الاثنين، 23 أبريل 2012

موسوعة السيرة النبوية : ذكر يوم الرجيع في سنة ثلاث


 ذكر يوم الرجيع في سنة ثلاث


 مقتل خبيب وأصحابه
قال ‏‏:‏‏ حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ، قال ‏‏:‏‏ حدثنا زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال ‏‏:‏‏ حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة ، قال ‏‏:‏‏ قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عَضَل والقارة ‏‏.‏‏
 نسب عضل والقارة
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ عضل والقارة ، من الهون بن خزيمة بن مدركة ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏.‏‏ الهُون ، بضم الهاء ‏‏.‏‏
 النفر من المسلمن الذين ذهبوا لتعليمهم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فقالوا ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، إن فينا إسلاما ، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين ، ويقرئوننا القرآن ، ويعلموننا شرائع الإسلام ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا ستة من أصحابه ، وهم ‏‏:‏‏ مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، حليف حمزة بن عبدالمطلب ؛ وخالد بن البكير الليثي ، حليف بني عدي بن كعب ، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، أخو بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ؛ وخبيب بن عدي ، أخو بني جحجبى بن كلفة بن عمرو بن عوف وزيد بن الدثنة بن معاوية ، أخو بني بياضة بن عمرو بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غصب بن جشم بن الخزرج ؛ وعبدالله بن طارق ، حليف بني ظفر بن الخزرج بن عمرو بن ملاك بن الأوس ‏‏.‏‏
 غدر عضل والقارة بمن أرسلهم الرسول
وأمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، فخرج مع القوم ، حتى إذا كانوا على الرجيع ، ماء لهذيل بناحية الحجاز ، على صدور الهدأة غدروا بهم ، فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم ، وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم ، فأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم ، فقالوا لهم ‏‏:‏‏ إنا والله ما نريد قتلكم ، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة ، ولكم عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم ‏‏.‏‏
 من قتل منهم
فأما مرثد بن أبي مرثد ، وخالد بن البكير ، وعاصم بن ثابت ، فقالوا ‏‏:‏‏ والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا ؛ فقال عاصم بن ثابت ‏‏:‏‏
ما علتي وأنا جلد ونابل * والقوس فيها وتر عنابل
تزل عن صفحتها المعابل * الموت حق والحياة باطل
وكل ما حم الإله نازل * بالمرء والمرء إليه آئل
إن لم أقاتلكم فأمي هابل
‏قال ابن هشام ‏‏:‏‏ هابل ‏‏:‏‏ ثاكل ‏‏.‏‏
وقال عاصم بن ثابت أيضاً ‏‏:‏‏
أبو سليمان وريش المقعد * وضالة مثل الجحيم الموقد
إذا النواجي افترشت لم أرعد * ومجنأ من جلد ثور أجرد
ومؤمن بما على محمد *
وقال عاصم بن ثابت أيضاً ‏‏:‏‏
أبو سليمان ومثلي رامى * وكان قومي معشرا كراما
وكان عاصم بن ثابت يكنى ‏‏:‏‏ أبا سليمان ‏‏.‏‏ ثم قاتل القوم حتى قتل وقتل صاحباه ‏‏.‏‏
 حماية الدبر عاصما
فلما قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه ، ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد ، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد ‏‏:‏‏ لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر ، فمنعه الدبر ، فلما حالت بينه وبينهم ، قالوا ‏‏:‏‏ دعوه يمسي فتذهب عنه ‏‏.‏‏ فنأخذه فبعث الله الوادي ، فاحتمل عاصما ، فذهب به ‏‏.‏‏ وقد كان عاصم قد أعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك ، ولا يمس مشركا أبدا ، تنجسا ؛ فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ‏‏:‏‏ حين بلغه أن الدبر منعته ‏‏:‏‏ ‏‏"‏‏ يحفظ الله العبد المؤمن ‏‏"‏‏ كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ، ولا يمس مشركا أبدا في حياته ، فمنعه الله بعد وفاته ، كما امتنع منه في حياته ‏‏.‏‏ ‏
 بيع خبيب وابن الدثنة وقتل عبدالله بن طارق
وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي ، وعبدالله بن طارق فلانوا ورقوا ورغبوا في الحياة ، فأعطوا بأيديهم فأسروهم ، ثم خرجوا إلى مكة ، ليبيعوهم بها ، حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبدالله بن طارق يده من القران ، ثم أخذ سيفه ، واستأخر عنه القوم ، فرموه بالحجارة حتى قتلوه ، فقبره ، رحمه الله ، بالظهران ؛ وأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة فقدموا بهما مكة ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ فباعوهما من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فابتاع خبيبا حُجير بن أبي إهاب التميمي ، حليف بني نوفل ، لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل ، وكان أبو إهاب أخا الحارث بن عامر لأمه لقتله بأبيه ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الحارث بن عامر ، خال أبي إهاب ، وأبو إهاب أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم ؛ ويقال ‏‏:‏‏ أحد بني عدس بن زيد بن عبدالله بن دارم ، من بني تميم ‏‏.‏‏
 من قوة إيمان ابن الدثنة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه ، أمية بن خلف ، وبعث به صفوان بن أمية مع مولى له ، يقال له نسطاس ، إلى التنعيم ، وأخرجوه من الحرم ليقتلوه ‏‏.‏‏ واجتمع رهط من قريش ، فيهم أبو سفيان بن حرب ؛ فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل ‏‏:‏‏ أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه ، وأنك في أهلك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ ‏والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه ، وأني جالس في أهلي ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ يقول أبو سفيان ‏‏:‏‏ ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمدٍ محمدا ؛ ثم قتله نِسطاس ، يرحمه الله ‏‏.‏‏
 دعوة خبيب ومقتله
وأما خبيب بن عدي ، فحدثني عبدالله بن أبي نجيح ، أنه حُدّث عن ماوية ، مولاة حجير بن أبي إهاب ، وكانت قد أسلمت ، قالت ‏‏:‏‏ كان خبيب عندي ، حبس في بيتي ، فلقد اطلعت عليه يوما ، وإن في يده لقطفا من عنب ، مثل رأس الرجل يأكل منه ، وما أعلم في أرض الله عنبا يؤكل ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبي نجيح جميعا أنها قالت ‏‏:‏‏ قال لي حين حضَره القتل ‏‏:‏‏ ابعثي إلي بحديدة أتطهر بها للقتل ؛ قالت ‏‏:‏‏ فأعطيت غلاما من الحي الموسى ؛ فقلت ‏‏:‏‏ ادخل بها على هذا الرجل البيت ؛ قالت ‏‏:‏‏ فوالله ما هو إلا أن ولى الغلام بها إليه ؛ فقلت ‏‏:‏‏ ماذا صنعت ، أصاب والله الرجل ثأره بقتل هذا الغلام ، فيكون رجلا برجل ، فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال ‏‏:‏‏ لعمرك ، ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلي ، ثم خلى سبيله ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ إن الغلام ابنها ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ قال عاصم ‏‏:‏‏ ثم خرجوا بخبيب ، حتى إذا جاءوا به إلى التنعيم ليصلبوه ، قال لهم ‏‏:‏‏ إن رأيتم ان تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا ، قالوا ‏‏:‏‏ دونك فاركع ، فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما ، ثم أقبل على القوم فقال ‏‏:‏‏أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فكان خبيب بن عدي أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم رفعوه على خشبة ، فلما أوثقوه ، قال ‏‏:‏‏ اللهم إنّا قد بلغنا رسالة رسولك ، فبلغه الغداة ما يصنع بنا ، ثم قال ‏‏:‏‏ اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم احدا ‏‏.‏‏ ثم قتلوه رحمه الله ‏‏.‏‏
فكان معاوية بن أبي سفيان يقول ‏‏:‏‏ حضرته يومئذ فيمن حضره مع أبي سفيان ، فلقد رأيته يلقيني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب ، وكانوا يقولون ‏‏:‏‏ إن الرجل إذا دعي عليه ، فاضطجع لجنبه زالت عنه ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، عن عقبة بن الحارث ، قال سمعته يقول ‏‏:‏‏ ما أنا والله قتلت خبيبا ، لأني كنت أصغر من ذلك ، ولكن أبا ميسرة ، أخا بن عبدالدار ، أخذ الحربة فجعلها في يدي ، ثم أخذ بيدي وبالحربة ، ثم طعنه بها حتى قتله ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني بعض أصحابنا ، قال ‏‏:‏‏ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي على بعض الشام ، فكانت تصيبه غشية ، وهو بين ظهري القوم ، فذكر ذلك لعمر ابن الخطاب ، وقيل ‏‏:‏‏ إن الرجل مصاب ، فسأله عمر في قدمة قدمها عليه ، فقال ‏‏:‏‏ يا سعيد ، ما هذا الذي يصيبك ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس ، ولكني كنت فيمن حضر خبيب بن عدي حين قتل ، وسمعت دعوته ، فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي علي ، فزادته عند عمر خيرا ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أقام خبيب في أيديهم حتى انقضت الأشهر الحرم ، ثم قتلوه ‏‏.‏‏
 ما نزل في سرية الرجيع من القرآن
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان مما نزل من القرآن في تلك السرية ، كما حدثني مولى لآل زيد ابن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ قال ابن عباس ‏‏:‏‏ لما أُصيبت السرية التي كان فيها مرثد وعاصم بالرجيع ، قال رجال من المنافقين ‏‏:‏‏ يا ويح هؤلاء المقتولين الذي هلكوا ، لا هم قعدوا في أهليهم ، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم ، فأنزل الله تعالى في ذلك من قول المنافقين ، وما أصاب أولئك النفر من الخير بالذي أصابهم ، فقال سبحانه ‏‏:‏‏ ‏‏"‏‏ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ‏‏"‏‏‏‏:‏‏ أي لما يُظهر من الإسلام بلسانه ، ‏‏"‏‏ ويشهد الله على ما في قلبه ‏‏"‏‏ وهو مخالف لما يقول بلسانه ، ‏‏"‏‏ وهو ألد الخصام ‏‏"‏‏ أي ‏‏:‏‏ ذو جدال إذا كلمك واجعك ‏‏.‏‏
 تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الألد ‏‏:‏‏ الذي يشغب ، فتشتد خصومته ، وجمعه ‏‏:‏‏ لُدّ ‏‏.‏‏ وفي كتاب الله عز وجل ‏‏:‏‏ ‏‏"‏‏ وتنذر به قوما لدا ‏‏"‏‏ ‏‏.‏‏ وقال المهلهل‏ بن ربيعة التغلبي ‏‏:‏‏ واسمه امرؤ القيس ، ويقال ‏‏:‏‏ عدي بن ربيعة ‏‏:‏‏
إن تحت الأحجار حدا ولينا * وخصيما ألد ذا معلاق
ويروي ‏‏:‏‏ ‏‏"‏‏ ذا مغلاق ‏‏"‏‏ فيما قال ابن هشام ‏‏.‏‏ وهذا البيت في قصيدة له ؛ وهو الألندد ‏‏.‏‏
قال الطرماح بن حكيم الطائي يصف الحرباء ‏‏:‏‏
يوفي على جذم الجذول كأنه خصم أبر على الخصوم ألندد
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ قال تعالى ‏‏"‏‏ وإذا تولى ‏‏"‏‏‏‏:‏‏ أي خرج من عندك ‏‏"‏‏ سعى في الأرض ليفسد فيها ، ويهلك الحرث والنسل ، والله لا يحب الفساد ‏‏"‏‏ أي ‏‏:‏‏ لا يحب عمله ولا يرضاه ‏‏"‏‏ وإذ قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ‏‏.‏‏ ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد ‏‏"‏‏‏‏:‏‏ أي قد شروا أنفسهم من الله بالجهاد في سبيله ، والقيام بحقه ، حتى هلكوا على ذلك ، يعني تلك السرية ‏‏.‏‏
 تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يشري نفسه ‏‏:‏‏ يبيع نفسه ، وشروا ‏‏:‏‏ باعوا ‏‏.‏‏ قال يزيد ابن ربيعة بن مفرغ الحميري ‏‏:‏‏
وشريت بردا ليتني * من بعد برد كنت هامة
برد ‏‏:‏‏ غلام له باعه ‏‏.‏‏ وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وشرى أيضاً ‏‏:‏‏ اشترى ‏‏.‏‏
قال الشاعر ‏‏:‏‏
فقلت لها لا تجزعي أم مالك * على ابنيك إن عبد لئيم شراهما
 من اجتمعوا لقتل خبيب
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان الذين أجلبوا على خبيب في قتله حين قتل من قريش ، عكرمة بن أبي جهل ،وسعيد بن عبدالله بن أبي قيس بن عبد ود ،والأخنس بن شريق الثقفي ،حليف بني زهرة ، وعبيدة بن حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي ، حليف بني أمية بن عبد شمس ، وأمية بن أبي عتبة ، وبنو الحضرمي