الثلاثاء، 24 أبريل 2012

موسوعة السيرة النبوية : بعض الغزوات والبعوث والسرايا


بعض الغزوات والبعوث والسرايا


غزوة غالب بن عبدالله الليثي بني الملوح
وكان من حديثها أن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ،حدثني عن مسلم بن عبدالله بن خبيب الجهني ، عن المنذر عن جندب بن مكيث الجهني ، قال ‏:‏
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبدالله الكلبي ، كلب بن عوف ابن ليث ، في سرية كنت فيها ، وأمره أن يشن الغارة على بني الملوح ، وهم بالكديد ، فخرجنا حتى إذا كنا بقديد لقينا الحارث بن مالك ، وهو ابن البرصاء الليثي ، فأخذناه ، فقال ‏:‏
إني جئت أريد الإسلام ما خرجت إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقلنا له ‏:‏ إن تك مسلماً فلن يضيرك رباط ليلة ، وإن تك على غير ذلك كنا قد استوثقنا منك ، فشددناه رباطاً ثم خلفنا عليه رجلا من أصحابنا أسود ، وقلنا له ‏:‏ إن عازك فاحتز رأسه ‏:‏
 ما فعله ابن مكيث في هذه الغزوة
قال ‏:‏ ثم سرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس ، فكنا في ناحية الوادي وبعثني أصحابي ربيئة لهم ، فخرجت حتى أتى تلا مشرفا على الحاضر ، فأسندت فيه ، فعلوت على رأسه ، فنظرت إلى الحاضر ، فوالله إني لمنبطح على التل ، إذ خرج رجل منهم من خبائه ، فقال لامرأته ‏:‏ إني لأرى على التل سواداً ما رأيته في أول يومي ، فانظري إلى أوعيتك هل تفقدين منها شيئاً ، لا تكون الكلاب جرت بعضها ‏.‏
قال ‏:‏ فنظرت ، فقالت ‏:‏ لا ، والله ما أفقد شيئاً ، قال فناوليني قوسي وسهمين ، فناولته ، قال ‏:‏ فأرسل سهماً فوالله ما أخطأ جنبي ، فأنزعه ، فأضعه ، وثبت مكاني ، قال ‏:‏ ثم أرسل الآخر ، فوضعه في منكبي ، فأنزعه فأضعه ، وثبت مكاني ، فقال لامرأته ‏:‏ لو كان ربيئة لقوم لقد تحرك ، لقد خالطه سهماي ، لا أبا لك ، إذا أصبحت فابتغيهما ، فخذيهما ، لا يمضغهما علي الكلاب ‏.‏ قال ‏:‏ ثم دخل ‏.‏
 غنائم المسلمين في هذه الغزوة
قال ‏:‏ وأمهلناهم ، حتى إذا اطمأنوا وناموا ، وكان في وجه السحر ، شننا عليهم الغارة ، قال ‏:‏ فقتلنا واستقنا النعم ، وخرج صريخ القوم فجاءنا دهم لا قبل لنا به ، ومضينا بالنعم ، ومررنا بابن البرصاء وصاحبه ‏.‏ فاحتملناهما معنا ؛ قال ‏:‏ وأدركنا القوم ، حتى قربوا منا ، قال ‏:‏ فما بيننا وبينهم إلا وادي قديد ، فأرسل الله الوادي بالسيل من حيث شاء تبارك وتعالى ، من غير سحابة نراها ، ولا مطر ، فجاء بشيء ليس لأحد به قوة ، ولا يقدر على أن يجاوزه ، فوقفوا ينظرون إلينا ، وإنا لنسوق نعمهم ، ما يستطيع منهم رجل أن يجيز إلينا ، ونحن نحدوها سراعاً ، حتى فتناهم ، فلم يقدروا على طلبنا ‏.‏
قال ‏:‏ فقدمنا بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
 شعار المسلمين في هذه الغزوة
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني رجل من أسلم ، عن رجل منهم ‏:‏
أن شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تلك الليلة ‏:‏ أمت أمت ‏.‏ فقال راجز من المسلمين وهو يحدوها ‏:‏
أبى أبو القاسم أن تعزبي * في خضل نباته مغلولب
صفرا أعاليه كلون المذهب *
قال ابن هشام ‏:‏ويروى ‏:‏ ‏(‏ كلون الذهب ‏)‏ تم خبر الغزاة ، وعدت إلى ذكر تفاصيل السرايا والبعوث ‏.‏
 تعريف ببعض الغزوات
قال ابن إسحاق ‏:‏
وغزوة على بن أبي طالب رضى الله عنه بني عبدالله بن سعد من أهل فدك ،وغزوة أبي العوجاء السلمي أرض بني سليم ، أصيب بها هو وأصحابه جميعاً ، وغزوة عكاشة بن محصن الغمرة ، وغزوة أبي سلمة بن عبدالأسد قطنا ، ماء من مياه بني أسد ، من ناحية نجد ، قتل بها مسعود بن عروة ، وغزوة محمد بن مسلمة أخي بني حارثة ، القرطاء من هوزان ، وغزوة بشير بن سعد بني مرة بفدك ، وغزوة بشير بن سعد ، ناحية خيبر ، وغزوة زيد بن حارثة الجموم ، من أرض بني سليم ، وغزوة زيد بن حارثة ، جذام من أرض خشين ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏عن نفسه والشافعي عن عمرو بن حبيب عن ابن إسحاق من أرض حسمى ‏.‏
 غزوة زيد بن حارثة إلى جذام
قال ابن إسحاق ‏:‏
وكان من حديثهما كما حدثني من لا أتهم ، عن رجال من جذام ، كانوا علماء بها ، أن رفاعة بن زيد الجذامي ، لما قدم على قومه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوهم إلى الإسلام ، فاستجابوا له ، لم يلبث أن قدم دحية ابن خليفة الكلبي من عند قيصر صاحب الروم ، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه معه تجارة له ، حتى إذا كانوا بواد من أوديتهم ، يقال له ‏:‏ شنار أغار على دحية بن خليفة الهنيد بن عوص ، وابنة عوص بن الهنيد الضلعيان ‏.‏
والضليع ‏:‏ بطن من جذام ، فأصابا كل شيء كان معه ، فبلغ ذلك قوما من الضبيب ، رهط رفاعة بن زيد ، ممن كان أسلم وأجاب ، فنفروا إلى الهنيد وابنه ، فيهم من بني الضبيب النعمان بن أبي جعال ، حتى لقوهم ، فاقتتلوا ، وانتمى يومئذ قرة بن أشقر الضفاري ثم الضلعي ، فقال ‏:‏
أنا ابن لبنى ، ورمى النعمان بن أبي جعال بسهم ، فأصاب ركبته ؛ فقال ‏:‏ حين أصابه ‏:‏خذها وأنا ابن لبنى ، وكانت له أم تدعى لبنى ، وقد كان حسان بن ملة الضبيني قد صحب دحية بن خليفة قبل ذلك ، فعلمه أم الكتاب ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ويقال ‏:‏ قرة بن أشقر الضفاري ، وحيان بن ملة ‏.‏
 انتصار المسلمين
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني من لا أتهم عن رجال من جذام قال فاستنقذوا ما كان في يد الهنيد وابنه ، فردوه على دحية ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره خبره ، واستسقاه دم الهنيد وابنه ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم زيد بن حارثة ، وذلك الذي هاج غزوة زيد جذام ، وبعث معه جيشا ، وقد وجهت غطفان من جذام ووائل ، ومن كان من سلامان ، وسعد بن هذيم ، حين جاءهم رفاعة بن زيد ، بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نزلوا الحرة ‏:‏
حرة الرجلاء ، ورفاعة بن زيد بكراع ربة ، لم يعلم ، ومعه ناس من بني الضبيب ، وسائر بني الضبيب ، بوادي مدان ، من ناحية الحرة ، مما يسيل مشرقاً ، وأقبل جيش زيد بن حارثة من ناحية الأولاج ، فأغار بالماقص من قبل الحرة ، فجمعوا ما وجدوا من مال أو ناس ، وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين من بني الأحنف ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏من بني الأجنف ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ في حديثه ‏:‏
ورجلا من بني الخصيب فلما سمعت بذلك بنو الضبيب والجيش بفيفاء مدان ركب نفر منهم ، وكان فيمن ركب معهم حسان بن ملة ، على فرس لسويد بن زيد ، يقال لها ‏:‏ العجاجة وأنيف بن ملة على فرس لملة يقال لها ‏:‏ رغال ، وأبو زيد بن عمرو ، على فرس يقال لها ‏:‏ شمر ، فانطلقوا ، حتى إذا دنوا من الجيش ، قال أبو زيد وحسان لأنيف بن ملة ‏:‏ كف عنا وانصرف ، فإنا نخشى لسانك ، فوقف عنهما ، فلم يبعدا منه حتى جعلت فرسه تبحث بيديها وتوثب ، فقال ‏:‏
لأنا أضن بالرجلين منك بالفرسين ، فأرخى لها حتى أدركهما ، فقالا له ‏:‏ أما إذا فعلت ما فعلت فكف عنا لسانك ، ولا تشأمنا اليوم ، فتواصوا أن لا يتكلم منهم إلا حسان بن ملة ، وكانت بينهم كلمة في الجاهلية قد عرفها بعضهم من بعض ، إذا أراد أحدهم أن يضرب بسيفه قال ‏:‏ بوري أو ثوري ، فلما برزوا على الجيش ، أقبل القوم يبتدرونهم ، فقال لهم حسان ‏:‏ إنا قوم مسلمون ، وكان أول من لقيهم رجل على فرس أدهم ، فأقبل يسوقهم ‏.‏
فقال أنيف ‏:‏ بوري فقال حسان ‏:‏ مهلا ، فلما وقفوا على زيد بن حارثة ، قال حسان ‏:‏ إنا قوم مسلمون ، فقال له زيد ‏:‏ فاقرءوا أم الكتاب ، فقرأها حسان ، فقال زيد بن حارثة ‏:‏ نادوا في الجيش إن الله قد حرم علينا ثغرة القوم التي جاءوا منها إلا من ختر ‏.‏
 قدوم جذام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏
وإذا أخت حسان بن ملة ، وهي امرأة أبي وبر بن عدي بن أمية بن الضبيب في الأسارى ، فقال له زيد ‏:‏ خذها وأخذت بحقويه ، فقالت أم الفزر الضلعية ‏:‏ أتنطلقون ببناتكم ، وتذرون أمهاتكم ‏؟‏
فقال أحد بني الخصيب ‏:‏ إنها بنو الضبيب وسحر ألسنتهم سائر اليوم ، فسمعها بعض الجيش ، فأخبر بها زيد بن حارثة ، فأمر بأخت حسان ، ففكت يداها من حقويه ، وقال لها ‏:‏ اجلسي مع بنات عمك حتى يحكم الله فيكن حكمه ‏.‏
فرجعوا ، ونهي الجيش أن يهبطوا إلى واديهم الذي جاؤوا منه ، فأمسوا في أهليهم ، واستعتموا ذودا لسويد بن زيد ، فلما شربوا عتمتهم ركبوا إلى رفاعة بن زيد ، وكان ممن ركب إلى رفاعة بن زيد تلك الليلة ، أبو زيد بن عمرو ،وأبو شماس بن عمرو ، وسويد بن زيد ، وبعجة بن زيد ، وبرذع بن زيد ، وثعلبة بن زيد ، ومخرمة بن عدي ، وأنيف بن ملة ، وحسان بن ملة ، حتى صبحوا رفاعة بن زيد بكراع ربة ، بظهر الحرة ، على بئر هنالك من حرة ليلى ، فقال له حسان بن ملة ‏:‏
إنك لجالس تحلب المعزى ونساء جذام أسارى قد غرها كتابك الذي جئت به ‏!‏ فدعا رفاعة بن زيد بجمل له ، فجعل يشد عليه رحله ، وهو يقول ‏:‏
هل أنت حي أو تنادي حيا *
ثم غدا وهم معه بأمية بن ضفارة أخي الخصيبي المقتول ، مبكرين من ظهر الحرة ، فساروا إلى جوف المدينة ثلاث ليال ، فلما دخلوا المدينة وانتهوا إلى المسجد ، نظر إليهم رجل من الناس ، فقال ‏:‏ لا تنيخوا إبلكم فتقطع أيديهن ، فنزلوا عنهن وهن قيام ، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم ألاح إليهم بيده ‏:‏
أن تعالوا من وراء الناس ، فلما استفتح رفاعة بن زيد المنطق ، قام رجل من الناس ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إن هؤلاء قوم سحرة ، فرددها مرتين ، فقال ‏:‏ رفاعة بن زيد رحم الله من لم يحذنا في قومه هذا إلا خيراً ‏.‏
ثم دفع رفاعة بن زيد كتابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان كتبه له فقال ‏:‏ دونك يا رسول الله قديما كتابه ، حديثاً غدره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
اقرأه يا غلام ، وأعلن ، فلما قرأ كتابه استخبره ، فأخبروهم الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ كيف اصنع بالقتلى ‏؟‏ ‏(‏ ثلاث مرات ‏)‏ ‏.‏ فقال رفاعة ‏:‏ أنت يا رسول الله أعلم ، لا نحرم عليك حلالاً ولا نحلل لك حراماً ‏.‏
فقال أبو زيد بن عمرو ‏:‏ أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ، ومن قتل فهو تحت قدمي هذه ‏.‏
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ صدق أبو زيد ، اركب معهم يا علي ‏.‏ فقال له رضى الله عنه ‏:‏ إن زيدا لن يطيعني يا رسول الله ، قال ‏:‏ فخذ سيفي هذا ، فأعطاه سيفه ، فقال علي ‏:‏ ليس لي يا رسول الله راحلة أركبها ، فحملوه على بعير لثعلبة بن عمرو ، يقال له ‏:‏ مكحال ‏.‏
فخرجوا فإذا رسول لزيد بن حارثة على ناقة من إبل أبي وبر ، يقال لها ‏:‏ الشمر ، فأنزلوه عنها ‏.‏
فقال ‏:‏ يا علي ، ما شأني ‏؟‏ فقال ‏:‏ مالهم ،عرفوه فأخذوه ، ثم ساروا فلقوا الجيش بفيفاء الفحلتين ، فأخذوا ما في أيديهم ، حتى كانوا ينزعون لبيد المرأة من تحت الرحل ، فقال أبو جعال حين فرغوا من شأنهم ‏:‏
وعاذلة ولم تعذل بطب * ولولا نحن حش بها السعير
تدافع في الأسارى بابنتيها * ولا يرجى لها عتق يسير
ولو وكلت إلى عوص وأوس * لحار بها عن العتق الأمور
ولو شهدت ركائبنا بمضر * تحاذر أن يعل بها المسير
وردنا ماء يثرب عن حفاظ * لربع إنه قرب ضرير
بكل مجرب كالسيد نهد * على أقتاد ناجية صبور
فدى لأبي سليمى كل جيش * بيثرب إذ تناطحت النحور
غداة ترى المجرب مستكينا * خلاف القوم هامته تدور
قال ابن هشام ‏:‏قوله ‏:‏ ‏(‏ ولا يرجى لها عتق يسير ‏)‏ وقوله ‏:‏ ‏(‏ عن العتق الأمور ‏)‏ عن غير ابن إسحاق ‏.‏
تمت الغزاة ، وعدنا إلى تفصيل ذكر السرايا والبعوث
 غزوة زيد الطرف
قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة زيد بن حارثة أيضا الطرف من ناحية نخل ، من طريق العراق ‏.‏
غزوة زيد بن حارثة بني فزارة
وغزوة زيد بن حارثة أيضا وادي القرى ، لقي به بني فزارة ، فأصيب بها ناس من أصحابه ، وارتث زيد من بين القتلى ، وفيها أصيب ورد بن عمرو بن مداش ، وكان أحد بني سعد بن هذيل ، أصابه أحد بني بدر ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏سعد بن هذيم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما قدم زيد بن حارثة إلى أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزو بني فزارة ، فلما استبل من جراحته بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني فزارة في جيش فقتلهم بوادي القرى ، وأصاب فيهم ، وقتل قيس بن المسحر اليعمري مسعدة بن حكمة بن مالك بن حذيفة بن بدر ، وأسرت أم قرفة ، فاطمة بنت ربيعة بن بدر ، كانت عجوزاً كبيرة عند مالك بن حذيفة بن بدر ، وبنت لها ،وعبدالله بن مسعدة ، فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر أن يقتل أم قرفة ، فقتلها قتلاً عنيفاً ، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنة أم قرفة ،وبابن مسعدة ‏.‏
وكانت بنت أم قرفة لسلمة بن عمرو بن الأكوع ، كان هو الذي أصابها ، وكانت في بيت شرف من قومها ، كانت العرب تقول ‏:‏ ‏(‏ لو كنت أعز من أم قرفة ما زدت ‏)‏ فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة ، فوهبها له ، فأهداها لخاله حزن بن أبي وهب ، فولدت له عبدالرحمن بن حزن ‏.‏
فقال قيس بن المسحر في قتل مسعدة ‏:‏
سعيت بورد مثل سعي ابن أمه * وإني بورد في الحياة لثائر
كررت عليه المهر لما رأيته * على بطل من آل بدر مغاور
فركبت فيه قعضبيا كأنه * شهاب بمعراة يذكى لناظر
 غزوة عبدالله بن رواحة لقتل اليسير بن رزام
وغزوة عبدالله ابن رواحة خيبر مرتين ، إحداهما التي أصاب فيها اليسير بن رزام ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ويقال بن رازم ‏.‏
وكان من حديث اليسير بن رزام أنه كان بخيبر يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن رواحة في نفر من أصحابه ، منهم عبدالله بن أنيس ، حليف بني سلمة ، فلما قدموا عليه كلموه ، وقربوا له ، وقالوا له ‏:‏ إنك إن قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم استعملك وأكرمك ، فلم يزالوا به حتى خرج معهم في نفر من يهود ، فحمله عبدالله بن أنيس على بعيره ‏.‏
حتى إذا كان بالقرقرة من خيبر ، على ستة أميال ، ندم اليسير بن رزام على مسيره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففطن به عبدالله بن أنيس وهو يريد السيف ، فاقتحم به ، ثم ضربه بالسيف ، فقطع رجله ، وضربه اليسير بمخرش في يده من شوحط فأمه ، ومال كل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صاحبه من يهود فقتله ، إلا رجلا واحدا أفلت على رجليه ، فلما قدم عبدالله بن أنيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تفل على شجته ، فلم تقح ولم تؤذه ‏.‏
 غزوة ابن عتيك خيبر
غزوة عبدالله بن عتيك خيبر ، فأصاب بها أبا رافع بن أبي الحقيق ‏.‏
 غزوة عبدالله بن أنيس لقتل خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي
وغزوة عبدالله بن أنيس خالد بن سفيان بن نبيح ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وهو بنخلة أو بعرنة ، يجمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ليغزوه ، فقتله ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال ‏:‏ قال عبدالله بن أنيس ‏:‏
دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ إنه قد بلغني أن ابن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني ، وهو بنخلة أو بعرنة ، فأته فاقتله ‏.‏
قلت ‏:‏ يا رسول الله ، انعته لي حتى أعرفه ‏.‏ قال ‏:‏ إنك إذا رأيته أذكرك الشيطان ، وآية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وجدت له قشعريرة ‏.‏
قال ‏:‏ فخرجت متوشحاً سيفي ، حتى دفعت إليه وهو في ظعن يرتاد لهن منزلا ، وحيث كان وقت العصر ، فلما رأيته وجدت ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من القشعريرة ، فأقبلت نحوه وخشيت أن تكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة ، فصليت وأنا أمشى نحوه وأومي برأسي ‏.‏
فلما انتهيت إليه ، قال ‏:‏ من الرجل ‏؟‏ قلت ‏:‏ رجل من العرب ، سمع بك وبجمعك لهذا الرجل ، فجاءك لذلك ‏.‏
قال ‏:‏ أجل إني لفي ذلك ، قال ‏:‏ فمشيت معه شيئاً حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف ، فقتلته ثم خرجت ، وتركت ظعائنه منكبات عليه ، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني ، قال ‏:‏ أفلح الوجه ؛ قلت ‏:‏ قد قتلته يا رسول الله ، قال ‏:‏ صدقت ‏.‏
 الرسول يهدي عصا لابن أنيس
ثم قام بي فأدخلني بيته فأعطاني عصا ، فقال ‏:‏ أمسك هذه العصا عندك يا عبدالله بن أنيس ، قال ‏:‏ فخرجت بها على الناس ، فقالوا ‏:‏ ما هذه العصا ‏؟‏ قلت ‏:‏ أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمرني أن أمسكها عندي ، قالوا ‏:‏ أفلا ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتسأله لم ذلك ‏؟‏
قال ‏:‏ فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت ‏:‏ يا رسول الله ، لم أعطيتني هذه العصا ‏؟‏ قال ‏:‏ آية بيني وبينك يوم القيامة ‏.‏ إن أقل الناس المتحضرون يومئذ ، قال ‏:‏ فقرنها عبدالله بن أنيس بسيفه ، فلم تزل معه حتى مات ، ثم أمر بها فضمت في كفنه ، ثم دفنا جميعا ‏.‏
 شعر ابن أنيس في قتله ابن نبيح
قال ابن هشام ‏:‏وقال عبدالله ابن أنيس في ذلك ‏:‏
تركت ابن ثور كالحوار وحوله * نوائح تفري كل جيب مقدد
تناولته والظعن خلفي وخلفه * بأبيض من ماء الحديد مهند
عجوم لهام الدارعين كأنه * شهاب غضى من ملهب متوقد
أقول له والسيف يعجم رأسه * أنا ابن أنيس فارسا غير قعدد
أنا ابن الذي لم ينزل الدهر قدره * رحيب فناء الدار غير مزند
وقلت له خذها بضربة ماجد * حنيف على دين النبي محمد
وكنت إذا هم النبي بكافر * سبقت إليه باللسان وباليد
تمت الغزاة ، وعدنا إلى خبر البعوث ‏.‏
 بعض غزوات أخر
قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، و عبدالله بن رواحة ، مؤتة من أرض الشام ، فأصيبوا بها جميعا ، وغزوة كعب بن عمير الغفاري ، ذات أطلاح إلى أرض الشام ، أصيب بها هو وأصحابه جميعا ، وغزوة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بني العنبر من بني تميم ‏.

غزوة عيينة بن حصن بني تميم
وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إليهم ، فأغار عليهم ، فأصاب منهم أناساً ، وسبى منهم أناساً ‏.‏
فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‏:‏ أن عائشة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ يا رسول الله ، إن علي رقبة من ولد إسماعيل ‏.‏ قال ‏:‏ هذا سبي بني العنبر يقدم الآن فنعطيك منهم إنسانا فتعتقينه ‏.‏
 سبي وقتلى بني العنبر
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما قدم بسبيهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ركب فيهم وفد من بني تميم ، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منهم ربيعة بن رفيع ، وسبرة بن عمرو ، والقعقاع بن معبد ، ووردان بن محرز ، وقيس بن عاصم ، ومالك بن عمرو ، والأقرع بن حابس ، وفراس بن حابس ‏.‏
فكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ، فأعتق بعضاً ، وأفدى بعضاً ، وكان ممن قتل يومئذ من بني العنبر‏:‏ عبدالله ، وأخوان له بنو وهب ، وشداد بن فراس ، وحنظلة بن دارم ‏.‏
وكان ممن سبى من نسائهم يومئذ ، أسماء بنت مالك ، وكاس بنت أري ، ونجوة بنت نهد ، وجميعة بنت قيس ، وعمرة بنت مطر ‏.
 غزوة غالب بن عبدالله أرض بني مرة
قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة غالب بن عبدالله الكلبي - كلب ليث - أرض بني مرة ، فأصاب بها مرداس بن نهيك ، حليفا لهم من الحرقة ، من جهينة ، قتله أسامة بن زيد ، ورجل من الأنصار ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏الحرقة فيما حدثني أبو عبيدة ‏:‏
 أسامة بن زيد يقتل مرداس
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان من حديثه عن أسامة بن زيد قال ‏:‏
أدركته أنا ورجل من الأنصار ، فلما شهرنا عليه السلاح ، قال ‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله ، قال ‏:‏ فلم ننزع عنه حتى قتلناه ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أخبرناه خبره ، فقال ‏:‏ يا أسامة من لك بلا إله إلا الله ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله ، إنه إنما قالها تعوذا بها من القتل ، قال ‏:‏ فمن لك بها يا أسامة ‏؟‏ قال ‏:‏ فوالذي بعثه بالحق ما زال يرددها علي حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن ، وأني كنت أسلمت يومئذ ، وإني لم أقتله ‏.‏
قال ‏:‏ قلت ‏:‏ أنظرني يا رسول الله ، إني أعاهد أن لا أقتل رجلاً يقول ‏:‏ لا إله إلا الله أبداً ، قال ‏:‏ تقول بعدي يا أسامة ‏؟‏ قال قلت بعدك ‏.‏
 غزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل
وغزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل من أرض بني عذرة ، وكان من حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه يستنفر العرب إلى الشام ، وذلك أن أم العاص بن وائل كانت امرأة من بلي ، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يستألفهم لذلك ، حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له السلسل ، وبذلك سميت تلك الغزوة ، غزوة ذات السلاسل ‏.‏
فلما كان عليه خاف ، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده ، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين ، فيهم أبو بكر وعمر ، وقال لأبي عبيدة حين وجهه ‏:‏
لا تختلفا ، فخرج أبو عبيدة حتى إذا قدم عليه ، قال له عمرو ‏:‏ إنما جئت مدداً لي ؛ قال أبو عبيدة ‏:‏ لا ، ولكنى على ما أنا عليه ، وأنت على ما أنت عليه ‏.‏
وكان أبو عبيدة رجلاً ليناً سهلاً ، هيناً عليه أمر الدنيا ، فقال له عمرو ‏:‏ بل أنت مدد لي ، فقال أبو عبيدة ‏:‏ يا عمرو ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ‏:‏ لا تختلفا ، وإنك إن عصيتني أطعتك ، قال ‏:‏ فإني الأمير عليك ، وأنت مدد لي ، قال ‏:‏ فدونك ‏.‏ فصلى عمرو بالناس ‏.‏
 وصية أبي بكر رافع بن أبي رافع
قال ‏:‏ وكان من الحديث في هذه الغزاة ، أن رافع بن أبي رافع الطائي ، وهو رافع بن عميرة ، كان يحدث - فيما بلغني - عن نفسه ، قال ‏:‏ كنت امرأ نصرانياً وسميت سرجس ، فكنت أدل الناس وأهداهم بهذا الرمل ، كنت أدفن الماء في بيض النعام بنواحي الرمل في الجاهلية ، ثم أغير على إبل الناس ن فإذا أدخلتها الرمل غلبت عليها ، فلم يستطع أحد أن يطلبني فيه ، حتى أمر بذلك الماء الذي خبأت في بيض النعام فأستخرجه ، فأشرب منه ، فلما أسلمت خرجت في تلك الغزوة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل ؛ قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ والله لأختارن لنفسي صاحبا ، قال ‏:‏
فصحبت أبا بكر ، قال ‏:‏ فكنت معه في رحله ، قال ‏:‏ وكانت عليه عباءة له فدكية ، فكان إذا نزلنا بسطها ، وإذا ركبنا لبسها ، ثم شكها عليه بخلال له ، قال ‏:‏ وذلك الذي له يقول أهل نجد حين ارتدوا كفاراً ‏:‏ نحن نبايع ذا العباءة ‏!‏ ‏.‏
قال ‏:‏ فلما دنونا من المدينة قافلين ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا أبا بكر ، إنما صحبتك لينفعني الله بك ، فانصحنى ، وعلمنى ، قال ‏:‏ لو لم تسألني ذلك لفعلت ‏.‏
قال ‏:‏ آمرك أن توحد الله ، ولا تشرك به شيئاً ، وأن تقيم الصلاة ، وأن تؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ، وتغتسل من الجنابة ، ولا تتأمر على رجل من المسلمين أبداً ‏.‏
قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا أبا بكر ، أما أنا والله فأني أرجو أن لا أشرك بالله أحد أبداً ، وأما الصلاة فلن أتركها أبداً إن شاء الله وأما الزكاة فإن يك لي مال أؤدها إن شاء الله ، وأما رمضان فلن أتركه أبداً إن شاء الله ، وأما الحج فإن أستطع أحج إن شاء الله تعالى ، وأما الجنابة فسأغتسل منها إن شاء الله ‏.‏
وأما الإمارة ، فإني رأيت الناس يا أبا بكر لا يشرفون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بها ، فلم تنهاني عنها ‏؟‏ قال ‏:‏ إنك إنما استجهدتني لأجهد لك ، وسأخبرك عن ذلك ‏:‏
إن الله عز وجل بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بهذا الدين ، فجاهد عليه حتى دخل الناس فيه طوعاً وكرهاً ، فلما دخلوا فيه كانوا عواذ الله وجيرانه ، وفي ذمته ، فإياك لا تخفر الله في جيرانه ، فيتبعك الله في خفرته ، فإن أحدكم يخفر جاره ، فيظل ناتئا عضله ، غضباً لجاره أن أصيبت له شاة أو بعير ، فالله أشد غضباً لجاره ، قال ‏:‏ ففارقته على ذلك ‏.‏
قال ‏:‏ فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر أبو بكر على الناس ، قال ‏:‏ قدمت عليه ، فقلت له ‏:‏ يا أبا بكر ألم تك نهيتني عن أن أتأمر على رجلين من المسلمين ‏؟‏ قال ‏:‏ بلى ، وأنا الآن أنهاك عن ذلك ؛ قال ‏:‏ فقلت له ‏:‏ فما حملك على أن تلي أمر الناس ‏؟‏ قال ‏:‏ لا أجد من ذلك بداً ، خشيت على أمة محمد صلى الله عليه وسلم الفرقة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏
أخبرني يزيد بن أبي حبيب ، أنه حدث عن عوف بن مالك الأشجعي ، قال ‏:‏ كنت في الغزاة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص ، إلى ذات السلاسل ، قال ‏:‏ فصحبت أبا بكر وعمر ، فمررت بقوم على جزور لهم قد نحروها ، وهم لا يقدرون على أن يعضوها ، وقال ‏:‏ وكنت امرأ لبقاً جازراً ، قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ أتعطوني منها عشيراً على أن أقسمها بينكم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ نعم ، قال ‏:‏ فأخذت الشفرتين فجزأتها مكاني ، وأخذت منها جزءاً ، فحملته إلى أصحابي ، فاطبخناه فأكلناه ‏.‏
فقال لي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ‏:‏ أني لك هذا اللحم يا عوف ‏؟‏ قال ‏:‏ فأخبرتهما خبره ، فقالا ‏:‏ والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا ، ثم قاما يتقيآن ما في بطونهما من ذلك ؛ قال ‏:‏ فلما قفل الناس من ذلك السفر ، كنت أول قادم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ فجئته وهو يصلي في بيته ، قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، قال ‏:‏ أعوف بن مالك ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ نعم ، بأبي أنت وأمي ، قال ‏:‏ أصاحب الجزور ‏؟‏ ولم يزدني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك شيئاً ‏.‏
 غزوة ابن أبي حدرد بطن إضم وقتل محلم بن جثامة عامر بن الأضبط الأشجعي
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني يزيد بن عبدالله بن قسيط عن القعقاع بن عبدالله بن أبي حدرد عن أبيه عبدالله ابن أبي حدرد ، قال ‏:‏
بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم في نفر من المسلمين ، فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ، ومحلم بن جثامة بن قيس ، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم ‏.‏
مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي ، على قعود له ، ومعه متيع له ، ووطب من لبن ، قال ‏:‏ فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام ، فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة ، فقتله لشيء كان بينه وبينه ، وأخذ بعيره ، وأخذ متيعه ، قال ‏:‏ فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبرناه الخبر ، نزل فينا ‏:‏ ‏(‏ يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا ‏)‏ إلى أخر الآية ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏قرأ أبو عمرو بن العلاء ‏(‏ ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ‏)‏ لهذا الحديث
 من اختصم في دم ابن الأضبط
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال ‏:‏ سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث ، عن عروة بن الزبير ، عن أبيه ، عن جده ، وكانا شهدا حنيناً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ثم عمد إلى ظل شجرة ، فجلس تحتها ، وهو بحنين ، فقام إليه الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ، يختصمان ، في عامر بن الأضبط الأشجعي ‏:‏ عيينة يطلب بدم عامر ، وهو يومئذ رئيس غطفان ، والأقرع بن حابس يدفع عن محلم بن جثامة ، لمكانه من خندف ، فتداولا الخصومة عند رسول الله صلى لله عليه وسلم ، ونحن نسمع فسمعنا ، عيينة بن حصن ، وهو يقول ‏:‏ والله يا رسول الله ، لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحرقة مثل ما أذاق نسائي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول ‏:‏ بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا ، وخمسين إذا رجعنا ، وهو يأبى عليه ، إذ قام رجل من بني ليث ، يقال له ‏:‏ مكيثر قصير مجموع - قال ابن هشام ‏:‏مكيل - فقال ‏:‏
والله يا رسول الله ما وجدت لهذا القتيل شبها في غرة الإسلام إلا كغنم وردت فرميت أولاها ، فنفرت أخرها ، اسنن اليوم ، وغير غداً ، قال ‏:‏ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال ‏:‏ بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا ، وخمسين إذا رجعنا ، قال ‏:‏ فقبلوا الدية ‏.‏
قال ‏:‏ ثم قالوا ‏:‏ أين صاحبكم هذا يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏ قال ‏:‏ فقام رجل آدم ضرب طويل ، عليه حلة له ، قد كان تهيأ للقتل فيها ، حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ‏:‏ ما اسمك ‏؟‏ قال ‏:‏ أنا محلم بن جثامة ، قال ‏:‏ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم قال ‏:‏ اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ، ثلاثا ‏.‏ قال ‏:‏ فقام وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه ، قال ‏:‏ فأما نحن فنقول فيما بيننا ‏:‏ إنا لنرجو أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استغفر له ، وأما ما ظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا
من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني من لا أتهم ،عن الحسن البصري قال ‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس بين يديه ‏:‏ أمنته بالله ثم قتلته ‏!‏ ثم قال له المقالة التي قال ؛ قال ‏:‏ فوالله ما مكث محلم بن جثامة إلا سبعاً حتى مات ، فلفظته ، والذي نفس الحسن بيده ، الأرض ، ثم عادوا له ، فلفظته الأرض ، ثم عادوا فلفظته ، فلما غلب قومه عمدوا إلى صدين ، فسطحوه بينهما ، ثم رضموا عليه الحجارة حتى واروه ‏.‏
قال ‏:‏ فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه ، فقال ‏:‏ والله إن الأرض لتطابق على من هو شر منه ولكن الله أراد أن يعظكم في حرم ما بينكم بما أراكم منه ‏.‏
 دية ابن الأضبط
قال ابن إسحاق ‏:‏ وأخبرنا سالم أبو النضر ، أنه حدث أن عيينة بن حصن وقيسا حين قال الأقرع بن حابس وخلا بهم ، يا معشر ، قيس منعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلاً يستصلح به الناس ، أفأمنتم أن يلعنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيلعنكم الله بلعنته ، أو أن يغضب عليكم فيغضب الله عليكم بغضبه ‏؟‏ والله الذي نفس الأقرع بيده لتسلمنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليصنعن فيه ما أراد ، أو لآتين بخمسين رجلاً من بني تميم يشهدون بالله كلهم ‏:‏ لقتل صاحبكم كافراً ، ما صلى قط ‏.‏ فلأطلن دمه ‏.‏ فلما سمعوا ذلك قبلوا الدية ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ محلم في هذا الحديث كله عن غير ابن إسحاق ، وهو محلم بن جثامة بن قيس الليثي ‏.‏
وقال ابن إسحاق ‏:‏ ملجم فيما حدثناه زيادة عنه ‏.‏
 غزوة ابن أبي حدرد لقتل رفاعة بن قيس الجشمي
قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة ابن أبي حدرد الأسلمي الغابة ‏.‏
وكان من حديثها فيما بلغني عمن لا أتهم ،عن ابن أبي حدرد ، قال ‏:‏
تزوجت امرأة من قومي ، وأصدقتها مائتي درهم قال ‏:‏ فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعينه على نكاحي ؛ فقال ‏:‏ وكم أصدقت ‏؟‏ فقلت ‏:‏ مائتي درهم يا رسول الله ، قال ‏:‏ سبحان الله لوكنتم تأخذون الدراهم من بطن واد ما زدتم ، الله ما عندي ما أعينك به ‏.‏
قال ‏:‏ فلبثت أياما وأقبل رجل من بني جشم ، يقال له ‏:‏ رفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة ، في بطن عظيم من بني جشم ، حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة ، يريد أن يجمع قيسا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ذا اسم في جشم وشرف ، قال ‏:‏ فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين معي من المسلمين ، فقال ‏:‏ أخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوا منه بخبر وعلم ‏.‏
قال ‏:‏ وقدم لنا شارفاً عجفاء ، فحمل عليها أحدنا والله ما قدمت به ضعفاً حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم ، حتى استقلت وما كادت ، ثم قال ‏:‏ تبلغوا عليها واعتقبوها ‏.‏
 ما استعان به ابن أبي حدرد من هذه الغزوة في زواجه
قال ‏:‏فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف ، حتى إذا جئنا قريباً من الحاضر عُشَيْشِيّة مع غروب الشمس ‏.‏ قال ‏:‏ كمنت في ناحية ، وأمرت صاحبي ، فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم ، وقلت لهما ‏:‏ إذا سمعتماني قد كبرت وشددت في ناحية العسكر فكبرا وشدا معي ، قال ‏:‏ فوالله إنا لكذلك ننتظر غرة القوم ، أو أن نصيب منهم شيئا ‏.‏ قال ‏:‏ وقد غشينا الليل حتى ذهبت فحمة العشاء ، وقد كان لهم راع قد سرح في هذا البلد ، فأبطأ عليهم حتى تخوفوا عليه ‏.‏
قال ‏:‏ فقام صاحبهم ذلك رفاعة بن قيس ، فأخذ سيفه فجعله في عنقه ، ثم قال ‏:‏ والله لأتبعن أثر راعينا هذا ، ولقد أصابه شر ، فقال له نفر ممن معه ‏:‏ والله لا تذهب نحن نكفيك ، قال ‏:‏ والله لا يذهب إلا أنا ، قالوا ‏:‏ فنحن معك ، قال ‏:‏ والله لا يتبعني أحد منكم ‏.‏
قال ‏:‏ وخرج حتى يمر بي ‏.‏ قال ‏:‏ فلما أمكنني نفحته بسهمي ، فوضعته في فؤاده ، قال ‏:‏ فوالله ما تكلم ووثبت عليه فاحتززت رأسه ‏.‏ قال ‏:‏ وشددت في ناحية العسكر ، وكبرت ، وشد صاحباي وكبرا ‏.‏ قال ‏:‏ فوالله ما كان إلا النجاء ممن فيه عندك ، عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم ، وما خف معهم من أموالهم ‏.‏
قال ‏:‏ واستقنا إبلا عظيمة ، وغنما كثيرة ، فجئنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ وجئت برأسه أحمله معي ، قال ‏:‏ فأعانني رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الإبل بثلاثة عشر بعيراً في صداقي ، فجمعت إلى أهلي ‏.‏
 غزوة عبدالرحمن بن عوف إلى دومة الجندل
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي رباح ، قال ‏:‏ سمعت رجلاً من أهل البصرة يسأل عبدالله بن عمر بن الخطاب ، عن إرسال العمامة من خلف الرجل إذا اعتم ، قال ‏:‏ فقال عبدالله ‏:‏ سأخبرك إن شاء الله عن ذلك بعلم ‏:‏ كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعبدالرحمن بن عوف ، وابن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو سعيد الخدري ، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
إذ أقبل فتى من الأنصار ، فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، صلى الله عليك ، أي المؤمنين أفضل ‏؟‏ فقال ‏:‏ أحسنهم خلقاً قال ‏:‏ فأي المؤمنين أكيس ‏؟‏ قال ‏:‏ أكثرهم ذكراً للموت ، وأحسنهم استعداداً له ، قبل أن ينزل به أولئك الأكياس ، ثم سكت الفتى ، وأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ يا معشر المهاجرين ، خمس خصال إذا نزلن بكم ، وأعوذ بالله أن تدركوهن ، إنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع ، التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان ، إلا أخذوا بالسنين ، وشدة المؤنة ، وجور السلطان ، ولم يمنعوا الزكاة من أموالهم ، إلا منعوا القطر من السماء ، فلولا البهائم ما مطروا ، وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم ، فأخذ بعض ما كان في أيديهم ، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ، وتجبروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ‏.‏
 إلباسه صلى الله عليه وسلم العمامة لابن عوف
ثم أمر عبدالرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثة عليها ، فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء ، فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، ثم نقضها ، ثم عممه بها ، وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك ، ثم قال ‏:‏ هكذا يا ابن عوف فاعتم ، فإنه أحسن وأعرف ، ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء فدفعه إليه ، فحمد الله تعالى وصلى على نفسه ، ثم قال ‏:‏
خذه يا ابن عوف ، اغزوا جميعا في سبيل الله ، فقاتلوا من كفر بالله ، لاتغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ، فهذا عهد الله ، وسيرة نبيه فيكم ، فأخذ عبدالرحمن بن عوف اللواء ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏فخرج إلى دومة الجندل ‏.‏
 غزوة أبي عبيدة بن الجراح إلى سيف البحر
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه ، عن جده عبادة بن الصامت ، قال ‏:‏
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى سيف البحر ، عليهم أبو عبيدة بن الجراح ، وزودهم جرابا من تمر ، فجعل يقوتهم إياه ، حتى صار إلى أن يعده عليهم عداً ، قال ‏:‏ ثم نفد التمر ، حتى كان يعطي كل رجل منهم كل يوم تمرة ، قال ‏:‏ فقسمها يوماً بيننا ، قال ‏:‏ فنقصت تمرة عن رجل فوجدنا فقدها ذلك اليوم ‏.‏
قال ‏:‏ فلما جهدنا الجوع ، أخرج الله لنا دابة من البحر ، فأصبنا من لحمها وودكها ، وأقمنا عليها عشرين ليلة ، حتى سمنا وابتللنا ، وأخذ أميرنا ضلعا من أضلاعها ، فوضعها على طريقه ، ثم أمر بأجسم بعير معنا ، فحمل عليه أجسم رجل منا ، قال ‏:‏ فجلس عليه ، قال ‏:‏ فخرج من تحتها وما مست رأسه ‏.‏ قال فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره خبرها ، وسألناه عما صنعنا في ذلك من أكلنا إياه ، فقال رزق رزقكموه الله
 بعث عمرو بن أمية الضمري لقتال أبي سفيان بن حرب وما صنع في طريقه
قال ابن هشام ‏:‏
ومما لم يذكره ابن إسحاق من بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه بعث عمرو بن أمية الضمري ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثني من أثق به من أهل العلم ، بعد مقتل خبيب بن عدي وأصحابه إلى مكة ، وأمره أن يقتل أبا سفيان بن حرب ، وبعث معه جبار صخر الأنصاري ، فخرجا حتى قدما مكة ، وحبسا جمليهما بشعب من شعاب يأجج ، ثم دخلا مكة ليلاً ‏.‏
فقال جبار لعمرو ‏:‏ لو أنا طفنا بالبيت ، وصلينا ركعتين ‏؟‏ فقال عمرو ‏:‏ إن القوم إذا تعشوا جلسوا بأفنيتهم ، فقال ‏:‏ كلا ، إن شاء الله ‏.‏ فقال عمرو ‏:‏ فطفنا بالبيت ، وصلينا ، ثم خرجنا نريد أبا سفيان ، فوالله إنا لنمشي بمكة إذ نظر إلى رجل من أهل مكة فعرفني ، فقال عمرو بن أمية ‏:‏ والله إن قدمها إلا لشر ؛ فقلت لصاحبي ‏:‏ النجاء ، فخرجنا نشتد ، حتى أصعدنا في جبل ، وخرجوا في طلبنا ، حتى إذا علونا الجبل ، يئسوا منا ، فرجعنا ، فدخلنا كهفا في الجبل ، فبتنا فيه وقد أخذنا حجارة فرضمناها دوننا ‏.‏
فلما أصبحنا غدا رجل من قريش يقود فرسا له ويخلي عليها ، فغشينا ونحن في الغار ، فقلت ‏:‏ إن رآنا صاح بنا فأخذنا فقتلنا ‏.‏
قال ‏:‏ ومعي خنجر قد أعددته لأبي سفيان ، فأخرج إليه فأضربه على ثديه ضربة ، وصاح صيحة أسمع أهل مكة ، وأرجع فأدخل مكاني ، وجاءه الناس يشتدون وهو بأخر رمق ، فقالوا ‏:‏ من ضربك ‏؟‏ فقال ‏:‏ عمرو بن أمية ، وغلبه الموت ، فمات مكانه ‏.‏ ولم يدلل على مكاننا ، فاحتملوه ‏.‏
فقلت لصاحبي ‏:‏ لما أمسينا النجاء ؛ فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة ، فمررنا بالحرس وهم يحرسون جيفة خبيب بن عدي ؛ فقال أحدهم ‏:‏ والله ما رأيت كالليلة أشبه بمشية عمرو بن أمية ، لولا أنه بالمدينة ، لقلت ‏:‏ هو عمرو بن أمية ‏.‏ قال ‏:‏ فلما حاذى الخشبة شد عليها ، فأخذها فاحتملها ، وخرجا شداً ، وخرجوا وراءه ، حتى أتى جرفا بمهبط مسيل يأجج ، فرمى بالخشبة في الجرف ، فغيبه الله عنهم ، فلم يقدروا عليه ، قال ‏:‏
وقلت لصاحبي ‏:‏ النجاء النجاء ، حتى تأتي بعيرك فتقعد عليه ، فإني سأشغل عنك القوم ، وكان الأنصاري لا رجلة له ‏.‏
قال ومضيت حتى أخرج على ضجنان ، ثم أويت إلى جبل ، فأدخل كهفا ، فبينا أنا فيه إذ دخل علي شيخ من بني الديل أعور ، في غنيمة له ، فقال ‏:‏ من الرجل ‏؟‏ فقلت ‏:‏ من بني بكر ، فمن أنت ‏؟‏ قال ‏:‏ من بني بكر ، فقلت ‏:‏ مرحبا فاضطجع ، ثم رفع عقيرته ، فقال ‏:‏
ولست بمسلم ما دمت حيا * ولا دان لدين المسلمينا
فقلت في نفسي ‏:‏ ستعلم ، فأمهلته حتى إذا نام أخذت قوسي ، فجعلت سيتها في عينه الصحيحة ، ثم تحاملت عليه حتى بلغت العظم ، ثم خرجت النجاء ، حتى جئت العرج ، ثم سلكت ركوبة ، حتى إذا هبطت النقيع ، إذا رجلان من قريش من المشركين ، كانت قريش بعثتهما عينا إلى المدينة ينظران ويتحسسان ، فقلت ‏:‏ استأسرا ، فأبيا ، فأرمي أحدهما بسهم فأقتله ، واستأسر الآخر ، فأوثقه رباطا ، وقدمت به المدينة ‏.‏
 سرية زيد بن حارثة إلى مدين
قال ابن هشام ‏:‏وسرية زيد بن حارثة إلى مدين ‏.‏
ذكر ذلك عبدالله بن حسن بن حسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي عليهم رضوان الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين ، ومعه ضميرة ، مولى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، وأخ له ، قالت ‏:‏ فأصاب سبياً من أهل ميناء ، وهي السواحل ، وفيها جماع من الناس ، فبيعوا ففرق بينهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه سلم وهم يبكون ، فقال ‏:‏ ما لهم ‏؟‏ فقيل ‏:‏ يا رسول الله فرق بينهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا تبيعوهم إلا جميعا ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏أراد الأمهات والأولاد ‏.‏
 سرية سالم بن عمير لقتل أبي عفك
قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة سالم بن عمير لقتل أبي عفك ، أحد بني عمرو بن عوف ثم بني عبيدة ، وكان قد نجم نفاقه ، حين قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث ابن سويد بن صامت ، فقال ‏:‏
لقد عشت دهرا وما إن أرى * من الناس دارا ولا مجمعا
أبر عهودا وأوفى لمن * يعاقد فيهم إذا ما دعا
من أولاد قيلة في جمعهم * يهد الجبال ولم يخضعا
فصدعهم راكب جاءهم * حلال حرام لشتى معا
فلو أن بالعز صدقتم * أو الملك تابعتم تبعا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ من لي بهذا الخبيث ، فخرج سالم بن عمير ، أخو بني عمرو بن عوف ، وهو أحد البكائين ، فقتله ‏؟‏ فقالت أمامة المزيرية في ذلك ‏:‏
تكذب دين الله والمرء أحمدا * لعمرو الذي أمناك أن بئس ما يمني
حباك حنيف أخر الليل طعنة * أبا عفك خذها على كبر السن
غزوة عمير بن عدي الخطمي لقتل عصماء بنت مروان
وغزوة عمير بن عدي الخطمي عصماء بنت مروان ، وهي من بني أمية بن زيد ، فلما قتل أبو عفك ، نافقت فذكر عبدالله بن الحارث بن الفضيل ، عن أبيه ، قال ‏:‏ وكانت تحت رجل من بني خطمة ، يقال له يزيد بن زيد ، فقالت تعيب الإسلام وأهله ‏:‏
باست بني مالك والنبيت * وعوف وباست بني الخزرج
أطعتم أتاويَّ من غيركم * فلا من مراد ولا مذحج
ترجونه بعد قتل الرءوس * كما يرتجي مرق المنضج
ألا أنف يبتغي غرة * فيقطع من أمل المرتجي
قال فأجابها حسان بن ثابت فقال ‏:‏
بنو وائل وبنو واقف * وخطمة دون بني الخزرج
متى ما دعت سفها ويحها * بعولتها والمنايا تجي
فهزت فتى ماجدا عرقه * كريم المداخل والمخرج
فضرجها من نجيع الدماء * بعد الهدو فلم يحرج
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك ‏:‏ ألا أخذ لي من ابنة مروان ‏؟‏ فسمح ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن عدي الخطمي ، وهو عنده ، فلما أمسي من تلك الليلة سرى عليها في بيتها فقتلها ، فقال ‏:‏ ثم أصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إني قد قتلتها ‏.‏ فقال ‏:‏ نصرت الله ورسوله يا عمير ، فقال ‏:‏ هل علي شيء من شأنها يا رسول الله ‏؟‏ فقال ‏:‏ لا ينتطح فيها عنزان ‏.‏
فرجع عمير إلى قومه ، وبنو خطمة يومئذ كثير موجهم في شأن بنت مروان ، ولها يومئذ بنون خمسة رجال ، فلما جاءهم عمير بن عدي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ يا بني خطمة ، أنا قتلت ابنة مروان ، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ، فذلك اليوم أول ما عز الإسلام في دار بني خطمة ، وكان يستخفي بإسلامهم فيهم من أسلم ، وكان أول من أسلم من بني خطمة عمير بن عدي ، وهو الذي يدعى القارئ ، و عبدالله بن أوس ، وخزيمة بن ثابت ، وأسلم يوم قتلت ابنة مروان ، رجال من بني خطمة ، لما رأوا من عز الإسلام ‏.‏
 أسر ثمامة بن أثال الحنفي وإسلامه
بلغني عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه قال ‏:‏
خرجت خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذت رجلا من بني حنيفة لا يشعرون من هو ، حتى أتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏
أتدرون من أخذتم ‏؟‏ هذا ثمامة بن أثال الحنفي ، أحسنوا إساره ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ، فقال ‏:‏ اجمعوا ما كان عندكم من طعام ، فابعثوا به إليه ، وأمر بلقحته أن يغذى عليه بها ويراح ، فجعل لا يقع من ثمامة موقعا ، ويأتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول ‏:‏ أسلم يا ثمامة ، فيقول ‏:‏ إيها يا محمد ، إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن ترد الفداء فسل ما شئت ، فمكث ما شاء الله أن يمكث ‏.‏
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم يوما ‏:‏ أطلقوا ثمامة ، فلما أطلقوه خرج حتى أتى البقيع ، فتطهر فأحسن طهوره ، ثم أقبل فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام ، فلما أمسى جاءوه بما كانوا يأتونه من الطعام ، فلم ينل منه إلا قليلاً ، وباللقحة فلم يصب من حلابها إلا يسيرا ، فعجب المسلمون من ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك ‏:‏
مم تعجبون ‏؟‏ أمن رجل أكل أول النهار في معي كافر ، وأكل أخر النهار في معي مسلم ، إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، وإن المسلم يأكل في معي واحد ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏
فبلغني أنه خرج معتمراً ، حتى إذا كان ببطن مكة ، لبى فكان أول من دخل مكة يلبي ، فأخذته قريش ، فقالوا ‏:‏ لقد اجترأت علينا ، فلما قدموه ليضربوا عنقه ، قال قائل منهم ‏:‏ دعوه فإنكم تحتاجون إلى اليمامة لطعامكم ، فخلوه ، فقال الحنفي في ذلك ‏:‏
ومنا الذي لبى معلنا بمكة معلنا * برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم
وحدثت أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم ‏:‏ لقد كان وجهك أبغض الوجوه إلي ، ولقد أصبح وهو أحب الوجوه إلي ، وقال في الدين والبلاد مثل ذلك ‏.‏
ثم خرج معتمراً ، فلما قدم مكة قالوا ‏:‏ أصبوت يا ثمام ‏؟‏ فقال ‏:‏ لا ، ولكنى اتبعت خير الدين ، دين محمد ، ولا والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج إلى اليمامة ، فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً ، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنك تأمر بصلة الرحم ، وإنك قد قطعت أرحامنا ، وقد قتلت الأباء بالسيف ، والأبناء بالجوع ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل ‏.‏
 سرية علقمة بن مجزز
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز ‏.‏
لما قتل وقاص بن مجزز المدلجي يوم ذي قرد ، سأل علقمة بن مجزز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعثه في آثار القوم ، ليدرك ثأره فيهم ‏.‏
فذكر عبدالعزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن عمرو بن الحكم بن ثوبان ، عن أبي سعيد الخدري ، قال ‏:‏
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز - قال أبو سعيد الخدري ‏:‏ وأنا فيهم - حتى إذا بلغنا رأس غزاتنا أو كنا ببعض الطريق ، أذن لطائفة من الجيش ، واستعمل عليهم عبدالله بن حذافة السهمي ، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت فيه دعابة ، فلما كان ببعض الطريق أوقد ناراً ، ثم قال للقوم ‏:‏
أليس لي عليكم السمع والطاعة ‏؟‏ قالوا ‏:‏ بلى ، قال أفما أنا آمركم بشيء إلا فعلتموه ‏؟‏ قالوا ‏:‏ نعم ، قال ‏:‏ فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار ، قال ‏:‏ فقام بعض القوم يحتجز ، حتى ظن أنهم واثبون فيها ، فقال ‏:‏ لهم اجلسوا ، فإنما كنت أضحك معكم ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدموا عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ من أمركم بمعصية منهم فلا تطيعوه ‏.‏
وذكر محمد بن طلحة أن علقمة بن مجزز رجع هو وأصحابه ولم يلق كيدا ‏.‏
 سرية كرز بن جابر لقتل البجليين الذين قتلوا يسارا
حدثني بعض أهل العلم ، عمن حدثه ، عن محمد بن طلحة ، عن عثمان بن عبدالرحمن ، قال ‏:‏
أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة محارب وبني ثعلبة ، عبداً يقال له ‏:‏ يسار فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في لقاح له كانت ترعى في ناحية الجماء ، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من قيس كبة من بجيلة ، فاستوبئوا ، وطلحوا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لو خرجتم إلى اللقاح فشربتم من ألبانها وأبوالها ، فخرجوا إليها ‏.‏
فلما صحوا وانطوت بطونهم ، عدوا على راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم يسار ، فذبحوه ، وغرزوا الشوك في عينيه ، واستاقوا اللقاح ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم كرز بن جابر ، فلحقهم فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من غزوة ذي قرد ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم

غزوة علي بن أبي طالب إلى اليمن
وغزوة علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إلى اليمن غزاها مرتين ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏قال أبو عمرو المدني ‏:‏
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن ، وبعث خالد بن الوليد في جند أخر ، وقال ‏:‏ إن التقيتما فالأمير علي بن أبي طالب ‏.‏
وقد ذكر ابن إسحاق بعث خالد بن الوليد في حديثه ، ولم يذكره في عدة البعوث والسرايا ، فينبغي أن تكون العدة في قوله تسعة وثلاثين ‏.‏