الأحد، 18 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : العفو والصفح

العفو والصفح

معنى العفو والصفح لغة واصطلاحاً
معنى العفو لغة واصطلاحاً
معنى العفو لغة:
يقال عَفَا يَعْفُو عَفْواً فهو عافٍ وعَفُوُّ، والعَفُوُّ؛ من العَفْوِ وهو التَّجاوُزُ عن الذنب وتَرْكُ العِقابِ عليه وأَصلُه المَحْوُ والطَّمْس (1).
وقال الخليل: (وكلُّ مَن استحقَّ عُقوبةً فتركْتَه فقد عفوتَ عنه. وقد يكون أن يعفُوَ الإنسان عن الشَّيء بمعنى الترك، ولا يكون ذلك عن استحقاق) (2).
معنى العفو اصطلاحاً:
العفو اصطلاحاً: (هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب وأصله المحو والطمس) (3).
وقال الراغب: (العفو هو التجافي عن الذنب. قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ [الشورى:40]، وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ [البقرة:52]، إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ [التوبة:66]، فَاعْفُ عَنْهُمْ [آل عمران:159]) (4).
وقيل: (هو القصد لتناول الشيء والتجاوز عن الذنب) (5).
معنى الصفح لغة واصطلاحاً
معنى الصفح لغة:
تقول: (صَفَحَ عنه يَصْفَح صَفْحاً أَعرض عن ذنبه وهو صَفُوحٌ وصَفَّاحٌ عَفُوٌّ والصَّفُوحُ الكريم لأَنه يَصْفَح عمن جَنى عليه واستَصْفَحَه ذنبه استغفره إِياه وطلب أَن يَصْفَحَ له عنه) (6).
معنى الصفح اصطلاحاً:
الصفح: (هو ترك التأنيب وهو أبلغ من العفو فقد يعفو ولا يصفح، وصفحت عنه أوليته مني صفحة جميلة معرضا عن ذنبه بالكلية ولذلك قال: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [البقرة:109]، وقد يعفو الإنسان ولا يصفح. قال: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ [الزخرف:89]، فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر:85]، أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا) (7).
الألفاظ المترادفة للعفو:
ورد في كلام العرب ألفاظ مترادفة للعفو منها:
(الصفح، والإقالة، والتغابن، والتغاضي، والغفران، والتجاوز، والعتبى) (8).

(1) ((لسان العرب)) لابن منظور (15/ 72).
(2) ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/ 56).
(3) ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (ص6/ 143).
(4) ((مفردات ألفاظ القرآن)) للراغب الأصفهاني (ص574).
(5) ((التوقيف على مهمات التعاريف)) للمناوي (ص 518).
(6) ((لسان العرب)) لابن منظور (2/ 512).
(7) انظر: ((التوقيف على مهمات التعاريف)) للمناوي (ص 457).
(8) ((الألفاظ المترادفة)) للرماني (ص 69).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الفرق بين لفظة العفو ومترادفاتها
الفرق بين العفو والصفح:
(العفو والصفح متقاربان في المعنى:
قال الراغب: الصفح: ترك التثريب، وهو أبلغ من العفو وقد يعفو الإنسان ولا يصفح.
وقال البيضاوي: العفو ترك عقوبة المذنب، والصفح: ترك لومه.
ويدل عليه قوله تعالى: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا [البقرة: 109].
ترقيا في الأمر بمكارم الأخلاق من الحسن إلى الأحسن، ومن الفضل إلى الأفضل) (1).
الفرق بين العفو والعافية والمعافاة:
(قيل: الأول هو التجاوز عن الذنوب ومحوها.
الثاني: دفاع الله - سبحانه - الأسقام والبلايا عن العبد.
وهو اسم من عافاه الله وأعفاه، وضع موضع المصدر.
والثالث: أن يعافيك الله عن الناس ويعافيهم عنك، أي: يغنيك عنهم ويغنيهم عنك، ويصرف أذاهم عنك وأذاك عنهم) (2).
الفرق بين العفو والمغفرة:
(العفو: ترك العقاب على الذنب.
والمغفرة: تغطية الذنب بإيجاب المثوبة.
ولذلك كثرت المغفرة من صفات الله تعالى دون صفات العباد، فلا يقال: استغفر السلطان كما يقال: استغفر الله.
وقيل: العفو: إسقاط العذاب.
والمغفرة أن يستر عليه بعد ذلك جرمه صونا له عن عذاب الخزي والفضيحة، فإن الخلاص من عذاب النار إنما يطلب إذا حصل عقيبه الخلاص من عذاب الفضيحة.
فالعفو: إسقاط العذاب الجسماني.
والمغفرة: إسقاط العذاب الروحاني، والتجاوز يعمهما.
وقال الغزالي: (في العفو مبالغة ليست في الغفور، فإن الغفران ينبئ عن الستر والعفو ينبئ عن المحو، وهو أبلغ من الستر، لأن السبر للشيء قد يحصل مع إبقاء أصله، بخلاف المحو فإن إزالته جملة ورأسا) (3).
الفرق بين العفو والذل:
(أن العفو إسقاط حقك جودا وكرما وإحسانا مع قدرتك على الانتقام فتؤثر الترك رغبة في الإحسان ومكارم الأخلاق.
بخلاف الذل فإن صاحبه يترك الانتقام عجزا وخوفا ومهانة نفس فهذا مذموم غير محمود ولعل المنتقم بالحق أحسن حالا منه قال تعالى وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ [الشورى: 39]) (4).

(1) ((الفروق)) لأبي هلال العسكري (ص 362).
(2) ((الفروق)) لأبي هلال العسكري (ص 363).
(3) ((الفروق)) لأبي هلال العسكري (ص 363).
(4) ((الروح)) لابن قيم الجوزية (ص 241).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،العَفْو صفة من صفات الله عز وجل
(العفو صفةٌ فعليَّةٌ لله عَزَّ وجلَّ ثابتةٌ له بالكتاب والسنة، ومعناها الصفح عن الذنوب، و (العَفُوُّ) اسم لله تعالى.
قال تعالى: إِنَّ الله كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا [النساء: 43].
وقال تعالى: عَفَا الله عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهمْ [التوبة: 43].
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث الدعاء على الجنازة: ((اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه واعف عنه ... )) (1).
وفي حديث عائشة رضي الله عنها: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك ... )) (2). ولا يستعاذ إلا بالله أو بصفة من صفاته) (3).
وقال الحليمي في معنى العفو: (إنه الواضع عن عباده تبعات خطاياهم وآثامهم، فلا يستوفيها منهم، وذلك إذا تابوا واستغفروا، أو تركوا لوجهه أعظم ما فعلوا ليكفر عنهم ما فعلوا بما تركوا، أو بشفاعة من يشفع لهم، أو يجعل ذلك كرامة لذي حرمة لهم به وجزاء له بعمله، قال أبو سليمان: العفو وزنه فعول من العفو وهو بناء المبالغة، والعفو الصفح عن الذنب، وقيل: إن العفو مأخوذ من عفت الريح الأثر إذا درسته، فكأن العافي عن الذنب يمحوه بصفحه عنه) (4).

(1) رواه مسلم (963).
(2) رواه مسلم (486).
(3) ((صفات الله الواردة في الكتاب والسنة)) لعلوي السقاف. بتصرف (ص 254).
(4) ((الأسماء والصفات)) للبيهقي (1/ 149).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الحث على العفو والصفح من القرآن والسنة
الحث على العفو والصفح من القرآن الكريم:
- وردت آيات متضافرة في ذكر العفو والصفح والترغيب فيه، ومن هذه الآيات قوله تعالى: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22].
قال ابن كثير رحمه الله: (هذه الآية نزلت في الصدِّيق، حين حلف ألا ينفع مِسْطَح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال، ... فلما أنزل الله براءةَ أم المؤمنين عائشة، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت، وتاب الله على مَن كان تكلم من المؤمنين في ذلك، وأقيم الحد على مَن أقيم عليه، شَرَع تبارك وتعالى، وله الفضل والمنة، يُعطِّفُ الصدِّيق على قريبه ونسيبه، وهو مِسْطَح بن أثاثة، فإنه كان ابن خالة الصديق، وكان مسكينًا لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر، رضي الله عنه، وكان من المهاجرين في سبيل الله، وقد وَلَق وَلْقَة تاب الله عليه منها، وضُرب الحد عليها. وكان الصديق، رضي الله عنه، معروفًا بالمعروف، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب. فلما نزلت هذه الآية إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي: فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك، وكما تصفح نصفح عنك. فعند ذلك قال الصديق: بلى، والله إنا نحب -يا ربنا -أن تغفر لنا. ثم رَجَع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا، في مقابلة ما كان قال: والله لا أنفعه بنافعة أبدًا، فلهذا كان الصدّيق هو الصديق رضي الله عنه وعن بنته) (1).
- وقال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 133]
قال السعدي: (قوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم -وهو امتلاء قلوبهم من الحنق، الموجب للانتقام بالقول والفعل-،هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم. وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ يدخل في العفو عن الناس، العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل، والعفو أبلغ من الكظم، لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء، وهذا إنما يكون ممن تحلى بالأخلاق الجميلة، وتخلى عن الأخلاق الرذيلة، وممن تاجر مع الله، وعفا عن عباد الله رحمة بهم، وإحسانا إليهم، وكراهة لحصول الشر عليهم، وليعفو الله عنه، ويكون أجره على ربه الكريم، لا على العبد الفقير، كما قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: 40]) (2).
- وقال سبحانه: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40]
(قال ابن عباس رضي الله عنه: من ترك القصاص وأصلح بينه وبين الظالم بالعفو (فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) أي إن الله يأجره على ذلك. قال مقاتل: فكان العفو من الأعمال الصالحة) (3).

(1) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/ 31).
(2) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص 148).
(3) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (16/ 41).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،قال السعدي: (ذكر الله في هذه الآية، مراتب العقوبات، وأنها على ثلاث مراتب: عدل وفضل وظلم.
فمرتبة العدل: جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله.
ومرتبة الفضل: العفو والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ يجزيه أجرا عظيما، وثوابا كثيرا، وشرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورا به.
وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل.
وأما مرتبة الظلم: فقد ذكرها بقوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ الذين يجنون على غيرهم ابتداء، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم) (1).
- وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التغابن: 14].
قال السعدي في تفسيره لهذه الآية: (هذا تحذير من الله للمؤمنين، من الاغترار بالأزواج والأولاد، فإن بعضهم عدو لكم، والعدو هو الذي يريد لك الشر، ووظيفتك الحذر ممن هذه وصفه والنفس مجبولة على محبة الأزواج والأولاد، فنصح تعالى عباده أن توجب لهم هذه المحبة الانقياد لمطالب الأزواج والأولاد، ولو كان فيها ما فيها من المحذور الشرعي ورغبهم في امتثال أوامره، وتقديم مرضاته بما عنده من الأجر العظيم المشتمل على المطالب العالية والمحاب الغالية، وأن يؤثروا الآخرة على الدنيا الفانية المنقضية، ولما كان النهي عن طاعة الأزواج والأولاد، فيما هو ضرر على العبد، والتحذير من ذلك، قد يوهم الغلظة عليهم وعقابهم، أمر تعالى بالحذر منهم، والصفح عنهم والعفو، فإن في ذلك، من المصالح ما لا يمكن حصره، فقال: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لأن الجزاء من جنس العمل.
فمن عفا عفا الله عنه، ومن صفح صفح الله عنه، ومن غفر غفر الله له، ومن عامل الله فيما يحب، وعامل عباده كما يحبون وينفعهم، نال محبة الله ومحبة عباده، واستوثق له أمره) (2).
- وقال تعالى: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى: 37].
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: (أي: سجيتهم وخلقهم وطبعهم تقتضي الصفح والعفو عن الناس، ليس سجيتهم الانتقام من الناس) (3).
الحث على العفو والصفح من السنة النبوية:
- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) (4).
قال القاضي عياض: (وقوله: ((ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا)) (5). فيه وجهان:
أحدهما: ظاهره أن من عرف بالصفح والعفو ساد وعظم في القلوب وزاد عزه.
الثاني: أن يكون أجره على ذلك في الآخرة وعزته هناك) (6).

(1) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص 760).
(2) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص 868).
(3) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (7/ 210).
(4) رواه مسلم (2588).
(5) رواه مسلم (2588).
(6) ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (8/ 28).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاث والذي نفسي بيده إن كنت لحالفا عليهن لا ينقص مال من صدقة فتصدقوا ولا يعفو عبد عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا يوم القيامة ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر (1).
- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ارحموا ترحموا واغفروا يغفر لكم)) (2).
قال المناوي في قوله: (واغفروا يغفر لكم) (لأنه سبحانه وتعالى يحب أسمائه وصفاته التي منها الرحمة والعفو ويحب من خلقه من تخلق بها) (3).
- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((تعافوا فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب)) (4).
- وعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كم نعفو عن الخادم؟. فصمت!، ثم أعاد عليه الكلام، فصمت!، فلما كان في الثالثة، قال: (اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة)) (5).

(1) رواه أحمد (1/ 193) (1674)، والبزار (3/ 244)، وأبو يعلى (2/ 159). وصححه الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (7/ 177)، وصححه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2462).
(2) رواه أحمد (2/ 219) (7041)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (380)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (13/ 651). وجود إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 286)، والسخاوي في ((البلدانيات)) (49)، والعجلوني في ((كشف الخفاء)) (1/ 119).
(3) ((فيض القدير)) للمناوي (1/ 474).
(4) رواه أبوداود (4376)، والنسائي (4886). وسكت عنه أبو داود، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (3308)، وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2954).
(5) رواه أبو داود (5164)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (13/ 326)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (8/ 18) (15799). وسكت عنه أبو داود، وحسنه ابن حجر في ((تخريج المشكاة)) (3/ 341)، وصحح إسناده الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (488).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في العفو والصفح
- عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- (أنه قام يوم مات المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- فحمد الله وأثنى عليه وقال: عليكم باتقاء الله وحده لا شريك له، والوقار والسكينة، حتى يأتيكم أمير، فإنما يأتيكم الآن، ثم قال: استعفوا لأميركم، فإنه كان يحب العفو. ثم قال: أما بعد، فإني أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: أبايعك على الإسلام، فشرط علي (والنصح لكل مسلم). فبايعته على هذا، ورب هذا المسجد إني لناصح لكم، ثم استغفر ونزل) (1).
- (وجلس ابن مسعود في السوق يبتاع طعاما فابتاع، ثم طلب الدراهم وكانت في عمامته فوجدها قد حلت، فقال: لقد جلست وإنها لمعي، فجعلوا يدعون على من أخذها ويقولون: اللهم اقطع يد السارق الذي أخذها، اللهم افعل به كذا، فقال عبد الله: اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها، وإن كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه) (2).
- وقيل لأبي الدرداء: من أعز الناس؟ فقال: (الذين يعفون إذا قدروا؛ فاعفوا يعزكم الله تعالى) (3).
- وقال الحسن بنُ علي رضي الله تعالى عنهما: (لو أنَّ رجلاً شتَمني في أذني هذه، واعتذر في أُذني الأخرَى، لقبِلتُ عذرَه) (4).
- وقال معاوية- رضي الله عنه-: (عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال) (5).
- وعن وهب بن كيسان قال سمعت عبد الله بن الزبير يقول على المنبر: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين قال والله ما أمر بها أن تؤخذ إلا من أخلاق الناس والله لآخذنها منهم ما صحبتهم) (6).
- وأتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث، فقال لرجاء بن حيوة: (ماذا ترى؟). قال: (إن الله- تعالى- قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب من العفو، فعفا عنهم) (7).
- وقال مالك بن دينار: (أتينا منزل الحكم بن أيوب ليلا وهو على البصرة أمير، وجاء الحسن، وهو خائف فدخلنا معه عليه، فما كنا مع الحسن إلا بمنزلة الفراريج، فذكر الحسن قصة يوسف- عليه السلام- وما صنع به إخوته، فقال: باعوا أخاهم وأحزنوا أباهم، وذكر ما لقي من كيد النساء ومن الحبس، ثم قال: أيها الأمير، ماذا صنع الله به؟
أداله منهم، ورفع ذكره، وأعلى كلمته، وجعله على خزائن الأرض، فماذا صنع يوسف حين أكمل الله له أمره وجمع له أهله؟ قال: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف: 92]، يعرض للحكم بالعفو عن أصحابه، قال الحكم: فأنا أقول لا تثريب عليكم اليوم ولو لم أجد إلا ثوبي هذا لواريتكم تحته) (8).
- وعن عمر بن عبد العزيز قال: أحب الأمور إلى الله ثلاثة العفو في القدرة والقصد في الجدة والرفق في العبادة وما رفق أحد بأحد في الدنيا إلا رفق الله به يوم القيامة) (9).
- وعن سعيد بن المسيب- رحمه الله- قال: (ما من شيء إلا والله يحب أن يعفى عنه ما لم يكن حدا عن عباده) (10).
- وعن الحسن، قال: (أفضل أخلاق المؤمن العفو) (11).
- وقال الفضيل بنُ عياض رحمه الله: (إذا أتاك رجلٌ يشكو إليك رجلاً فقل: يا أخي، اعفُ عنه؛ فإنَّ العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لا يحتمِل قلبي العفوَ، ولكن أنتصر كما أمرَني الله عزّ وجلّ فقل له: إن كنتَ تحسِن أن تنتَصِر، وإلاّ فارجع إلى بابِ العفو؛ فإنّه باب واسع، فإنه من عفَا وأصلحَ فأجره على الله، وصاحِبُ العفو ينام علَى فراشه باللّيل، وصاحب الانتصار يقلِّب الأمور؛ لأنّ الفُتُوَّة هي العفوُ عن الإخوان) (12).
- وقال إبراهيم النخعي: (كان المؤمنون يكرهون أن يستذلوا، وكانوا إذا قدروا عفوا) (13).
- وعن أيوب قال: (لا ينبل الرجل حتى يكون فيه خصلتان العفة عما في أيدي الناس والتجاوز عنهم) (14).

(1) رواه البخاري (58).
(2) ((إحياء علوم الدين)) (3/ 184).
(3) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) (6/ 58).
(4) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 302).
(5) ((إحياء علوم الدين)) (3/ 184).
(6) رواه البخاري في ((الأدب المفرد)) (244)، وهناد في ((الزهد)) (2/ 596). وصححه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (244).
(7) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (260).
(8) ((إحياء علوم الدين)) (3/ 184).
(9) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 167).
(10) رواه مالك (2/ 843) (4).
(11) ذكره ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (1/ 71) وعزاه للخلال.
(12) رواه ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (10/ 3280)، وأبو نعيم في ((الحلية)) (8/ 112).
(13) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (7/ 210).
(14) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 167).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،نماذج من عفوه صلى الله عليه وسلم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ القمة والدرجة العالية في العفو والصفح، كما هو شأنه في كل خلُقٍ من الأخلاق الكريمة، فكان عفوه يشمل الأعداء فضلاً عن الأصدقاء.
(وكان صلى الله عليه وسلم أجمل الناس صفحاً، يتلقى من قومه الأذى المؤلم فيعرض عن تلويمهم أو تعنيفهم أو مقابلتهم بمثل عملهم، ثم يعود إلى دعوتهم ونصحهم كأنما لم يلق منهم شيئاً.
وفي تأديب الله لرسوله بهذا الأدب أنزل الله عليه في المرحلة المكية قوله: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [الحجر:85 - 86] ثم أنزل عليه قوله: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الزخرف:89] فكان يقابل أذى أهل الشرك بالصفح الجميل، وهو الصفح الذي لا يكون مقروناً بغضب أو كبر أو تذمر من المواقف المؤلمة وكان كما أدبه الله تعالى. ثم كان يقابل أذاهم بالصفح الجميل، ويعرض قائلاً: سلام.
وفي العهد المدني لقي الرسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة أنواعاً من الخيانة فأنزل الله عليه قوله: وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: 13] فصبر الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم وعفا وصفح، حتى جاء الإذن الرباني بإجلائهم، ومعاقبة ناقضي العهد منهم) (1).
- فعن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى.
قال الله- تعالى-: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ الآية [آل عمران: 186]. وقال: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الآية [البقرة: 109]، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأول في العفو عنهم ما أمر الله به ... )) (2).
- وعن أبي عبد الله الجدلي قال: ((قلت لعائشة: كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله قالت كان أحسن الناس خلقا لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا بالأسواق ولا يجزئ بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح)) (3).

(1) ((الأخلاق الإسلامية)) لعبدالرحمن الميداني (1/ 432).
(2) رواه البخاري (4566).
(3) رواه الترمذي (2016)، أحمد (6/ 236) (26032)، وابن حبان (14/ 355). قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1592).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وعن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما ((أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارا، عليه إكاف، تحته قطيفة فدكية. وأردف وراءه أسامة، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج. وذاك قبل وقعة بدر. حتى مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود. فيهم عبد الله بن أبي. وفي المجلس عبد الله بن رواحة. فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه. ثم قال: لا تغبروا علينا. فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل. فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن. فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء لا أحسن من هذا. إن كان ما تقول حقا، فلا تؤذنا في مجالسنا. وارجع إلى رحلك. فمن جاءك منا فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة: اغشنا في مجالسنا. فإنا نحب ذلك. قال: فاستب المسلمون والمشركون واليهود. حتى هموا أن يتواثبوا. فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة. فقال: (أي سعد، ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟ يريد عبد الله بن أبي قال كذا وكذا قال: اعف عنه يا رسول الله، واصفح. فو الله لقد أعطاك الله الذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة أن يتوجوه، فيعصبوه بالعصابة فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاكه، شرق بذلك فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم)) (1).
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله. عز وجل)) (2).
- وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- ((أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرق الناس يستظلون بالشجر فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة وعلق بها سيفه ونمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، وإذا عنده أعرابي. فقال: (إن هذا اخترط علي سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا)، فقال: من يمنعك مني؟. فقلت: (الله) (ثلاثا) ولم يعاقبه وجلس)) (3).
- موقفه صلى الله عليه وسلم مع أهل ثقيف حينما طلب منهم الحماية وعرض عليهم نفسه فلم يجيبوه، بل قابلوه بالأذى والعدوان، فصبر عليهم وعفا عنهم حينما عرض عليه ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين، فعن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبى -صلى الله عليه وسلم- حدثته أنها قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد فقال: ((لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم قال فناداني ملك الجبال وسلم علي. ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا)) (4).
- موقفه صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة:

(1) رواه مسلم (1798).
(2) رواه مسلم (2328).
(3) رواه البخاري (2910).
(4) رواه مسلم (1795).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،((لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل البيت، فصلى بين الساريتين، ثم وضع يديه على عضادتي الباب، فقال: لا إله إلا الله وحده ماذا تقولون، وماذا تظنون؟ قالوا: نقول خيرا، ونظن خيرا: أخ كريم، وابن أخ، وقد قدرت، قال: فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف صلى الله عليه وسلم: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:92])) (1).
- موقفه صلى الله عليه وسلم مع عكرمة بن أبي جهل:
عن عروة بن الزبير قال: ((قال عكرمة بن أبي جهل: لما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا محمد، إن هذه أخبرتني أنك أمنتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت آمن فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنت عبد الله ورسوله، وأنت أبر الناس، وأصدق الناس، وأوفى الناس، قال عكرمة: أقول ذلك وإني لمطأطئ رأسي استحياء منه، ثم قلت: يا رسول الله، استغفر لي كل عداوة عاديتكها أو موكب أوضعت فيه أريد فيه إظهار الشرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها، أو موكب أوضع فيه يريد أن يصد عن سبيلك قلت: يا رسول الله، مرني بخير ما تعلم فأعلمه، قال: قل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وتجاهد في سبيله ثم قال عكرمة: أما والله يا رسول الله، لا أدع نفقة كنت أنفقتها في الصد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قاتلت قتالا في الصد عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله، ثم اجتهد في القتال حتى قتل يوم أجنادين شهيدا في خلافة أبي بكر رضي الله عنه)) (2).

(1) رواه الأزرقي في ((أخبار مكة)) (2/ 121)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (73/ 53)، وابن زنجويه في ((الأموال)) (1/ 293) من حديث عطاء والحسن وطاوس رحمهم الله.
(2) رواه الحاكم (3/ 270)، والطبري في ((تاريخه)) (11/ 502)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (41/ 64).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،نماذج من عفو الصحابة رضي الله عنهم:
عفو أبي بكر رضي الله عنه:
- عفوه عن مسطح بن أثاثة: و ((كان مسطح بن أثاثة ممن تكلم في الإفك فلما أنزل الله براءة عائشة قال أبو بكر الصديق -وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره - والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ إلى قوله وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قال أبو بكر الصديق بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها منه أبدا)) (1).
- وعن أبي هريرة: ((أن رجلا شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويتبسم فلما أكثر رد عليه بعض قوله فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام فلحقه أبو بكر فقال يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت قال إنه كان معك ملك يرد عنك فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان ثم قال يا أبا بكر ثلاث كلهن حق ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله عز وجل بها قلة)) (2).
عفو عمر رضي الله عنه:
- عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: ((قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كهولا كانوا، أو شبانا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله، ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر، حتى هم أن يوقع به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله)) (3).
علية بن زيد رضي الله عنه يتصدق بعرضه:
- لما حض رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس على الزكاة، قال علية بن زيد الحارثي: ((اللهم إنه ليس عندي شيء أتصدق به، إلا أعواد عليها شجب من ماء، ووسادة حشوها ليف، اللهم إني أتصدق بعرضي على من ناله من الناس، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر مناديا فنادى: أين المتصدق بعرضه على الناس البارحة؟ فصمت، ثم أعاد ذلك مرتين أو ثلاثا، ثم قال علبة: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظر إليه: ألا إن الله قد قبل صدقتك يا أبا محمد)) (4).

(1) رواه البخاري (2661).
(2) رواه أحمد (2/ 436) (9622)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (10/ 400) (21096).: قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 192): رجاله رجال الصحيح. وقالالبوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (5/ 478): رواته ثقات. وجوَّد إسناده الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (5/ 271).
(3) رواه البخاري (4642).
(4) رواه أبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (4/ 2251).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،نماذج من عفو السلف:
عفو مصعب بن الزبير:
- حكي عن مصعب بن الزبير أنه لما ولي العراق جلس يوما لعطاء الجند وأمر مناديه فنادى أين عمرو بن جرموز؟ وهو الذي قتل أباه الزبير، فقيل له: (أيها الأمير إنه قد تباعد في الأرض.
فقال: أوَ يظن الجاهل أني أقيده بأبي عبد الله؟ فليظهر آمنا ليأخذ عطاءه موفرا) (1).

(1) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (311).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،نماذج أخرى من العفو
عفو سليمان بن عبد الملك:
- (غضب سليمان بن عبد الملك على خالد القسري، فلما أدخل عليه قال: يا أمير المؤمنين إن القدرة تذهب الحفيظة وإنك تجل عن العقوبة، فإن تعف فأهل لذلك أنت، وإن تعاقب فأهل لذلك أنا، فعفا عنه) (1).
- (واحتال يزيد بن راشد في الدخول على سليمان متنكراً بعد أن ولي الخلافة فقعد في السماط، وكان سليمان قد نذر أنه إن أفضت إليه الخلافة قطع لسانه لأنه كان ممن دعا إلى خلع سليمان والبيعة لعبد العزيز، فقال: يا أمير المؤمنين كن كنبي الله أيوب عليه السلام، ابتلي فصبر وأعطي فشكر وقدر فغفر، قال: ومن أنت قال: يزيد بن راشد، فعفا عنه) (2).
عفو أبي جعفر المنصور:
- عن مبارك بن فضالة قال: (كنا عند المنصور فدعا برجل ودعا بالسيف فقال المبارك: يا أمير المؤمنين سمعت الحسين يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان يوم القيامة قام مناد من عند الله ينادي ليقم الذين أجرهم على الله فلا يقوم إلا من عفا)) فقال المنصور: خلوا سبيله) (3).
- وعن الأصمعي قال: (أتي المنصور برجل يعاقبه فقال: يا أمير المؤمنين الانتقام عدل والتجاوز فضل ونحن نعيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين فعفا عنه) (4).
عفو المأمون:
- (أتي المأمون برجل يريد أن يقتله وعلي بن موسى الرضا جالس فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: أقول: إن الله تعالى لا يزيدك بحسن العفو إلا عزاً؛ فعفا عنه. وكان المأمون مؤثراً للعفو كأنه غريزة له؛ وهو الذي يقول: لقد حبب إلي العفو حتى إني أظن أني لا أثاب عليه.
- وأحضر إلى المأمون رجل قد أذنب، فقال له المأمون: أنت الذي فعلت كذا وكذا؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أنا الذي أسرف على نفسه واتكل على عفوك؛ فعفا عنه.
- قال: ولما ظفر المأمون بإبراهيم بن المهدي أمر بإدخاله عليه، فلما مثل بين يديه قال: وليّ الثأر محكم في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، والقدرة تذهب الحفيظة، ومن مد له الاعتذار في الأمل هجمت به الأناة على التلف، وقد جعل الله كل ذنب دون عفوك، فإن صفحت فبكرمك، وإن أخذت فبحقك؛ قال المأمون: إني شاورت أبا إسحاق والعباس في قتلك فأشارا علي به؛ قال: أما أن يكونا قد نصحاك في عظم قدر الملك ولما جرت عليه السياسة فقد فعلا، ولكن أبيت أن تستجلب النصر إلا من حيث عودك الله، ثم استعبر باكياً؛ فقال له المأمون: ما يبكيك؟ قال: جذلاً إذ كان ذنبي إلى من هذه صفته، ثم قال: إنه وإن كان جرمي بلغ سفك دمي فحلم أمير المؤمنين وفضله يبلغاني عفوه، ولي بعد هذا شفعة الإقرار بالذنب وحرمة الأب بعد الأب؛ قال المأمون: لو لم يكن في حق نسبك ما يبلغ الصفح عن جرمك لبلغك إليه حسن تنصلك) (5).

(1) ((وفيات الأعيان)) لابن خلكان (2/ 425).
(2) ((وفيات الأعيان)) لابن خلكان (2/ 425).
(3) ((تاريخ الخلفاء)) للسيوطي (ص 229).
(4) ((تاريخ الخلفاء)) للسيوطي (ص 229).
(5) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (6/ 55).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،فوائد العفو والصفح
1 - (في العفو رحمة بالمسيء، وتقدير لجانب ضعفه البشري، وامتثال لأمر الله، وطلب لعفوه وغفرانه.
2 - في العفو توثيق للروابط الاجتماعية التي تتعرض إلى الوهن والانفصام بسبب إساءة بعضهم إلى بعض، وجناية بعضهم على بعض) (1).
3 - العفو والصفح عن الآخرين سبب لنيل مرضات الله سبحانه وتعالى.
4 - العفو والصفح سبب للتقوى قال تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة: 237].
5 - العفو والصفح من صفات المتقين، قال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 133].
6 - من يعفو ويصفح عن الناس يشعر بالراحة النفسية.
7 - بالعفو تنال العزة، قال صلى الله عليه وسلم: (( .. وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا .. )) (2).
8 - العفو والصفح سبيل إلى الألفة والمودة بين أفراد المجتمع.
9 - في العفو والصفح الطمأنينة، والسكينة، وشرف النفس.
10 - بالعفو تكتسب الرفعةً والمحبة عند الله وعند الناس.
وغيرها من الفوائد التي تعود على الفرد والمجتمع بالعمل بهذا الخلق النبيل.

(1) ((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن الميداني (1/ 408).
(2) رواه مسلم (2588).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،قالوا عن العفو ..
قالوا نثرا:
- قال الأحنف: (إياك وحميّة الأوغاد؛ قيل: وما هي؟ قال: يرون العفو مغرماً والتحمل مغنماً.
- وقيل لبعضهم: هل لك في الإنصاف، أو ما هو خير من الإنصاف؟ فقال: وما هو خير من الإنصاف؟ فقال: العفو.
- وقيل: العفو زكاة النفس. وقيل: لذة العفو أطيب من لذة التشفي؛ لأن لذة العفو يلحقها حمد العاقبة، ولذة التشفي يلحقها ذم الندم.
- وقيل للإسكندر: أي شيء أنت أسرّ به مما ملكت؟ فقال: مكافأة من أحسن إليّ بأكثر من إحسانه، وعفوي عمّن أساء بعد قدرتي عليه.
- وقالوا: العفو يزين حالات من قدر، كما يزين الحلي قبيحات الصور) (1).
- وقال أبو حاتم: (الواجب على العاقل لزوم الصفح عند ورود الإساءة عليه من العالم بأسرهم رجاء عفو الله جل وعلا عن جناياته التي ارتكبها في سالف أيامه لأن صاحب الصفح إنما يتكلف الصفح بإيثاره الجزاء وصاحب العقاب وإن انتقم كان إلى الندم أقرب فأما من له أخ يوده فإنه يحتمل عنه الدهر كله زلاته) (2).
- وقال بعض البلغاء: (ما ذب عن الأعراض كالصفح والإعراض) (3).
- وقال بعضهم: (أحسن المكارم عفو المقتدر، وجود المفتقر) (4)
- وقال أبو حاتم: (الواجب على العاقل توطين النفس على لزوم العفو عن الناس كافة وترك الخروج لمجازاة الإساءة إذ لا سبب لتسكين الإساءة أحسن من الإحسان ولا سبب لنماء الإساءة وتهييجها أشد من الاستعمال بمثلها) (5).
- وقال أيضاً: (من أراد الثواب الجزيل واسترهان الود الأصيل وتوقع الذكر الجميل فليتحمل من ورود ثقل الردى ويتجرع مرارة مخالفة الهوى باستعمال السنة التي ذكرناها في الصلة عند القطع والإعطاء عند المنع والحلم عند الجهل والعفو عند الظلم لأنه من أفضل أخلاق أهل الدين والدنيا) (6).
- (وقيل للمهلب بن أبي صفرة: ما تقول في العفو والعقوبة؟ قال: هما بمنزلة الجود والبخل فتمسك بأيهما شئت) (7).
قالوا أمثالاً:
1 - قولهم: ملكت فأسجح. أي: ظفرت فأحسن.
2 - وقولهم: إن المقدرة تذهب الحفيظة.
3 - وقولهم: إذا ارجحنَّ شاصياً فارفع يدا. أي: إذا رأيته قد خضع واستكان فاكفف عنه. (8).

(1) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (6/ 54).
(2) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 168).
(3) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (309).
(4) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (311).
(5) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 166).
(6) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 167).
(7) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص349).
(8) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (3/ 104).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،العفو والصفح في واحة الشعر ..
قال الشافعي- رحمه الله-:
لما عفوت ولم أحقد على أحد ... أرحت نفسي من هم العداوات
إني أحيي عدوي عند رؤيته ... لأدفع الشر عني بالتحياتي
وأظهر البشر للإنسان أبغضه ... كأنما قد حشى قلبي محباتي
الناس داء، وداء الناس قربهم ... وفي اعتزالهم قطع المودات
وقال أيضاً:
قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
فالعفو عن جاهل أو أحمق أدب ... نعم وفيه لصون العرض إصلاح
إن الأسود لتخشى وهي صامتة ... والكلب يحثى ويرمى وهو نباح
وقال منصور بن محمد الكريزي:
سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب ... وإن كثرت منه إلى الجرائم
فما الناس إلا واحد من ثلاثة ... شريف ومشروف ومثل مقاوم
فأما الذي فوقي فأعرف فضله ... وأتبع فيه الحق والحق لازم
وأما الذي دوني فإن قال صنت عن ... إجابته عرضي وإن لام لائم
وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا ... تفضلت إن الحلم للفضل حاكم
وقال أبو الفتح البستي:
خذ العفو وأمر بعرف كما ... أمرت وأعرض عن الجاهلين
ولن في الكلام لكل الأنام ... فمستحسن من ذوي الجاه لين
وقال آخر:
إذا كنت لا أعفو عن الذنب من أخ ... وقلت أكافيه فأين التفاضل
ولكنني أغضي جفوني على القذى ... وأصفح عما رابني وأجامل
متى أقطع الإخوان في كل عثرة ... بقيت وحيدا ليس لي من أواصل
ولكن أداريه، فإن صح سرني ... وإن هو أعيا كان عنه التجاهل ...