الخبر والإنشاء
[أقسام الكلام]
اعلم أن الحذاق من النحاة وغيرهم وأهل البيان قاطبة : على انحصار الكلام فيهما ، وأنه ليس لهما قسم ثالث.
وادعى قوم أن أقسام الكلام عشرة: نداء ، ومسئلة ، وأمر ، وتشفع ، وتعجب ، وقسم ، وشرط ،ووضع ، وشك ، واستفهام.
وقيل : تسعة بإسقاط الاستفهام لدخوله في المسئلة.
وقيل : تسعة بإسقاط الشك لأنه من قسم الخبر.
وقال الأخفش: هي ستة .. خبر ، واستخبار ، وأمر ، ونهي ، ونداء ، وتمن.
وقال بعضهم خمسة: خبر ، وأمر ، وتصريح ، وطلب ، ونداء.
وقال قوم: أربعة: خبر ، واستخبار ، وطلب ، ونداء.
وقال كثيرون: ثلاثة: خبر ، وطلب ، وإنشاء.
قالوا لأن الكلام إما أن يحتمل التصديق والتكذيب أولًا.
الأول الخبر.
والثاني إن اقترن معناه بلفظه .. فهو الإنشاء.
وإن لم يقترن بل تأخر عنه .. فهو الطلب.
والمحققون : على دخول الطلب في الإنشاء ، وأن معنى اضرب مثلًا وهوطلب الضرب مقترن بلفظه ، وأما الضرب الذي يوجد بعد ذلك فهو متعلق الطلب لا نفسه.
[حد الخبر]
وقد اختلف الناس في حد الخبر .
فقيل: لا يحد ؛ لعسره .
وقيل : يحد ؛ لأنه ضروري لأن الإنسان يفرق بين الإنشاء والخبر ضرورة ، ورجحه الإمام في المحصول.
والأكثر على حده .
فقال القاضي أبو بكر والمعتزلة:
الخبر الكلام الذي يدخله الصدق والكذب.
وأورد عليه خبر الله تعالى فإنه لا يكون إلا صادقًا.
فأجاب القاضي : بأنه يصح دخوله لغة.
وقيل : الذي يدخله التصديق والتكذيب وهوسالم من الإيراد المذكور.
وقال أبو الحسن البصري:
كلام يفيد بنفسه نسبة .
وأورد عليه قم فإنه يدخل في الحد لأن القيام منسوب والطلب منسوب.
وقيل :
الكلام .. ليفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور إلى أمر من الأمور نفيًا أوإثباتًا.
وقيل :
القول .. ليقتضي بصريحه نسبة معلوم إلى معلوم بالنفي أوالإثبات.
وقال بعض المتأخرين:
الإنشاء : ما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام.
والخبر : خلافه.
وقال بعض من جعل الأقسام ثلاثة:
الكلام إن أفاد بالوضع طلبًا فلا يخلو إما أن يكون بطلب ذكر الماهية أوتحصيلها أوالكف عنها.
والأول : الاستفهام.
والثاني : الأمر.
والثالث : النهي.
وإن لم يفد طلبًا بالوضع : فإن لم يحتمل الصدق والكذب .. سمي تنبيهًا وإنشاء ؛ لأنك نبهت به عن مقصودك وأنشأته ، أي ابتكرته
ثم غير أن يكون موجودًا في الخارج سواء أفاد طلبًا باللازم كالتمني والترجي والنداء والقسم أم لا كأنت طالق وإن احتملهما من حيث : فهوخبر.
فصل
القصد بالخبر : إفادة المخاطب.
وقد يرد بمعنى : الأمر .. نحو (والوالدات يرضعن) (والمطلقات يتربصن)
وبمعنى : النهي .. نحو {لا يمسه إلا المطهرون}
وبمعنى : الدعاء .. نحو {وإياك نستعين} أي أعنا ، ومنه (تبت يدا أبي لهب وتب) فإنه دعاء عليه ، وكذا (قاتلهم الله) (غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا) وجعل منه قوم (حصرت صدورهم) قالوا : هو دعاء عليهم بضيق صدورهم عن قتال أحد.
ونازع ابن العربي : في قولهم إن الخبر يرد بمعنى .. الأمر أوالنهي.
قال : في قوله تعالى (فلا رفث) ليس نفيًا لوجود الرفث بل نفي لمشروعيته فإن الرفث يوجد من بعض الناس وأخبار الله تعالى لا يجوز أن تقع بخلاف مخبره وإنما يرجع النفي إلى وجوده مشروعًا لا إلى وجوده محسوسًا ، كقوله (والمطلقات يتربصن) ومعناه مشروعًا لا محسوسًا ، فإنا نجد مطلقات لا يتربصن ، فعاد النفي إلى الحكم الشرعي لا إلى الوجود الحسي ، وكذا (لا يمسه إلا المطهرون) أي لا يمسه أحد منهم شرعًا ، فإن وجد المس فعلى خلاف حكم الشرع.
قال: وهذه الدفينة التي فاتت العلماء ؛ فقالوا " إن الخبر يكون بمعنى النهي" وما وجد ذلك قط ، ولا يصح أن يوجد ، فإنها مختلفان حقيقة متباينان وضعًا .. انتهى.
فرع
من أقسام الخبر على الأصح
التعجب
قال ابن فارس: وهوتفضيل شيء على أضرابه.
وقال ابن الصائغ: استعظام صفة خرج بها المتعجب منه عن نظائره.
وقال الزمخشري: معنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين ؛ لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله.
وقال الرماني: المطلوب في التعجب الإبهام ؛ لأن من شأن الناس أن يتعجبوا مما لا يعرف سببه ، فكلما استبهم السبب كان التعجب أحسن .
قال: وأصل التعجب إنما هو للمعنى الخفي سببه ، والصيغة الدالة عليه تسمى تعجبًا مجازًا.
قال: ومن أجل الإبهام لم تعمل نعم إلا في الجنس من اجل التفخيم ليقع التفسير على نحو التفخيم بالإضمار قبل الذكر.
ثم قد وضعوا للتعجب صيغًا من لفظه ، وهي : ما أفعل ، وأفعل به ، وصيغًا من غير لفظه، نحو ..كبر كقوله {كبرت كلمة تخرج من أفواههم} {كبر مقتًا عند الله} {كيف تكفرون بالله}.
قاعدة
قال المحققون:
إذا ورد التعجب من الله : صرف إلى المخاطب .. كقوله {فما أصبرهم على النار) أي هؤلاء يجب أن يتعجب منهم ، وإنما لا يوصف تعالى بالتعجب ؛ لأنه استعظام يصحبه الجهل، وهو تعالى منزه عن ذلك.
ولهذا تعبر جماعة بالتعجب بدله: أي أنه تعجيب من الله للمخاطبين .
ونظير هذا : مجيء الدعاء والترجي منه تعالى إنما هوبالنظر إلى ما تفهمه العرب .. أي هؤلاء يجب أن يقال لهم عندكم هذا
ولذلك قال سيبويه :
في قوله {لعله يتذكر أويخشى) المعنى: اذهبا على رجائكما وطمعكما
وفي قوله {ويل للمطففين} {ويل يومئذ للمكذبين} لا تقل هذا دعاء ؛ لأن الكلام بذلك قبيح ، ولكن العرب إنما تكلموا بكلامهم ، وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يعنون ، فكأنه قيل لهم (ويل للمطففين) أي هؤلاء ممن وجب القول لهم ؛ لأن هذا الكلام إنما يقال لصاحب الشرور والهلكة ، فقيل هؤلاء ممن دخل في الهلكة.
فرع
من أقسام الخبر
الوعد والوعيد
نحو {سنريهم آياتنا في الآفاق} {وسيعلم الذين ظلموا} وفي كلام ابن قتيبة ما يوهم أنه إنشاء.
فرع
من أقسام الخبر
النفي
بل هو شطر الكلام كله .
والفرق بينه وبين الجحد : أن النافي إن كان صادقًا سمي كلامه نفيًا ولا يسمى جحدًا ، وإن كان كاذبًا سمي جحدًا ونفيًا أيضًا.
فكل جحد نفي وليس كل نفي جحدًا.
ذكره أبو جعفر النحاس وابن الشجري وغيرهما.
مثال النفي {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم}
ومثال الجحد : نفي فرعون وقومه آيات موسى قال تعالى {فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنها أنفسهم}
أدوات النفي
لا ، ولات ، وليس ، وما ، وإن ، ولم ، ولما.
قال الحوبي: وأصل أدوات النفي .. لوما ؛ لأن النفي إما في الماضي وإما في المستقبل ، والاستقبال أكثر من الماضي أبدًا ، ولا أخف من ما ، فوضعوا الأخف للأكثر.
ثم إن النفي في الماضي : إما أن يكون نفيًا واحدًا مستمرًا ، أونفيًا فيه أحكام متعددة ، وكذلك النفي في المستقبل ، فصار النفي على أربعة أقسام ، واختاروا له أربع كلمات ، ما ولم ولن ولا .
وأما إن ولما : فليستا بأصلين .. فما ولا في الماضي والمستقبل متقابلان ، ولم كأنه مأخوذ من لا وما ؛ لأن لم نفي للاستقبال لفظًا والمضي معنى فأخذ اللام من لا التي هي لنفي المستقبل والميم من ما التي هي لنفي الماضي وجمع بينهما إشارة إلى أن في لم إشارة إلى المستقبل والماضي ، وقدم اللام على الميم إشارة إلى أن لا هي أصل النفي ، ولهذا ينفى بها في أثناء الكلام ، فيقال: لم يفعل زيد ولا عمرو.
وأما لما : فتركيب بعد تركيب ، كأنه قال: لم وما ، لتوكيد معنى النفي في الماضي، وتفيد الاستقبال أيضًا ، ولهذا تفيد لما الاستمرار.
تنبيهات
الأول : زعم بعضهم أن شرط صحة النفي عن الشيء صحة اتصال المنفي عنه بذلك الشيء.
وهو مردود : بقوله تعالى {وما ربك بغافل عما يعملون} {وما كان ربك نسيًا} {لا تأخذه سنة ولا نوم} ونظائره
والصواب : أن انتفاء الشيء عن الشيء .. قد يكون لكونه لا يمكن منه عقلًا ، وقد يكون لكونه لا يقع منه مع إمكانه
<b>الثاني: نفي الذات الموصوفة .. قد يكون نفيًا للصفة دون الذات ، وقد يكون نفيًا للذات أيضًا.
من الأول : {وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطعام} أي بل هم جسدًا يأكلونه.
ومن الثاني : {لا يسألون الناس إلحافًا} أي لا سؤال لهم أصلًا فلا يحصل منهم إلحاف (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) أي لا شفيع لهم أصلًا {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} أي لا شافعين لهم تنفعهم شفاعتهم ، بدليل (فما لنا من شافعين)
ويسمى هذا النوع عند أهل البديع : نفي الشيء بإيجابه.
وعبارة ابن رشيق في تفسيره: أن يكون الكلام ظاهره إيجاب الشيء وباطنه نفيه بأن ينفي ما هو من سببه كوصفه ، وهوالمنفي في الباطن.
وعبارة غيره: أن ينفي الشيء مقيدًا والمراد نفيه مطلقًا مبالغة في النفي وتأكيدًا له، ومنه (ومن يدع مع الله إلهًا آخر لا برهان له به) فإن إله مع الله لا يكون إلا عن غير برهان (ويقتلون النبيين بغير حق) فإن قتلهم لا يكون إلا بغير حق (رفع السموات بغير عمد ترونها) فإنها لا عمد لها أصلًا.
الثالث: قد يراد به نفي الشيء رأسًا ؛ لعدم كمال وصفة وانتفاء ثمرته ، كقوله في صفة أهل النار {لا يموت فيها ولا يحيا} فنفي عنه الموت ؛ لأنه ليس بموت صريح ، ونفى عنه الحياة ؛ لأنها ليست بحياة طيبة ولا نافعة {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} فإن المعتزلة احتجوا بها على نفي الرؤية ، فإن النظر في قوله تعالى {إلى ربها ناظرة} لا يستلزم الإبصار.
ورد : بأن المعنى أنها تنظر إليه بإقبالها عليه وليست تبصر شيئًا {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} فإنه وصفهم أولًا بالعلم على سبيل التوكيد القسمي ثم نفاه آخرًا عنهم لعدم جريهم على موجب العلم.. قاله السكاكي.
الرابع: قالوا المجاز يصح نفيه بخلاف الحقيقة .
وأشكل على ذلك {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} فإن المنفي فيه الحقيقة.
وأجيب بأن المراد بالرمي هنا : المترتب عليه ، وهو وصوله إلى الكفار ، فالوارد عليه النفي هنا مجازا لا حقيقة ، والتقدير: وما رميت خلقًا إذ رميت كسبًا
الخامس: نفي الاستطاعة قد يراد به .. نفي القدرة والإمكان ، وقد يراد نفي الامتناع ، وقد يراد به الوقوع بمشقة وكلفة
من الأول: {فلا يستطيعون توصية} {فلا يستطيعون ردها} {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبًا}
ومن الثاني: (هل يستطيع ربك) على القراءتين: أي هل يفعل ، أوهل تجيبنا إلى أن تسأل ، فقد علموا أنه قادر على الإنزال وأن عيسى قادر على السؤال.
ومن الثالث :{إنك لن تستطيع معي صبرًا}
قاعدة
نفي العام يدل على نفي الخاص ، وثبوته لا يدل على ثبوته .
وثبوت الخاص يدل على ثبوت العام ، ونفيه لا يدل على نفيه .
ولا شك أن زيادة المفهوم من اللفظ : توجب الالتذاذ به ؛ فلذلك كان نفي العام أحسن من نفي الخاص ، وإثبات الخاص أحسن من إثبات العام
فالأول : كقوله {فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم} لم يقل بضوئهم بعد قوله أضاءت ؛ لأن النور أعم من الضوء إذ يقال على القليل والكثير ، وإنما يقال الضوء على النور الكثير.
ولذلك قال {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورًا} ففي الضوء دلالة على النور، فهو أخص منه فعدمه يوجب عدم الضوء بخلاف العكس ، والقصد إزالة النور عنهم أصلًا ولذا قال عقبه {وتركهم في ظلمات} ومنه : (ليس بي ضلالة) ولم يقل ضلال كما قالوا (إنا لنراك في ضلال) لأنها أعم منه ، فكان أبلغ في نفي الضلال ، وعبر عن هذا بأن نفي الواحد يلزم منه نفي الجنس ألبتة وبأن نفي الأدنى يلزم منه نفي الأعلى.
والثاني : كقوله {وجنة عرضها السموات والأرض} ولم يقل طولهن ؛ لأن العرض أخص إذ كل ما له عرض فله طول ولا ينعكس .
ونظير هذه القاعدة : أن نفي المبالغة في الفعل لا يستلزم نفي أصل الفعل.
وقد أشكل على هذا آيتان:
قوله تعالى (وما ربك بظلام للعبيد)
وقوله {وما كان ربك نسيًا}.
وأجيب عن الآية الأولى بأجوبة :
أحدها : إن ظلامًا وإن كان للكثرة لكنه جيء به في مقابلة العبيد الذي هو جمع كثرة ويرشحه أنه تعالى قال (علام الغيوب) فقابل صيغة فعال الجمع ، وقال في آية أخرى (عالم الغيب) فقابل صيغة فاعل الدالة على أصل الفعل بالواحد.
الثاني : أنه نفى الظلم الكثير لينتفي القليل ضرورة ؛ لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم فإذا ترك الكثير مع زيادة نفعه فلأن يترك القليل أولى.
الثالث : أنه على النسبة: أي بذي ظلم حكاه ابن مالك عن المحققين.
الرابع: أنه أتى بمعنى فاعل لا كثرة فيه.
الخامس: أن أقل القليل لوورد منه تعالى لكان كثيرًا كما يقال: زلة العالم كبيرة.
السادس: أنه أراد ليس بظالم ليس بظالم ليس بظالم تأكيدًا للنفي فعبر عن ذلك بليس بظلام.
السابع: أنه ورد جوابًا لمن قال ظلام والتكرار إذا ورد جوابًا لكلام خاص لم يكن له مفهوم.
الثامن: أن صيغة المبالغة وغيرها من صفات الله سواء في الإثبات فجرى النفي على ذلك.
التاسع: أنه قصد التعريض بأن ثم ظلامًا للعبيد من ولاة الجور.
ويجاب عن الثانية :
بهذه فائدة قال صاحب الياقوتة: قال ثعلب والمبرد:
العرب إذا جاءت بين الكلامين بجحدين : كان الكلام إخبارًا .. نحو {وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطعام} والمعنى: إنما جعلناهم جسدًا يأكلون الطعام.
وإذا كان الجحد في أول لكلام : كان جحدًا حقيقيًا .. نحو: ما زيد بخارج.
وإذا كان في أول الكلام جحدان : كان أحدهما زائدًا .
وعليه : (فيما أن مكناكم فيه) في أحد الأقوال.
فصل
من أقسام الإنشاء
الاستفهام
وهو : طلب الفهم ، وهو بمعنى الاستخبار.
وقيل الاستخبار ما سبق أولًا ولم يفهم حق الفهم فإذا سألت عنه ثانيًا كان استفهامًا حكاه ابن فارس في فقه اللغة وأدواته الهمزة وهل وما ومن وأي وكم وكيف وأين وأني ومتى وأيان ومرت في الأدوات.
قال ابن مالك في المصباح: وما عدا الهمزة نائب عنها ولكونه طلب ارتسام صورة ما في الخارج في الذهن لزم أن لا يكون حقيقة إلا إذا صدر من شاك مصدق بإمكان الإعلام فإن غير الشاكي إذا استفهم يلزم منه تحصيل الحاصل وإذا لم يصدق بإمكان الإعلام انتفت عنه فائدة الاستفهام.
قال بعض الأئمة: وما جاء في القرآن على لفظ الاستفهام فإنما يقع في خطاب الله على معنى أن المخاطب عنده علم ذلك الإثبات أوالنفي حاصل.
وقد تستعمل صيغة الاستفهام في غيره مجازًا .
وألف في ذلك العلامة شمس الدين بن الصائغ كتابًا سماه روض الأفهام في أقسام الاستفهام قال فيه :
قد توسعت العرب فأخرجت الاستفهام عن حقيقته لمعان أوأشربته تلك المعاني ولا يختص التجوز في ذلك بالهمزة خلافًا للصفار.
الأول:
الإنكار .
والمعنى فيه على النفي وما بعده منفي : ولذلك تصحبه ، إلا كقوله :
{فهل يهلك إلا القوم الفاسقون}.
{وهل يجازي إلا الكفور}
وعطف عليه المنفي في قوله {فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين أي لا يهدي
ومنه {أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} {أنؤمن لبشرين مثلنا} أي لا نؤمن
{أم له البنات ولكم البنون} {ألكم الذكر وله الأنثى} أي لا يكون هذا
(اشهدوا خلقهم) أي ما شهدوا ذلك
وكثيرًا ما يصحبه التكذيب.
وهوفي الماضي بمعنى : لم يكن. نحو {أفأصفاكم ربكم بالبنين} الآية: أي لم يفعل ذلك
وفي المستقبل بمعنى : لا يكون. نحو {أنلزمكموها وأنتم لها كارهون} أي لا يكون هذا الإلزام.
الثاني:
التوبيخ
وجعله بعضهم من قبيل الإنكار إلا أن الأول إنكار إبطال وهذا إنكار توبيخ
والمعنى : على أن ما بعده واقع جدير بأن ينفي ، فالنفي هنا غير قصدي والإثبات قصدي عكس ما تقدم.
ويعبر عن ذلك بالتقريع أيضًا نحو {أفعصيت أمري} {أتعبدون ما تنحتون} أتدعون بعلًا وتذرون أحسن الخالقين
وأكثر ما يقع التوبيخ : في أمر ثابت ، ووبخ على فعله كما ذكر
ويقع على ترك فعل كان ينبغي أن يقع ،
كقوله {أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر} {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}.
الثالث:
التقرير
وهوحمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده.
قال ابن جني: ولا يستعمل ذلك بهل كما يستعمل بغيرها من أدوات الاستفهام.
وقال الكندي: ذهب كثير من العلماء في قوله {هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم} إلى أن هل تشارك الهمزة في معنى التقرير أوالتوبيخ إلا أني رأيت أبًا على أبي ذلك وهو معذور فإن ذلك من قبيل الإنكار.
ونقل أبوحيان عن سيبويه : أن استفهام التقرير لا يكون بهل ، إنما يستعمل فيه الهمزة
ثم نقل عن بعضهم : أن هل تأتي تقريرًا كما في قوله تعالى (هل في ذلك قسم لذي حجر)
والكلام مع التقرير موجب ؛ ولذلك يعطف عليه صريح الموجب ، ويعطف على صريح الموجب.
فالأول : كقوله تعالى (ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك) (ألم يجدك يتيمًا فآوى ووجدك) (ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل)
والثاني : نحو {أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علمًا} على ما قرره الجرجاني من جعلها مثل {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا}
وحقيقة استفهام التقرير : أنه استفهام إنكار ، والإنكار نفي ، وقد دخل على النفي ، ونفي النفي إثبات.
ومن أمثلته : (أليس الله بكاف عبده). (ألست بربكم)
وجعل منه الزمخشري : (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير)
الرابع:
التعجب أوالتعجيب
نحو (كيف تكفرون بالله) (مالي لا أرى الهدهد)
وقد اجتمع هذا القسم وسابقاه في قوله {أتأمرون الناس بالبر}
قال الزمخشري: الهمزة للتقرير مع التوبيخ والتعجب.
الخامس
العتاب.
كقوله {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} قال ابن مسعود: ما كان ببن إسلامهم وبين أن عوتبوا بهذه الآية إلا أربع سنين أخرجه الحاكم.
ومن ألطفه : ما عاتب الله به خير خلقه بقوله {عفا الله عنك لم أذنت لهم} ولم يتأدب الزمخشري بأدب الله في هذه الآية على عادته في سوء الأدب.
السادس:
التذكير ، وفيه نوع اختصار.
كقوله {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان} {ألم أقل لكم أني أعلم غيب السموات والأرض} {هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه}
السابع:
الافتخار
نحو {أليس لي ملك مصر}
الثامن:
التفخيم
نحو : (مال هذا الكتاب ما يغادر صغيرة ولا كبيرة).
التاسع:
التهويل والتخويف
نحو {الحاقة ما الحاقة} {القارعة ما القارعة}.
العاشر:
عكسه وهوالتسهيل والتخفيف
نحو {وماذا عليهم لو آمنوا}.
الحادي عشر:
التهديد والوعيد
نحو {ألم نهلك الأولين}.
الثاني عشر:
التكثير
نحو {وكم من قرية أهلكناها}.
الثالث عشر:
التسوية
وهوالاستفهام الداخل على جملة يصح حلول المصدر محلها
نحو {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم}.
الرابع عشر:
الأمر
نحو : (أأسلمنم) أي أسلموا {فهل أنتم منتهون} أي انتهوا أتصبرون أي اصبروا.
الخامس عشر:
التنبيه
وهومن أقسام الأمر :
نحو {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} أي انظر {الم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة}
ذكره صاحب الكشاف عن سيبويه ؛ ولذلك رفع الفعل في جوابه
وجعل منه قوله {فأين تذهبون} للتنبيه على الضلال .
وكذا : (من يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه).
السادس عشر:
الترغيب
نحو {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا} {هل أدلكم على تجارة تنجيكم}
السابع عشر:
النهي
نحو {أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه} بدليل فلا تخشوا الناس واخشوني {ما غرك بربك الكريم} أي لا تغتر.
الثامن عشر:
الدعاء
وهو كالنهي إلا أنه من الأدنى إلى الأعلى
نحو {أتهلكنا بما فعل السفهاء} أي لا تهلكنا.
التاسع عشر:
الاسترشاد
نحو {أتجعل فيها من يفسد فيها}.
العشرون:
التمني
نحو {فهل لنا من شفعاء}.
الحادي والعشرون:
الاستبطاء
نحو {متى نصر الله} .
الثاني والعشرون:
العرض
نحو {ألا تحبون أن يغفر الله لكم}.
الثالث والعشرون:
التحضيض
نحو {ألا تقاتلون قومًا نكثوا إيمانهم}.
الرابع والعشرون:
التجاهل
نحو {أأنزل عليه الذكر من بيننا}.
الخامس والعشرون:
التعظيم
نحو {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}.
السادس والعشرون:
التحقير
نحو (أهذا الذي يذكر آلهتكم) {أهذا الذي بعث الله رسولًا} ويحتمله وما قبله قراءة من فرعون.
السابع والعشرون:
الاكتفاء
نحو {أليس في جهنم مثوى للمتكبرين}.
الثامن والعشرون:
الاستبعاد
نحو {أنى لهم الذكرى}.
التاسع والعشرون:
الإيناس
نحو {وما تلك بيمينك يا موسى}.
الثلاثون:
التهكم والاستهزاء
نحو {أصلواتك تأمرك} ألا تأكلون {مالكم لا تنطقون}.
الحادي والثلاثون:
التأكيد لما سبق من معنى أداة الاستفهام قبله
كقوله {أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار)
قال الموفق عبد اللطيف البغدادي: أي من حق عليه كلمة العذاب فإنك لا تنقذه فمن الشرط والفاء جواب الشرط والهمزة في أفأنت دخلت معادة لطول الكلام وهذا نوع من أنواعها.
وقال الزمخشري: الهمزة الثانية هي الأولى كررت لتوكيد معنى الإنكار والاستبعاد.
الثاني والثلاثون:
الإخبار
نحو {أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا} {هل أتى على الإنسان}.
تنبيهان:
الأول :
هل يقال أن معنى الاستفهام في هذه الأشياء موجودة وانضم إليه معنى آخر أوتجرد عن الاستفهام بالكلية .. ؟
قال في عروس الأفراح: محل النظر.
قال: والذي يظهر الأول.
قال: ويساعده قول التنوخي في الأقصى القريب أن لعل تكون للاستفهام مع بقاء الترجي
قال: ومما يرجحه أن الاستبطاء في قوله كم أدعوك ، معناه: أن الدعاء وصل إلى حد لا أعلم عدده ، فأنا أطلب أن أعلم عدده ، والعادة تقضي بأن الشخص إنما يستفهم عن عدد ما صدر منه إذا كثر فلم يعلمه ، وفي طلب فهم عدده ما يشعر بالاستبطاء.
وأما التعجب فلاستفهام معه مستمر فمن تعجب من شيء فهو بلسان الحال سائل عن سببه فكأنه يقول: أي شيء عرض لي في حال عدم رؤية الهدهد
وقد صرح في الكشاف ببقاء الاستفهام في هذه الآية.
وأما التنبيه عن الضلال : فالاستفهام فيه حقيقي ؛ لأن معنى أين تذهب: أخبرني إلى أي مكان تذهب فإني لا أعرف ذلك؟ وغاية الضلال : لا يشعر إلى أين تنتهي.
وأما التقرير : فإن قلنا المراد به الحكم بثبوته ، فهوخبر بأن المذكور عقيب الأداة واقع ، أوطلب إقرار المخاطب به مع كون السائل يعلم ، فهواستفهام يقرر المخاطب: أي يطلب منه أن يكون مقرًا به.
وفي كلام أهل الفن : ما يقتضي الاحتمالين ، والثاني اظهر.
وفي الإيضاح تصريح به ولا بدع في صدور الاستفهام ممن يعلم المستفهم عنه لأنه طلب الفهم وأما طلب فهم المستفهم أووقوع فهم لمن لم يفهم كائنًا من كان وبهذا تنحل إشكالات كثيرة في مواقع الاستفهام ويظهر بالتأمل بقاء معنى الاستفهام مع كل أمر من الأمور المذكورة .. انتهى ملخصًا.
الثاني :
القاعدة : أن المنكر يجب أن يلي الهمزة ، وأشكل عليها قوله تعالى (أفأصفاكم ربكم بالبنين) فإن الذي يليها هنا الإصفاء بالبنين وليس هو المنكر ، إنما المنكر : قولهم .. اتخذ من الملائكة إناثًا .
وأجيب : بأن لفظ الإصغاء مشعر بزعم أن البنات لغيرهم أوبأن المراد مجموع الجملتين وينحل منهما كلام واحد.
والتقدير: أجمع بين الإصفاء بالبنين واتخاذ البنات وأشكل منه قوله {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} ووجه الإشكال أنه لا جائز أن يكون المنكر أمر الناس بالبر فقط كما تقتضيه القاعدة المذكورة لأن أمر البر ليس مما ينكر ولا نسيان النفس فقط لأنه يصير ذكر أمر الناس بالبر لا مدخل له ولا مجموع الأمرين لأنه يلزم أن تكون العبادة جزء المنكر ولا نسيان النفس بشرط الأمر لأن النسيان منكر مطلقًا ولا يكون نسيان النفس حال الأمر أشد منه حال عدم الأمر لأن المعصية لا تزداد بشاعتها بانضمامها إلى الطاعة لأن جمهور العلماء على أن الأمر بالبر واجب وإن كان الإنسان ناسيًا لنفسه وأمره لغيره بالبر كيف يضاعف بمعصية نسيان ولا يأتي الخير بالشر قال في عروس الأفراح: ويجاب بأن فعل المعصية مع النهي عنها أفحش لأنها تجعل حال الإنسان كالمتناقض ويجعل القول كالمخالف للفعل ولذلك كانت المعصية مع العلم أفحش منها مع الجهل.
قال: ولكن الجواب على أن الطاعة الصرفة كيف تضاعف المعصية المقارنة لها من جنسها فيه دقة.
فصل:
من أقسام الإنشاء :
الأمر .. وهو طلب فعل غير كف .
وصيغته : أفعل ولتفعل ،
وهي حقيقة : في الإيجاب ، نحو (أقيموا الصلاة) (فليصلوا معك)
وترد مجازًا : لمعان أخر.
منها :
الندب ، نحو (وإذا قريء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا)
والإباحة ، نحو (فكاتبوهم) نص الشافعي على أن الأمر فيه للإباحة.ومنه (وإذا حللتم فاصطادوا)
والدعاء من السافل للعالي ، نحو (ربي اغفر لي)
والتهديد ، نحو (اعملوا ما شئتم) إذ ليس المراد الأمر بكل عمل شاءوا.
والإهانة .. نحو (ذق إنك أنت العزيز الكريم)
والتسخير .. أي التذليل ، نحو (كونوا قردة) عير به عن نقلهم من حالة إلى حالة إذلالًا لهم ، فهوأخص من الإهانة.
والتعجيز .. نحو (فأتوا بسورة من مثله) إذ ليس المراد طلب ذلك منهم بل إظهار عجزهم.
والامتنان .. نحو (كلوا من ثمره إذا أثمر)
والعجب .. نحو {انظر كيف ضربوا لك الأمثال}
والتسوية ..نحو {فاصبروا أولا تصبروا}
والإرشاد .. نحو {وأشهدوا إذا تبايعتم}
والاحتقار .. نحو {ألقوا ما أنتم ملقون}
والإنذار .. نحو (قل تمتعوا)
والإكرام ..نحو {ادخلوها بسلام}
والتكوين .. وهو أعم من التسخير ، نحو (كن فيكون)
والإنعام .. أي تذكير النعمة ، نحو {كلوا مما رزقكم الله}
والتكذيب .. نحو {قل فائتوا بالتوراة فاتلوها} {قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا}
والمشورة .. نحو (فانظر ماذا ترى)
والاعتبار .. نحو {انظروا إلى ثمره}
والتعجب .. نحو {أسمع بهم وأبصر}
ذكره السكاكي في استعمال الإنشاء بمعنى الخبر.
فصل: ومن أقسامه النهي وهوطلب الكف على فعل وصيغته لا تفعل وهي حقيقة في التحريم وترد مجاز لمعان منها الكراهة نحو {ولا تمش في الأرض مرحًا} والدعاء نحو {ربنا لا تزغ قلوبنا} والإرشاد نحو {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} والتسوية نحو {أو لا تصبروا} والاحتقار والتقليل نحو {لا تمدن عينيك} الآية: أي فهوقليل حقير.
وبيان العاقبة نحو {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء} أي عاقبة الجهاد الحياة لا الموت.
- واليأس نحو لا تعتذروا والإهانة نحو {اخسئوا فيها ولا تكلمون}.
فصل: ومن أقسامه التمني وهوطلب حصول شيء على سبيل المحبة ولا يشترط إمكان المتمني بخلاف المترجي لكن نوزع في تسمية تمني الحال طلبًا بأن ما لا يتوقع كيف يطلب.
قال في عروس الأفراح: فالأحسن ما ذكره الإمام وأتباعه من أن التمني والترجي والنداء والقسم ليس فيه طلب بل تنبيه ولأبدع في تسميته إنشاء أه.
وقد بالغ قوم فجعلوا التمني من قسم الخبر وأن معناه النفي والزمخشري ممن جزم بخلافه.
ثم استشكل دخول التكذيب في جوابه في قوله {يا ليتنا نرد ولا نكذب} إلى قوله {وإنهم لكاذبون} وأجاب بتضمنه معنى العدة فتعلق به التكذيب.
وقال غيره: التمني لا يصح فيه الكذب وإنما الكذب في المتمني الذي يترجح عند صاحبه وقوعه فهوإذن وارد على ذلك الاعتقاد الذي هوظن وهوخبر صحيح قال: وليس المعنى في قوله {وإنهم لكاذبون} أن ما تمنوا ليس بواقع لأنه ورد في معرض الذم لهم وليس في ذلك المتني ذم بل التكذيب ورد على أخبارهم عن أنفسهم أنهم لا يكذبون وأنهم يؤمنون.
وحرف التمني الموضوع له ليت نحو {يا ليتنا نرد} {يا ليت قومي يعلمون} {يا ليتني كنت معهم فأفوز} وقد يتمنى بهل حيث يعلم فقده نحو {فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا} وبلونحو {فلو أن لنا كرة فنكون} ولذا نصب الفعل في جوابها.
وقد يتمنى بلعل في البعيد فتعطي حكم ليت في نصب الجواب نحو {لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع}.
فصل: ومن أقسامه الترجي نقل القرافي في الفروق الإجماع على أنه إنشاء وفرق بينه وبين التمني بأنه في الممكن والتمني فيه وفي المستحيل وبأن الترجي في القريب والتمني في البعيد وبأن الترجي في المتوقع والتمني في غيره وبأن التمني في المشقوق للنفس والترجي ي غيره.
وسمعت شيخنا العالمة الكافيجي يقول: الفرق بين التمني وبين العرض هو الفرق بينه وبين الترجي وحرف الترجي لعل وعسى وقد ترد مجازًا لتوقع محذور ويسمى الإشفاق نحو {لعل الساعة قريب}.
فصل: ومن أقسامه النداء وهوطلب إقبال المدعوعلى الداعي بحرف نائب مناب أدعو ويصحب في الأكثر الأمر والنهي والغالب تقدمه نحو يا أيها الناس اعبدوا ربكم {يا عباد فاتقون} {يا أيها المزمل قم الليل} {يا قوم استغفروا ربكم} {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا} وقد يتأخر نحو {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون} وقد يصحب الجملة الخبرية فتعقبها جملة الأمر نحو {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له} {يا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها} وقد لا يعقبها نحو {يا عباد لا خوف عليكم اليوم} {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله} {يا أبت هذا تأويل رؤياي} وقد تصحبه الاستفهامية نحو {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر} {يا أيها النبي لم تحرم} {ويا قوم ما لي أدعوكم} وقد ترد صورة النداء لغيره مجازًا كالإغراء والتحذير وقد اجتمعا في قوله تعالى {ناقة الله وسقياها} والاختصاص كقوله {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} والتنبيه كقوله ألا قاعدة أصل النداء بيا أن تكون للبعيد حقيقة أوحكمًا وقد ينادي بها القريب لنكت.
منها إظهار الحرص في وقوعه على إقبال المدعونحو {يا موسى أقبل} ومنها: كون الخطاب المتلومعتني بخ نحو {يا أيها الناس اتقوا ربكم} ومنها: قصد تعظيم شأن المدعونحو يا رب وقد قال تعالى {فإني قريب} ومنها: قصد انحطاطه كقول فرعون وإني أظنك يا موسى مسحورًا.
فائدة
قال الزمخشري وغيره: كثر في القرآن النداء بيا أيها دون غيره لأن فيه أوجهًا من التأكيد وأسبابًا من المبالغة نمها ما في يا من التأكيد والتنبيه وما في ها من التنبيه وما في التدرج من الإبهام في أي إلى التوضيح والمقام يناسب المبالغة والتأكيد لأن كل ما نادى له عباده من أوامره ونواهيه وعظاته وزواجره ووعده ووعيده ومن اقتصاص أخبار الأمم الماضية وغير ذلك مما أنطق الله به كتابة أمور عظام وخطوب جسام ومعان واجب عليهم أن يتيقظوا لها ويميلوا بقلوبهم وبصائرهم إليها وهم غافلون فاقتضى الحال أن ينادوا بالآكد الأبلغ.فصل: ومن أقسامه القسم نقل القرافي الإجماع على أنه إنشاء وفائدته تأكيد الجملة الخبرية وتحقيقها عند السامع وسيأتي بسط الكلام فيه في النوع السابع والستين.
فصل
ومن أقسامه الشرط.
=============
من كتاب : الإتقان في علوم القرآن(النوع السابع والخمسون)