الرهبانية
لغة: رَهِبَ ، يَرِهَبُ ، رَهبّة ورهبا ، ورَهَبا: خاف رَهِبَ الشىء: خافه تَرَهَّبَ الرَّجُلُ: صار راهبا يخشى الله. والراهب: المتعبد فى صومعة، وجمعه: رهبان ، وجمع الراهبة: راهبات ، ورواهب. والمصدر: الرهبة، والرهبانية. والرهبنة: اسم من معنى الراهب ، أى اتخاذ طريق الرهبان.
واصطلاحا: حياة دينية منعزلة عن المجتمع ، سماتها: التقشف ، والاستغراق فى العبادة وصورتها: حياة الفرد وحده منعزلا عن الناس ، أو فى جماعة عزلت نفسها عن المجتمع فى الصحراء، أو فى بناء خاص يطلق عليه: الدير.
وتدل الرهبنة فى مجال التاريخ الدينى والاجتماعى على شكل اجتماعى له الخصائص التالية:
مجموعة من الرجال -أو النساء- يعيشون معا فى تجمعات صغيرة، داخل مجموعات أكبر، وتتصرف فيما تحت يدها على أساس أنه ملكية شائعة طبقا للتعاليم التقشفية التى التزموا بها، ويلتزمون فى جميع تصرفاتهم بما رسمه لهم الحبر الأكبر فى معزل عن إخوانهم فى العقيدة.
ولا يرتبط ظهور الرهبنة بجنس خاص من البشر ولا تتعلق الرهبنة بلغة معينة ، فهى ظاهرة عامة وجدت فى كثير من المجتمعات ،وتأسست تحت عباءة أديان عدة على درجات متفاوتة، وبصور متعددة ، إذ توجد فى الهندوسية، والبوذية، (وخاصة فى سيلان والتبت).
وكان أول ظهورها بين المسيحيين فى مصر، وكانت فى صورة حياة داخل صوامع ،تحولت فيما بعد إلى أديرة على يد " Basilius "(330-370) ثم أدخلها " Benedikt " (480-547) -الذى يعتبر أب الرهبنة الأوروبية- إلى أوروبا على شكل حياة فى أديرة خاصة منعزلة عن المجتمع.
ظهرت الرهبنة فى التاريخ الدينى مرتبطة بالمسيحية، ويرجع المؤرخون السبب فى ظهورها بين المسيحيين إلى أنهم كانوا يرون من ملوكهم ما لا يصبرون عليه ، فاتخذوا أسرابا وصوامع وابتدعوا ذلك فلما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع ، ودخلوا فيه ، لزمهم تمامه ، كما أن الإنسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفترض عليه لزمه أن يتمه.
كما استدل المسيحيون على شريعة الرهبنة بنصوص من العهد الجديد، إذ يكررون فى هذا الصدد ما جاء فى إنجيل متى على لسان عيسى عليه السلام: "......إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك ،وأعط الفقراء، فيكون لك كنز فى السماء، وتعال اتبعنى"(19 :21).
وبعبارة وردت فى رسالة بولس إلى العبرانيين "...... وهم لم يكن العالم مستحقا لهم: تائهين فى برارى، وجبال ،ومغاير، وشقوق الأرض ، فهؤلاء كلهم مشهود لهم بالإيمان...."(11:38-39).
وقد دفعت هذه الكلمات كثيرا من المسيحيين إلى اللجوء إلى الأديرة، فأصبحت فى مصر مكانا لمن ليس له وطن أو مكان يستقر فيه وعنده شعور داخلى يدفعه إلى الزهد فى الحياة الدنيا، كما ظهرت جماعة من الزهاد المتجولين فى سوريا، اعتبروا أنفسهم المنقذين لمبادئ الرهبنة بكاملها.
وتدل كتابات "Klement " الإسكندرانى (توفى قبل عام 215 م) على أن رجال الدين كانوا يرون: أن فى محيط الرهبنة يتثقف ويتخرج أحسن التلاميذ، ويعنون بذلك أن الرهبان هم القادرون على حمل الرسالة للآخرين ، وهم النموذج الأمثل فى مجال التبشير بالمسيحية. ويرى "Origenes" (185-254) أن حياة الرهبان هى النموذج الكامل لحياة المسيح وتوجد الرهبنة عند كل الطوائف المسيحيه ما عدا الطائفة الإنجيلية (البروتستانت).
وفى القرآن الكريم وردت كلمة رهبانية مرة واحدة فى قوله تعالى: {...... وجعلنا فى قلوب اللذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها...}الحديد:27 ، أى أنهم ابتدعوا فى الدين ما لم يأمر به الله ، ثم لم يلتزموا بما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله عز وجل.
وفى الحديث: (إن الرهبانية لم تكتب علينا) مسند أحمد قال ابن الأثير: هى من رهبنة النصارى، وأصلها من الرهبة، أى الخوف: كانوا يترهبون بالتخلى عن أشغال الدنيا ، وترك ملاذها والزهد فيها، والعزلة عن أهلها، وتعمد مشاقها، حتى أن منهم من كان يخصى نفسه ، ويضع السلسلة فى عنقه. فنفاها النبى صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ، ونهى المسلمين عنها. وفى الحديث (وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام.) (مسند أحمد).
أ.د/محمد شامة
__________
مراجع الاستزادة:
1- تفسير القرآن العظيم: ابن كثير.
2- المسند أحمد بن حنبل.
3- Die Religion in Geschichte، herausgegebn von Kurt Karten، Tuebengen 1957
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ