الاثنين، 23 أبريل 2012

موسوعة السيرة النبوية : فتح خيبر


فتح خيبر


ذكر المسير إلى خيبر في المحرم سنة سبع
 الخروج إلى خيبر ‏:‏
قال محمد بن إسحاق ‏:‏ ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين رجع من الحديبية ، ذا الحجة وبعض المحرم ، وولي تلك الحجة المشركون ، ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر ‏.‏
 استعمال نميلة على المدينة ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ واستعمل على المدينة نميلة بن عبدالله الليثي ، ودفع الراية إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكانت بيضاء ‏.‏
 ارتجاز ابن الأكوع ودعاء الرسول له واستشهاده ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي الهيثم بن نصر بن دهر الأسلمي أن أباه حدثه ‏:‏ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع ‏:‏ وهو عم سلمة بن عمرو بن الأكوع ، وكان اسم الأكوع سنان ‏:‏ انزل يا ابن الأكوع ، فخذ لنا من هناتك ، قال ‏:‏ فنزل يرتجر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏
والله لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا
إنا إذا قوم بغوا علينا * وإن أرادوا فتنة أبينا
فأنزلن سكينة علينا * وثبت الأقدام إن لاقينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ يرحمك الله ؛ فقال عمر بن الخطاب ‏:‏ وجبت والله يا رسول الله ، لو أمتعتنا به ‏!‏ فقتل يوم خيبر شهيداً ، وكان قتله ، فيما بلغني أن سيفه رجع عليه وهو يقاتل ، فكلمه كلماً شديداً ، فمات منه ؛ فكان المسلمون قد شكوا فيه ، وقالوا ‏:‏ إنما قتله سلاحه حتى سأل ابن أخيه سلمة بن عمرو بن الأكوع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وأخبره بقول الناس ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنه لشهيد وصلى عليه فصلى عليه المسلمون ‏.‏
 دعاء الرسول لما أشرف على خيبر ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني من لا أتهم ، عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي ، عن أبيه ، عن أبي معتب بن عمرو ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال لأصحابه ، وأنا فيهم ‏:‏ قفوا ، ثم قال ‏:‏ ‏"‏ اللهم رب السماوات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أظللن ، ورب الرياح وما أذرين ، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شر أهلها وشر ما فيها ، أقدموا بسم الله ‏"‏ ‏.‏ قال ‏:‏ وكان يقولها عليه السلام لكل قرية دخلها ‏.‏
 فرار أهل خيبر لما رأوا الرسول ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم عن أنس بن مالك ، قال ‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح ، فإن سمع أذاناً أمسك ، وإن لم يسمع أذاناً أغار ‏.‏
فنزلنا خيبر ليلاً ، فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أصبح لم يسمع أذاناً، فركب وركبنا معه ، فركبت خلف أبي طلحة ، وإن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستقبلنا عمال خيبر غادين ، قد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم ، فلما رأوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم والجيش ، قالوا ‏:‏ محمد والخميس معه ‏!‏ فأدبروا هراباً ، فقال رسول الله صلى الله ليه وسلم ‏:‏ الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏حدثنا هارون عن حميد ، عن أنس بمثله ‏.‏
 منازل الرسول في طريقة إلى خيبر ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عصر ، فبنى له فيها مسجد ، ثم على الصهباء ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ، حتى نزل بواد يقال له الرجيع ، فنزل بينهم بين غطفان ، ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
 غطفان ومحاولتهم معونة خيبر ثم انخذا لهم ‏:‏
فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعوا له ، ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه ، حتى إذا ساروا منقلة سمعوا خلفهم في أمولاهم وأهليهم حساً ، ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم ، فرجعوا على أعقابهم ، فأقاموا في أهليهم وأموالهم ، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر ‏.‏
 افتتاح رسول الله الحصون ‏:‏
وتدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال يأخذها مالاً مالا ، ويفتتحها حصناً حصنا ، فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم ، وعنده قتل محمود بن مسلمة ، ألقيت عليه منه رحا فقتلته ، ثم القموص ، حصن بني أبي الحقيق ‏.‏
وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا ، منهن صفية بنت حيي بن أخطب ، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وبنتي عم لها ؛ فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه ‏.‏
وكان دحية بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية ، فلما أصفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها ، وفشت السبايا من خيبر في المسلمين ‏.‏
 نهى الرسول يوم خيبر عن أشياء ‏:‏
وأكل المسلمون لحوم الحمر الأهلية من حمرها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهى الناس عن أمور سماها لهم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالله بن عمرو بن ضمرة الفزاري عن عبدالله بن أبي سليط ، عن أبيه ، قال ‏:‏ أتانا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية ، والقدور تفور بها ، فكفأناها على وجوهها ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن مكحول ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم يومئذ عن أربع ‏:‏ إتيان الحبالى من السبايا ، وعن أكل الحمار الأهلي ، وعن أكل كل ذي ناب من السباع ، وعن بيع المغانم حتى تقسم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني سلام بن كركرة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، ولم يشهد جابر خيير ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى الناس عن أكل لحوم الحمر ، أذن لهم في أكل لحوم الخيل ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي مرزوق مولى تجيب ، عن حنش الصنعاني ، قال ‏:‏ غزونا مع رويفع بن ثابت الأنصاري المغرب ، فافتتح قرية من قرى المغرب يقال لها ‏:‏ جربة ، فقام فينا خطيباً ، فقال ‏:‏ يا أيها الناس ، إني لا أقول فيكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فينا يوم خيبر ، قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏:‏ لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماؤه زرع غيره ، يعني ‏:‏ إتيان الحبالى من السبايا ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي حتى يستبرئها ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يزيد بن عبدالله بن قسيط ، أنه حدث عن عبادة بن الصامت قال ‏:‏ نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب العين وتبر الفضة بالورق العين ؛ وقال ‏:‏ ابتاعوا تبر الذهب بالورق العين ، وتبر الفضة بالذهب العين ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدنى الحصون والأموال ‏.‏
 شأن بني سهم الأسلميين
فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدثه بعض أسلم ‏:‏ أن بني سهم من أسلم ‏:‏ أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ‏:‏ والله يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء ؛ فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً يعطيهم إياه ‏.‏
فقال ‏:‏ اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست بهم قوة ، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه ، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء ، وأكثرها طعاماً وودكاً ، فغدا الناس ، ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاماً وودكاً منه ‏.‏
 مقتل مرحب اليهودي ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح ، وحاز من الأموال ما حاز ، انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم ، وكان آخر حصون أهل خيبر افتتاحاً ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏وكان شعار أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يوم خيبر ‏:‏ يا منصور أمت أمت ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالله بن سهل بن عبدالرحمن بن سهل ، أخو بني حارثة ، عن جابر بن عبدالله ، قال ‏:‏ خرج مرحب اليهودي من حصنهم ، قد جمع سلاحه ، يرتجز وهو يقول ‏:‏
قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحياناً وحيناً أضرب * إذا الليوث أقبلت تحرب
إن حماى للحمى لا يقرب *
وهو يقول ‏:‏ من يبارز ‏؟‏ فأجابه كعب بن مالك ، فقال ‏:‏
قد علمت خيبر أني كعب * مفرج الغمي جرئ صلب
وإذ شبت الحرب تلتها الحرب * معي حسام كالعقيق عضب
نطؤكم حتى يذل الصعب * نعط الجزاء أو يفيء النهب
بكف ماض ليس فيه عتب *
قال ابن هشام ‏:‏ أنشدني أبو زيد الأنصاري ‏:‏
قد علمت خيبر أني كعب * وأنني متى تشب الحرب
ماض على الهول جريء صلب * معي حسام كالعقيق غضب
بكف ماض ليس فيه عتب * ندككم حتى يذل الصعب
قال ابن هشام ‏:‏ومرحب من حمير ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالله بن سهل ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال ‏:‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا ‏؟‏ قال محمد بن مسلمة ‏:‏ أنا له يا رسول الله ، أنا والله الموتور الثائر ، قتل أخي بالأمس ؛ فقال ‏:‏ فقم إليه ، اللهم أعنه عليه ‏.‏
قال ‏:‏ فلما دنا أحدهما من صاحبه ، دخلت بينهما شجرة عمرية من شجر العشر ، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه ، كلما لاذ بها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها ، حتى برز كل واحد منها لصاحبه ، وصارت بينهما كالرجل القائم ، ما فيها فنن ، ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة ، فضربه ، فاتقاه بالدرقة ، فوقع سيفه فيها ، فعضت به فأمسكته ، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله ‏.‏
 مقتل ياسر أخو مرحب ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر ، وهو يقول ‏:‏ من يبارز ‏؟‏ فزعم هشام بن عروة أن الزبير بن العوام خرج إلى ياسر ، فقالت أمه صفية بنت عبدالمطلب ‏:‏ يقتل ابني يا رسول الله ‏!‏ قال ‏:‏ بل ابنك يقتله إن شاء الله ‏.‏ فخرج الزبير فالتقيا ، فقتله الزبير ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني هشام بن عروة ‏:‏ أن الزبير كان إذا قيل له ‏:‏ والله إن كان سيفك يومئذ لصارماً عضباً ، قال ‏:‏ والله ما كان صارماً ، ولكني أكرهته ‏.‏
 شأن علي يوم خيبر ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي ، عن أبيه سفيان ، عن سلمة بن عمرو بن الأكوع ، قال ‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه برايته ، وكانت بيضاء ، فيما قال ابن هشام ‏:‏ إلى بعض حصون خيبر ، فقاتل ، فرجع ولم يك فتح ، وقد جهد ؛ ثم بعث الغد عمر بن الخطاب ، فقاتل ، ثم رجع ولم يك فتح ، وقد جهد ‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، ليس بفرار ‏.‏
قال ‏:‏ يقول سلمة ‏:‏ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضوان الله عليه ، وهو أرمد ، فتفل في عينه ، ثم قال ‏:‏ خذ هذه الراية ، فامض بها حتى يفتح الله عليك ‏.‏
قال ‏:‏ يقول سلمة ‏:‏ فخرج والله بها يأنح ، يهرول هرولة ، وإنا لخلفه نتبع أثره ، حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن ، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن ، فقال ‏:‏ من أنت ‏؟‏ قال‏:‏ أنا علي بن أبي طالب ‏.‏
قال ‏:‏ يقول اليهودي ‏:‏ علوتم وما أنزل على موسى ، أو كما قال ‏.‏ قال ‏:‏ فما رجع حتى فتح الله على يديه ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني عبدالله بن الحسن ، عن بعض أهله ، عن أبي رافع ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ خرجنا مع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته ؛ فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود ، فطاح ترسه من يده ، فتناول على عليه السلام بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتني في نفر سبعة معي ، أنا ثامنهم ، نجهد على أن نقلب ذلك الباب ، فما نقلبه ‏.‏
 حديث أبي اليسر كعب بن عمرو ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني بريدة بن سفيان الأسلمي ، عن بعض رجال بني سلمة عن أبي اليسر كعب بن عمرو ، قال ‏:‏ والله إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ذات عشية ، إذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنهم ، ونحن محاصروهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ من رجل يطعمنا من هذا الغنم ‏؟‏
قال أبو اليسر ‏:‏ فقلت ‏:‏ أنا يا رسول الله ؛ قال ‏:‏ فافعل ؛ قال ‏:‏ فخرجت أشتد مثل الظليم ، فلما نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم مولياً قال ‏:‏ اللهم أمتعنا به ‏.‏
قال ‏:‏ فأدركت الغنم وقد دخلت أولاها الحصن ، فأخذت شاتين من أخراها ، فاحتضنتهما تحت يدي ، ثم أقبلت بهما أشتد ، كأنه ليس معي شيء ، حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ فذبحوهما فأكلوهما ‏.‏
فكان أبو اليسر من أخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلاكاً ‏.‏ فكان إذا حدث هذا الحديث بكى ، ثم قال ‏:‏ أمتعوا بي ، لعمري ، حتى كنت من أخرهم هلكاً ‏.‏
 أمر صفية أم المؤمنين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم القموص ، حصن بني أبي الحقيق ، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي بن أخطب ، وبأخرى معها ، فمر بهما على قتلى من قتلى يهود ، فلما رأتهم التي مع صفية صاحت ، وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها ‏.‏
فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ اعزبوا عني هذه الشيطانة ، وأمر بصفية فحيزت خلفه ، وألقى عليها رداءه ؛ فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفاها لنفسه ‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال ، فيما بلغني ، حين رأى بتلك اليهودية ما رأى ، أنزعت منك الرحمة يا بلال ، حين تمر بامرأتين علي قتلى رجالهما ‏؟‏
وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع ابن أبي الحقيق ، أن قمراً وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها ، فقال ‏:‏ ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمداً ، فلطم وجهها لطمة خضر عينها منها ‏.‏ فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منه ، فسألها ما هو ‏؟‏ فأخبرته هذا الخبر
 عقوبة كنانة بن الربيع ‏:‏
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع ، وكان عنده كنز بني النضير ، فسأله عنه ، فجحد أن يكون يعرف مكانه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من يهود ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة ‏:‏ أرأيت إن وجدناه عندك ، أأقتلك ‏؟‏
قال ‏:‏ نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت ، فأخرج منها بعض كنزهم ، ثم سأله عما بقي ، فأبى أن يؤديه ‏.‏
فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام ، فقال ‏:‏ عذبه حتى تستأصل ما عنده ، فكان الزبير يقدح بزندٍ في صدره ، حتى أشرف على نفسه ، ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة ، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة ‏.‏
 مصالحة الرسول أهل خيبر ‏:‏
وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسلالم ، حتى إذا أيقنوا بالهلكة ، سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ، ففعل ‏.‏
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموال كلها ‏:‏ الشق ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم ، إلا ما كان من ذينك الحصنين ‏.‏
فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم ، وأن يحقن دماءهم ، ويخلوا له الأموال ، ففعل ‏.‏
وكان فيمن مشى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود ، أخو بني حارثة ، فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف ، وقالوا ‏:‏ نحن أعلم بها منكم ، وأعمر لها ‏.‏
فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف ، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم ؛ فصالحه أهل فدك على مثل ذلك ، فكانت خيبر فيئاً بين المسلمين ، وكانت فدك خالصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب ‏.‏
 أمر الشاة المسمومة ‏:‏
فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث ، امرأة سلام بن مشكم ، شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏
فقيل لها ‏:‏ الذراع ؛ فأكثرت فيها من السم ، ثم سمت سائر الشاة ، ثم جاءت بها ؛ فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تناول الذراع ، فلاك منها مضغة ، فلم يسغها ، ومعه بشر بن البراء بن معرور ، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأما بشر فأساغها ‏.‏
وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ، ثم قال ‏:‏ إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم ، فاعترفت ؛ فقال ‏:‏ ما حملك على ذلك ‏؟‏ قالت ‏:‏ بلغت من قومي ما لم يخف عليك ، فقلت ‏:‏ إن كان ملكاً استرحت منه ، وإن كان نبياً فسيخبر ، قال ‏:‏ فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ومات بشر من أكلته التي أكل ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى ، قال ‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في مرضه الذي توفي فيه ، ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده ‏:‏ يا أم بشر ، إن هذا الأوان وجدت فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر ‏.‏
قال ‏:‏ فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة ‏.‏
 رجوع الرسول إلى المدينة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف إلى وادي القرى ، فحاصر أهله ليالي ، ثم انصرف راجعا إلى المدينة ‏.‏
 مقتل غلام رفاعة الذي أهداه للرسول ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني ثور بن يزيد ، عن سالم ، مولى عبدالله بن مطيع ، عن أبي هريرة ، قال ‏:‏ فلما انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادي القرى نزلنا بها أصيلا مع مغرب الشمس ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام له ، أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي ، ثم الضبيني ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ جذام ، أخو لخم ‏.‏
قال ‏:‏ فوالله إنه ليضع رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه سهم غرب فأصابه فقتله ؛ فقلنا ‏:‏ هنيئاً له الجنة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ كلا ، والذي نفس محمد بيده ، إن شملته الآن لتحترق عليه في النار ، كان غلها من فيء المسلمين يوم خيبر ‏.‏
قال ‏:‏ فسمعها رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاه فقال ‏:‏ يا رسول الله ، أصبت شراكين لنعلين لي ؛ قال ‏:‏ فقال ‏:‏ يقد لك مثلهما من النار ‏.‏
 ابن مغفل وجراب شحم أصابه ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم ، عن عبدالله بن مغفل المزني ، قال ‏:‏ أصبت من فئ خيبر جراب شحم ، فاحتملته على عاتقي إلى رحلي وأصحابي ‏.‏
قال ‏:‏ فلقيني صاحب المغانم الذي جعل عليها ، فأخذ بناحيته وقال ‏:‏ هلم هذا تقسمه بين المسلمين ؛ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ لا والله لا أعطيكه ؛ قال ‏:‏ فجعل يجاذبني الجراب ‏.‏
قال ‏:‏ فرآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصنع ذلك ‏.‏ قال ‏:‏ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً ، ثم قال لصاحب المغانم ‏:‏ لا أبا لك ، خل بينه وبينه ‏.‏ قال ‏:‏ فأرسله ، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي فأكلناه ‏.‏
 بناء الرسول بصفية وحراسة أبي أيوب للقبة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية ، بخيبر أو ببعض الطريق ، وكانت التي جملتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومشطتها وأصلحت من أمرها أم سليم بنت ملحان ، أم أنس أبن مالك ‏.‏
فبات بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له ، وبات أبو أيوب خالد بن زيد ، أخو بني النجار متوشحاً سيفه ، يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويطيف بالقبة ، حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رأى مكانه قال ‏:‏ ما لك يا أبا أيوب ‏؟‏ قال ‏:‏ يا رسول الله ، خفت عليك من هذه المرأة ، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها ، وكانت حديثة عهد بكفر ، فخفتها عليك ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني ‏.‏
 تطوع بلال للحراسة وغلبة النوم عليه ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، قال ‏:‏ لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ، فكان ببعض الطريق ، قال ‏:‏ من آخر الليل ‏:‏ من رجل يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام ‏؟‏ قال بلال ‏:‏ أنا يا رسول الله أحفظه عليك ‏.‏
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل الناس فناموا ، وقام بلال يصلي ، فصلى ما شاء الله عز وجل أن يصلي ‏.‏ ثم استند إلى بعيره ، واستقبل الفجر يرمقه ، فغلبته عينه ، فنام فلم يوقظهم إلا مس الشمس ؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول أصحابه هب ، فقال ‏:‏ ماذا صنعت بنا يا بلال ‏؟‏
قال ‏:‏ يا رسول الله ، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ؛ قال ‏:‏ صدقت ؛ ثم اقتاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيره غير كثير ، ثم أناخ فتوضأ ، وتوضأ الناس ثم أمر بلالاً فأقام الصلاة ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ؛ فلما سلم أقبل على الناس فقال ‏:‏ إذ نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها ، فإن الله تبارك وتعالى يقول ‏:‏ ‏(‏ أقم الصلاة لذكري ‏)‏
شهود النساء خيبر وحديث المرأة الغفارية ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء من نساء المسلمين ، فرضخ لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيء ، ولم يضرب لهن بسهم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني سليمان بن سحيم ، عن أمية بن أبي الصلت ، عن امرأة من بني غفار ، قد سماها لي ، قالت ‏:‏ أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من بني غفار ، فقلن ‏:‏ يا رسول الله ، قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا ، وهو يسير إلى خيبر ، فنداوي الجرحى ، ونعين المسلمين بما استطعنا ؛ فقال ‏:‏ على بركة الله ‏.‏
قالت ‏:‏ فخرجنا معه ، وكنت جارية حدثه ، فأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله ‏.‏ قالت ‏:‏ فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح وأناخ ، ونزلت عن حقيبة رحله ، وإذا بها دم مني ، وكانت أول حيضة حضتها ‏.‏
قالت ‏:‏ فتقبضت إلى الناقة واستحييت ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم ، قال ‏:‏ ما لك ‏؟‏ لعلك نفست ؛ قالت ‏:‏ قلت ‏:‏ نعم ؛ قال ‏:‏ فأصلحي من نفسك ، ثم خذي إناء من ماء ، فاطرحي فيه ملحاً ثم اغسلي به ما أصاب الحقيبة من الدم ، ثم عودي لمركبك ‏.‏
قالت ‏:‏ فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، رضخ لنا من الفيء ، وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها ، وعلقها بيده في عنقي ، فوالله لا تفارقني أبداً ‏.‏
قالت ‏:‏ فكانت في عنقها حتى ماتت ، ثم أوصت أن تدفن معها ‏.‏ قالت ‏:‏ وكانت لا تطهر من حيضة إلا جعلت في طهورها ملحاً ، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت ‏.‏
 شهداء خيبر من بني أمية ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وهذه تسمية من استشهد بخيبر من المسلمين ، من قريش ، ثم من بني أمية بن عبد شمس ، ثم من حلفائهم ربيعة بن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن بكير بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد ، وثقيف بن عمرو ، ورفاعة بن مسروح ‏.‏
 من بني أسد ‏:‏
ومن بني أسد بن عبدالعزى ‏:‏ عبدالله الهبيب ، ويقال ‏:‏ ابن الهبيب ، فيما قال ابن هشام ، ابن أهيب بن سحيم بن غيره ، من بني سعد ابن ليث ، حليف لبني أسد ، وابن أختهم ‏.‏
 من الأنصار ‏:‏
ومن الأنصار ثم من بني سلمة ‏:‏ بشر بن البراء بن معرور ، مات من الشاة التي سم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وفضيل بن النعمان ‏.‏ رجلان ‏.‏
 من زريق ‏:‏
ومن بني زريق ‏:‏ مسعود بن سعد بن قيس بن خلده بن عامر بن زريق ‏.‏
 من الأوس ‏:‏
ومن الأوس ثم من بني عبدالأشهل ‏:‏ محمود بن مسملة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث ، حليف لهم من بني حارثة ‏.‏
 من بني عمرو ‏:‏
ومن بني عمرو بن عوف ‏:‏ أبو ضياح بن ثابت بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف ؛ والحارث بن حاطب ؛ وعروة بن مرة بن سراقة ؛ وأوس بن القائد ؛ وأنيف بن حبيب ؛ وثابت بن أثلة ؛ وطلحة ‏.‏
 من غفار ‏:‏
ومن بني غفار ‏:‏ عمارة بن عقبة ، رمي بسهم ‏.‏
 من أسلم ‏:‏
ومن أسلم ‏:‏ عامر بن الأكوع ؛ والأسود الراعي ، وكان اسمه أسلم ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ الأسود الراعي من أهل خيبر ‏.‏
 من بني زهرة ‏:‏
ومن استشهد بخيبر فيما ذكر ابن شهاب الزهري ، من بني زهرة ‏:‏ مسعود بن ربيعة ، حليف لهم من القارة ‏.‏
 من الأنصار ‏:‏
ومن الأنصار بني عمرو بن عوف ‏:‏ أوس بن قتادة ‏.‏
 أمر الأسود الراعي في حديث خيبر
 إسلامه واستشهاده ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان من حديث الأسود الراعي ، فيما بلغني أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر ، ومعه غنم له ، كان فيها أجيراً لرجل من يهود ‏.‏
فقال ‏:‏ يا رسول الله ، أعرض علي الإسلام فعرضه عليه ، فأسلم - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحداً أن يدعوه إلى الإسلام ، ويعرضه عليه - فلما أسلم قال ‏:‏ يا رسول الله ، إني كنت أجيراً لصاحب هذه الغنم ، وهي أمانة عندي ، فكيف أصنع بها ‏؟‏ قال ‏:‏ اضرب في وجوهها فإنها سترجع إلى ربها - أو كما قال -
فقال الأسود ، فأخذ حفنة من الحصى ، فرمى بها في وجوهها ، وقال ‏:‏ ارجعي إلى صاحبك ، فوالله لا أصحبك أبداً ، فخرجت مجتمعة ، كأن سائقاً يسوقها ، حتى دخلت الحصن ، ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين ، فأصابه حجر فقتله ، وما صلى لله صلاة قط ‏.‏
فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع خلفه ، وسجي بشملة كانت عليه ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه نفر من أصحابه ، ثم أعرض عنه ، فقالوا ‏:‏ يا رسول الله ، لم أعرضت عنه ‏؟‏ قال ‏:‏ إن معه الآن زوجتيه من الحور العين ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وأخبرني عبدالله بن أبي نجيح أنه ذكر له ‏:‏ أن الشهيد إذا ما أصيب تدلت له زوجتاه من الحور العين ، عليه تنفضان التراب عن وجهه ، وتقولان ‏:‏ ترب الله وجه من تربك ، وقتل من قتلك ‏.‏
 أمر الحجاج بن علاط السلمي
 حيلته في جمع ماله من مكة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما فتحت خيبر ، كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحجاج بن علاط السلمي ثم البهزي ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إن لي بمكة مالاً عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة - وكانت عنده ، له منها معرض بن الحجاج ومال متفرق في تجار أهل مكة ، فأذن لي يا رسول الله ؛ فأذن له ، قال ‏:‏ إنه لا بد لي يا رسول الله من أن أقول ؛ قال ‏:‏ قل ‏.‏
قال الحجاج ‏:‏ فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثينة البيضاء رجالاً من قريش يتسمعون الأخبار ، ويسألون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد بلغهم نه قد سار إلى خيبر ، وقد عرفوا أنها قرية الحجاز ، ريفا ومنعة ورجالاً ، فهم يتحسسون الأخبار ، ويسألون الركبان ، فلما رأوني قالوا ‏:‏ الحجاج بن علاط - قال ‏:‏ ولم يكونوا علموا بإسلامي عنده والله الخبر - أخبرنا يا أبا محمد ، فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر ، وهي بلد يهود وريف الحجاز ‏.‏
قال ‏:‏ قلت ‏:‏ قد بلغني ذلك وعندي من الخبر ما يسركم ؛ قال ‏:‏ فالتبطوا بجنبي ناقتي يقولون ‏:‏ إيه يا حجاج ؛ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط ، وقتل أصحابه قتلاً لم تسمعوا بمثله قط ، وأسرمحمد أسراً ، وقالوا ‏:‏ لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة ، فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم ‏.‏
قال ‏:‏ فقاموا وصاحوا بمكة ، وقالوا ‏:‏ قد جاءكم الخبر ، وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم ، فيقتل بين أظهركم ‏.‏
قال ‏:‏ قلت ‏:‏ أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي ، فإني أريد أن أقدم خيبر ، فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ من فيء محمد ‏.‏
 العباس يستوثق من خبر الحجاج ويفاجئ قريشاً ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ قال ‏:‏ فقاموا فجمعوا لي مالي كأحث جمع سمعت به ‏.‏ قال ‏:‏ وجئت صاحبتي فقلت ‏:‏ مالي ، وقد كان لي عندها مال موضوع ، لعلي ألحق بخيبر ، فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني التجار ‏.‏
قال ‏:‏ فلما سمع العباس بن عبدالمطلب الخبر ، وجاءه عني ، أقبل حتى وقف إلى جنبي وأنا في خيمة من خيام التجار ، فقال ‏:‏ يا حجاج ، ما هذا الخبر الذي جئت به ‏؟‏
قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ وهل عندك حفظ لما وضعت عندك ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم قال ‏:‏ قلت ‏:‏ فاستأخر عني حتى ألقاك على خلاء ، فأني في جمع مالي كما ترى ، فانصرف عني حتى أفرغ ‏.‏ قال ‏:‏ حتى إذا فرغت من جمع كل شيء كان لي بمكة ، وأجمعت الخروج ، لقيت العباس ، فقلت ‏:‏ احفظ علي حديثي يا أبا الفضل ، فإني أخشى الطلب ثلاثاً ، ثم قل ما شئت ، قال ‏:‏ افعل ‏.‏
قلت ‏:‏ فإني والله لقد تركت ابن أخيك عروساً على بنت ملكهم ، يعني ‏:‏ صفية بنت حيي ، ولقد افتتح خيبر ، وانتثل ما فيها ، وصارت له ولأصحابه ؛ فقال ‏:‏ ما تقول يا حجاج ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ إي والله ، فاكتم عني ، ولقد أسلمت وما جئت إلا لآخذ مالي ، فرقا من أن أغلب عليه ، فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك ، فهو والله على ما تحب
قال ‏:‏ حتى إذا كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له ، وتخلق ، وأخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى الكعبة ، فطاف بها ، فلما رأوه قالوا ‏:‏ يا أبا الفضل ، هذا والله التجلد الحر المصيبة ؛ قال ‏:‏ كلا والله الذي حلفتم به ، لقد افتتح محمد خيبر وترك عروساً على بنت ملكهم ، وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولأصحابه ؛ قالوا ‏:‏ من جاءك بهذا الخبر ‏؟‏
قال ‏:‏ الذي جاءكم بما جاءكم به ، ولقد دخل عليكم مسلماً ، فأخذ ماله ، فانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه ، فيكون معه ؛ قالوا ‏:‏ يا لعباد الله ‏!‏ انفلت عدو الله ، أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ؛ قال ‏:‏ ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك
 ذكرمقاسم خيبر وأموالها
 الشق ونطاة والكتيبة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكانت المقاسم على أقوال خيبر ، على الشق ونطاة والكتيبة فكانت الشق ونطاة في سهمان المسلمين ، وكانت الكتيبة خمس الله ، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين ، وطعم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وطعم رجال مشوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل فدك بالصلح ، منهم محيصة بن مسعود ، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين وسقاً من شعير ، وثلاثين وسقاً من تمر ، وقسمت خيبر على أهل الحديبية ، من شهد خيبر ، ومن غاب عنها ، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبدالله ابن عمرو بن حرام ، فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضرها ، وكان وادياها ، وادي السريرة ووادي خاص ، وهما اللذان قسمت عليهما خيبر ، وكانت نطاة والشق ثمانية عشر سهماً ، نطاة من ذلك خمسة أسهم ، والشق ثلاثة عشر سهماً ، وقسمت الشق ونطاة على ألف سهم ، وثمان مائة سهم ‏.‏
 عدة من قسمت عليهم خيبر ‏:‏
وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف سهم وثمان مائة سهم ، برجالهم وخيلهم ، الرجال أربع عشرة مائة ، والخيل مئتا فارس ؛ وكان لكل فرس سهمان ، ولفارسه سهم ؛ وكان لكل راجل سهم ؛ فكان لكل سهم رأس جمع إليه مائة رجل ، فكانت ثمانية عشر سهماً جمع ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ وفي يوم خيبر عرب رسول الله صلى الله عليه وسلم العربي من الخيل ، وهجن الهجين ‏.‏
 قسمة الأسهم على أربابها ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فكان علي بن أبي طالب رأساً ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله وعمر بن الخطاب ، وعبدالرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي ، أخو بني العجلان ، وأسيد بن حضير ، وسهم الحارث بن الخزرج ، وسهم ناعم ، وسهم بني بياضة ، وسهم بني عبيد ، وسهم بني حرام من بني سلمة ، وعبيد السهام ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ وإنما قيل له عبيد السهام لما اشترى من السهام يوم خيبر ، وهو عبيد بن أوس ، أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وسهم ساعدة ، وسهم غفار وأسلم ، وسهم النجار وسهم حارثة ، وسهم أوس ‏.‏
فكان أول سهم خرج من خيبر بنطاة سهم الزبير بن العوام ، وهو الخوع ، وتابعه السرير ؛ ثم كان الثاني سهم بياضه ، ثم كان الثالث سهم أسيد ثم كان الرابع سهم بني الحارث بن الخزرج ، ثم كان الخامس سهم ناعم لبني عوف بن الخزرج ومزينة وشركائهم ، وفيه قتل محمود بن مسلمة ؛ فهذه نطاة ‏.‏
ثم هبطوا إلى الشق ، فكان أول سهم خرج منه سهم عاصم بن عدي ، أخي بني العجلان ، ومعه كان سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم سهم عبدالرحمن بن عوف ، ثم سهم ساعدة ، ثم سهم النجار ، ثم سهم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ‏.‏
ثم سهم طلحة بن عبيد الله ، ثم سهم غفار وأسلم ، ثم سهم عمر بن الخطاب ، ثم سهما سلمة بن عبيدة وبني حرام ، ثم سهم حارثة ، ثم سهم عبيد السهام ، ثم سهم أوس ، وهو سهم اللفيف ، جمعت إليه جهينة ومن حضر خيبر من سائر العرب ؛ وكان حذوه سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي كان أصابه في سهم عاصم بن عدي ‏.‏
ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتيبة ، وهي وادي خاص بين قرابته وبين نسائه ، وبين رجال المسلمين ونساء أعطاهم منها ، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته مائتي وسق ، ولعلي بن أبي طالب منه مائة وسق ، ولأسامة بن زيد مائتي وسق ، وخمسين وسقاً من نوى ‏.‏
ولعائشة أم المؤمنين مائتي وسق ، ولأبي بكر بن أبي قحافة مائة وسق ، ولعقيل بن أبي طالب مائة وسق وأربعين وسقاً ، ولبني جعفر خمسين وسقاً ، ولربيعة بن الحارث مائة وسق ‏.‏
وللصلت بن مخرمة وابنيه مائة وسق ، للصلت منها أربعون وسقاً ، ولأبي نبقة خمسين وسقاً ، ولركانه بن عبد يزيد خمسين وسقاً ، ولقيس بن مخرمة ثلاثين وسقاً ، ولأبي القاسم بن مخرمة أربعين وسقاً ، ولبنات عبيدة بن الحارث وابنة الحصين بن الحارث مائة وسق ، ولبني عبيد بن عبد يزيد ستين وسقاً ، ولابن أوس بن مخرمة ثلاثين وسقاً ‏.‏
ولمسطح بن أثاثة وابن إلياس خمسين وسقاً ، ولأم رميثة أربعين وسقاً ، ولنعيم بن هند ثلاثين وسقاً ، ولبحينة بنت الحارث ثلاثين وسقاً ، ولعجير بن عبد يزيد ثلاثين وسقاً ، ولأم الحكم ثلاثين وسقاً ، ولجمانة بنت أبي طالب ثلاثين وسقاً ، ولابن الأرقم خمسين وسقاً ، ولعبدالرحمن بن أبي بكر أربعين وسقاً ‏.‏
ولحمنة بنت جحش ثلاثين وسقاً ، ولأم الزبير أربعين وسقاً ، ولضباعة بنت الزبير أربعين وسقاً ، ولابن أبي خنيس ثلاثين وسقاً ، ولأم طالب أربعين وسقاً ، ولأبي بصرة عشرين وسقاً ، ولنميلة الكلبي خمسين وسقاً ، ولعبدالله بن وهب وابنتيه تسعين وسقاً ، لابنيه منها أربعين وسقاً ، ولأم حبيب بنت جحش ثلاثين وسقاً ، ولملكوم بن عبدة ثلاثين وسقاً ، ولنسائه صلى الله عليه وسلم سبع مائة وسق ‏.‏
بسم الله الرحمن الرحيم
 عهد الرسول إلى نسائه بنصيبهن في المغانم ‏:‏
ذكر ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه من قمح خيبر ‏:‏ قسم لهن مائة وثمانين وسقاً ، ولفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وثمانين وسقاً ، ولأسامة بن زيد أربعين وسقاً ، وللمقداد بن الأسود خمسة عشر وسقاً ، ولأم رميثة خمسة أوسق ‏.‏
شهد عثمان بن عفان وعباس وكتب ‏.‏
 ما أوصى به الرسول عند موته ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود قال ‏:‏ لم يوص رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته إلا بثلاث ، أوصى للرهاويين بحاد مائة وسق من خيبر ، وللداريين بحاد مائة وسق من خيبر ، وللسبائيين ، وللأشعريين بحاد مائة وسق من خيبر ‏.‏
وأوصى بتنفيذ بعث أسامة بن زيد بن حارثة ؛ وألا يترك بجزيرة العرب دينان ‏.‏
أمرفدك في خبر خيبر
 مصالحة الرسول أهل فدك ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك ، حين بلغهم ما أوقع الله تعالى بأهل خيبر ، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك ، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطائف ، أو بعد ما قدم المدينة ، فقبل ذلك منهم ، فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ‏.‏
 تسمية النفر الداريين الذين أوصى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر
 نسبهم ‏ ‏
وهم بنو الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لحم ، الذين ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشام ‏:‏ تميم بن أوس ونعيم بن أوس أخوه ، ويزيد بن قيس ، وعرفة بن مالك ، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ عزة بن مالك ‏:‏ وأخوه مران بن مالك ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ مروان بن مالك ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وفاكه بن نعمان ، وجبلة بن مالك ، وأبو هند بن بر ، وأخوه الطيب بن بر ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله ‏.‏
 خرص ابن رواحة على أهل خيبر ‏:‏
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدثني عبدالله بن أبي بكر يبعث إلى أهل خيبر عبدالله بن رواحة خارصاً بين المسلمين ويهود ، فيخرص عليهم ، فإذا قالوا ‏:‏ تعديت علينا ، قال ‏:‏ إن شئتم فلكم ، وإن شئتم فلنا ، فتقول يهود ‏:‏ بهذا قامت السماوات والأرض ‏.‏
وإنما خرص عليهم عبدالله بن رواحة عاماً واحداً ، ثم أصيب بمؤتة يرحمه الله ، فكان جبار بن صخر بن أمية بن خنساء ، أخو بني سلمة ، هو الذي يخرص عليهم بعد عبدالله بن رواحة ‏.‏
 مقتل ابن سهل ودية الرسول إلى أهله ‏:‏
فأقامت يهود على ذلك ، لا يرى بهم المسلمون بأساً في معاملتهم ، حتى عدوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن سهل ، أخي بني حارثة ، فقتلوه ، فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون عليه ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني الزهري عن سهل بن أبي حثمة ؛ وحدثني أيضاً بشير بن يسار ، مولى بني حارثة ، عن سهل بن أبي حثمة ، قال ‏:‏ أصيب عبدالله بن سهل بخيبر ، وكان خرج إليها في أصحاب له يمتار منها تمراً ، فوجد في عين قد كسرت عنقه ، ثم طرح فيها ‏.‏
قال ‏:‏ فأخذوه فغيبوه ، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له شأنه ، فتقدم إليه أخوه عبدالرحمن بن سهل ، ومعه ابنا عمه حويصة ومحيصة ابنا مسعود ، وكان عبدالرحمن من أحدثهم سناً ، وكان صاحب الدم ، وكان ذا قدم في القوم ، فلما تكلم قبل ابني عمه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ الكبر الكبر ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ كبر كبر - فيما ذكر مالك بن أنس - فسكت ؛ فتكلم حويصة ومحيصة ، ثم تكلم هو بعد ، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل صاحبهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أتسمون قاتلكم ، ثم تحلفون عليه خمسين يميناً فنسلمه إليكم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ يا رسول الله ما كنا لنحلف على ما لا نعلم ؛ قال ‏:‏ أفيحلفون بالله خمسين يميناً ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً ثم يبرءون من دمه ‏؟‏
قالوا ‏:‏ يا رسول الله ، ما كنا لنقبل أيمان يهود ، ما فيهم من الكفر أعظم من أن يحلفوا على إثم ، قال ‏:‏ فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده مائة ناقة ‏.‏
قال سهل ‏:‏ فوالله ما أنسى بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن عبدالرحمن بن بجيد بن قيظي ، أخي بني حارثة ، قال محمد بن إبراهيم ‏:‏ وأيم الله ، ما كان سهل بأكثر علماً منه ، ولكنه كان أسن منه ؛ إنه قال له ‏:‏ والله ما هكذا كان الشأن ‏!‏ ولكن سهلاً أوهم ، ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، احلفوا على ما لا علم لكم به ‏.‏
ولكنه كتب إلى يهود خيبر حين كلمته الأنصار ‏:‏ أنه قد وجد قتيل بين أبياتكم فدوه ، فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه ، ولا يعلمون له قاتلاً ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده ‏.‏
قال بن إسحاق ‏:‏ وحدثثي عمرو بن شعيب مثل حديث عبدالرحمن بن بجيد ، إلا أنه قال في حديثه ‏:‏ دوه أو ائذنوا بحرب ‏.‏ فكتبوا يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً ؛ فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده ‏.‏
 إجلاء اليهود عن خيبر أيام عمر ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وسألت ابن شهاب الزهري ‏:‏ كيف كان إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر نخلهم ، حين أعطاهم النخل على خرجها ، أبت ذلك لهم حتى قبض ، أم أعطاهم إياها للضرورة من غير ذلك ‏.‏
فأخبرني ابن شهاب ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال ، وكانت خيبر مما أفاء الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقسمها بين المسلمين ، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال ‏.‏
فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏:‏ إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها ، وتكون ثمارها بيننا وبينكم ، وأقركم ما أقركم الله ، فقبلوا ، فكانوا على ذلك يعملونها ‏.‏
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبدالله بن رواحة ، فيقسم ثمرها ، ويعدل عليهم في الخرص ، فلما توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، أقرها أبو بكر رضي الله تعالى عنه ، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم ، على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى توفي ؛ ثم أقرها عمر رضي الله عنه صدراً من إمارته ‏.‏
ثم بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ في وجعه الذي قبضه الله فيه ‏:‏ لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان ؛ ففحص عمر ذلك ، حتى بلغه الثبت ، فأرسل إلى يهود ، فقال ‏:‏ إن الله عز وجل قد أذن في جلائكم ، قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ لايجتمعن بجزيرة العرب دينان ؛ فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود فليأتني به ، أنفده له ، ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود ، فليتجهز للجلاء ، فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني نافع ، مولى عبدالله بن عمر ، عن عبدالله بن عمر قال ‏:‏ خرجت أنا والزبير والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها ، فلما قدمنا تفرقنا في أموالنا ، قال ‏:‏ فعدي علي تحت الليل ، وأنا نائم على فراشي ففدعت يداي من مرفقي ‏.‏
فلما أصبحت استصرخ علي صاحباي ، فأتياني فسألاني ‏:‏ من صنع هذا بك ‏؟‏ فقلت ‏:‏ لا أدري ، قال ‏:‏ فأصلحا من يدي ، ثم قدما بي على عمر رضي الله عنه ؛ فقال ‏:‏ هذا عمل يهود ، ثم قام في الناس خطيباً فقال ‏:‏ أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا ، وقد عدوا على عبدالله بن عمر ، ففدعوا يديه كما قد بلغكم ، مع عدوهم على الأنصاري قبله ، لا نشك أنهم أصحابه ليس لنا هناك عدو غيرهم ، فمن كان له مال بخيبر فليلحق به ، فإني مخرج يهود ، فأخرجهم
 قسمة عمر لوادي القرى بين المسلمين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن عبدالله بن مكنف أخي بني حارثة ، قال ‏:‏ لما أخرج عمر يهود من خيبر ركب في المهاجرين والأنصار ، وخرج معه جبار بن صخر بن أمية بن خنساء ، أخو بني سلمة ، وكان خارص أهل المدينة وحاسبهم - ويزيد بن ثابت ، وهما قسما خيبر بين أهلها ، على أصل جماعة السهمان ، التي كانت عليها ‏.‏
وكان ما قسم عمر بن الخطاب من وادي القرى ، لعثمان بن عفان خطر ، ولعبدالرحمن بن عوف خطر ، ولعمر بن أبي سلمة خطر ، ولعامر بن أبي ربيعة خطر ، ولعمرو بن سراقة خطر ، ولأشيم خطر ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ ولأسلم ولبني جعفر خطر ، ولمعيقيب خطر ، ولعبدالله بن الأرقم خطر ، ولعبدالله وعبيد الله خطران ، ولابن عبدالله ابن جحش خطر ، ولابن البكير خطر ، ولمعتمر خطر ، ولزيد بن ثابت خطر ، ولأبي بن كعب خطر ، لمعاذ بن عفراء خطر ، ولأبي طلحة وحسن خطر ، ولجبار بن صخر خطر ، ولجابر بن عبدالله بن رئاب خطر ، ولمالك بن صعصعة وجابر بن عبدالله بن عمرو خطر ، ولابن حضير خطر ، ولابن سعد بن معاذ خطر ، ولسلامة بن سلامة خطر ، ولعبدالرحمن بن ثابت وأبي شريك خطر ، ولأبي عبس بن جبر خطر ، ولمحمد بن مسلمة خطر ، ولعبادة بن طارق خطر ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ويقال ‏:‏ لقتادة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولجبر بن عتيك نصف خطر ، ولابني الحارث بن قيس نصف خطر ، ولابن حزمة والضحاك خطر ، فهذا ما بلغنا من أمر خيبر ووادي القرى ومقاسمهما ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏الخطر ‏:‏ النصيب ، ويقال ‏:‏ أخطر لي فلان خطراً