الخميس، 7 يونيو 2012

لماذا نجح مهاتير محمد وفشل الآخرون ؟

لماذا نجح مهاتير محمد وفشل الآخرون ؟





المشكلة هم اليهود ونحن المسلمون متسامحون
هكذا دوت جملته الشهيرة ورفرت فى سماء الحرية والعدالة والعزة أثناء منظمة المؤتمر الإسلامى عام 2004 
إنه مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق ومؤسس ماليزيا الحديثة الذى يقول عن مصر وميدان التحرير
عندما ذهبت الي ميدان التحرير شعرت بالروح التي سادت هذا المكان وأنه كبير ويتسع لعدد كبير من الشعب ويجب علي الجميع أن يقوموا بزيارته فهو مكان مهم وهذه المساحة يمكن أن تعكس الحالة التي كانت عليها المرحلة وكيف أن المصريين عبروا عن الموقف الجاري، فمصر تعيش الآن مرحلة انتقالية اتحد فيها الشعب كشخص واحد ودولة واحدة ويجب عليه أن يخطط لإعادة بناء نفسه عن طريق حكومة ديمقراطية وليست سلطوية
كان مهاتير محمد شعلة نشاط اشتعلت مبكرا فمنذ دراسته الجامعية  شارك فى تحرير مجلة طبية  كما ساهم أيضا في التحرير بصحيفة ( ستريتس تايمز ) حتى أتيحت له فرصة البداية فى العمل السياسى من خلال إنتخابه فى البرلمان عام 1964 وقبل بلوغه سن الأربعين
ثم تدرجه فى المناصب السياسية وقيادته لوزارة التعليم ووزارة التجارة والصناعة وشغله لمنصب نائب رئيس الوزراء فى عهد سلفه حسين اون رئيس الوزراء آنذاك قبل أن يستقيل لأسباب مرضية ويفسح المجال لبطل مقالنا اليوم لقيادة ماليزيا قرابة 22 عاما بدءا من عام 1983 حتى عام 2003 بعد أن استقال طواعية تاركا السفينة الماليزية تبحر بثقة بعد أن أعلى شراعها وعلم قبطانها كيف تبحر السفن
مهاتير محمد هذا الفتى الذى تربى فى أسرة فقيرة لكنها محافظة على إسلامها وتقاليدها
فلا عجب أن نرى الفتى ضمن المعارضة التى تتسم بحب الوطن وبعقلية ناضجة متفتحة فوالده معلم الأجيال ووالدته ربة المنزل زرعا بداخله معنى الجماعية والعمل الجماعى ولا يتم ذلك إلا إذا علمنا الطفل معانى الإنتماء والحب والولاء للأسرة ومن ثم يشب الطفل على حب الانتماء لوطنه ومجتمعه
ولم يتوان الولد الصغير أن يشارك الأسرة فى كفاحها بحب وانتماء فرأيناه يبيع فطائر الموز والوجبات الخفيفة الأخرى  لمساعدة والده فى دولة تعانى من الفقر والطبقية والخنوع للاحتلال اليابانى وفى فترة ظلام عالمية أثناء الحرب العالمية الثانية
ها هو الفتى كبر واصبح سياسيا برلمانيا معارضا لكنه تربى على حب الوطن وعلى الاصلاح من اجله فرايناه ينتقد وبشدة اوضاع بلاده  فى كتابه الشهير ( معضلة المالايو ) والذى لم يكتف فيه بانتقاد الحكومة بل وانتقد بعض الصفات السيئة فى المجمتع ودعاهم إلى تبنى نهضة صناعية وفكرية حتى أقيل بسبب ذلك من البرلمان بسبب انتقاده لرئيس انذاك تنكو عبد الرحمن  عن أحداث شغب 13 مايو الشهيرة فى عام 1969
لكن كيف نجح مهاتير محمد ؟
نجح مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق لأنه ببساطة فهم فقه الأولويات وما تحتاجه الأمة وعلم أن النهضة لا يصنعها فرد ولكن تصنعها إرادة أمة أمة
يقول مهاتير محمد : لم أعتمد يوماً علي تقارير الموظفين البيروقراطيين ، كنت اطلب ارقاما دقيقة عن أوضاع العاطلين والأميين والمهمشين ولا أسمح بالتلاعب أو تجميل الموقف، وكان الانفتاح علي غير المسألة حياة أو موتاً لأن بناء الإنسان الماليزي الجديد يحتاج الي خبرات الاخرين، فقررت أن أعتمد علي الخبرة اليابانية وأن أستفيد من تجربة سنغافورا ولم يشدني النموذج الاميركي أو الأوروبي بل شدتني تجارب الدول التي تقع في محيطي الجغرافي وكانت لديها تخلف مماثل لما في بلادي، وأرسلت آلاف الطلاب والباحثين الي الجامعات اليابانية أولاً ثم الي أوروبا بعد ذلك وأسسنا عاصمة ادارية جديدة وتكنولوجية بعد أن اكتشفنا أن كولالمبور لم تعد تلبي متطلبات المرحلة الجديدة ونقلت مكتبي الي هناك واشتغلنا من نقطة الصفر
من خلال كلماته تلك ومن خلال دراسة التركيبة العرقية والأيديولوجية والجغرافية لماليزيا نجد أن
الأساس الأول للنهضة كان إيمانه بوجوب وحدة الصف فلا نهضة دون وحدة وحقق هذه الوحدة على الرغم من تنوع الديانات والعرقيات فى ماليزيا
فسكان ماليزيا ينقسمون إلي السكان الأصليين وهم المالايا ويمثلون أكثر من نصف سكان ماليزيا، وقسم آخر من الصينيين والهنود وأقليات أخري، وأيضاً توجد الديانة الأساسية وهي الإسلام بالإضافة للديانات الأخري مثل البوذية والهندوسية فعلى الرغم من أن الإسلام هو الدين الرسمي في أغلب الولايات الماليزية وأكبر الأديان في ماليزيا،  إلا أن المجتمع الماليزي مجتمع متعدد الأديان. وفقاً لتعداد السكان والمساكن عام 2000، ما يقرب من 60.4% من السكان مسلمون، بينما تشكل البوذية 19.2%، 9.1% مسيحيون، الهندوس 6.3%، و 2.6% يمارس الكونفوشية والطاوية وغيرها من الديانات التقليدية الصينية. ما تبقى من الأديان، هي الإحيائية والدين الشعبي، والسيخية بينما أفاد 0.9 ٪ بأنهم إما ملحدون أو لم يقدموا أية معلومات
الأساس الثانى للنهضة : ترسيخ وتفعيل مبدأ الديموقراطية وحكم الشعب واتقليل تحكم الأسرة المالكة فى الحكم فقد قام مهاتير محمد ببعض التعديلات الدستورية التى تمنح البرلمان سلطات تشريعية اوسع مع استقلالية الحكومة عن الأسرة المالكة
الأساس الثالث  التمسك بالموروث الثقافى للدولة مع الانفتاح على ثقافات الآخرين وهو أشبه ما يكون بفكرة التجديد فى الفكر الإسلامى الذى يضاد الجمود ، لذا رأينا انفتاحا علميا واقتصاديا رائعا
فمن الناحية التعليمية والعلمية كثرت البعثات العلمية إلى عدة دول بغية الاستفادة من علومهم المختلفة وهو ما نتج عنه طفرة علمية فى وقت قياسى حتى اصبحت ماليزيا دولة تكنولوجية يشار لها بالبنان
ومن الناحية الإقتصادية تحولت ماليزيا من دولة زراعية متخلفة إلى دولة صناعية تكنولوجية ويكفى أن نعلم أن ماليزيا تعتمد فى تسليح جيشها على الإنتاج المحلى بنسبة كبيرة
هذه الطفرة التصنيعية على الرغم من امتلاك ماليزيا موارد زراعية لا بأس بها 
نحن هنا فى مصر قد جربنا الإقتصاد الحر وفشلنا فيه بينما نجح فى ماليزيا لوجود عدالة إجتماعية وعدالة فى التوزيع
الأساس الرابع الذى قامت عليه النهضة هو الشعور العام أن النهضة تصنعها الشعوب لا الحكام بأن يشعر كل مواطن أنه صاحب النهضة فى وطنه وبأن تتاح له المشاركة دون رقابة صارمة ودون معوقات أو شعوره بعدم أهليته كمواطن وذا ما صنعه مهاتير محمد
وحتى يرسخ مهاتير محمد لمبادئه الوطنية أبى إلا أن يكون قدوة لغيره فاستقال من منصبه طواعية وهو فى قمة مجده
الحكاية أعزائى القراء ليست قوانين ودساتير فحسب لكنها أفكارا تحول المستحيل الى واقع ملموس
 الحكاية سيمفونية عشق للوطن  
الحكاية تكمن فى إيماننا بأهمية العقل وجمال القلب وعظمة الروح
الحكاية ليست سيرة ذاتية لفرد أو جماعة ولكنها حكاية شعب أراد أن يحيى فكان له ما أراد
بقلم / د أحمد كلحى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ