الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

موسوعة المفاهيم الإسلامية : التقريب

التقريب

لغة:مصدر "قرب" بالراء المفتوحة المشددة، كما فى مختار الصحاح (1).
واصطلاحا:هو سوق المقدمات على وجه يفيد المطلوب ، وقيل:سوق الدليل على الوجه الذى يلزم المدعى، وقيل:جعل الدليل مطابقا للمدعى، ولا يتم التقريب إلا إذا كان المطلوب لازما ، واللازم مطلوب.
والتقريب كاصطلاح عام يدخل فى كثير من المجالات ، ومنها:
1- التقريب بين وجهات النظر المختلفة سواء أكان ذلك فيما يقع للناس فى أمور معاشهم وطرائقها ، أم كان فى نظرتهم -مثلا- لبعض الفروع الفقهية واختلافهم بشأنها من جهة ما يعتريها من أحكام.
ومن التقريب بهذا المعنى:محاولة التقريب بين المذاهب الإسلامية، خاصة بين أهل السنة والشيعة ، لما يترتب على ذلك من تقوية لمفهوم الأخوة الإسلامية الجامعة، بعد أن عبثت بها نوازع الفرقة.
وقد ظهرت فى مصرمنتصف القرن الثالث عشر للهجرة التاسع عشر للميلاد دعوة للتقريب بين المذاهب الإسلامية دعا إليها الشيخ محمد تقى الدين القمى تحمل اسم "جماعة التقريب" وسجلت بهذا الاسم وضمته نخبة من كبارعلماء مصرمنهم الشيخ محمود شلتوت والشيخ عبد المجيد سليم والشيخ إبراهيم حمروش والشيخ محمد المدنى وغيرهم ، وكان من نتائج عملها أن درست فى كليات الشريعة بالأزهر بعض المذاهب الشيعية الأقرب إلى "أهل السنة" كالزيدية لكنها توقفت ، ولم يحاول آخرون تجديدها والتمكين لدورها فى التقريب بين الشيعة والسنة وهما الجناحان الأعظمان للمسلمين فى العالم.
2- التقريب فى الأحكام الشرعية، وذلك بأنه يتعين على الفقيه أن يجد لمسألته دليلا مباشرا صريحا، حين يتجاذب المسألة أكثر من دليل وأكثر من أصل ، أو حين يجد فيها نوعا من الغموض والتقصير، فالتحقيق يفرض عليه أن يصوغ اجتهاده فى هذه الحالة صياغة تقريبية كأن يقول:الأقرب إلى الصواب فيها كذا ، أو الأشبه بالحق ، وغير ذلك. ومن أمثلة هذا النوع:مسألة الأراضى المفتوحة التى أشكلت على الصحابة فاختلفوا فيها، واختلف فيها الأئمة من بعدهم فذهب بعضهم إلى جعلها غنيمة توزع على الفاتحين ، والبعض على أنها فىء.
وقيل:التصرف فيها يخضع للاجتهاد وللاعتبارات المصلحية وهو ما استقر عليه جمهور الصحابة، وأشذ به جمهور العلماء.
ولعل القضاة والمفتين هم أكثر الفقهاء احتياجا إلى التقريب فى الاجتهادات والأحكام ، لكثرة ما يعرض لهم من غريب النوازل والقضايا المستجدة مما يجعلهم فى أحايين كثيرة يقفون أمام قضايا لا نص فيها وتحتاج إلى التقريب ما أمكن.
3- التقريب فى الأوصاف ، وهذا يتجلى فى الصفات المطلوبة فى الخليفة والقضاة، والشهود وغيرهم ، فإن الشروط المطلوبة فى هذه النوعيات كثيرا ما تتخلف، والتوقف عن تقليد هؤلاء مناصبهم حتى تكتمل الشروط فيهم قول لا يؤيده واقع سليم ، بل يكون اللجوء إلى التقريب لاختيار الأكمل ضرورة يفرضها المتاح.
4- التقريب فى المقادير، وهو لا يختلف فى حقيقته عن النوع السابق فالمقادير التى حددها الشرع سواء أكانت مكيلة أم موزونة أم معدودة أم غير ذلك قد يتعذر الإتيان بها بتمامها ، وعليه فالأصوب أن يؤتى بما يقاربها خصوصا إذا كانت الفروق فيها طفيفة.
فالتقريب هو نوع تصرف تفرضه الظروف.وخصوصا إذا تعذر المباح فيتعين المتاح.
أ.د/ عبد الصبور مرزوق
__________

الهامش:
1- مختار الصحاح. للرازى. ط دار المعارف. ج526.
مراجع الاستزادة:
1- التعريفات للجرجانى ط مصطفى الحلبى سنة 1938م ص57.
2- نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها فى العلوم الإسلامية، للدكتور/أحمد الريسونى. مطبعة مصعب بمكناس بالمغرب. ط2 سنة 1994م. ص87-97
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ