وجوه المخاطبات
يأتي على نحو من اربعين وجها :
الأول : خطاب العام المراد به العموم
=====================
كقوله تعالى ( أن الله بكل شيء عليم )
وقوله ( إن الله لا يظلم الناس شيئا )
وقوله ( ولا يظلم ربك أحدا )
وقوله ( الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم )
( هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ) ( الله الذي جعل لكم الأرض قرارا ) وهو كثير في القرآن ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم )
الثاني : خطاب الخاص والمراد به الخصوص
=====================
من ذلك قوله تعالى ( أكفرتم بعد إيمانكم )
( هذا ما كنزتم لأنفسكم )
( ذق إنك أنت العزيز الكريم )
( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك )
وقوله ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا ) وغير ذلك
الثالث : خطاب الخاص والمراد به العموم
=====================
كقوله تعالى ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ) فافتتح الخطاب بالنبي صلى الله عليه وسلم والمراد سائر من يملك الطلاق
ومنه قوله تعالى ( يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين )
وقال ابو بكر الصيرفي كان ابتداء الخطاب له فلما قال في الموهوبة ( خالصة لك ) علم أن ما قبلها له ولغيره و صلى الله عليه وسلم
وقوله تعالى ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) وجرى ابو يوسف على الظاهر فقال إن صلاة الخوف من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم
وأجاب الجمهور بأنه لم يذكر ( فيهم ) على أنه شرط بل على انه صفة حال والأصل في الخطاب أن يكون لمعين
وقد يخرج على غير معين ليفيد العموم كقوله تعالى ( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات ) وفائدته الإيذان بأنه خليق بأن يؤمر به كل احد ليحصل مقصوده الجميل
وكقوله ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت ) أخرج في صورة الخطاب لما اريد العموم للقصد الى تقطيع حالهم وأنها تناهت في الظهور حتى امتنع خفاؤها فلا تخص بها رؤية راء بل كل من يتأتى منه الرؤية داخل في هذا الخطاب كقوله تعالى ( وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ) لم يرد به مخاطب معين بل عبر بالخطاب ليحصل لكل واحد فيه مدخل مبالغة فيما قصد الله من وصف ما في ذلك المكان من النعيم والملك ولبناء الكلام في الموضعين على العموم لم يجعل ل ترى ولا ل رأيت مفعولا ظاهرا ولا مقدرا ليشيع ويعم
وأما قوله تعالى ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ) فقيل إنه من هذا الباب ومنعه قوم وقال الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولو للتمني لرسول الله صلى الله عليه وسلم كالترجي في ( لعلهم يهتدون ) لآنه تجرع من عداوتهم الغصص فجعله الله كأنه تمنى ان يراهم على تلك الحالة الفظيعة من نكس الرءوس صما عميا ليشمت بهم
ويجوز أن تكون لو امتناعية وجوابها محذوف أي لرأيت اسوأ حال يرى
الرابع : خطاب العام والمراد الخصوص
===================
وقد اختلف العلماء في وقوع ذلك في القرآن فأنكره بعضهم لأن الدلالة الموجبة للخصوص بمنزلة الإستثناء المتصل بالجملة كقوله تعالى ( فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما )
والصحيح أنه واقع كقوله ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ) وعمومه يقتضي دخول جميع الناس في اللفظين جميعا والمراد بعضهم لأن القائلين غير المقول لهم والمراد بالأول نعيم بن سعيد الثقفي والثاني أبو سفيان وأصحابه
قال الفارسي ومما يقوى ان المراد بالناس في قوله ( إن الناس قد جمعوا لكم ) واحد قوله ( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه ) فوقعت الإشارة بقوله ( ذلكم ) إلى واحد بعينة ولو كان المعنى به جمعا لكان إنما الشياطين الشياطين فهذه دلالة ظاهرة في اللفظ وقيل بل وضع فيه الذين موضع الذي
وقوله ( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس ) يعني عبد الله بن سلام
وقوله ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ) قال الضحاك وهو الأقرع بن حابس
وقوله تعالى ( يا أيها الناس اتقوا ربكم ) لم يدخل فيه الأطفال والمجانين
ثم التخصيص يجيء تارة في آخر الآية كقوله تعالى ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ) فهذا عام في البالغة والصغيرة عاقله او مجنونة ثم خص في آخرها بقوله ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ) الآية فخصها بالعاقلة البالغة لآن من عداها عبارتها ملغاة في العفو
ونظيره قوله ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ) فإنه عام في البائنة والرجعية ثم خصها بالرجعية بقوله ( وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ) لآن البائنة لاتراجع
وتارة في اولها كقوله تعالى ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) فإن هذا خاص في الذي أعطاها الزوج ثم قال بعد ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) فهذا عام فيما اعطاها الزوج او غيره إذا كان ملكا لها
وقد يأخذ التخصيص من آية اخرى كقوله تعالى ( ومن يولهم يومئذ دبره )الآية فهذا عام في المقاتل كثيرا او قليلا ثم قال ( إن يكن منكم عشرون صابرون ) الآية
ونظيره قوله ( حرمت عليكم الميتة ) وهذا عام في جميع الميتات ثم خصة بقوله ( فكلوا مما أمسكن عليكم ) فأباح الصيد الذي يموت في فم الجارح المعلم
وخصص ايضا عمومه في آية اخرى قال ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم ) تقديره وإن كانت ميتة فخص بهذه الاية عموم تلك
ومثله قوله تعالى ( أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم )
ونظيره قوله ( والدم ) وقال في آية اخرى ( إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا ) يعني إلا الكبد والطحال فهو حلال
ثم هذه الآية خاصة في سورة الآنعام وهي مكية والآية العامة في سورة المائدة وهي مدينة
وقد تقدم الخاص على العام في هذا الموضع كما تقدم في النزول آية الوضوء على أنه التيمم
وهذا ماش على مذهب الشافعي في أن العبرة بالخاص سواء تقدم أم تأخر
ومثله قوله تعالى ( وآتيتم إحداهن قنطارا ) والآية وهذا عام سواء رضيت المرأة أم لا ثم خصها بقوله ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه ) وخصها بقوله ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به )
ومثله قوله تعالى ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ) الآية فهذا عام في المدخول بها وغيرها ثم خصها فقال ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ) الآية فخص الآيسة والصغيرة والحامل فالآيسة والصغيرة بالأشهر والحامل بالوضع
ونظيره قوله ( والذين يتوفون منكم ) الآية وهذا عام في الحامل والحائل ثم خص بقوله ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن )
ونظيره قوله تعالى ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) الآية وهذا عام في ذوات المحارم والأجنبيات ثم خص بقوله ( حرمت عليكم أمهاتكم ) الآية وقوله ( الزانية والزاني ) عام في الحرائر والإماء ثم خصه بقوله ( فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب )
وقوله ( لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) فإن الخلة عامة ثم خصها بقوله الآخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين
وكذلك قوله ( ولا شفاعة ) بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم
الأول : خطاب العام المراد به العموم
=====================
كقوله تعالى ( أن الله بكل شيء عليم )
وقوله ( إن الله لا يظلم الناس شيئا )
وقوله ( ولا يظلم ربك أحدا )
وقوله ( الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم )
( هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ) ( الله الذي جعل لكم الأرض قرارا ) وهو كثير في القرآن ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم )
الثاني : خطاب الخاص والمراد به الخصوص
=====================
من ذلك قوله تعالى ( أكفرتم بعد إيمانكم )
( هذا ما كنزتم لأنفسكم )
( ذق إنك أنت العزيز الكريم )
( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك )
وقوله ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا ) وغير ذلك
الثالث : خطاب الخاص والمراد به العموم
=====================
كقوله تعالى ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ) فافتتح الخطاب بالنبي صلى الله عليه وسلم والمراد سائر من يملك الطلاق
ومنه قوله تعالى ( يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين )
وقال ابو بكر الصيرفي كان ابتداء الخطاب له فلما قال في الموهوبة ( خالصة لك ) علم أن ما قبلها له ولغيره و صلى الله عليه وسلم
وقوله تعالى ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ) وجرى ابو يوسف على الظاهر فقال إن صلاة الخوف من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم
وأجاب الجمهور بأنه لم يذكر ( فيهم ) على أنه شرط بل على انه صفة حال والأصل في الخطاب أن يكون لمعين
وقد يخرج على غير معين ليفيد العموم كقوله تعالى ( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات ) وفائدته الإيذان بأنه خليق بأن يؤمر به كل احد ليحصل مقصوده الجميل
وكقوله ( ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت ) أخرج في صورة الخطاب لما اريد العموم للقصد الى تقطيع حالهم وأنها تناهت في الظهور حتى امتنع خفاؤها فلا تخص بها رؤية راء بل كل من يتأتى منه الرؤية داخل في هذا الخطاب كقوله تعالى ( وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ) لم يرد به مخاطب معين بل عبر بالخطاب ليحصل لكل واحد فيه مدخل مبالغة فيما قصد الله من وصف ما في ذلك المكان من النعيم والملك ولبناء الكلام في الموضعين على العموم لم يجعل ل ترى ولا ل رأيت مفعولا ظاهرا ولا مقدرا ليشيع ويعم
وأما قوله تعالى ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ) فقيل إنه من هذا الباب ومنعه قوم وقال الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولو للتمني لرسول الله صلى الله عليه وسلم كالترجي في ( لعلهم يهتدون ) لآنه تجرع من عداوتهم الغصص فجعله الله كأنه تمنى ان يراهم على تلك الحالة الفظيعة من نكس الرءوس صما عميا ليشمت بهم
ويجوز أن تكون لو امتناعية وجوابها محذوف أي لرأيت اسوأ حال يرى
الرابع : خطاب العام والمراد الخصوص
===================
وقد اختلف العلماء في وقوع ذلك في القرآن فأنكره بعضهم لأن الدلالة الموجبة للخصوص بمنزلة الإستثناء المتصل بالجملة كقوله تعالى ( فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما )
والصحيح أنه واقع كقوله ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ) وعمومه يقتضي دخول جميع الناس في اللفظين جميعا والمراد بعضهم لأن القائلين غير المقول لهم والمراد بالأول نعيم بن سعيد الثقفي والثاني أبو سفيان وأصحابه
قال الفارسي ومما يقوى ان المراد بالناس في قوله ( إن الناس قد جمعوا لكم ) واحد قوله ( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه ) فوقعت الإشارة بقوله ( ذلكم ) إلى واحد بعينة ولو كان المعنى به جمعا لكان إنما الشياطين الشياطين فهذه دلالة ظاهرة في اللفظ وقيل بل وضع فيه الذين موضع الذي
وقوله ( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس ) يعني عبد الله بن سلام
وقوله ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات ) قال الضحاك وهو الأقرع بن حابس
وقوله تعالى ( يا أيها الناس اتقوا ربكم ) لم يدخل فيه الأطفال والمجانين
ثم التخصيص يجيء تارة في آخر الآية كقوله تعالى ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ) فهذا عام في البالغة والصغيرة عاقله او مجنونة ثم خص في آخرها بقوله ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ) الآية فخصها بالعاقلة البالغة لآن من عداها عبارتها ملغاة في العفو
ونظيره قوله ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ) فإنه عام في البائنة والرجعية ثم خصها بالرجعية بقوله ( وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ) لآن البائنة لاتراجع
وتارة في اولها كقوله تعالى ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) فإن هذا خاص في الذي أعطاها الزوج ثم قال بعد ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) فهذا عام فيما اعطاها الزوج او غيره إذا كان ملكا لها
وقد يأخذ التخصيص من آية اخرى كقوله تعالى ( ومن يولهم يومئذ دبره )الآية فهذا عام في المقاتل كثيرا او قليلا ثم قال ( إن يكن منكم عشرون صابرون ) الآية
ونظيره قوله ( حرمت عليكم الميتة ) وهذا عام في جميع الميتات ثم خصة بقوله ( فكلوا مما أمسكن عليكم ) فأباح الصيد الذي يموت في فم الجارح المعلم
وخصص ايضا عمومه في آية اخرى قال ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم ) تقديره وإن كانت ميتة فخص بهذه الاية عموم تلك
ومثله قوله تعالى ( أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم )
ونظيره قوله ( والدم ) وقال في آية اخرى ( إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا ) يعني إلا الكبد والطحال فهو حلال
ثم هذه الآية خاصة في سورة الآنعام وهي مكية والآية العامة في سورة المائدة وهي مدينة
وقد تقدم الخاص على العام في هذا الموضع كما تقدم في النزول آية الوضوء على أنه التيمم
وهذا ماش على مذهب الشافعي في أن العبرة بالخاص سواء تقدم أم تأخر
ومثله قوله تعالى ( وآتيتم إحداهن قنطارا ) والآية وهذا عام سواء رضيت المرأة أم لا ثم خصها بقوله ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه ) وخصها بقوله ( فلا جناح عليهما فيما افتدت به )
ومثله قوله تعالى ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ) الآية فهذا عام في المدخول بها وغيرها ثم خصها فقال ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ) الآية فخص الآيسة والصغيرة والحامل فالآيسة والصغيرة بالأشهر والحامل بالوضع
ونظيره قوله ( والذين يتوفون منكم ) الآية وهذا عام في الحامل والحائل ثم خص بقوله ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن )
ونظيره قوله تعالى ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) الآية وهذا عام في ذوات المحارم والأجنبيات ثم خص بقوله ( حرمت عليكم أمهاتكم ) الآية وقوله ( الزانية والزاني ) عام في الحرائر والإماء ثم خصه بقوله ( فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب )
وقوله ( لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) فإن الخلة عامة ثم خصها بقوله الآخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين
وكذلك قوله ( ولا شفاعة ) بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم
قد يكون الكلامان متصلين وقد يكون احدهما خاصا والآخر عاما .. وذلك :
نحو قولهم لمن اعطى زيدا درهما اعط عمرا فإن لم تفعل فما اعطيت يريد ان لم تعط عمرا فأنت لم تعط زيدا ايضا وذاك غير محسوب لك
ذكره ابن فارس وخرج عليه قوله تعالى ( بلغ ما أنزل إليك من ربك ) قال فهذا خاص به يريد هذا الأمر المحدد بلغه ( وإن لم تفعل ) ولم تبلغ هذا ( فما بلغت رسالته ) يريد جميع ما ارسلت به
قلت وهو وجه حسن وفي الآية وجوه آخر :
أحدها : أن المعنى انك ان تركت منها شيئا كنت كمن لا يبلغ شيئا منها فيكون ترك البعض محبطا للباقي قال الراغب وكذلك ان حكم الأنبياء عليهم السلام في تكليفاتهم اشد وليس حكمهم كحكم سائر الناس الذين يتجاوز عنهم اذا خلطوا عملا صالحا وآخر شيئا.
وروى هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما
والثاني : قال الإمام فخر الدين إنه من باب قوله أنا أبو النجم وشعري شعري معناه أن شعري قد بلغ في المتانة والفصاحة الى حد شئ قيل في نظم انه شعري فقد انتهى مدحه الى الغاية فيفيد تكرير المبالغة التامة في المدح من هذا الوجه وكذا جواب الشرط ها هنا يعني به انه لايمكن أي يوصف ترك بعض المبلغ تهديدا اعظم من انه ترك التبليغ فكان ذلك تنبيها على غاية التهديد والوعيد وضعف الوجه الذي قبله بأن من اتى بالبعض وترك البعض لو قيل إنه ترك الكل كان كذبا ولو قيل إن الخلل في ترك البعض كالخلل في ترك الكل فإنه ايضا محال
وفي هذا التضعيف الذي ذكره الإمام نظر لأنه اذا كان متى اتى به غير معتد به فوجده كالعدم كقول الشاعر:
أي ولم تعط ما يعد نائلا وإلا يتكاذب البيت
الثالث : انه لتعظيم حرمة كتمان البعض جعله ككتمان الكل كما في قوله تعالى ( فكأنما قتل الناس جميعا )
الرابع : انه وضع السبب موضع المسبب ومعناه ان لم تفعل ذلك فلك ما يوجبه كتمان الوحي كله من العذاب
ذكر هذا والذي قبله صاحب الكشاف
تنبيه : قال الإمام ابو بكر الرازي وفي هذه الآية دلالة على ان كل ما كان من الأحكام للناس اليه حاجة عامة ان النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغه الكافة وإنما وروده ينبغي ان يكون من طريق التواتر نحو الوضوء من مس الفرج ومن مس المرأة ومما مست النار ونحوها لعموم البلوى بها فإذا لم نجد ما كان فيها بهذه المنزلة واردا من طريق التواتر علمنا ان الخبر غير ثابت في الأصل انتهى
وهذه الدلالة ممنوعة لأن التبليغ مطلق غير مقيد بصورة التواتر فيما تعم به البلوى فلا تثبت زيادة ذلك إلا بدليل ومن المعلوم أن الله سبحانه لم يكلف رسوله صلى الله عليه وسلم إشاعة شيء الى جمع يتحصل بهم القطع غير القرآن لأنه المعجز الأكبر وطريق معرفته القطع فأما باقي الاحكام فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل بها إلى الآحاد والقبائل وهي مشتملة على ما تعم به البلوى قطعا
الخامس : خطاب الجنس
====================
نحو ( يا أيها الناس ) فإن المراد جنس الناس لاكل فرد والا فمعلوم ان غير المكلف لم يدخل تحت هذا الخطاب
وهذا يغلب في خطاب أهل مكة كما سبق
ورجح الأصوليون دخول النبي صلى الله عليه وسلم في الخطاب ب يأيها الناس
وفي القرآن سورتان أولهما ( يا أيها الناس )
احداهما في النصف الأول وهي السورة الرابعة منه وهي سورة النساء
والثانية في النصف الثاني منه وهي سورة الحج
والأولى تشتمل على شرح المبدأ
والثانية تشتمل على شرح المعاد
فتأمل هذا الترتيب ما أوقعه في البلاغة ..!!
قال الراغب والناس قد يذكر ويراد به الفضلاء دون من يتناوله اسم الناس تجوزا وذلك إذا اعتبر معنى الإنسانية وهو وجود العقل والذكر وسائر القوى المختصة به فإن كل شيء عدم فعله المختص به لايكاد يستحق اسمه كاليد فإنها إذا عدمت فعلها الخاص بها فإطلاق اليد عليها كإطلاق على يد السرير ومثله بقوله تعالى ( آمنوا كما آمن الناس ) أي كما يفعل من يوجد فيه معنى الإنسانية ولم يقصد بالإنسان عينا واحدا بل قصد المعنى وكذلك قوله ( أم يحسدون الناس ) أي من وجد فيهم معنى الإنسانية أي إنسان كان
قال وربما قصد به النوع من حيث هو كقوله تعالى ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض )
السادس : خطاب النوع
=====================
نحو ( يا بني إسرائيل ) والمراد بنو يعقوب وإنما صرح به للطيفة سبقت في النوع السادس وهو علم المبهمات
السابع :خطاب العين
=====================
نحو( يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة )
( يا نوح اهبط بسلام )
( يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا )
( يا موسى )
( يا عيسى )
ولم يقع في القرآن النداء ب يا محمد بل ب يأيها النبي ويأيها الرسول تعظيما له وتبجيلا وتخصيصا بذلك عن سواه
الثامن : خطاب المدح
=====================
نحو ( يا أيها الذين آمنوا ) وهذا وقع خطابا لأهل المدينة الذين آمنوا وهاجروا تمييزا لهم عن أهل مكة وقد سبق أن كل آية فيها ( يا أيها الناس )
لأهل مكة وحكمه ذلك أنه يأتي بعد ( يا أيها الناس ) الأمر بأصل الإيمان ويأتي بعد ( يا أيها الذين آمنوا ) الأمر بتفاصيل الشريعة وإن جاء بعدها الأمر بالإيمان كان من قبيل الأمر بالاستصحاب
وقوله تعالى ( وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ) قيل يرد الخطاب بذلك باعتبار الظاهر عند المخاطب وهم المنافقون فإنهم كانوا يتظاهرون بالإيمان كما قال سبحانه ( قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ) وقد جوز الزمخشري في تفسير سرة المجادلة في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول ) أن يكون خطابا للمنافقين الذين آمنوا بالسنتهم وأن يكون للمؤمنين
ومن هذا النوع الخطاب ب يأيها النبي يأيها الرسول ولهذا تجد الخطاب بالنبي في محل لايليق به الرسول وكذا عكسه كقوله في مقام الأمر بالتشريع العام ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) وفي مقام الخاص ( يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) ومثله ( إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين )
وتأمل قوله ( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) في مقام الإقتداء بالكتاب والسنة ثم قال ( لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ) فكأنه جمع له المقامين معنى النبوة والرسالة تعديدا للنعم في الحالين
وقريب منه في المضاف إلى الخاص ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ) ولم يقل يانساء الرسول لما قصد اختصاصهن عن بقية الامة
وقد يعبر بالنبي في مقام التشريع العام لكن مع قرينة أرادة التعميم كقوله ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ) ولم يقل طلقت
التاسع : خطاب الذم
=====================
نحو ( يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم )
( قل يا أيها الكافرون )
ولتضمنه الإهانة لم يقع في القرآن في غير هذين الموضعين
وكثر الخطاب ب يأيها الذين آمنوا على المواجهة وفي جانب الكفار على الغيبة إعراضا عنهم كقوله تعالى ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين ) ثم قال ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) فواجه بالخطاب المؤمنين وأعرض بالخطاب عن الكافرين ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا عتب على قوم قال ما بال رجال يفعلون كذا فكنى عنه تكرما وعبر عنهم بلفظ الغيبة إعراضا
العاشر : خطاب الكرامة
=====================
نحو ( ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ) وقوله ( ادخلوها بسلام آمنين )
الحادي عشر : خطاب الإهانة
=====================
نحو قوله لإبليس ( فإنك رجيم وإن عليك اللعنة )
وقوله ( قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون )
وقوله ( وأجلب عليهم بخيلك ورجلك )
قالوا ليس هذا إباحة لإبليس وإنما معناه أن ما يكون منك لايضر عباده كقوله ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان )
الثاني عشر : خطاب التهكم
=====================
وهو الاستهزاء بالمخاطب مأخوذ من تهكم البئر إذا تهدمت كقوله تعالى ( ذق إنك أنت العزيز الكريم ) وهو خطاب لآبي جهل لأنه قال ما بين
جبليها يعني مكة أعز ولا اكرم مني
وقال ( فبشرهم بعذاب أليم ) جعل العذاب مبشرا به
وقوله ( هذا نزلهم يوم الدين )
وقوله ( وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم ) والنزل لغة هو الذي يقدم للنازل تكرمه له قبل حضور الضيافة
وقوله تعالى ( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ).
على تفسير المعقبات بالحرس حول السلطان يحفظونه على زعمه من أمر الله وهو تهكم فإنه لايحفظه من أمر الله إذا جاءه
وقوله تعالى ( قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ) وهو تعالى يعلم حقيقتهم و ( يعلم ما يسرون وما يعلنون ) لاتخفى عليه خافية
وقوله تعالى ( وظل من يحموم لا بارد ولا كريم ) وذلك لأن الظل
من شأنه الاسترواح واللطافة فنفي هنا وذلك انهم لايستأهلون الظل الكريم
الثالث عشر : خطاب الجمع بلفظ الواحد
====
كقوله ( يا أيها الإنسان إنك كادح )
يأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم
والمراد الجميع بدليل قوله ( إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا )
وكان الحجاج يقول في خطبته يأيها الإنسان وكلكم ذلك الإنسان
وكثيرا ما يجيء ذلك في الخبر كقوله تعالى ( إن هؤلاء ضيفي ) ولم يقل ضيوفي لآنه مصدر
وقوله ( هم العدو فاحذرهم ) ولم يقل الأعداء
وقوله ( وحسن أولئك رفيقا ) أي رفقاء
وقوله ( لا نفرق بين أحد من رسله ) ( فما منكم من أحد عنه حاجزين )
وفي الوصف كقوله تعالى ( وإن كنتم جنبا فاطهروا )
وقوله ( والملائكة بعد ذلك ظهير )
وقوله ( فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا ) وجمعه أنجية من المناجاة
وقوله ( أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ) فأوقع الطفل حنسا
قال ابن جني وهذا باب يغلب عليه الاسم لا الصفة نحو الشاة والبعير والإنسان والملك قال تعالى ( والملك على أرجائها ) ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) ( إن الإنسان لفي خسر ) ومن مجيئه في الصفة قوله تعالى ( ويوم يعض الظالم على يديه ) وقوله ( وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار )
وقال وكل واحد من هذه الصفات لا تقع هذا الموقع إلا بعد أن تجري مجرى الاسم الصريح
الرابع عشر : خطاب الواحد بلفظ الجمع
=====================
كقوله تعالى ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ) إلى قوله ( فذرهم في غمرتهم حتى حين ) فهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وحده إذلا بني معه قبله ولا بعده
وقوله ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) خاطب به النبي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) الآية
وقوله ( ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى ) الآية خاطب بذلك أبا بكر الصديق لما حرم مسطحا رفده حين تكلم في حديث الإفك
وقوله ( فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا ) والمخاطب النبي صلى الله عليه وسلم أيضا لقوله ( قل فأتوا )
وقوله تعالى ( ففررت منكم لما خفتكم )
وجعل منه بعضهم قوله تعالى ( قال رب ارجعون ) أي ارجعني وإنما خاطب الواحد المعظم بذلك لأنه يقول نحن فعلنا فعلى هذا الابتداء خوطبوا بما في الجواب.
وقيل ( رب ) استغاثة و ( ارجعون ) خطاب الملائكة فيكون التفاتا او جمعا لتكرار القول كما قال قفا نبك
وقال السهيلي هو قول من حضرته الشياطين وزبانية العذاب فاختلط ولا يدري ما يقول من الشطط وقد اعتاد امرا يقوله في الحياة من رد الأمر الى المخلقوين
ومنه قوله تعالى ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ) الآية وهذا مما لاتشريك فيه
وقال المبرد في الكامل لاينبغي ان يستعمل ضمير الجمع في واحد من المخلوقين على حكم الاستلزام لأن ذلك كبر وهو مختص به سبحانه
ومن هذا ما حكاه الحريري في شرح الملحة عن بعضهم انه منع من اطلاق لفظه نحن على غير الله تعالى من المخلوقين لما فيها من التعظيم وهو غريب وحكى بعضهم خلافا في نون الجمع الواردة في كلامه سبحانه وتعالى فقيل جاءت للعظمة يوصف بها سبحانه وليس لمخلوق ان ينازعه فيها فعلى هذا القول يكره للملوك استعمالها في قولهم نحن نفعل كذا وقيل في علتها إنها كانت تصاريف اقضيته تجري على ايدي خلقه تنزلت افعالهم منزلة فعله فلذلك ورد الكلام مورد الجمع فعلى هذا القول يجوز مباشرة النون لكل من لايباشر بنفسه
فأما قول العالم نحن نبين ونحن نشرح فمفسوح له فيه لأنه يخبر بنون الجمع عن نفسه وأهل مقالته
وقوله تعالى ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) والمراد الإنس لأن الرسل لاتكون إلا من بني آدم وحكى بعضهم فيه الإجماع لكن عن الضحاك ان من الجن رسولا اسمه يوسف لقوله تعالى ( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) واحتج الجمهور بقوله ( ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ) ليحصل الاستئناس وذلك مفقود في الجن وبقوله تعالى ( إن الله اصطفى آدم ونوحا ) الآية وأجمعوا أن المراد بالاصطفاء النبوة
وأجيب عن تمسك الضحاك بالآية بأن البعضية صادقة بكون الرسل من بني آدم ولا يلزم إثبات رسل من الجن بطريق إثبات نفر من الجن يستمعون القرآن من رسل الإنس ويبلغونه إلى قومهم وينذرونهم ويصدق على اولئك النفر من حيث إنهم رسل الرسل وقد سمي الله رسل عيسى بذلك حيث قال ( إذ أرسلنا إليهم اثنين )
وفي تفسير القرآن لقوام السنة إسماعيل بن محمد بن الفضل الحوري قال قوم من الجن رسل للآية
وقال الأكثرون الرسل من الإنس ويحى من الجن كقوله في قصة بلقيس ( فناظرة بم يرجع المرسلون ) والمراد به واحد بدليل قوله ( ارجع إليهم ) وفيه نظر من جهة أنه يحتمل أن يكون الخطاب لرئيسهم فإن العادة جارية
لاسيما من الملوك ألا يرسلوا واحدا وقرأ ابن مسعود ارجعوا إليهم اراد الرسول ومن معه
وقوله ( أولئك مبرؤون مما يقولون ) يعني عائشة وصفوان
وقوله تعالى ( كذبت قوم نوح المرسلين ) والمراد بالمرسلين نوح كقولك فلان يركب الدواب ويلبس البرود وماله إلا دابة وبرد قله الزمخشري
وقوله تعالى ( إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة ) قال قتادة هذا رجل كان لايمالئهم على ماكانوا يقولون في النبي صلى الله عليه وسلم فسماه الله سبحانه طائفة وقال البخاري ويسمى الرجل طائفة
وقوله ( لا بيع فيه ولا خلال ) والمراد خلة بدليل الآية الأخرى والموجب للجمع مناسبة رءوس الآي فائدة
وأما قوله تعالى ( واجعلنا للمتقين إماما ) فجوز الفارسي فيه تقديرين أحدهما أن إمام هنا جمع لأنه المفعول والثاني لجعل والمعفول الأول جمع والثاني هو الأول فوحب أن يكون جمعا وواحدة آم لانه قد سمع هذا في واحدة
قال تعالى ( ولا آمين البيت الحرام ) فهذا جمع آم مسلما وقياسه على حد قيام وقائم فأما أئمه فجمع إمام الذي هو مقدر على حد عنان وأعنه وسنان وأسنة والأصل ايمة فقلبت الفاء
والثاني أنه جمع الإمام لأن المعنى أئمة فيكون إمام على هذا واحدا وجمعه أئمة وإمام 0
وقال ابن الضائع قيدت عن شيخنا الشلوبين فيه احتمالين غير هذين أن يكون مصدرا كالإمام وأن يكون من الصفات المجراة مجرى المصادر في ترك التثنية والجمع كحسب ويحتمل أن يكون محمولا على المعنى كقولهم دخلنا على الأمير وكسانا حلة والمراد كل واحد منا حلة وكذلك هو واجعل كل واحد منا إماما
الخامس عشر : خطاب الواحد والجمع بلفظ الاثنين
=====================
كقوله تعالى ( ألقيا في جهنم ) والمراد مالك خازن النار
وقال الفراء الخطاب لخزنة النار والزبانية وأصل ذلك أن الرفقة أدنى ما تكون من ثلاثة نفر فجرى كلام الواحد على صاحبيه ويجوز أن يكون الخطاب للملكين الموكلين من قوله ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد )
وقال أبو عثمان لما ثنى الضمير استغنى عن أن يقول ألق ألق يشير إلى إرادة التأكيد اللفظي
وجعل المهدوي منه قوله تعالى ( قال قد أجيبت دعوتكما ) قال الخطاب لموسى وحده لأنه الداعي وقيل لهما وكان هارون قد امن على دعائه والمؤمن احد الداعيين
السادس عشر:خطاب الإثنين بلفظ الواحد
=====================
كقوله تعالى ( فمن ربكما يا موسى ) أي ويا هارون وفيه وجهان أحدهما أنه افرد موسى عليه السلام بالنداء بمعنى التخصيص والتوقف إذا كان هو صاحب عظيم الرسالة وكريم الآيات وذكره ابن عطية
والثاني لما كان هارون أفصح لسانا منه على ما نطق به القرآن ثبت عن جواب الخصم الألر ذكره صاحب الكشاف وانظر إلى الفرق بين الجوابين
ومثله ( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) قال ابن عطية إنما أفرده بالشقاء من حيث كان المخاطب أولا والمقصود في الكلام وقيل بل ذلك لأن الله جعل الشقاء في معيشة الدنيا في حيز الرجال ويحتمل الإغضاء عن ذكر المرأة ولهذا قيل من الكرم ستر الحرم
وقوله ( فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين )
ونحوه في وصف الاثنين بالجمع قوله تعالى ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما )
وقال ( هذان خصمان اختصموا ) ولم يقل اختصما
وقال ( فتاب عليه ) ولم يقل عليهما اكتفاء بالخبر عن احدهما بالدلالة عليه
السابع عشر : خطاب الجمع بعد الواحد
=====================
كقوله تعالى ( وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا ) الآية فجمع ثالثها والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم قال ابن الآنباري إنما جمع في الفعل الثالث ليدل على أن الأمة داخلون مع الني صلى الله عليه وسلم وحده وإنما جمع تفخيما له وتعظيما كما في قوله تعالى ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم )
وكذلك قوله ( وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين ) فثني في الأول ثم جمع ثم افرد لانه خوطب اولا موسى وهارون لانهما المتبوعان ثم سيق الخطاب عاما لهما ولقومهما باتخاذ المساجد والصلاة فيها لأنه واجب عليهم ثم خص موسى بالبشارة تعظيما له
الثامن عشر : خطاب عين والمراد غيره
=====================
كقوله ( يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ) الخطاب له والمراد المؤمنون لانه صلى الله عليه وسلم كان تقيا وحاشاه من طاعة الكافرين والمنافقين والدليل على ذلك قوله في سياق الآية ( واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا )
وقوله تعالى ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ) بدليل قوله في صدر الآية بعدها ( قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني )
ومنهم من أجراه على حقيقته وأوله قال ابو عمر الزاهري في الياقوته سمعت الأمامين ثعلب والمبرد يقولان معنى ( فإن كنت في شك ) أي قل يا محمد إن كنت في شك من القرآن فاسأل من أسلم من اليهود إنهم أعلم به من أجل أنهم أصحاب كتاب وقوله ( عفا الله عنك لم أذنت لهم ) قال فورك معناه وسع الله عنك على وجه الدعاء و ( لم أذنت لهم ) تغليظ على المنافقين وهو في الحقيقة عتاب راجع إليهم وإن كان في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم كقوله ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك )
وقوله ( عبس وتولى ) قيل إنه امية وهو الذي تولى دون الني صلى الله عليه وسلم الا ترى انه لم يقل عبست
وقوله ( ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين )
وقوله ( ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين )
وبهذا يزول الإشكال المشهور في انه كيف يصح خطابه صلى الله عليه وسلم مع ثبوت عصمته عن ذلك كله ويجاب أيضا بأن ذلك على سبيل الفرض والمحال يصح فرضه لغرض
والتحقيق ان هذا ونحوه من باب خطاب العام من غير قصد شخص معين والمعنى
اتفاق جميع الشرائع على ذلك ويستراح حينئذ من إيراد هذا السؤال من اصله .
وعكس هذا ان يكون المراد عاما والمراد الرسول قوله ( لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ) بدليل قوله في سياقها ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )
وأما قوله في سورة الأنعام ( ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين ) فليس من هذا الباب
قال ابن عطية ويحتمل أن يكون التقدير ( فلا تكونن من الجاهلين ) في ألا تعلم ان الله لو شاء لجمعهم ويحتمل ان يهتم بوجود كفرهم الذي قدره الله وأراده
ثم قال ويظهر تباين ما بين قوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم ( فلا تكونن من الجاهلين ) وبين قوله عز وجل لنوح عليه السلام ( إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) وقد تقرر أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء
وقال مكي والمهدوي الخطاب بقوله ( فلا تكونن من الجاهلين ) للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته وهذا ضعيف ولا يقتضيه اللفظ
وقال قوم وقر نوح عليه السلام لسنه وشبيه
وقال قوم جاء الحمل على النبي صلى الله عليه وسلم لقربه من الله ومكانته كما يحمل العاتب على قريبة اكثر من حمله على الاجانب
قال والوجه القوي عندي في الآية هو أن ذلك لم يجيء بحسب النبيين وإنما جاء بحسب الأمر من الله ووقع النبي عنهما والعقاب فيهما
التاسع عشر : خطاب الاعتبار
=====================
كقوله تعالى حاكيا عن صالح لما هلك قومه ( فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ) خاطبهم بعد هلاكهم اما لانهم يسمعون ذلك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بأهل بدر وقال والله ماانتم باسمع منهم وإما للاعتبار كقوله ( قل سيروا في الأرض فانظروا )
وقوله ( انظروا إلى ثمره إذا أثمر )
العشرون : خطاب الشخص ثم العدول الى غيره
=====================
كقوله ( فإن لم يستجيبوا لكم ) الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ثم قال للكفار ( فاعلموا أنما أنزل بعلم الله ) بدليل قوله ( فهل أنتم مسلمون )
وقوله ( ذلك أدنى ألا تعولوا ) قال ابن خالوية في كتاب المبتدأ
الحادي والعشرون : خطاب التلوين
=====================
وسماه الثعلبي المتلون كقوله تعالى ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ) ( فمن ربكما يا موسى ) وتسميه اهل المعاني الالتفات وسنتكلم عليه ان شاء الله تعالى باقسامه
الثاني والعشرون : خطاب الجمادات خطاب من يعقل
=====================
كقوله تعالى ( فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) تقديره طائعة
وقيل لما كانت ممن يقول وهي حالة عقل جرى الضمير في ( طائعين ) عليه كقولهم ( رأيتهم لي ساجدين )
وقد اختلف أن هذه المقالة حقيقة بان جعل لها حياة وادراكا يقتضي نطقها أو مجازا بمعنى ظهر فيها من اختيار الطاعة والخضوع بمنزلة هذا القول على قولين قال ابن عطية والآول أحسن لأنه لاشيء يدفعه والعبرة فيه أتم والقدرة فيه أظهر
ومنه قوله تعالى ( يا جبال أوبي معه ) فامرها كما تؤمر الواحدة المخاطبة المؤنثة لأن جميع مالا يعقل كذلك يؤمر
الثالث والعشرون : خطاب التهييج
=====================
كقوله ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) ولايدل على ان من لم يتوكل ينتفي عنهم الايمان بل حث لهم على التوكل
وقوله ( فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين )
وقوله ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ) فإنه سبحانه وصفهم بالإيمان عند الخطاب ثم قال ( إن كنتم مؤمنين ) فقصد حثهم على ترك الربا وان المؤمنين حقهم ان يفعلوا ذلك .
وقوله ( وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين )
وقوله ( إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين )
وقوله ( إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان )
وهذا احسن من قول من قال إن هاهنا بمعنى إذ
الرابع والعشرون : خطاب الإغضاب
=====================
كقوله تعالى ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون )
وقوله ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا )
وقوله تعالى ( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله )
الخامس والعشرون : خطاب التشجيع والتحريض
=====================
وهو الحث على الاتصاف بالصفات الجميلة كقوله تعالى ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) وكفى بحث الله سبحانه تشجيعا علىمنازلة الأقران ومباشرة الطعان
وقوله تعالى ( بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين )
وقوله تعالى ( ومن يولهم يومئذ دبره ) وكيف لايكون للقوم صبر والملك الحق جل جلاله قد وعدهم بالمدد الكريم فقال ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) وقوله تعالى ( فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون )
وقد جاء في مقابلة هذا القسم ما يراد منه الآخذ بالحزم والتأني بالحرب والاستظهار عليها بالعدة كقوله تعالى ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) وقوله تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )
ونحو ذلك في الترغيب والترهيب ما جاء في قصص الاشقياء تحذيرا لما نزل من العذاب واخبارا للسعداء فيما صاروا إليه من الثواب
السادس والعشرون : خطاب التنفير
=====================
كقوله تعالى ( ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم ) فقد جمعت هذه الاية اوصافا وتصويرا لما يناله المغتاب من عرض من يغتابه على افظع وجه وفي ذلك محاسن كالاستفهام الذي معناه التقريع والتوبيخ وجعل ماهو الغاية في الكراهة موصولا بالمحبة وإسناد الفعل إلى ( أحدكم ) وفيه اشعار بأن احدا لايحب ذلك ولم يقتصر على تمثيل الاعتبار باكل لحم الإنسان حتى جعله أخا ولم يقتصر على لحم الأخ حتى
جعله ميتا وهذه مبالغات عظيمة ومنها ان المغتاب غائب وهو لايقدر على الدفع لما قيل فيه فهو كالميت
السابع والعشرون : خطاب التحنن والاستعطاف
=====================
كقوله تعالى ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله )
الثامن والعشرون : خطاب التحبيب
=====================
نحو ( يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر )
( يا بني إنها إن تك مثقال حبة )
( يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي )
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم يا عباس ياعم رسول الله
التاسع والعشرون :خطاب التعجيز
=====================
نحو ( فأتوا بسورة من مثله ) ( فليأتوا بحديث مثله )
( قل فأتوا بعشر سور مثله )
( فادرؤوا عن أنفسكم الموت )
وجعل منه بعضهم ( قل كونوا حجارة أو حديدا ) ورد ابن عطية بان التعجيز يكون حيث يقتضي بالامر فعل مالايقدر عليه المخاطب وإنما معنى الاية كونوا بالتوهم والتقدير كذا
الثلاثون : خطاب التحسير والتلهف
=====================
كقوله تعالى ( قل موتوا بغيظكم )
الحادي والثلاثون : خطاب التكذيب
=====================
نحو قوله ( قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) ( قل هلم شهداءكم الذين يشهدون )
الثاني والثلاثون : خطاب التشريف
=====================
وهو كل ما في القرآن العزيز مخاطبة بقل كالقلاقل.
وكقوله ( قل آمنا ) وهو تشريف منه سبحانه لهذه الأمة بأن يخاطبها
بغير واسطة لتفوز بشرف المخاطبة اذ ليس من الفصيح ان يقول الرسول للمرسل إليه قال لي المرسل قل كذا وكذا ولانه لايمكن اسقاطها فدل على ان المراد بقاؤها ولابدلها من فائدة فتكون أمرا من المتكلم للمتكلم بما يتكلم به امره شفاها بلا واسطة كقولك لمن تخاطبه افعل كذا
الثالث والثلاثون : خطاب المعدوم
=====================
ويصح ذلك تبعا لموجود كقوله تعالى ( يا بني آدم ) فإنه خطاب لأهل ذلك الزمان ولكل من بعدهم وهو على نحو ما يجري من الوصايا في خطاب الإنسان لولده وولد ولده ما تناسلوا بتقوى الله وإتيان طاعته
قال الرماني في تفسيره وإنما جاز خطاب المعدوم لأن الخطاب يكون بالإرادة للمخاطب دون غيره وأما قوله تعالى ( كن فيكون ) فعند الأشاعرة أن وجود العالم حصل بخطاب كن وقالت الحنفية التكوين ازلي قائم بذات الباري سبحانه وهو تكوين لكل جزء من أجزاء العالم عند وجوده لا أنه يوجد عند كاف ونون
وذهب فخر الإسلام شمس الأئمة منهم الى ان خطاب كن موجود عند إيجاد كل شيء فالحاصل عندهم في ايجاد الشيء شيئان الإيجاد وخطاب كن
واحتج الأشاعرة بظاهر قوله تعالى ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) وقوله ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) وقوله ( بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون )
ولو حصل وجود العلم بالتكوين لم يكن في خطاب كن فائدة عند الايجاد
وأجاب الحنفية بأنا نقول لموجها ولا تستقل بالفائدة كالمتشابه فيقول بوجود خطاب كن عند الإيجاد في غير تشبيه ولا تعطيل