الثلاثاء، 24 أبريل 2012

موسوعة السيرة النبوية : جهاز الرسول ودفنه


جهاز الرسول ودفنه صلى الله عليه وسلم


من تولى غسله صلى الله عليه وسلم
لما بويع أبو بكر رضى الله عنه أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء ، فحدثني عبدالله بن أبي بكر ، وحسين بن عبدالله ، وغيرهما من أصحابنا ، أن علي بن أبي طالب ، والعباس بن عبدالمطلب ، والفضل بن العباس ، وقثم بن العباس ، وأسامة بن زيد ، وشقران ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم الذين ولوا غسله ‏.‏
وإن أوس بن خولي أحد بني عوف بن الخزرج قال لعلي بن أبي طالب ‏:‏ أنشدك الله يا علي ، وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أوس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأهل بدر ، قال ‏:‏ ادخل فدخل ‏.‏
فجلس وحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسنده علي بن أبي طالب إلى صدره ، وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه معه ، وكان أسامة بن زيد ، وشقران ، مولاه هما اللذان يصبان الماء عليه ، وعلي يغسله ، قد أسنده إلى صدره ، وعليه قميصه يدلكه به من ورائه ، لا يفضي بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
وعلي يقول ‏:‏ بأبي أنت وأمي ، ما أطيبك حياً وميتاً ، ولم ير من رسول الله شيء مما يرى من الميت ‏.‏
 كيفية غسله صلى الله عليه وسلم
وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، عن عائشة قالت ، لما أرادوا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه فقالوا ‏:‏ والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه ، كما نجرد موتانا ، أو نغسله وعليه ثيابه ‏؟‏ قالت ‏:‏ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم ، حتى ما منهم رجل إلا ذقنه في صدره ، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت ، لا يدرون من هو ، أن اغسلوا النبي وعليه ثيابه ، قالت ‏:‏ فقاموا إلى رسول الله ، فغسلوه وعليه قميصه ، يصبون الماء فوق القميص ، ويدلكونه والقميص دون أيديهم ‏.‏
 تكفينه صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما فرغ من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كفن في ثلاثة أثواب ، ثوبين صحاريين ، وبرد حبرة ، أدرج فيها إدراجاً ‏.‏ كما حدثني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ، والزهري عن ،علي بن الحسين ‏.‏
 قبره صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني حسين بن عبدالله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال ‏:‏ لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو عبيدة بن الجراح ، يضرح كحفر أهل مكة ، وكان أبو طلحة زيد بن سهل ، هو الذي يحفر لأهل المدينة ، يلحد فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما ‏:‏ اذهب إلى أبي عبيدة بن الجراح ، وللأخر اذهب إلى أبي طلحة ، اللهم خر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة ، فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
 الصلاة عليه ودفنه صلى الله عليه وسلم
فلما فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء ، وضع في سريره في بيته ، وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه ، فقال قائل ‏:‏ ندفنه في مسجده ، وقال قائل ‏:‏ بل ندفنه مع أصحابه ، فقال أبو بكر ‏:‏ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض ، فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي عليه ، فحفر له تحته ، ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالاً ، دخل الرجال حتى إذا فرغوا أدخل النساء ، حتى فرغ النساء أدخل الصبيان ، ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ‏.‏
ثم دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وسط الليل ليلة الأربعاء ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن امرأته فاطمة بنت عمارة ، عن عمرة بنت عبدالرحمن بن سعد بن زرارة ، عن عائشة رضى الله عنها ، قالت ‏:‏
ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي ، من جوف الليل من ليلة الأربعاء ‏.‏
قال محمد بن إسحاق ‏:‏ وقد حدثتني فاطمة هذا الحديث ‏.‏
 من تولى دفنه صلى الله عليه وسلم
قال محمد بن إسحاق ‏:‏ وكان الذين نزلوا في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علي بن أبي طالب ، والفضل بن عباس ، وقثم بن عباس ، وشقران ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
وقد قال أوس بن خولي لعلي بن أبي طالب ‏:‏ يا علي أنشدك الله ، وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له ‏:‏ انزل ، فنزل مع القوم ، وقد كان مولاه شقران حين وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته ، وبنى عليه ، قد أخذ قطيفة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويفترشها ، فدفنها في القبر ، وقال ‏:‏ والله لا يلبسها أحد بعدك أبداً ‏.‏
قال ‏:‏ فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
 أحدث الناس عهدا به صلى الله عليه وسلم
وقد كان المغيرة بن شعبة يدعى أنه أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول ‏:‏ أخذت خاتمي فألقيته في القبر ، وقلت ‏:‏ إن خاتمي سقط مني ، وإنما طرحته عمداً لأمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأكون أحدث الناس عهداً به صلى الله عليه وسلم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن مقسم أبي القاسم مولى عبدالله بن الحارث نوفل ، عن مولاه عبدالله بن الحارث ، قال ‏:‏ اعتمرت مع علي بن أبي طالب رضوان الله عليه في زمان عمر ، أو زمان عثمان ، فنزل على أخته أم هانىء بنت أبي طالب ، فلما فرغ من عمرته ، رجع فسكب له غسل ، فاغتسل ، فلما فرغ من غسله ، دخل عليه نفر من أهل العراق ، فقالوا ‏:‏
يا أبا الحسن جئنا نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه ، قال ‏:‏ أظن المغيرة بن شعبة يحدثكم ، أنه كان أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا ‏:‏ أجل عن ذلك جئنا نسألك ، قال ‏:‏ كذب قال ‏:‏ أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن عباس ‏.‏
 التحذير من اتخاذ القبور مساجد
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني صالح بن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة أن عائشة حدثته ، قالت ‏:‏
كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة سوداء حين اشتد به وجعه ، قالت ‏:‏ فهو يضعها مرة على وجهه ، ومرة يكشفها عنه ، ويقول ‏:‏ قاتل الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر من ذلك على أمته ‏.‏
 آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني صالح ابن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة ، عن عائشة قالت ‏:‏
كان أخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال ‏:‏ لا يترك بجزيرة العرب دينان ‏.‏
 افتتان المسلمين بعد موته
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمت به مصيبة المسلمين ، فكانت عائشة - فيما بلغني - تقول ‏:‏ لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ارتد العرب ، واشرأبت اليهودية والنصرانية ، ونجم النفاق ، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ، لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم ، حتى جمعهم الله على أبي بكر ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏حدثني أبو عبيدة ، وغيره من أهل العلم ، أن أكثر أهل مكة لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ هموا بالرجوع عن الإسلام ، وأرادوا ذلك حتى خافهم عتاب بن أسيد فتوارى ، فقام سهيل بن عمرو فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ‏:‏ إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة ، فمن رابنا ضربنا عنقه ، فتراجع الناس ، وكفوا عما هموا به ، وظهر عتاب بن أسيد ‏.‏
فهذا المقام الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لعمر بن الخطاب ، إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمه ‏.‏
 شعر حسان بن ثابت في رثاء الرسول
وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما حدثنا ابن هشام ، عن أبي زيد الأنصاري ‏:‏
بطيبة رسم للرسول ومعهد * منير وقد تعفو الرسوم وتهمد
ولا تمتحى الآيات من دار حرمة * بها منبر الهادي الذي كان يصعد
وواضح آثار وباقي معالم * وربع له فيه مصلى ومسجد
بها حجرات كان ينزل وسطها * من الله نور يستضاء ويوقد
معارف لم تطمس على العهد آيها * أتاها البلى فالآي منها تجدد
عرفت بها رسم الرسول وعهده * و قبرا بها واراه في الترب ملحد
ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت * عيون ومثلاها من الجفن تسعد
يذكرن آلاء الرسول وما أرى * لها محصيا نفسي فنفسي تبلد
مفجعة قد شفها فقد أحمد * فظلت لآلاء الرسول تعدد
وما بلغت من كل أمر عشيره * ولكن لنفسي بعد ما قد توجد
أطالت وقوفا تذرف العين جهدها * على طلل القبر الذي فيه أحمد
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت * بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد
وبورك لحد منك ضمن طيبا * عليه بناء من صفيح منضد
تهيل عليه الترب أيد وأعين * عليه وقد غارت بذلك أسعد
لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة * عشية علوه الثرى لا يوسد
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم * وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
يبكون من تبكي السماوات يومه * ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
وهل عدلت يوما رزية هالك * رزية يوم مات فيه محمد
تقطع فيه منزل الوحي عنهم * وقد كان ذا نور يغور وينجد
يدل على الرحمن من يقتدي به * وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا * معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عفوا عن الزلات يقبل عذرهم * وإن يحسنوا فالله بالخير أجود
وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله * فمن عنده تيسير ما يتشدد
فبينا هم في نعمة الله بينهم * دليل به نهج الطريقة يقصد
عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى * حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليهم لا يثني جناحه * إلى كنف يحنو عليهم ويمهد
فبينا هم في ذلك النور إذ غدا * إلى نورهم سهم من الموت مقصد
فأصبح محمودا إلى الله راجعا * يبكيه حتى المرسلات ويحمد
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها * لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
قفارا سوى معمورة اللحد ضافها * فقيد يبكينه بلاط وغرقد
ومسجده فالموحشات لفقده * خلاء له فيه مقام ومقعد
وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت * ديار وعرصات وربع ومولد
فبكى رسول الله يا عين عبرة * ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
وما لك لا تبكين ذا النعمة التي * على الناس منها سابغ يتغمد
فجودي عليه بالدموع وأعولي * لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد
وما فقد الماضون مثل محمد * و لا مثله حتى القيامة يفقد
أعف وأوفى ذمة بعد ذمة * و أقرب منه نائلا لا ينكد
وأبذل منه للطريف وتالد * إذ ضن معطاء بما كان يتلد
وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى * وأكرم جدا أبطحيا يسود
وأمنع ذروات وأثبت في العلا * دعائم عز شاهقات تشيد
وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا * وعودا غذاه المزن فالعود أغيد
رباه وليدا فاستتم تمامه * على أكرم الخيرات رب ممجد
تناهت وصاة المسلمين بكفه * فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند
أقول ولا يلقى لقولي عائب * من الناس إلا عازب العقل مبعد
وليس هواي نازعا عن ثنائه * لعلي به في جنة الخلد أخلد
مع المصطفى أرجو بذاك جواره * وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد
وقال حسان بن ثابت أيضا يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
ما بال عينك لا تنام كأنما * كحلت ما فيها بكحل الأرمد
جزعا على المهدي أصبح ثاويا * يا خير من وطئ الحصى لا تبعد
وجهي يقيك الترب لهفي ليتني * غيبت قبلك في بقيع الغرقد
بأبي وأمي من شهدت وفاته * في يوم الاثنين النبي المهتدي
فظللت بعد وفاته متبلدا * متلددا يا ليتني لم أولد
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم * يا ليني صبحت سم الأسود
أو حل أمر الله فينا عاجلا * في روحة من يومنا أو من غد
فتقوم ساعتنا فنلقي طيبا * محضا ضرائبه كريم المحتد
يا بكر آمنة المبارك بكرها * ولدته محصنة بسعد الأسعد
نورا أضاء على البرية كلها * من يهد للنور المبارك يهتدي
يا رب فاجمعنا معا ونبينا * في جنة تثني عيون الحسد
في جنة الفردوس فاكتبها لنا * يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد
والله اسمع ما بقيت بهالك * إلا بكيت على النبي محمد
يا ويح أنصر النبي ورهطه * بعد المغيب في سواء الملحد
ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا * سودا وجوههم كلون الإثمد
ولقد ولدناه وفينا قبره * وفضول نعمته بنا لم نجحد
والله أكرمنا به وهدى به * أنصاره في كل ساعة مشهد
صلى الإله ومن يحف بعرشه * والطيبون على المبارك أحمد
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
نب المساكين أن الخبر فارقهم * مع النبي تولي عنهم سحرا
من ذا الذي عنده رحلي وراحلتي * ورزق أهلي إذا لم يؤنسوا المطرا
أم من نعاتب لا نخشى جنادعه * إذ اللسان عتا في القول أو عثرا
كان الضياء وكان النور نتبعه * بعد الإله وكان السمع والبصرا
فليتنا يوم واروه بملحده * وغيبوه وألقوا فوقه المدرا
لم يترك الله منا بعده أحدا * ولم يعش بعده أنثى ولا ذكرا
ذلت رقاب بني النجار كلهم * وكان أمرا من أمر الله قد قدرا
واقتسم الفيء دون الناس كلهم * وبددوه جهارا بينهم هدرا
وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه سلم أيضا ‏:‏
آليت ما في جميع الناس مجتهدا * مني إليه بر غير إفناد
تالله ما حملت أنثى ولا وضعت * مثل الرسول نبي الأمة الهادي
ولا برا الله خلقا من بريته * أوفى بذمة جار أو بميعاد
من الذي كان فينا يستضاء به * مبارك الأمر ذا عدل وإرشاد
أمسى نساؤك عطلن البيوت فما * يضربن فوق قفا ستر بأوتاد
مثل الرواهب يلبسن المباذل قد * أيقن بالبؤس بعد النعمة البادي
يا أفضل الناس إني كنت في نهر * أصبحت منه كمثل المفرد الصادي