكلفه العبد واستدعاه صار سجية له.
كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ومن يتصبر يصبره الله)) (1) وكذلك العبد يتكلف التعفف حتى يصير التعفف له سجية، كذلك سائر الأخلاق ...
- وأما الاصطبار فهو أبلغ من التصبر:
فإنه افتعال للصبر بمنزلة الاكتساب فالتصبر مبدأ الاصطبار، كما أن التكسب مقدمة الاكتساب، فلا يزال التصبر يتكرر حتى يصير اصطباراً.
- وأما المصابرة فهي مقاومة الخصم في ميدان الصبر:
فإنها مفاعلة تستدعي وقوعها بين اثنين كالمشاتمة والمضاربة قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 200] فأمرهم بالصبر، وهو حال الصابر في نفسه والمصابرة وهي حالة في الصبر مع خصمه والمرابطة وهي الثبات واللزوم والإقامة على الصبر والمصابرة فقد يصبر العبد ولا يصابر، وقد يصابر ولا يرابط، وقد يصبر ويصابر ويرابط من غير تعبد بالتقوى، فأخبر سبحانه أن ملاك ذلك كله التقوى، وأن الفلاح موقوف عليها فقال: وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 200] فالمرابطة كما أنها لزوم الثغر الذي يخاف هجوم العدو منه في الظاهر فهي لزوم ثغر القلب لئلا يدخل منه الهوى والشيطان فيزيله عن مملكته) (2).
والفرق بين الاحتمال والصبر:
(أن الاحتمال للشيء يفيد كظم الغيظ فيه، والصبر على الشدة يفيد حبس النفس عن المقابلة عليه بالقول والفعل، والصبر عن الشيء يفيد حبس النفس عن فعله، وصبرت على خطوب الدهر أي حبست النفس عن الجزع عندها، ولا يستعمل الاحتمال في ذلك لأنك لا تغتاظ منه) (3).
(1) رواه البخاري (1469) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2) ((عدة الصابرين)) لابن القيم – بتصرف- (ص 41).
(3) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 22).
(2) ((عدة الصابرين)) لابن القيم – بتصرف- (ص 41).
(3) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 22).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
لماذا سمي الصَبرُ صبراً؟
حكى أبو بكر بن الأنباري عن بعض العلماء أنه قال: (إنما سمي الصبر صبرا لأن تمرره في القلب وإزعاجه للنفس كتمرر الصِبْر في الفم) (1).
حكى أبو بكر بن الأنباري عن بعض العلماء أنه قال: (إنما سمي الصبر صبرا لأن تمرره في القلب وإزعاجه للنفس كتمرر الصِبْر في الفم) (1).
(1) ((ذم الهوى)) لابن الجوزي (ص 58).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فضل الصبر والحث عليه من القرآن والسنة
فضل الصبر والحث عليه من القرآن الكريم:
الصبر من أكثر الأخلاق التي اعتنى بها القرآن الكريم، وهو من أكثر ما تكرر ذكره في القرآن.
قال الإمام أحمد رحمه الله: (ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن في تسعين موضعاً) (1).
وقد سيق الصبر في القرآن في عدة أنواع ذكرها ابن القيم في كتابه (عدة الصابرين) ونحن نذكر بعضها:
- أحدها: الأمر به كقوله: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127] وقال: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [الطور:48].
- الثاني: النهي عما يضاده كقوله تعالى: وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ [الأحقاف:46] وقوله: وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ [القلم:48].
- الثالث: تعليق الفلاح به كقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 3] فعلق الفلاح بمجموع هذه الأمور.
- الرابع: الإخبار عن مضاعفة أجر الصابرين على غيره كقوله: أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا [القصص:54] وقوله: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].
- الخامس: تعليق الإمامة في الدين، به وباليقين قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] (2).
فضل الصبر والحث عليه من السنة النبوية:
- من فضائل الصبر أن من يتصبر يصبره الله، فعن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه-: ((أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، فقال: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر)) (3).
(قوله صلى الله عليه وسلم ((ومن يتصبر)): أي يطلب توفيق الصبر من الله لأنه قال تعالى وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُك إِلَّا بِاَللَّهِ [النحل:127] أي يأمر نفسه بالصبر ويتكلف في التحمل عن مشاقه، وهو تعميم بعد تخصيص لأن الصبر يشتمل على صبر الطاعة والمعصية والبلية أو من يتصبر عن السؤال والتطلع إلى ما في أيدي الناس بأن يتجرع مرارة ذلك ولا يشكو حاله لغير ربه. ((يصبِّره الله)): بالتشديد أي: يسهل عليه الصبر فتكون الجمل مؤكدات. ويؤيد إرادة معنى العموم. قوله: ((وما أعطي أحد من عطاء)): أي معطى أو شيئا. ((أوسع)): أي أشرح للصدر. ((من الصبر)): وذلك لأن مقام الصبر أعلى المقامات لأنه جامع لمكارم الصفات والحالات) (4).
- وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الصبر عند الصدمة الأولى، فعن أنس رضي الله عنه قال: ((مرّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بامرأة تبكي عند قبر فقال: اتّقي الله واصبري. قالت: إليك عنّي فإنّك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه. فقيل لها: إنّه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأتت باب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلم تجد عنده بوّابين. فقالت: لم أعرفك. فقال: إنّما الصّبر عند الصّدمة الأولى)) (5).
(1) ((عدة الصابرين)) لابن القيم (113).
(2) ((عدة الصابرين)) لابن القيم – بتصرف يسير (ص: 114)
(3) رواه البخاري (1469) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(4) ((عون المعبود شرح سنن أبي داود)) لشمس الحق العظيم أبادي (5/ 59).
(5) رواه البخاري (1283) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
قال ابن القيم رحمه الله: (فإن مفاجئات المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمها فإن صبر الصدمة الأولى انكسر حدها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر وأيضا فإن المصيبة ترد على القلب وهو غير موطن لها فتزعجه وهى الصدمة الأولى وأما إذا وردت عليه بعد ذلك توطن لها وعلم أنه لا بد له منها فيصير صبره شبيه الاضطرار وهذه المرأة لما علمت أن جزعها لا يجدي عليها شيئا جاءت تعتذر إلى النبي كأنها تقول له قد صبرت فأخبرها أن الصبر إنما هو عند الصدمة الأولى) (1).
- وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: ((أنّه قال لعطاء: ألا أريك امرأة من أهل الجنّة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السّوداء أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: إنّي أصرع وإنّي أتكشّف، فادع الله لي. قال: إن شئت صبرت ولك الجنّة. وإن شئت دعوت الله أن يعافيك. قالت: أصبر. قالت: فإنّي أتكشّف فادع الله أن لا أتكشّف، فدعا لها)) (2).
- وبين صلى الله عليه وسلم أن من صبر على فقد عينيه عوضه الله الجنة فعن أنس- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((إنّ الله- عزّ وجلّ- قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه، فصبر عوّضته منهما الجنّة يريد عينيه)) (3).
قال ابن بطال: (في هذا الحديث حجة في أن الصبر على البلاء ثوابه الجنة، ونعمة البصر على العبد وإن كانت من أجل نعم الله تعالى فعوض الله عليها الجنة أفضل من نعمتها في الدنيا لنفاد مدة الالتذاذ بالبصر في الدنيا وبقاء مدة الالتذاذ به في الجنة) (4).
- وعن صهيب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير، وليس ذلك لأحد إلّا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له)) (5).
قال ابن عثيمين: (قوله: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، أي: إن الرسول عليه الصلاة والسلام أظهر العجب على وجه الاستحسان لأمر المؤمن أي لشأنه فإن شأنه كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.
ثم فصل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الأمر الخير فقال: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. هذه حال المؤمن وكل إنسان فإنه في قضاء الله وقدره بين أمرين: إما سراء وإما ضراء والناس في هذه الإصابة ينقسمون إلى قسمين مؤمن وغير مؤمن، فالمؤمن على كل حال ما قدر الله له فهو خير له إن أصابته الضراء صبر على أقدار الله وانتظر الفرج من الله واحتسب الأجر على الله فكان خيراً له فنال بهذا أجر الصابرين.
وإن أصابته سراء من نعمة دينية كالعلم والعمل الصالح ونعمة دنيوية كالمال والبنين والأهل شكر الله وذلك بالقيام بطاعة الله عز وجل.
فيشكر الله فيكون خيراً له، ويكون عليه نعمتان نعمة الدين ونعمة الدنيا، نعمة الدنيا بالسراء ونعمة الدين بالشكر هذه حال المؤمن.
وأما الكافر فهو على شر والعياذ بالله إن أصابته الضراء لم يصبر بل يضجر ودعا بالويل والثبور وسب الدهر وسب الزمن ... وفيه الحث على الصبر على الضراء وأن ذلك من خصال المؤمنين فإذا رأيت نفسك عند إصابة الضراء صابراً محتسباً تنتظر الفرج من الله سبحانه وتعالى وتحتسب الأجر على الله فذلك عنوان الإيمان، وإن رأيت بالعكس فلم نفسك وعدل مسيرك وتب إلى الله) (6).
- وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: ((أنّه قال لعطاء: ألا أريك امرأة من أهل الجنّة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السّوداء أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: إنّي أصرع وإنّي أتكشّف، فادع الله لي. قال: إن شئت صبرت ولك الجنّة. وإن شئت دعوت الله أن يعافيك. قالت: أصبر. قالت: فإنّي أتكشّف فادع الله أن لا أتكشّف، فدعا لها)) (2).
- وبين صلى الله عليه وسلم أن من صبر على فقد عينيه عوضه الله الجنة فعن أنس- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((إنّ الله- عزّ وجلّ- قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه، فصبر عوّضته منهما الجنّة يريد عينيه)) (3).
قال ابن بطال: (في هذا الحديث حجة في أن الصبر على البلاء ثوابه الجنة، ونعمة البصر على العبد وإن كانت من أجل نعم الله تعالى فعوض الله عليها الجنة أفضل من نعمتها في الدنيا لنفاد مدة الالتذاذ بالبصر في الدنيا وبقاء مدة الالتذاذ به في الجنة) (4).
- وعن صهيب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير، وليس ذلك لأحد إلّا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له)) (5).
قال ابن عثيمين: (قوله: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، أي: إن الرسول عليه الصلاة والسلام أظهر العجب على وجه الاستحسان لأمر المؤمن أي لشأنه فإن شأنه كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.
ثم فصل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الأمر الخير فقال: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. هذه حال المؤمن وكل إنسان فإنه في قضاء الله وقدره بين أمرين: إما سراء وإما ضراء والناس في هذه الإصابة ينقسمون إلى قسمين مؤمن وغير مؤمن، فالمؤمن على كل حال ما قدر الله له فهو خير له إن أصابته الضراء صبر على أقدار الله وانتظر الفرج من الله واحتسب الأجر على الله فكان خيراً له فنال بهذا أجر الصابرين.
وإن أصابته سراء من نعمة دينية كالعلم والعمل الصالح ونعمة دنيوية كالمال والبنين والأهل شكر الله وذلك بالقيام بطاعة الله عز وجل.
فيشكر الله فيكون خيراً له، ويكون عليه نعمتان نعمة الدين ونعمة الدنيا، نعمة الدنيا بالسراء ونعمة الدين بالشكر هذه حال المؤمن.
وأما الكافر فهو على شر والعياذ بالله إن أصابته الضراء لم يصبر بل يضجر ودعا بالويل والثبور وسب الدهر وسب الزمن ... وفيه الحث على الصبر على الضراء وأن ذلك من خصال المؤمنين فإذا رأيت نفسك عند إصابة الضراء صابراً محتسباً تنتظر الفرج من الله سبحانه وتعالى وتحتسب الأجر على الله فذلك عنوان الإيمان، وإن رأيت بالعكس فلم نفسك وعدل مسيرك وتب إلى الله) (6).
(1) ((عدة الصابرين)) لابن القيم (ص 121).
(2) رواه البخاري (5652)، ومسلم (2576) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) رواه البخاري (5653) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(4) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 377).
(5) رواه مسلم (2999) من حديث صهيب رضي الله عنه.
(6) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (1/ 197 - 199).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أقوال السلف والعلماء في الصبر
- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريما) (1).
- وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له) (2).
وقال: (الصبر مطية لا تكبو، والقناعة سيف لا ينبو) (3).
- وقال عمر بن عبد العزيز وهو على المنبر: (ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه، فعاضه مكان ما انتزع منه الصبر، إلا كان ما عوضه خيرا مما انتزع منه، ثم قرأ: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].) (4).
- (وجاء رجل إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقا من حاله ومعاشه واغتماما بذلك
فقال: (أيسرك ببصرك مئة ألف؟ قال: لا.
قال: فبسمعك؟ قال: لا.
قال: فبلسانك؟ قال: لا.
قال: فبعقلك؟
قال: لا ... في خلال. وذكره نعم الله عليه، ثم قال يونس: أرى لك مئين ألوفا وأنت تشكو الحاجة؟!). (5).
- وعن إبراهيم التيمي، قال: (ما من عبد وهب الله له صبرا على الأذى، وصبرا على البلاء، وصبرا على المصائب، إلا وقد أوتي أفضل ما أوتيه أحد، بعد الإيمان بالله) (6).
- وعن الشعبي، قال شريح: (إني لأصاب بالمصيبة، فأحمد الله عليها أربع مرات، أحمد إذ لم يكن أعظم منها، وأحمد إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو من الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني) (7).
- وقال ميمون بن مهران: (الصبر صبران، الصبر على المصيبة حسن، وأفضل من ذلك الصبر عن المعاصي) (8).
- وقال أبو حاتم: (الصبر على ضروب ثلاثة: فالصبر عن المعاصي، والصبر على الطاعات، والصبر عند الشدائدالمصيبات. فأفضلها الصبر عن المعاصي. فالعاقل يدبر أحواله بالتثبت عند الأحوال الثلاثة التي ذكرناها بلزوم الصبر على المراتب التي وصفناها قبل، حتى يرتقي بها إلى درجة الرضا عن الله جل وعلا في حال العسر واليسر معاً) (9).
- وقال زياد بن عمرو: (كلنا نكره الموت وألم الجراح، ولكنا نتفاضل بالصبر) (10).
- وقال زهير بن نعيم: (إن هذا الأمر لا يتم إلا بشيئين: الصبر واليقين، فإن كان يقين ولم يكن معه صبر لم يتم، وإن كان صبر ولم يكن معه يقين لم يتم، وقد ضرب لهما أبو الدرداء مثلا فقال: مثل اليقين والصبر مثل فَدَّادين يحفران الأرض فإذا جلس واحد جلس الآخر) (11).
وقال عبد الواحد بن زيد: (ما أحببت أن شيئاً من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا، ولا أعلم درجة أشرف ولا أرفع من الرضا، وهو رأس المحبة) (12).
(1) ((الصبر والثواب عليه)) لابن أبي الدنيا (ص23).
(2) ((الصبر والثواب عليه)) لابن أبي الدنيا (ص24).
(3) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص294).
(4) ((الصبر والثواب عليه)) لابن أبي الدنيا (ص30).
(5) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (6/ 292).
(6) ((الصبر والثواب عليه)) لابن أبي الدنيا (ص28).
(7) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (4/ 105).
(8) ((الصبر والثواب عليه)) لابن أبي الدنيا (ص29).
(9) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 162).
(10) ((الصبر والثواب عليه)) لابن أبي الدنيا (ص44).
(11) ((صفة الصفوة)) لابن الجوزي (4/ 8).
(12) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 161).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وقال أبو عبد الرحمن المغازلي: (دخلت على رجل مبتلى بالحجاز فقلت كيف تجدك قال أجد عافيته أكثر مما ابتلاني به وأجد نعمه علي أكثر من أن أحصيها قلت أتجد لما أنت فيه ألما شديدا فبكى ثم قال: سلِّي نفسي ألمَ ما بي: ما وعد عليه سيدي أهل الصبر من كمال الأجور في شدة يوم عسير قال: ثم غشي عليه فمكث مليا ثم أفاق فقال: إني لأحسب أن لأهل الصبر غدا في القيامة مقاما شريفا لا يتقدمه من ثواب الأعمال شيء إلا ما كان من الرضا عن الله تعالى) (1).
- وعن عمرو بن قيس الملائي: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ قال: (الرضا بالمصيبة، والتسليم) (2).
- وعن ميمون بن مهران قال (ما نال عبد شيئاً من جسم الخير من نبي أو غيره إلا بالصبر) (3).
- وعن الحسن قال: (سب رجل رجلا من الصدر الأول، فقام الرجل وهو يمسح العرق عن وجهه، وهو يتلو: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى:43]. قال الحسن: عقلها والله وفهمها إذ ضيعها الجاهلون) (4).
- وقال يحيى بن معاذ: (حفت الجنة بالمكاره وأنت تكرهها وحفت النار بالشهوات وأنت تطلبها فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء إن صبر نفسه على مضض الدواء اكتسب بالصبر عافية وإن جزعت نفسه مما يلقي طالت به علة الضنا) (5).
- وقال أبو حاتم: (الصبر جماع الأمر، ونظام الحزم ودعامة العقل، وبذر الخير، وحيلة من لا حيلة له. وأول درجته الاهتمام، ثم التيقظ، ثم التثبت، ثم التصبر، ثم الصبر، ثم الرضا، وهو النهاية في الحالات) (6).
- وقال عمر بن ذر: (من أجمع على الصبر في الأمور فقد حوى الخير، والتمس معاقل البر وكمال الأجور) (7).
- وعن عمرو بن قيس الملائي: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ قال: (الرضا بالمصيبة، والتسليم) (2).
- وعن ميمون بن مهران قال (ما نال عبد شيئاً من جسم الخير من نبي أو غيره إلا بالصبر) (3).
- وعن الحسن قال: (سب رجل رجلا من الصدر الأول، فقام الرجل وهو يمسح العرق عن وجهه، وهو يتلو: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى:43]. قال الحسن: عقلها والله وفهمها إذ ضيعها الجاهلون) (4).
- وقال يحيى بن معاذ: (حفت الجنة بالمكاره وأنت تكرهها وحفت النار بالشهوات وأنت تطلبها فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء إن صبر نفسه على مضض الدواء اكتسب بالصبر عافية وإن جزعت نفسه مما يلقي طالت به علة الضنا) (5).
- وقال أبو حاتم: (الصبر جماع الأمر، ونظام الحزم ودعامة العقل، وبذر الخير، وحيلة من لا حيلة له. وأول درجته الاهتمام، ثم التيقظ، ثم التثبت، ثم التصبر، ثم الصبر، ثم الرضا، وهو النهاية في الحالات) (6).
- وقال عمر بن ذر: (من أجمع على الصبر في الأمور فقد حوى الخير، والتمس معاقل البر وكمال الأجور) (7).
(1) ((صفة الصفوة)) لابن الجوزي (4/ 384).
(2) ((الصبر والثواب عليه)) لابن أبي الدنيا (ص86).
(3) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 162).
(4) ((الصبر والثواب عليه)) لابن أبي الدنيا (ص87).
(5) ((صفة الصفوة)) لابن الجوزي (4/ 94).
(6) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 161).
(7) ((الصبر والثواب عليه)) لابن أبي الدنيا (ص113).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أقسام الصبر
ينقسم الصبر بعدة اعتبارات:
- فباعتبار محله ينقسم إلى ضربين:
(ضرب بدني وضرب نفساني، وكل منهما نوعان: اختياري واضطراري، فهذه أربعة أقسام:
الأول: البدني الاختياري كتعاطي الأعمال الشاقة على البدن اختياراً وإرادة.
الثاني: البدني الاضطراري كالصبر على ألم الضرب والمرض والجراحات، والبرد والحر وغير ذلك.
الثالث: النفساني الاختياري، كصبر النفس عن فعل ما لا يحسن فعله شرعا ولا عقلا.
الرابع: النفساني الاضطراري، كصبر النفس عن محبوبها قهراً إذا حيل بينها وبينه.
فإذا عرفت هذه الأقسام فهي مختصة بنوع الإنسان دون البهائم ومشاركة للبهائم في نوعين منها وهما: صبر البدن والنفس الاضطراريين، وقد يكون بعضها أقوى صبراً من الإنسان، وإنما يتميز الإنسان عنها بالنوعين الاختياريين، وكثير من الناس تكون قوة صبره في النوع الذي يشارك فيه البهائم لا في النوع الذي يخص الإنسان فيعد صابراً وليس من الصابرين ... فالإنسان منا إذا غلب صبره باعث الهوى والشهوة التحق بالملائكة، وإن غلب باعث الهوى والشهوة صبره التحق بالشياطين وإن غلب باعث طبعه من الأكل والشرب والجماع صبره التحق بالبهائم – قال قتادة: خلق الله سبحانه الملائكة عقولا بلا شهوات وخلق البهائم شهوات بلا عقول، وخلق الإنسان وجعل له عقلا وشهوة، فمن غلب عقله شهوته فهو من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو كالبهائم، ولما خلق الإنسان في ابتداء أمره ناقصا لم يخلق فيه إلا شهوة الغذاء الذي هو محتاج إليه، فصبره في هذه الحال بمنزلة صبر البهائم، وليس له قبل تمييزه قوة الاختيار، فإذا ظهرت فيه شهوة اللعب استعد لقوة الصبر الاختياري على ضعفها فيه، فإذا تعلقت به شهوة النكاح ظهرت فيه قوة الصبر، وإذا تحرك سلطان العقل وقوي، استعان بجيش الصبر) (1).
- وباعتبار متعلقه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
(صبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها، وصبر عن المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها، وصبر على الأقدار والأقضية حتى لا يتسخطها ...
فأما الذي من جهة الرب فهو أن الله تعالى له على عبده حكمان: حكم شرعي ديني. وحكم كوني قدري. فالشرعي متعلق بأمره. والكوني متعلق بخلقه، وهو سبحانه له الخلق والأمر. وحكمه الديني الطلبي نوعان بحسب المطلوب، فإن المطلوب إن كان محبوبا له فالمطلوب فعله إما واجبا وإما مستحبا. ولا يتم ذلك إلا بالصبر. وإن كان مبغوضاً له فالمطلوب تركه إما تحريما وإما كراهة. وذلك أيضا موقوف على الصبر. فهذا حكمه الديني الشرعي. وأما حكمه الكوني فهو ما يقضيه ويقدره على العبد من المصائب التي لا صنع له فيها، ففرضه الصبر عليها وفي وجوب الرضا بها قولان للعلماء وهما وجهان في مذهب أحمد أصحهما أنه مستحب فمرجع الدين كله إلى هذه القواعد الثلاث: فعل المأمور وترك المحظور. والصبر على المقدور وأما الذي من جهة العبد فإنه لا ينفك عن هذه الثلاث ما دام مكلفا ولا تسقط عنه هذه الثلاث حتى يسقط عنه التكليف. فقيام عبودية الأمر والنهي والقدر على ساق الصبر. ولا تستوي إلا عليه كما لا تستوي السنبلة إلا على ساقها.
فالصبر متعلق بالأمور والمحظور والمقدور بالخلق والأمر) (2).
- وباعتبار تعلق الأحكام الخمسة به ينقسم إلى خمسة أقسام:
(إلى واجب ومندوب ومحظور ومكروه ومباح.
فالصبر الواجب ثلاثة أنواع:
أحدها: الصبر عن المحرمات.
والثاني: الصبر على أداء الواجبات.
والثالث الصبر على المصائب التي لا صنع للعبد فيها، كالأمراض والفقر وغيرها.
(1) ((عدة الصابرين)) لابن قيم الجوزية – بتصرف- (ص: 43)
(2) ((عدة الصابرين)) لابن قيم الجوزية – بتصرف- (ص: 52)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وأما الصبر المندوب: فهو الصبر عن المكروهات، والصبر على المستحبات والصبر على مقابلة الجاني بمثل فعله.
وأما المحظور فأنواع: أحدها الصبر عن الطعام والشراب حتى يموت وكذلك الصبر عن الميتة والدم ولحم الخنزير عند المخمصة حرام إذا خاف بتركه الموت قال طاوس وبعده الإمام أحمد (من اضطر إلى أكل الميتة والدم فلم يأكل فمات دخل النار) ...
ومن الصبر المحظور: صبر الإنسان على ما يقصد هلاكه من سبع أو حيات أو حريق أو ماء أو كافر يريد قتله، بخلاف استسلامه وصبره في الفتنة وقتال المسلمين فإنه مباح له بل يستحب، كما دلت عليه النصوص الكثيرة.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المسألة بعينها فقال: ((كن كخير ابني آدم)) (1) وفي لفظ ((كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل)) (2) ...
وأما الصبر المكروه فله أمثلة:
أحدها: أن يصبر عن الطعام والشراب واللبس وجماع أهله حتى يتضرر بذلك بدنه.
الثاني: صبره عن جماع زوجته إذا احتاجت إلى ذلك ولم يتضرر به.
الثالث: صبره على المكروه.
الرابع: صبره عن فعل المستحب.
وأما الصبر المباح: فهو الصبر عن كل فعل مستوى الطرفين خير بين فعله وتركه والصبر عليه.
وبالجملة فالصبر على الواجب واجب وعن الواجب حرام، والصبر عن الحرام واجب وعليه حرام. والصبر على المستحب مستحب وعنه مكروه، والصبر عن المكروه مستحب وعليه مكروه، والصبر عن المباح مباح والله أعلم) (3).
وأما المحظور فأنواع: أحدها الصبر عن الطعام والشراب حتى يموت وكذلك الصبر عن الميتة والدم ولحم الخنزير عند المخمصة حرام إذا خاف بتركه الموت قال طاوس وبعده الإمام أحمد (من اضطر إلى أكل الميتة والدم فلم يأكل فمات دخل النار) ...
ومن الصبر المحظور: صبر الإنسان على ما يقصد هلاكه من سبع أو حيات أو حريق أو ماء أو كافر يريد قتله، بخلاف استسلامه وصبره في الفتنة وقتال المسلمين فإنه مباح له بل يستحب، كما دلت عليه النصوص الكثيرة.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المسألة بعينها فقال: ((كن كخير ابني آدم)) (1) وفي لفظ ((كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل)) (2) ...
وأما الصبر المكروه فله أمثلة:
أحدها: أن يصبر عن الطعام والشراب واللبس وجماع أهله حتى يتضرر بذلك بدنه.
الثاني: صبره عن جماع زوجته إذا احتاجت إلى ذلك ولم يتضرر به.
الثالث: صبره على المكروه.
الرابع: صبره عن فعل المستحب.
وأما الصبر المباح: فهو الصبر عن كل فعل مستوى الطرفين خير بين فعله وتركه والصبر عليه.
وبالجملة فالصبر على الواجب واجب وعن الواجب حرام، والصبر عن الحرام واجب وعليه حرام. والصبر على المستحب مستحب وعنه مكروه، والصبر عن المكروه مستحب وعليه مكروه، والصبر عن المباح مباح والله أعلم) (3).
(1) رواه أبو داود (4259)، وابن ماجه (3961)، وأحمد (4/ 416) (19745) من حديث أبي موسى رضي الله عنه. وصححه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (101)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2049).
(2) رواه أحمد (5/ 110) (21101)، والطبراني في ((الكبير)) (4/ 59)، وأبو يعلى (13/ 176) من حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/ 305): [فيه من] لم أعرف، وبقية رجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (8/ 103): رجاله ثقات غير الرجل الذي لم يسم وله شاهد.
(3) ((عدة الصابرين)) لابن قيم الجوزية – بتصرف- (ص: 57)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الصبر المحمود وأقسامه
قسم العلماء الصبر المحمود إلى أقسام عدة، فقسمه الماوردي إلى ستة أقسام كما سيأتي، وذكر له ابن القيم ثلاثة أنواع وهو: (صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله
فالأول: الاستعانة به ورؤيته أنه هو المصبر وأن صبر العبد بربه لا بنفسه كما قال تعالى وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل: 127]. يعني إن لم يصبرك هو لم تصبر.
والثاني: الصبر لله وهو أن يكون الباعث له على الصبر محبة الله وإرادة وجهه والتقرب إليه لا لإظهار قوة النفس والاستحماد إلى الخلق وغير ذلك من الأعراض.
والثالث: الصبر مع الله وهو دوران العبد مع مراد الله الديني منه ومع أحكامه الدينية صابرا نفسه معها سائرا بسيرها مقيما بإقامتها يتوجه معها أين توجهت ركائبها وينزل معها أين استقلت مضاربها، فهذا معنى كونه صابرا مع الله أي قد جعل نفسه وقفا على أوامره ومحابه وهو أشد أنواع الصبر وأصعبها وهو صبر الصديقين) (1).
وقسمه الماوردي إلى ستة أقسام فقال:
(فأول أقسامه وأولاها: الصبر على امتثال ما أمر الله تعالى به، والانتهاء عما نهى الله عنه؛ لأن به تخلص الطاعة وبها يصح الدين وتؤدى الفروض ويستحق الثواب، كما قال في محكم الكتاب: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10] ... وليس لمن قل صبره على طاعة حظ من بر ولا نصيب من صلاح ...
وهذا النوع من الصبر إنما يكون لفرط الجزع وشدة الخوف فإن من خاف الله - عز وجل - وصبر على طاعته، ومن جزع من عقابه وقف عند أوامره.
الثاني: الصبر على ما تقتضيه أوقاته من رزية قد أجهده الحزن عليها، أو حادثة قد كده الهم بها فإن الصبر عليها يعقبه الراحة منها، ويكسبه المثوبة عنها.
فإن صبر طائعا وإلا احتمل هما لازما وصبر كارها آثما
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه للأشعث بن قيس: (إنك إن صبرت جرى عليك القلم وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك القلم وأنت مأزور) (2) ...
الصبر على ما فات إدراكه من رغبة مرجوة، وأعوز نيله من مسرة مأمولة فإن الصبر عنها يعقب السلو منها، والأسف بعد اليأس خرق.
... وقال بعض الحكماء: (اجعل ما طلبته من الدنيا فلم تنله مثل ما لا يخطر ببالك فلم تقله)
الرابع: الصبر فيما يخشى حدوثه من رهبة يخافها، أو يحذر حلوله من نكبة يخشاها فلا يتعجل هم ما لم يأت، فإن أكثر الهموم كاذبة وإن الأغلب من الخوف مدفوع.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بالصبر يتوقع الفرج ومن يدمن قرع باب يلج)) (3).
وقال الحسن البصري رحمه الله: (لا تحملن على يومك هم غدك، فحسب كل يوم همه.)
الخامس: الصبر فيما يتوقعه من رغبة يرجوها، وينتظر من نعمة يأملها فإنه إن أدهشه التوقع لها، وأذهله التطلع إليها انسدت عليه سبل المطالب واستفزه تسويل المطامع فكان أبعد لرجائه وأعظم لبلائه.
وإذا كان مع الرغبة وقورا وعند الطلب صبورا انجلت عنه عماية الدهش وانجابت عنه حيرة الوله، فأبصر رشده وعرف قصده.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الصبر ضياء)) (4).
يعني - والله أعلم - أنه يكشف ظلم الحيرة، ويوضح حقائق الأمور.
السادس: الصبر على ما نزل من مكروه أو حل من أمر مخوف.
فبالصبر في هذا تنفتح وجوه الآراء، وتستدفع مكائد الأعداء، فإن من قل صبره عزب رأيه، واشتد جزعه، فصار صريع همومه، وفريسة غمومه.
وقد قال الله تعالى: وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان: 17].
... واعلم أن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، واليسر مع العسر) (5).
(1) ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 429).
(2) ذكره الماوردي في ((أدب الدنيا والدين)) (288).
(3) ذكره الماوردي في ((أدب الدنيا والدين)) (289).
(4) رواه مسلم (223) من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
(5) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي - بتصرف (295 - 298).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فوائد الصبر
من فوائد الصبر أن الصبر:
1 - (دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
2 - يورث الهداية في القلب.
3 - يثمر محبّة الله ومحبّة النّاس.
4 - سبب للتّمكين في الأرض.
5 - الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.
6 - معيّة الله للصّابرين.
7 - الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة.
8 - مظهر من مظاهر الرّجولة الحقّة وعلامة على حسن الخاتمة.
9 - صلاة الله ورحمته وبركاته على الصّابرين) (1).
من فوائد الصبر أن الصبر:
1 - (دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
2 - يورث الهداية في القلب.
3 - يثمر محبّة الله ومحبّة النّاس.
4 - سبب للتّمكين في الأرض.
5 - الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار.
6 - معيّة الله للصّابرين.
7 - الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة.
8 - مظهر من مظاهر الرّجولة الحقّة وعلامة على حسن الخاتمة.
9 - صلاة الله ورحمته وبركاته على الصّابرين) (1).
(1) ((نضرة النعيم)) لمجموعة مؤلفين (6/ 2471 - 2472).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
مراتب الصبر
ذكر ابن القيم رحمه الله أربعة مراتب للصبر:
(إحداها: مرتبة الكمال وهي مرتبة أولي العزائم وهي الصبر لله وبالله.
فيكون في صبره مبتغيا وجه الله صابرا به متبرئا من حوله وقوته فهذا أقوى المراتب وأرفعها وأفضلها.
الثانية: أن لا يكون فيه لا هذا ولا هذا فهو أخس المراتب وأردأ الخلق وهو جدير بكل خذلان وبكل حرمان.
الثالثة: مرتبة من فيه صبر بالله وهو مستعين متوكل على حوله وقوته متبرئ من حوله هو وقوته ولكن صبره ليس لله إذ ليس صبره فيما هو مراد الله الديني منه فهذا ينال مطلوبه ويظفر به ولكن لا عاقبة له وربما كانت عاقبته شر العواقب، وفي هذا المقام خفراء الكفار وأرباب الأحوال الشيطانية فإن صبرهم بالله لا لله ولا في الله ...
الرابع: من فيه صبر لله لكنه ضعيف النصيب من الصبر به والتوكل عليه والثقة به والاعتماد عليه فهذا له عاقبة حميدة ولكنه ضعيف عاجز مخذول في كثير من مطالبه لضعف نصيبه من إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] فنصيبه من الله أقوى من نصيبه بالله، فهذا حال المؤمن الضعيف.
وصابر بالله لا لله: حال الفاجر القوي، وصابر لله وبالله: حال المؤمن القوي والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
فصابر لله وبالله: عزيز حميد، ومن ليس لله ولا بالله: مذموم مخذول، ومن هو بالله لا لله: قادر مذموم، ومن هو لله لا بالله: عاجز محمود) (1).
(1) ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 450).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
صور الصبر
إن صور الصبر ومجالاته كثيرة في حياة الإنسان فلا يستغني عنه بحال من الأحوال يقول ابن القيم: (إن الإنسان لا يستغني عن الصبر في حال من الأحوال، فإنه بين أمر يجب عليه امتثاله وتنفيذه، ونهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وقدر يجري عليه اتفاقا، ونعمة يجب عليه شكر المنعم عليها، وإذا كانت هذه الأحوال لا تفارقه فالصبر لازم له إلى الممات، وكل ما يلقى العبد في هذه الدار لا يخلو من نوعين: أحدهما يوافق هواه ومراده، والآخر يخالفه، وهو محتاج إلى الصبر في كل منهما) (1).
ومن هذه المجالات التي ينبغي للإنسان أن يضبط نفسه عليها:
1 - (ضبط النفس عن الضجر والجزع عند حلول المصائب ومس المكاره.
2 - ضبط النفس عن السأم والملل، لدى القيام بأعمال تتطلب الدأب والمثابرة خلال مدة مناسبة.
3 - ضبط النفس عن العجلة والرعونة، لدى تحقيق مطلب من المطالب المادية أو المعنوية.
4 - ضبط النفس عن الغضب والطيش، لدى مثيرات عوامل الغضب في النفس.
5 - ضبط النفس عن الخوف لدى مثيرات الخوف في النفس.
6 - ضبط النفس عن الطمع لدى مثيرات الطمع فيها.
7 - ضبط النفس عن الاندفاع وراء أهوائها وشهواتها وغرائزها.
8 - ضبط النفس لتحمل المتاعب والمشقات والآلام الجسدية والنفسية) (2).
إن صور الصبر ومجالاته كثيرة في حياة الإنسان فلا يستغني عنه بحال من الأحوال يقول ابن القيم: (إن الإنسان لا يستغني عن الصبر في حال من الأحوال، فإنه بين أمر يجب عليه امتثاله وتنفيذه، ونهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وقدر يجري عليه اتفاقا، ونعمة يجب عليه شكر المنعم عليها، وإذا كانت هذه الأحوال لا تفارقه فالصبر لازم له إلى الممات، وكل ما يلقى العبد في هذه الدار لا يخلو من نوعين: أحدهما يوافق هواه ومراده، والآخر يخالفه، وهو محتاج إلى الصبر في كل منهما) (1).
ومن هذه المجالات التي ينبغي للإنسان أن يضبط نفسه عليها:
1 - (ضبط النفس عن الضجر والجزع عند حلول المصائب ومس المكاره.
2 - ضبط النفس عن السأم والملل، لدى القيام بأعمال تتطلب الدأب والمثابرة خلال مدة مناسبة.
3 - ضبط النفس عن العجلة والرعونة، لدى تحقيق مطلب من المطالب المادية أو المعنوية.
4 - ضبط النفس عن الغضب والطيش، لدى مثيرات عوامل الغضب في النفس.
5 - ضبط النفس عن الخوف لدى مثيرات الخوف في النفس.
6 - ضبط النفس عن الطمع لدى مثيرات الطمع فيها.
7 - ضبط النفس عن الاندفاع وراء أهوائها وشهواتها وغرائزها.
8 - ضبط النفس لتحمل المتاعب والمشقات والآلام الجسدية والنفسية) (2).
(1) ((عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين)) لابن القيم الجوزية (ص 101).
(2) ملخص من كتاب ((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن حبنكة الميداني (2/ 294).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
موانع التحلي بالصبر
على المسلم الذي يريد أن يتحلى بالصبر أن يحذر من الموانع والعوائق التي تعترض طريقه حتى لا تكون سدا منيعاً أمامه، ومن هذه الموانع:
1 - (الاستعجال: فالنفس مولعة بحب العاجل؛ والإنسان عجول بطبعه حتى جعل القرآن العجل كأنه المادة التي خلق الإنسان منها: خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ [الأنعام: 37] فإذا أبطأ على الإنسان ما يريده نفد صبره، وضاق صدره، ناسياً أن لله في خلقه سنناً لا تتبدل: وأن لكل شيء أجلاً مسمى، وأن الله لا يعجل بعجلة أحد من الناس، ولكل ثمرة أوان تنضج فيه، فيحسن عندئذ قطافها، والاستعجال لا ينضجها قبل وقتها، فهو لا يملك ذلك، وهي لا تملكه، ولا الشجرة التي تحملها، إنها خاضعة للقوانين الكونية التي تحكمها، وتجري عليها بحساب ومقدار ...
2 - الغضب: فقد يستفز الغضب صاحب الدعوة، إذا ما رأى إعراض المدعوين عنه، ونفورهم من دعوته، فيدفعه الغضب إلى ما يليق به من اليأس منهم، أو النأي عنهم. مع أن الواجب على الداعية أن يصبر على من يدعوهم، ويعاود عرض دعوته عليهم مرة بعد مرة. وعسى أن يتفتح له قلب واحد يوماً، تشرق عليه أنوار الهداية، فيكون خيراً له مما طلعت عليه الشمس وغربت.
وفي هذا يقول الله لرسوله: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاتَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوْلا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [القلم: 48 - 50] ...
3 - شدة الحزن والضيق مما يمكرون. فليس أشد على نفس المرء المخلص لدعوته من الإعراض عنه، والاستعصاء عليه. فضلاً عن المكر به، والإيذاء له، والافتراء عليه، والافتنان في إعناته. وفي هذا يقول الله لرسوله: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَتَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ [النحل: 127] ثم يؤنسه بأنه في معيته سبحانه ورعايته فيقول: إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ [النحل: 128] ...
4 - اليأس: فهو من أعظم عوائق الصبر، فإن اليأس لا صبر له، لأن الذي يدفع الزارع إلى معاناة مشقة الزرع وسقيه وتعهده، هو أمله في الحصاد، فإذ غلب اليأس على قلبه، وأطفأ شعاع أمله، لم يبق له صبر على استمرار العمل في أرضه وزرعه. وهكذا كل عامل في ميدان عمله ...
ولهذا حرص القرآن على أن يدفع الوهم عن أنفس المؤمنين فبذر الأمل في صدورهم وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران: 140]، ولما أمر موسى قومه بالصبر إزاء طغيان فرعون وتهديده، أضاء أمامهم شعلة الأمل، فقال: اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف: 128 - 129]) (1).
(1) ((الصبر في القرآن الكريم)) ليوسف القرضاوي باختصار (ص 109).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الوسائل المعينة على الصبر
من الوسائل التي تعين على الصبر:
1 - أن يتدبر المرء القرآن الكريم وينظر إلى آياته نظرة تأمل:
قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ?لْخَوفْ وَ?لْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ?لأمَوَالِ وَ?لأنفُسِ وَ?لثَّمَر?تِ وَبَشّرِ ?لصَّـ?بِرِينَ ?لَّذِينَ إِذَا أَصَـ?بَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ ر?جِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَو?تٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ ?لْمُهْتَدُونَ [البقرة:155 - 157]
2 - أن يستعين بالله في مصابه:
من أصيب بمصيبة أن حظّه من المصيبة ما يحدث له من رضا فمن رضي فله الرضا، ومن تسخط فله السخط.
3 - أن يعلم أن ما أصابه مقدر من الله:
قال تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ?لأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَـ?بٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ?للَّهِ يَسِيرٌ لّكَيْلا تَأْسَوْاْ عَلَى? مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَـ?كُمْ وَ?للَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:22، 23].
4 - أن يتذكر أعظم المصائب التي حلت بالأمة الإسلامية؛ وهي موت الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب)) (1).
5 - أن يتجنب الجزع وأنه لا ينفعه بل يزيد من مصابه:
قال ابن القيم رحمه الله: (إن الجزع يشمت عدوه ويسوء صديقه ويغضب ربه ويسر شيطانه ويحبط أجره ويضعف نفسه وإذا صبر واحتسب أنضى شيطانه ورده خاسئا وأرضى ربه وسر صديقه وساء عدوه وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه فهذا هو الثبات والكمال الأعظم لا لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بالويل والثبور والسخط على المقدور) (2).
6 - أن يتيقن بأن نعم الدنيا فانية ولا تستقر لأحد، فلا يفرح بإقبالها عليه، حتى لا يحزن بإدبارها عنه.
7 - أن يتسلى المصاب بمن هم أشد منه مصيبة.
قال ابن القيم رحمه الله: (ومن علاجه أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب وليعلم أنه في كل واد بنو سعد ولينظر يمنة فهل يرى إلا محنة؟ ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة؟ وأنه لو فتش العالم لم ير فيهم إلا مبتلى إما بفوات محبوب أو حصول مكروه وأن شرور الدنيا أحلام نوم أو كظل زائل إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا وإن سرت يوما ساءت دهرا وإن متعت قليلا خيرة إلا ملأتها عبرة ولا سرته بيوم سرور إلا خبأت له يوم شرور) (3).
8 - أن يتسلى المصاب بأنه لله وأن مصيره إليه:
قال ابن القيم رحمه الله: (إذا تحقق العبد بأنه لله وأن مصيره إليه تسلى عن مصيبته وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب وأنفعه له في عاجلته وآجلته فإنها تتضمن أصلين عظيمين إذا تحقق العبد بمعرفتهما تسلى عن مصيبته. أحدهما: أن العبد وأهله وماله ملك لله عز وجل حقيقة ... الثاني: أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق ولا بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره ويجيء ربه فردا كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا مال ولا عشيرة ولكن بالحسنات والسيئات فإذا كانت هذه بداية العبد وما خوله ونهايته فكيف يفرح بموجود أو يأسى على مفقود.) (4).
9 - أن يعلم أن ابتلاء الله له هو امتحان لصبره:
من الوسائل التي تعين على الصبر:
1 - أن يتدبر المرء القرآن الكريم وينظر إلى آياته نظرة تأمل:
قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ?لْخَوفْ وَ?لْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ?لأمَوَالِ وَ?لأنفُسِ وَ?لثَّمَر?تِ وَبَشّرِ ?لصَّـ?بِرِينَ ?لَّذِينَ إِذَا أَصَـ?بَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ ر?جِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَو?تٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ ?لْمُهْتَدُونَ [البقرة:155 - 157]
2 - أن يستعين بالله في مصابه:
من أصيب بمصيبة أن حظّه من المصيبة ما يحدث له من رضا فمن رضي فله الرضا، ومن تسخط فله السخط.
3 - أن يعلم أن ما أصابه مقدر من الله:
قال تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ?لأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَـ?بٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ?للَّهِ يَسِيرٌ لّكَيْلا تَأْسَوْاْ عَلَى? مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَـ?كُمْ وَ?للَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:22، 23].
4 - أن يتذكر أعظم المصائب التي حلت بالأمة الإسلامية؛ وهي موت الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب)) (1).
5 - أن يتجنب الجزع وأنه لا ينفعه بل يزيد من مصابه:
قال ابن القيم رحمه الله: (إن الجزع يشمت عدوه ويسوء صديقه ويغضب ربه ويسر شيطانه ويحبط أجره ويضعف نفسه وإذا صبر واحتسب أنضى شيطانه ورده خاسئا وأرضى ربه وسر صديقه وساء عدوه وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه فهذا هو الثبات والكمال الأعظم لا لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بالويل والثبور والسخط على المقدور) (2).
6 - أن يتيقن بأن نعم الدنيا فانية ولا تستقر لأحد، فلا يفرح بإقبالها عليه، حتى لا يحزن بإدبارها عنه.
7 - أن يتسلى المصاب بمن هم أشد منه مصيبة.
قال ابن القيم رحمه الله: (ومن علاجه أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب وليعلم أنه في كل واد بنو سعد ولينظر يمنة فهل يرى إلا محنة؟ ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة؟ وأنه لو فتش العالم لم ير فيهم إلا مبتلى إما بفوات محبوب أو حصول مكروه وأن شرور الدنيا أحلام نوم أو كظل زائل إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا وإن سرت يوما ساءت دهرا وإن متعت قليلا خيرة إلا ملأتها عبرة ولا سرته بيوم سرور إلا خبأت له يوم شرور) (3).
8 - أن يتسلى المصاب بأنه لله وأن مصيره إليه:
قال ابن القيم رحمه الله: (إذا تحقق العبد بأنه لله وأن مصيره إليه تسلى عن مصيبته وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب وأنفعه له في عاجلته وآجلته فإنها تتضمن أصلين عظيمين إذا تحقق العبد بمعرفتهما تسلى عن مصيبته. أحدهما: أن العبد وأهله وماله ملك لله عز وجل حقيقة ... الثاني: أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق ولا بد أن يخلف الدنيا وراء ظهره ويجيء ربه فردا كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا مال ولا عشيرة ولكن بالحسنات والسيئات فإذا كانت هذه بداية العبد وما خوله ونهايته فكيف يفرح بموجود أو يأسى على مفقود.) (4).
9 - أن يعلم أن ابتلاء الله له هو امتحان لصبره:
(1) رواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (7/ 167)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (9678)، والبغوي في ((معجم الصحابة)) (4/ 20)، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (3/ 1440) من حديث سابط القرشي رضي الله عنه. قالابن حجر العسقلاني في ((الإصابة)) (2/ 2): إسناده حسن، لكن اختلف فيه على علقمة.
(2) ((زاد المعاد)) لابن القيم (4/ 173).
(3) ((زاد المعاد)) لابن القيم (4/ 173).
(4) ((زاد المعاد)) لابن القيم – بتصرف- (4/ 173).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
يقول ابن القيم رحمه الله في ذلك: (أن الذي ابتلاه بها أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به ولا ليعذبه به ولا ليجتاحه وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه وليسمع تضرعه وابتهاله وليراه طريحا ببابه لائذا بجنابه مكسور القلب بين يديه رافعا قصص الشكوى إليه) (1).
10 - أن يعلم أن مرارة الدنيا هي حلاوة الآخرة:
قال ابن القيم رحمه الله: (إن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة يقلبها الله سبحانه كذلك وحلاوة الدنيا بعينها مرارة الآخرة ولأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك فإن خفي عليك هذا فانظر إلى قول الصادق المصدوق: ((حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات)) (2) وفي هذا المقام تفاوتت عقول الخلائق وظهرت حقائق الرجال فأكثرهم آثر الحلاوة المنقطعة على الحلاوة الدائمة التي لا تزول ولم يحتمل مرارة ساعة لحلاوة الأبد ولا ذل ساعة لعز الأبد ولا محنة ساعة لعافية الأبد فإن الحاضر عنده شهادة والمنتظر غيب والإيمان ضعيف وسلطان الشهوة حاكم فتولد من ذلك إيثار العاجلة ورفض الآخرة) (3).
11 - (أن يشهدَ أن الله سبحانه وتعالى خالقُ أفعالِ العباد، حركاتِهم وسَكَناتِهم وإراداتِهم، فما شاءَ الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فلا يتحرك في العالم العُلْوِيّ والسّفليّ ذرَّة إلاّ بإذنه ومشيئتِه، فالعباد آلة، فانظر إلى الذي سَلَّطَهم عليك، ولا تَنظُرْ إلى فِعلِهم بكَ، تَسْتَرِحْ من الهمّ والغَمِّ.
12 - أن يشهد ذنوبه، وأن الله إنما سلطهم عليه بذنبه، كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]
13 - أن يشهد العبد حسن الثواب الذي وعده الله لمن عفا وصبر، كما قال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40].
14 - أن يشهد أنه إذا عفا وأحسن أورثه ذلك من سلامة القلب لإخوانه، ونقائه من الغش والغل وطلب الانتقام وإرادة الشر، وحصل له من حلاوة العفو ما يزيد لذته ومنفعته عاجلا وآجلا.
15 - أن يعلم أنه ما انتقم أحد قط لنفسه إلا أورثه ذلك ذلا يجده في نفسه، فإذا عفا أعزه الله تعالى، وهذا مما أخبر به الصادق المصدوق حيث يقول: ((ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا)) (4).
16 - أن يشهد أن الجزاء من جنس العمل، وأنه نفسه ظالم مذنب، وأن من عفا عن الناس عفا الله عنه، ومن غفر لهم غفر الله له.
17 - أن يعلم أنه إذا اشتغلت نفسه بالانتقام وطلب المقابلة ضاع عليه زمانه، وتفرق عليه قلبه، وفاته من مصالحه مالا يمكن استدراكه.
18 - إن أوذي على ما فعله لله، أو على ما أمر به من طاعته ونهى عنه من معصيته، وجب عليه الصبر، ولم يكن له الانتقام، فإنه قد أوذي في الله فأجره على الله.
19 - أن يشهد معية الله معه إذا صبر، ومحبه الله له إذا صبر، ورضاه. ومن كان الله معه دفع عنه أنواع الأذى والمضرات مالا يدفعه عنه أحد من خلقه، قال تعالى: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]، وقال تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 146].
(1) ((زاد المعاد)) لابن القيم (4/ 173).
(2) رواه البخاري (6487)، ومسلم (2822) واللفظ له، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(3) ((زاد المعاد)) لابن القيم (4/ 173).
(4) رواه مسلم (2588) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
20 - أن يشهد أن صبره حكم منه على نفسه، وقهر لها وغلبة لها، فمتى كانت النفس مقهورة معه مغلوبة، لم تطمع في استرقاقه وأسره وإلقائه في المهالك، ومتى كان مطيعا لها سامعا منها مقهورا معها، لم تزل به حتى تهلكه، أو تتداركه رحمة من ربه.
21 - أن يعلم أنه إن صبر فالله ناصره ولابد، فالله وكيل من صبر، وأحال ظالمه على الله، ومن انتصر لنفسه وكله الله إلى نفسه، فكان هو الناصر لها.
22 - أن صبره على من آذاه واحتماله له يوجب رجوع خصمه عن ظلمه، وندامته واعتذاره، ولوم الناس له، فيعود بعد إيذائه له مستحييا منه نادما على ما فعله، بل يصير مواليا له.
23 - ربما كان انتقامه ومقابلته سببا لزيادة شر خصمه، وقوة نفسه، وفكرته في أنواع الأذى التي يوصلها إليه، كما هو المشاهد. فإذا صبر وعفا أمن من هذا الضرر، والعاقل لا يختار أعظم الضررين بدفع أدناهما.
24 - أن من اعتاد الانتقام ولم يصبر لابد أن يقع في الظلم، فإن النفس لا تقتصر على قدر العدل الواجب لها، لا علما ولا إرادة، وربما عجزت عن الاقتصار على قدر الحق، فإن الغضب يخرج بصاحبه إلى حد لا يعقل ما يقول ويفعل، فبينما هو مظلوم ينتظر النصر والعز، إذ انقلب ظالما ينتظر المقت والعقوبة.
25 - أن هذه المظلمة التي ظلمها هي سبب إما لتكفير سيئته، أو رفع درجته، فإذا انتقم ولم يصبر لم تكن مكفرة لسيئته ولا رافعة لدرجته.
26 - أن عفوه وصبره من أكبر الجند له على خصمه، فإن من صبر وعفا كان صبره وعفوه موجبا لذل عدوه وخوفه وخشيته منه ومن الناس، فإن الناس لا يسكتون عن خصمه، وإن سكت هو، فإذا انتقم زال ذلك كله.
27 - أنه إذا عفا عن خصمه استشعرت نفس خصمه أنه فوقه، وأنه قد ربح عليه، فلا يزال يرى نفسه دونه.
28 - أنه إذا عفا وصفح كانت هذه حسنة، فتولد له حسنة أخرى، وتلك الأخرى تولد له أخرى، وهلم جرا) (1).
21 - أن يعلم أنه إن صبر فالله ناصره ولابد، فالله وكيل من صبر، وأحال ظالمه على الله، ومن انتصر لنفسه وكله الله إلى نفسه، فكان هو الناصر لها.
22 - أن صبره على من آذاه واحتماله له يوجب رجوع خصمه عن ظلمه، وندامته واعتذاره، ولوم الناس له، فيعود بعد إيذائه له مستحييا منه نادما على ما فعله، بل يصير مواليا له.
23 - ربما كان انتقامه ومقابلته سببا لزيادة شر خصمه، وقوة نفسه، وفكرته في أنواع الأذى التي يوصلها إليه، كما هو المشاهد. فإذا صبر وعفا أمن من هذا الضرر، والعاقل لا يختار أعظم الضررين بدفع أدناهما.
24 - أن من اعتاد الانتقام ولم يصبر لابد أن يقع في الظلم، فإن النفس لا تقتصر على قدر العدل الواجب لها، لا علما ولا إرادة، وربما عجزت عن الاقتصار على قدر الحق، فإن الغضب يخرج بصاحبه إلى حد لا يعقل ما يقول ويفعل، فبينما هو مظلوم ينتظر النصر والعز، إذ انقلب ظالما ينتظر المقت والعقوبة.
25 - أن هذه المظلمة التي ظلمها هي سبب إما لتكفير سيئته، أو رفع درجته، فإذا انتقم ولم يصبر لم تكن مكفرة لسيئته ولا رافعة لدرجته.
26 - أن عفوه وصبره من أكبر الجند له على خصمه، فإن من صبر وعفا كان صبره وعفوه موجبا لذل عدوه وخوفه وخشيته منه ومن الناس، فإن الناس لا يسكتون عن خصمه، وإن سكت هو، فإذا انتقم زال ذلك كله.
27 - أنه إذا عفا عن خصمه استشعرت نفس خصمه أنه فوقه، وأنه قد ربح عليه، فلا يزال يرى نفسه دونه.
28 - أنه إذا عفا وصفح كانت هذه حسنة، فتولد له حسنة أخرى، وتلك الأخرى تولد له أخرى، وهلم جرا) (1).
(1) من 11 إلى 28، ملخص من كتاب ((جامع المسائل)) لابن تيمية (1/ 168 - 174).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نماذج من صبر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم
صَبرُ أولي العزم من الرسل على مشاق الدعوة إلى الله
صَبَر أولي العزم من الرسل على مشاق الدعوة إلى الله فأبلوا بلاءً حسنا، صبر نوح عليه السلام وقضَّى ألف سنة إلا خمسين عاماً كلها دعوة، وصبر إبراهيم عليه السلام على كل ما نزل به فجُمع له الحطب الكثير، وأوقدت فيه النار العظيمة، فألقي فيها، فكانت بردا وسلاما. وموسى عليه السلام يصبر على أذى فرعون وجبروته وطغيانه. ويصبر عيسى عليه السلام على تكذيب بني إسرائيل له، ورفض دعوته، ويصبر على كيدهم ومكرهم حتى أرادوا أن يقتلوه ويصلبوه، إلا أن الله سبحانه وتعالى نجاه من شرهم. وأما نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما أكثر ما مر عليه من المصائب العظام في سبيل هذا الدين فصبر صلوات ربي وسلامه عليه.
قال تعالى آمراً نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالصبر: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35]
قال السعدي رحمه الله: (أمر تعالى رسوله أن يصبر على أذية المكذبين المعادين له وأن لا يزال داعيا لهم إلى الله وأن يقتدي بصبر أولي العزم من المرسلين سادات الخلق أولي العزائم والهمم العالية الذين عظم صبرهم، وتم يقينهم، فهم أحق الخلق بالأسوة بهم والقفو لآثارهم والاهتداء بمنارهم) (1).
أيوب عليه السلام وصبره على البلاء
كان نبي الله أيوب عليه السلام، غاية في الصبر، وبه يضرب المثل في ذلك، قال تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [الأنبياء: 32 - 84].
(يذكر تعالى عن أيوب، عليه السلام، ما كان أصابه من البلاء، في ماله وولده وجسده، وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شيء كثير، وأولاد كثير، ومنازل مرضية. فابتلي في ذلك كله، وذهب عن آخره، ثم ابتلي في جسده -يقال: بالجذام في سائر بدنه، ولم يبق منه سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر بهما الله عز وجل، حتى عافه الجليس، وأفردَ في ناحية من البلد، ولم يبق من الناس أحد يحنو عليه سوى زوجته، كانت تقوم بأمره) (2).
نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام وصبرهما على طاعة الله
رأى نبي الله إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل ورؤيا الأنبياء وحي، فأخبر ابنه بذلك وعرض عليه الأمر. قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102]
(قَالَ إسماعيل صابرا محتسبا، مرضيا لربه، وبارا بوالده: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ أي: امض لما أمرك الله سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ أخبر أباه أنه موطن نفسه على الصبر، وقرن ذلك بمشيئة الله تعالى، لأنه لا يكون شيء بدون مشيئة الله تعالى.
فَلَمَّا أَسْلَمَا أي: إبراهيم وابنه إسماعيل، جازما بقتل ابنه وثمرة فؤاده، امتثالا لأمر ربه، وخوفا من عقابه، والابن قد وطَّن نفسه على الصبر، وهانت عليه في طاعة ربه، ورضا والده، وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أي: تل إبراهيم إسماعيل على جبينه، ليضجعه فيذبحه، وقد انكب لوجهه، لئلا ينظر وقت الذبح إلى وجهه.
وَنَادَيْنَاهُ في تلك الحال المزعجة، والأمر المدهش: أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ أي: قد فعلت ما أمرت به، فإنك وطَّنت نفسك على ذلك، وفعلت كل سبب، ولم يبق إلا إمرار السكين على حلقه إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ في عبادتنا، المقدمين رضانا على شهوات أنفسهم) (3).
(1) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (783).
(2) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/ 359).
(3) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (705).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نماذج من صبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
لقد صبر الرسول صلى الله عليه وسلم وبلغ صبره مبلغاً عظيماً و (لا يُعلم أحد مر به من المصائب والمصاعب والمشاق والأزمات كما مر به صلى الله عليه وسلم وهو صابر محتسب وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ [النحل: 127].
صبر على اليتم والفقر والعوز والجوع والحاجة والتعب والحسد والشماتة وغلبة العدو أحياناً، وصبر على الطرد من الوطن والإخراج من الدار والإبعاد عن الأهل، وصبر على قتل القرابة والفتك بالأصحاب، وتشريد الأتباع وتكالب الأعداء، وتحزب الخصوم، واجتماع المحاربين وصلف المغرضين وكبر الجبارين وجهل الأعراب، وجفاء البادية ومكر اليهود، وعتو النصارى وخبث المنافقين وضراوة المحاربين، وصبر على تجهم القريب وتكالب البعيد، وصولة الباطل وطغيان المكذبين ...
صبر عن الدنيا بزينتها وزخرفها وذهبها وفضتها، فلم يتعلق منها بشيء وصبر على إغراء الولاية، وبريق المنصب، وشهوة الرئاسة، فصدف عن ذلك كله طلباً لمرضاة ربه.
فهو صلى الله عليه وسلم الصابر المحتسب في كل شأن من شؤون حياته، فالصبر درعه وترسه وصاحبه وحليفه، كلما أزعجه كلام أعدائه تذكر واصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [طه: 13] وكلما بلغ به الحال أشده والأمر أضيقه تذكر: فَصَبْر جَمِيلٌ [يوسف: 18] وكلما راعه هول العدو وأقض مضجعه تخطيط الكفار تذكر فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35].
فهو مضرب المثل في سعة الصدر، وجليل الصبر، وعظيم التجمل وثبات القلب، وهو إمام الصابرين، وقدوة الشاكرين صلى الله عليه وسلم) (1).
فصبر على المشركين حينما آذوه، ورموه بالكذب، والكهانة، والسحر، والجنون:
- قال ابن مسعود رضي الله عنه: ((بينا النبي صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور فقذفه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرفع رأسه، فجاءت فاطمة عليها السلام فأخذته من ظهره، ودعت على من صنع)) (2).
- وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال: فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله تعالى وحده لا يشرك به شيئًا)) (3).
- وعن عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيءٍ صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ((بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة؛ إذ أقبل عقبة بن أبي معيط وهو من الكفار، فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً)) (4).
- وصبر صلى الله عليه وسلم على المنافقين:
لقد صبر الرسول صلى الله عليه وسلم وبلغ صبره مبلغاً عظيماً و (لا يُعلم أحد مر به من المصائب والمصاعب والمشاق والأزمات كما مر به صلى الله عليه وسلم وهو صابر محتسب وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ [النحل: 127].
صبر على اليتم والفقر والعوز والجوع والحاجة والتعب والحسد والشماتة وغلبة العدو أحياناً، وصبر على الطرد من الوطن والإخراج من الدار والإبعاد عن الأهل، وصبر على قتل القرابة والفتك بالأصحاب، وتشريد الأتباع وتكالب الأعداء، وتحزب الخصوم، واجتماع المحاربين وصلف المغرضين وكبر الجبارين وجهل الأعراب، وجفاء البادية ومكر اليهود، وعتو النصارى وخبث المنافقين وضراوة المحاربين، وصبر على تجهم القريب وتكالب البعيد، وصولة الباطل وطغيان المكذبين ...
صبر عن الدنيا بزينتها وزخرفها وذهبها وفضتها، فلم يتعلق منها بشيء وصبر على إغراء الولاية، وبريق المنصب، وشهوة الرئاسة، فصدف عن ذلك كله طلباً لمرضاة ربه.
فهو صلى الله عليه وسلم الصابر المحتسب في كل شأن من شؤون حياته، فالصبر درعه وترسه وصاحبه وحليفه، كلما أزعجه كلام أعدائه تذكر واصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [طه: 13] وكلما بلغ به الحال أشده والأمر أضيقه تذكر: فَصَبْر جَمِيلٌ [يوسف: 18] وكلما راعه هول العدو وأقض مضجعه تخطيط الكفار تذكر فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35].
فهو مضرب المثل في سعة الصدر، وجليل الصبر، وعظيم التجمل وثبات القلب، وهو إمام الصابرين، وقدوة الشاكرين صلى الله عليه وسلم) (1).
فصبر على المشركين حينما آذوه، ورموه بالكذب، والكهانة، والسحر، والجنون:
- قال ابن مسعود رضي الله عنه: ((بينا النبي صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور فقذفه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرفع رأسه، فجاءت فاطمة عليها السلام فأخذته من ظهره، ودعت على من صنع)) (2).
- وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال: فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله تعالى وحده لا يشرك به شيئًا)) (3).
- وعن عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيءٍ صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ((بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة؛ إذ أقبل عقبة بن أبي معيط وهو من الكفار، فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً)) (4).
- وصبر صلى الله عليه وسلم على المنافقين:
(1) ((محمد صلى الله عليه وسلم كأنك تراه)) لعائض القرني – بتصرف - (ص: 31 - 33).
(2) رواه البخاري (3185)، ومسلم (1794) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(3) رواه البخاري (3231)، ومسلم (1795) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4) رواه البخاري (3856) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارًا عليه إكَاف، تحته قطيفة فدَكِيَّة، وأردف وراءه أسامة، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج، وذلك قبل وقعة بدر، حتى مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين وعبدة الأوثان واليهود، فيهم عبد الله بن أبي، وفي المجلس عبد الله بن رواحة رضي الله عنه قال: فلما غشيت المجلس عجاجة الدَّابة، خمَّر عبد الله بن أبي أنفه ثم قال: لا تغبِّروا علينا، فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء ـ يريد النبي صلى الله عليه وسلم ـ لا أحسن من هذا، إن كان ما تقول حقًا فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك، فمن جاءك منا فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة: اغشنا في مجالسنا فإنا نحب ذلك، قال: فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى همّوا أن يتواثبوا، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم، ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال: أي سعد، ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب ـ يريد عبد الله بن أبي ـ قال كذا وكذا؟ فقال سعد ـ رضي الله عنه: اعف عنه يا رسول الله واصفح، فوالله لقد أعطاك الله الذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البُحيرة أن يتوجوه فيعصِّبوه بالعصابة ـ أي يجعلوه ملكًا عليهم ـ فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاكه شرق بذلك، فلذلك فعل به ما رأيت، قال: فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم)) (1).
- وصبر صلى الله عليه وسلم على مشاق الحياة وشدتها:
فعن عائشة رضي الله عنها-أنها قالت لعروة: ((ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. فقلت ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان، التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم فيسقيناه)) (2).
وأنه صلى الله عليه وسلم قال: ((لقد أخِفتُ في الله، وما يخاف أحد، وقد أوذيت في الله، وما يُؤذى أحد، ولقد أتت عليَّ ثلاثون ما بين يوم وليلة وما لي طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال)) (3).
- وصبر صلى الله عليه وسلم على فقد الأولاد والأحباب:
فمات عمه أبو طالب، وتوفيت زوجته خديجة، وتوفي ابنه، وقتل عمه حمزة، فصلوات ربي وسلامه عليه.
(1) رواه البخاري (6254)، ومسلم (1798) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
(2) رواه البخاري (6459) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3) رواه الترمذي (2472)، وابن ماجه (151)، وأحمد (3/ 286) (14087) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن غريب. وصححه ابن القيم في ((عدة الصابرين)) (1/ 299)، وصححه الألباني في ((صحيح الترمذي)) (2472).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نماذج من صبر الصحابة رضوان الله عليهم
(علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه كيف يصبرون في مختلف الأمور وضروبها، فقد علمهم الصبر من أجل هذا الدين، والتضحية في سبيله) (1).
(والصحابة رضي الله عنهم لهم مواقف كثيرة جدا لا يستطيع أحد أن يحصرها، لأنهم رضي الله عنهم باعوا أنفسهم، وأموالهم، وحياتهم لله، ابتغاء مرضاته، وخوفاً من عقابه، ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة) (2). وإليك نماذج من صبرهم رضي الله عنهم وأرضاهم:
صَبرُ آل ياسر رضي الله عنهم
وآل ياسر رضي الله عنهم - عمار، وأبوه ياسر، وأمه سمية - يعذبهم المشركون بسبب إيمانهم فيصمدون، عن عثمان رضي الله عنه قال: (أما إني سأحدثكم حديثا عن عمار: أقبلت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم في البطحاء حتى أتينا على عمار وأمه وأبيه وهم يعذبون.
فقال ياسر للنبي صلى الله عليه وسلم: الدهر هكذا. فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: اصبر. ثم قال: اللهم اغفر لآل ياسر، وقد فعلت) (3). وروى الحاكم في المستدرك عن ابن إسحاق قال: ((كان عمار بن ياسر وأبوه وأمه أهل بيت إسلام وكان بنو مخزوم يعذبونهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صبرا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة)) (4).
بلال رضي الله عنه يُعَذَّب فيصبر:
فهذا بلال بن رباح رضي الله عنه يعذب من أجل إيمانه فيصبر. (فكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره ثم يقول لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد فيقول وهو في ذلك أحد أحد) (5).
وعن زر، عن عبد الله قال: (أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وبلال، وصهيب، والمقداد.
فأما النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر: فمنعهما الله بقومهما.
وأما سائرهم فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم أحد إلا وأتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد) (6).
أم سلمة رضي الله عنها وصبرها عند فقد ابنها
وهذه أم سلمة تصبر عن موت فلذة كبدها، يروي لنا أنس رضي الله عنه قصتها فيقول: ((أن أبا طلحة كان له ابن يكنى أبا عمير قال: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أبا عمير ما فعل النغير؟ قال: فمرض وأبو طلحة غائب في بعض حيطانه فهلك الصبي فقامت أم سليم فغسلته وكفنته وحنطته وسجت عليه ثوبا وقالت: لا يكون أحد يخبر أبا طلحة حتى أكون أنا الذي أخبره فجاء أبو طلحة كالا وهو صائم فتطيبت له وتصنعت له وجاءت بعشائه فقال: ما فعل أبو عمير؟ فقالت: تعشى وقد فرغ قال: فتعشى وأصاب منها ما يصيب الرجل من أهله ثم قالت: يا أبا طلحة أرأيت أهل بيت أعاروا أهل بيت عارية فطلبها أصحابها أيردونها أو يحبسونها؟ فقال: بل يردونها عليهم قالت: احتسب أبا عمير قال: فغضب وانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بقول أم سليم فقال صلى الله عليه وسلم: بارك الله لكما في غابر ليلتكما)) (7).
(علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه كيف يصبرون في مختلف الأمور وضروبها، فقد علمهم الصبر من أجل هذا الدين، والتضحية في سبيله) (1).
(والصحابة رضي الله عنهم لهم مواقف كثيرة جدا لا يستطيع أحد أن يحصرها، لأنهم رضي الله عنهم باعوا أنفسهم، وأموالهم، وحياتهم لله، ابتغاء مرضاته، وخوفاً من عقابه، ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة) (2). وإليك نماذج من صبرهم رضي الله عنهم وأرضاهم:
صَبرُ آل ياسر رضي الله عنهم
وآل ياسر رضي الله عنهم - عمار، وأبوه ياسر، وأمه سمية - يعذبهم المشركون بسبب إيمانهم فيصمدون، عن عثمان رضي الله عنه قال: (أما إني سأحدثكم حديثا عن عمار: أقبلت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم في البطحاء حتى أتينا على عمار وأمه وأبيه وهم يعذبون.
فقال ياسر للنبي صلى الله عليه وسلم: الدهر هكذا. فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: اصبر. ثم قال: اللهم اغفر لآل ياسر، وقد فعلت) (3). وروى الحاكم في المستدرك عن ابن إسحاق قال: ((كان عمار بن ياسر وأبوه وأمه أهل بيت إسلام وكان بنو مخزوم يعذبونهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صبرا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة)) (4).
بلال رضي الله عنه يُعَذَّب فيصبر:
فهذا بلال بن رباح رضي الله عنه يعذب من أجل إيمانه فيصبر. (فكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره ثم يقول لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد فيقول وهو في ذلك أحد أحد) (5).
وعن زر، عن عبد الله قال: (أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وبلال، وصهيب، والمقداد.
فأما النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر: فمنعهما الله بقومهما.
وأما سائرهم فأخذهم المشركون، فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم أحد إلا وأتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد) (6).
أم سلمة رضي الله عنها وصبرها عند فقد ابنها
وهذه أم سلمة تصبر عن موت فلذة كبدها، يروي لنا أنس رضي الله عنه قصتها فيقول: ((أن أبا طلحة كان له ابن يكنى أبا عمير قال: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أبا عمير ما فعل النغير؟ قال: فمرض وأبو طلحة غائب في بعض حيطانه فهلك الصبي فقامت أم سليم فغسلته وكفنته وحنطته وسجت عليه ثوبا وقالت: لا يكون أحد يخبر أبا طلحة حتى أكون أنا الذي أخبره فجاء أبو طلحة كالا وهو صائم فتطيبت له وتصنعت له وجاءت بعشائه فقال: ما فعل أبو عمير؟ فقالت: تعشى وقد فرغ قال: فتعشى وأصاب منها ما يصيب الرجل من أهله ثم قالت: يا أبا طلحة أرأيت أهل بيت أعاروا أهل بيت عارية فطلبها أصحابها أيردونها أو يحبسونها؟ فقال: بل يردونها عليهم قالت: احتسب أبا عمير قال: فغضب وانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بقول أم سليم فقال صلى الله عليه وسلم: بارك الله لكما في غابر ليلتكما)) (7).
(1) ((الأخلاق الإسلامية)) لحسن السعيد (ص 197).
(2) ((الأخلاق الإسلامية)) لخميس السعيد (ص 89).
(3) رواه أحمد (1/ 62) (439) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (1/ 410): مرسل، وله إسناد آخر لين، وآخر غريب. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/ 230): رجاله رجال الصحيح إلا أنه منقطع. وضعف إسناده أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (1/ 217).
(4) رواه الحاكم في ((المستدرك)) (3/ 432)، والبيهقي في ((الشعب)) (1515) من حديث ابن إسحاق رحمه الله.
(5) رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/ 148) من حديث ابن إسحاق رحمه الله.
(6) ((سير أعلام النبلاء)) (1/ 302).
(7) رواه مسلم (2144)،وابن حبان في ((صحيحه)) (16/ 158) واللفظ له، من حديث أنس رضي الله عنه.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نماذج من صبر السلف رحمهم الله
عروة بن الزبير رحمه الله وصبره على الابتلاء
(وقعت الآكلة في رجل عروة بن الزبير، فصعدت في ساقه، فبعث إليه الوليد، فحُمل إليه ودعا الأطباء فقالوا: ليس له دواء إلا القطع، وقالوا له: اشرب المرقِد، فقال عروة للطبيب: امض لشأنك، ما كنت أظن أن خلقا يشرب ما يزيل عقله حتى يعرف به. فوضع المنشار على ركبته اليسرى، فما سُمع له حسّ، فلما قطعها جعل يقول: لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لقد عافيت. وما ترك جزءه من القرآن تلك الليلة. قال الوليد: ما رأيت شيخا قط أصبر من هذا. ثم إنه أصيب بابنه محمد في ذلك السفر، ركضته بغلة في اصطبل، فلم يُسمع من عروة في ذلك كلمة. فلما كان بوادي القرى قال: لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا [الكهف:63]، اللهم كان لي بنون سبعة، فأخذت واحدا وأبقيت لي ستة، وكان لي أطراف أربعة، فأخذت واحدا وأبقيت ثلاثة، ولئن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت) (1).
(1) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (4/ 430).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نماذج من صبر العلماء المتقدمين
صبر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله على محنة خلق القرآن
(أخذ أحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن أيام المأمون، ليحمل إلى المأمون ببلاد الروم، وأخذ معه أيضاً محمد بن نوح مقيدين، ومات المأمون قبل أن يلقاه أحمد، فَرُدَّ أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح في أقيادهما، فمات محمد بن نوح في الطريق، ورد أحمد إلى بغداد مقيدًا.
ودخل على الإمام أحمد بعض حفاظ أهل الحديث بالرقة وهو محبوس، فجعلوا يذاكرونه ما يروى في التقيَّة من الأحاديث، فقال أحمد: وكيف تصنعون بحديث خباب: ((إن من كان قبلكم كان ينشر أحدهم بالمنشار، ثم لا يصده ذلك عن دينه)) (1)؟! فيئسوا منه.
وقال إبراهيم البوشنجي: ذكروا أن المعتصم رق في أمر أحمد، لما علق في العقابين، ورأى ثبوته وتصميمه، وصلابته في أمره، حتى أغراه ابن أبي دؤاد، وقال له: إن تركته قيل: إنك تركت مذهب المأمون، وسخطت قوله. فهاجه ذلك على ضربه.
وقال أبو غالب ابن بنت معاوية: ضرب أحمد بن حنبل بالسياط في الله، فقام مقام الصِّدِّيقين، في العشر الأواخر من رمضان سنة عشرين ومائتين) (2).
صبر الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله على محنة خلق القرآن
(أخذ أحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن أيام المأمون، ليحمل إلى المأمون ببلاد الروم، وأخذ معه أيضاً محمد بن نوح مقيدين، ومات المأمون قبل أن يلقاه أحمد، فَرُدَّ أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح في أقيادهما، فمات محمد بن نوح في الطريق، ورد أحمد إلى بغداد مقيدًا.
ودخل على الإمام أحمد بعض حفاظ أهل الحديث بالرقة وهو محبوس، فجعلوا يذاكرونه ما يروى في التقيَّة من الأحاديث، فقال أحمد: وكيف تصنعون بحديث خباب: ((إن من كان قبلكم كان ينشر أحدهم بالمنشار، ثم لا يصده ذلك عن دينه)) (1)؟! فيئسوا منه.
وقال إبراهيم البوشنجي: ذكروا أن المعتصم رق في أمر أحمد، لما علق في العقابين، ورأى ثبوته وتصميمه، وصلابته في أمره، حتى أغراه ابن أبي دؤاد، وقال له: إن تركته قيل: إنك تركت مذهب المأمون، وسخطت قوله. فهاجه ذلك على ضربه.
وقال أبو غالب ابن بنت معاوية: ضرب أحمد بن حنبل بالسياط في الله، فقام مقام الصِّدِّيقين، في العشر الأواخر من رمضان سنة عشرين ومائتين) (2).
(1) رواه البخاري (3612) من حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه.
(2) ((صلاح الأمة)) لسيد العفاني (4/ 409).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ما هو الباعث على الصبر؟
يجب أن يكون الباعث على الصبر ابتغاء وجه الله عز وجل، والتقرب إليه ورجاء ثوابه، لا لإظهار الشجاعة وقوة النفس وغير ذلك من الأغراض، قال تعالى: وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ [الرعد:22]
قال السعدي في تفسيره للآية: (ولكن بشرط أن يكون ذلك الصبر ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ لا لغير ذلك من المقاصد والأغراض الفاسدة، فإن هذا هو الصبر النافع الذي يحبس به العبد نفسه، طلبا لمرضاة ربه، ورجاء للقرب منه، والحظوة بثوابه، وهو الصبر الذي من خصائص أهل الإيمان، وأما الصبر المشترك الذي غايته التجلد ومنتهاه الفخر، فهذا يصدر من البر والفاجر، والمؤمن والكافر، فليس هو الممدوح على الحقيقة) (1).
وقال سبحانه: وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (أي: اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربك عز وجل) (2).
(1) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص 416).
(2) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (8/ 264).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
كلام نفيس في شروط الصبر
عن أبي ميمون، قال: (إن للصبر شروطا، قلت: - الراوي- ما هي يا أبا ميمون؟ قال: إن من شروط الصبر أن تعرف كيف تصبر؟ ولمن تصبر؟ وما تريد بصبرك؟ وتحتسب في ذلك وتحسن النية فيه، لعلك أن يخلص لك صبرك، وإلا فإنما أنت بمنزلة البهيمة نزل بها البلاء فاضطربت لذلك، ثم هدأ فهدأت، فلا هي عقلت ما نزل بها فاحتسبت وصبرت ولا هي صبرت، ولا هي عرفت النعمة حين هدأ ما بها فحمدت الله على ذلك وشكرت) (1).
عن أبي ميمون، قال: (إن للصبر شروطا، قلت: - الراوي- ما هي يا أبا ميمون؟ قال: إن من شروط الصبر أن تعرف كيف تصبر؟ ولمن تصبر؟ وما تريد بصبرك؟ وتحتسب في ذلك وتحسن النية فيه، لعلك أن يخلص لك صبرك، وإلا فإنما أنت بمنزلة البهيمة نزل بها البلاء فاضطربت لذلك، ثم هدأ فهدأت، فلا هي عقلت ما نزل بها فاحتسبت وصبرت ولا هي صبرت، ولا هي عرفت النعمة حين هدأ ما بها فحمدت الله على ذلك وشكرت) (1).
(1) ((الصبر والثواب عليه)) لابن أبي الدنيا (ص53).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الصبر في واحة الشعر ..
صبراً جميلاً
صبراً جميلاً على ما ناب منحدث ... والصبر ينفع أحياناً إذا صبروا
الصبر أفضل شيء تستعين به ... على الزمان إذا مامسك الضرر
للصبر عاقبة
إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقل من جد في شيء يحاوله ... فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
أتاك الروح
أتاك الروح والفرج القريب ... وساعدك القضاء، فلا تخيب
صبرت، فنلت عقبى كل خير ... كذلك لكل مصطبر عقيب (1).
فما شدة يوماً
فما شدة يوماً، وإن جل خطبها ... بنازلة إلا سيتبعها يسر
وإن عسرت يوماً على المرء حاجة ... وضاقت عليه كان مفتاحها الصبر
الصبر بالحر أجمل
تعز، فإن الصبر بالحر أجمل ... وليس على ريب الزمان معول
فإن تكن الأيام فينا تبدلت ... بنعمى وبؤسى، والحوادث تفعل
فما لينت منا قناة صليبة ... ولا ذللتنا للذي ليس يجمل
ولكن رحلناها نفوساً كريمة ... تحمل مالا تستطيع فتحمل
حسبك من صبر
إني رأيت الخير في الصبر مسرعاً ... وحسبك من صبر تحوز به أجرا
عليك بتقوى الله في كل حالة ... فإنك إن تفعل تصيب به ذخراً (2).
وإذا عرتك بلية
وإذا عرتك بلية فاصبر لها ... صبر الكريم، فإنه بك أعلم
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما ... تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم (3).
تعز بحسن الصبر
تعز بحسن الصبر عن كل هالك ... ففي الصبر مسلاة الهموم اللوازم
إذا أنت لم تسل اصطباراً وخشية ... سلوت على الأيام مثل البهائم
وليس يذود النفس عن شهواتها ... من الناس إلا كل ماضي العزائم
غاية الصبر
غاية الصبر لذيذ طعمها ... وبدى الصبر منه كالصبر
إن في الصبر لفضلا بينا ... فاحمل النفس عليه تصطبر
ومن يصبر يجد غب صبره
صبرت ومن يصبر يجد غب صبره ... ألذ وأحلى من جنى النحل في الفم
ومن لا يطب نفساً، ويستبق صاحبا ... ويغفر لأهل الود يضرم ويصرم (4).
إذا لم تسامح
إذا لم تسامح في الأمور تعقدت ... عليك فسامح واخرج العسر باليسر
فلم أر أوفى للبلاء من التقى ... ولم أر للمكروه أشفى من الصبر (5)
اصبر لكل مصيبة
اصبر لكل مصيبة، وتجلد ... واعلم بأن المرء غير مخلد
أوما ترى أن المصائب جمة ... وترى المنية للعباد مرصد
من لم يصب ممن ترى بمصيبة ... هذا سبيل لست فيه بأوحد
فإذا ذكرت محمداً ومصابه ... فاذكر مصابك بالنبي محمد (6).
مفتاح باب الفرج
مفتاح باب الفرج الصبر ... وكل عسر معه يسر
والدهر لا يبقى على حاله ... والأمر يأتي بعده الأمر
والكره تفنيه الليالي التي ... يفنى عليها الخير والشر
وكيف يبقى حال من حاله ... يسرع فيها اليوم والشهر (7)
يعزى المعزى
يعزى المعزى، ثم يمضي لشأنه ... ويبقى المعزى في أحر من الجمر
ويرمى المعزى بعد ذاك بسلوة ... ويثوي المعزى عنه في وحشة القبر
من يسبق السلوة
من يسبق السلوة بالصبر ... فاز بفضل الحمد الأجر
ياعجبي من هلع جازع ... يصبح بين الذم والوزر
مصيبة الإنسان في دينه ... أعظم من جائحة الدهر
تجري المقادير
تجري المقادير إن عسرا وإن يسرا ... حاذرت واقعها أو لم تكن حذرا
والعسر عن قدر يجري إلى يسر ... والصبر أفضل شيء وافق الظفرا (8). ...
(1) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 161).
(2) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 162).
(3) ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 435).
(4) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 163).
(5) ((الصبر والثواب عليه)) لابن أبي الدنيا (ص45).
(6) ((غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب)) للسفاريني (ص 276).
(7) ((الصبر والثواب عليه)) لابن أبي الدنيا (ص58).
(8) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 164).