الاثنين، 17 سبتمبر 2012

موسوعة المفاهيم الإسلامية : الترف

الترف

لغة: ترف فلان:تنعَّم فهو تَرِفٌ كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا:التنعم باستهلاك وفير من الكماليات ، على اختلاف أصنافها ، أو اقتنائها ، أو هو رفه فى إشباع رغبات النفس فوق ضروراتها وحاجياتها العادية، ومن ثم فالترف قرين الثراء، ولكن العكس ليس بالضرورة صحيحا.
وقد بين القرآن أن المترفين أثرياء بلا عقيدة، فقال تعالى {وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين}سبأ:35 ، وأن كثرتهم أو تحكمهم فى مجتمع مدعاة لهلاكه فقال تعالى {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}الإسراء:16.
ونهى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأكل فى صحاف الذهب والفضة، والشبع من الطعام ، ولباس الشهرة، والفخر والمباهاة، ولبس الرجال للحرير، والتحلى بالذهب ، والبناء فوق الحاجة تفاخرا ، وكلها مظاهر للترف (3).
وفى المسيحية دعا الآباء الأوائل إلى نبذ الترف ، وارتبط ذلك بكراهة تكوين الثروة وحب الزهد ، ولكن الكنيسة البروتستانتية اعتبارا من القرن السادس عشر أباحت تكوين الثروة، وتشددت فى إدانة الترف ، فدعت رعاياها إلى نبذ الاستهلاك غير الضرورى ، ويرى Max Weber أن هذة العقيدة أدت إلى نمو المدخرات من ثروة متزايدة، ومن ثم نمو الاستثمار، وبروغ الرأسمالية الحديثة.
ويلاحظ أن الإسلام لم يحرم تكوين الثروة طالما كانت من كسب حلال ، ولكنه نظم إنفاق المسلم بحيث لا يدخل الترف حياته ، فحث على الاعتدال فى الانفاق ، فقال تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا}الإسراء:29. ونهى عن التبذير فقال تعالى {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا}الإسراء:26-27 ، وفرض الزكاة، وحث على الصدقات والقرض الحسن.
وقد قدم ابن خلدون تحليلا لأثر الترف على النشاط الانتاجى، فرأى أنه يؤدى إلى تنوع الكماليات المنتجة، وإتقان صنعتها وزيادة قيمتها، ومن ثم دخول صانعيها، وأن ذلك ينعكس على الأسواق ، فيزداد الإنفاق فيها وتنتعش ، ولكنه رأى أيضا أن أحوال الترف التى تصيب الحكام تزيد من إنفاقهم مما يتطلب موارد مالية إضافية لا يحصلون عليها إلا بزيادة الجباية من الرعية فيفسد ذلك نشاطهم الإنتاجى، ويؤدى إلى خراب الدولة(3).
واختلف الاقتصاديون المحدثون فى تحليل أثر الترف على النشاط الإنتاجى.
1- فرأى التقليديون أن إنتاج السلع الترفية أقل تأثيرا فى النشاط الاقتصادى والنمو من إنتاج السلع الأخرى التى يزداد عليها طلب عامة الناس.
2- ورأى الكنزيون معارضة الرأى السابق ، لأن موارد المجتمع المحدودة ليست موظفة بالكامل دائما فى الأجل القصير، كما أعتقد التقليديون ، فإذا كان بعضها معطلا فإن استخدامه فى إنتاج سلع الترف أو غيرها ينعش الاقتصاد.
والرأى التقليدى أكثر رجاحة فى الأجل الطويل إذا اعتبرنا التضحية التى يتحملها المجتمع بتخصيص بعض موارده المحدودة لانتاج سلع خاصة بالأقلية الموسرة.
ولقد تبين لعدد ممن تناول موضوع الترف فى القرن العشرين أن مشكلة كثير ممن يعمل بكفاءة ويزداد دخله وتتعاظم ثروته أنه لا يستطيع أن ينفق ما حصل عليه بكفاءة أو برشد، بل ربما كان سلوكه مشينا(4).
أ.د/عبد الرحمن يسرى أحمد
__________

الهامش:
1- المعجم الوسيط ، مجمع اللغة العربية، ط3، القاهرة، ج1 /88.
2- الترغيب والترهيب من الحديث الشريف ، الحافظ المنذرى، دار الفكر 1393هـ ، بيروت.
3- المقدمة، ابن خلدلن ، ص261-271.
4- دائرة المعارف البريطانية "Laxarg" فى Encyclopaedia Britannica.
مراجع الاستزادة:
1- إحياء علوم الدين ، أبو حامد الغزالى.
2- دراسات فى علم الاقتصاد الإسلامى، دار الجامعات المصرية الإسكندرية ، طبعة 1988م.
3- M-Weber فى كتابه The protestant
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ