الثلاثاء، 24 أبريل 2012

موسوعة السيرة النبوية : وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم


وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

أنه لما كان يوم الإثنين الذي قبض الله فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرج إلى الناس ، وهم يصلون الصبح ، فرفع الستر ، وفتح الباب ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام على باب عائشة ، فكاد المسلمون يفتنون في صلاتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه ، فرحا به ، وتفرجوا ، فأشار إليهم أن اثبتوا على صلاتكم ؛ قال ‏:‏ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سروراً لما رأى من هيئتهم في صلاتهم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن هيئة منه تلك الساعة ‏.‏ قال ‏:‏ ثم رجع وانصرف الناس وهم يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفرق من وجعه ، فرجع أبو بكر إلى أهله بالسنح ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏
وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث عن القاسم بن محمد ‏:‏
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، حين سمع تكبير عمر في الصلاة ‏:‏ أين أبو بكر ‏؟‏ يأبى الله ذلك والمسلمون ، فلولا مقالة قالها عمر عند وفاته ، لم يشك المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استخلف أبا بكر ، ولكنه قال عند وفاته ‏:‏ إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني ، وإن أتركهم فقد تركهم من هو خير مني ، فعرف الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحداً ، وكان عمر غير متهم على أبي بكر ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني أبو بكر بن عبدالله بن أبي مليكة قال ‏:‏ لما كان يوم الاثنين ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصباً رأسه إلى الصبح ، وأبو بكر يصلى بالناس ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرج الناس ، فعرف أبو بكر أن الناس لم يصنعوا ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنكص عن مصلاه ، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظهره ، وقال ‏:‏ صل بالناس ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، فصلى قاعداً عن يمين أبي بكر ، فلما فرغ من الصلاة ، أقبل على الناس ، فكلمهم رافعا صوته ، حتى خرج صوته من باب المسجد ، يقول ‏:‏
أيها الناس سعرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، وإني والله ما تمسكون علي بشيء ، إني لم أحل إلا ما أحل القرآن ، ولم أحرم إلا ما حرم القرآن ‏.‏
قال ‏:‏ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه ، قال له أبو بكر ‏:‏ يا نبي الله ، إني أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما تحب ، واليوم يوم بنت خارجة ، أفآتيها ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح ‏.‏
 شأن علي والعباس قبل وفاته
قال ابن إسحاق ‏:‏ قال الزهري وحدثني عبدالله بن كعب بن مالك ، عن عبدالله بن عباس ، قال ‏:‏خرج يومئذ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه على الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له الناس ‏:‏ يا أبا حسن ، كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏ قال ‏:‏ أصبح بحمد الله بارئاً ، قال ‏:‏
فأخذ العباس بيده ، ثم قال ‏:‏ يا علي ، أنت والله عبد العصا بعد ثلاث ، أحلف بالله لقد عرفت الموت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما كنت أعرفه في وجوه بني عبدالمطلب ، فانطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كان هذا الأمر فينا عرفناه ، وإن كان في غيرنا أمرناه ، فأوصى بنا الناس ‏.‏ قال ‏:‏ فقال له علي ‏:‏ إني والله لا أفعل ، والله لئن منعناه لا يؤتيناه أحد بعده ‏.‏
فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أشتد الضحاء من ذلك اليوم ‏.‏
 سواك الرسول قبل وفاته
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يعقوب بن عتبة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قال ‏:‏ قالت ‏:‏ رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم حين دخل من المسجد ، فاضطجع في حجري ، فدخل علي رجل من آل بكر ، وفي يده سواك أخضر ، قالت ‏:‏ فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه في يده نظرا عرفت أنه يريده ، قالت ‏:‏ فقلت ‏:‏ يا رسول الله أتحب أن أعطيك هذا السواك ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، قالت ‏:‏ فأخذته فمضغته له حتى لينته ، ثم أعطيته إياه ، قالت ‏:‏ فاستن به كأشد ما رأيته يستن بسواك قط ، ثم وضعه ، ووجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثقل في حجري ، فذهبت أنظر في وجهه فإذا بصره قد شخص ، وهو يقول ‏:‏ بل الرفيق الأعلى من الجنة ، قالت ‏:‏ فقلت ‏:‏ خيرت فاخترت والذي بعثك بالحق ، قالت ‏:‏ وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، قال ‏:‏ سمعت عائشة تقول ‏:‏
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري ، وفي دولتي ، لم أظلم فيه أحداً ، فمن سفهي وحداثة سني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة ، وقمت ألتدم مع النساء ، وأضرب وجهي ‏.‏
 مقالة عمر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏ قال الزهري وحدثني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال ‏:‏ لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قام عمر بن الخطاب ، فقال ‏:‏ إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله قد توفي ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات ، ولكنه ذهب إلى ربه ، كما ذهب موسى بن عمران ، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ، ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات ، ووالله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ‏.‏
 شأن أبي بكر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم
قال ‏:‏ وأقبل أبو بكر ، حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر ، وعمر يكلم الناس ، فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى في ناحية البيت ، عليه برد حبرة ، فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ ثم أقبل عليه فقبله ، ثم قال ‏:‏
بأبي أنت وأمي ، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها ، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبداً ، قال ‏:‏ ثم رد البرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج ، وعمر يكلم الناس ، فقال ‏:‏
على رسلك يا عمر ، أنصت ، فأبي إلا أن يتكلم ، فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس ، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه ، وتركوا عمر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال ‏:‏
أيها الناس ، إنه من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبدالله فإن الله حي لا يموت ، قال ‏:‏ ثم تلا هذه الآية ‏(‏ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين ‏)‏ قال ‏:‏فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ ‏.‏
قال وأخذها الناس عن أبي بكر ، فإنما هي في أفواههم ، وقال ‏:‏ فقال أبو هريرة ‏:‏ قال عمر ‏:‏ والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها ، فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي ، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات