السبت، 21 أبريل 2012

ما نزل من القرآن بحق من عادى الرسول من أهل قريش

ما نزل من القرآن بحق من عادى الرسول من أهل قريش



تهكم أبي لهب بالرسول صلى الله عليه و سلم ، و ما نزل فيه من القرآن
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني حسين بن عبدالله ‏‏:‏‏ أن أبا لهب لقي هند بنت عتبة بن ربيعة ، حين فارق قومه ، وظاهر عليهم قريشا ، فقال ‏‏:‏‏ يا بنت عتبة ؛ هل نصرت اللات والعزى ، وفارقت من فارقهما وظاهر عليهما ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ نعم ، فجزاك الله خيرا يا أبا عتبة ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحُدثت أنه كان يقول بعض ما يقول ‏‏:‏‏ يعدني محمد أشياء لا أراها ، يزعم أنها كائنة بعد الموت ، فماذا وضع في يديّ بعد ذلك ‏‏؟‏‏ ثم ينفخ في يديه ويقول ‏‏:‏‏ تبا لكما ، ما أرى فيكما شيئا مما يقول محمد ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ تبت يدا أبي لهب وتبَّ ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ ‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ تَـَّبت ‏‏:‏‏ خسرت ‏‏.‏‏ والتباب ‏‏:‏‏ الخسران ‏‏.‏‏ قال حبيب بن خُدْرة الخارجي ‏‏:‏‏ أحد بني هلال بن عامر بن صعصعة ‏‏:‏‏
يا طيب إنا في معشر ذهبت * مسعاتهم في التبار والتببِ
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏
 شعر أبي طالب في تظاهر قريش على الرسول الله صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما اجتمعت على ذلك قريش ، وصنعوا فيه الذي صنعوا ‏‏.‏‏ قال أبو طالب ‏‏:‏‏
ألا أبلغا عني على ذات بيننا * لؤيا وخُصَّا من لؤي بني كعبِ
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خُط في أول الكتب
وأن عليه في العباد محبة * ولا خير ممن خصه الله بالحب
وأن الذي ألصقتمُ من كتابكم * لكم كائن نحسا كراغيه السقب
أفيقوا أفيقوا قبل أن يحُفر الثرى * ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب
ولا تتبعوا أمر الوشاة وتقطعوا * أواصرنا بعد المودة والقرب
وتستجلبوا حربا عوانا وربما * أمرّ على من ذاقه جلب الحرب
فلسنا ورب البيت نُسلم أحمدا * لعزَّاء من عض الزمان ولا كرب
ولما تبنْ منا ومنكم سوالف * وأيد أُترّت بالقُساسية الشهب
بمعترك ضيق ترى كسر القنا * به والنسور الطُخم يعكفن كالشَّرب
كأن مجُال الخيل في حَجَراته * ومعمعة الأبطال معركة الحرب
أليس أبونا هاشم شد أزره * وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
ولسنا نمل الحرب حتى تملنا * ولا نشتكي ما قد ينوب من النكب
ولكننا أهل الحفائظ والنهى * إذا طار أرواح الكماة من الرعب
فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا ، حتى جُهدوا لا يصل إليهم شيء ، إلا سرا مستخفيا به من أراد صلتهم من قريش ‏‏.‏‏
 أبو جهل يحكم الحصار على المسلمين
وقد كان أبو جهل بن هشام - فيما يذكرون - لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد ، معه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد ، وهي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه في الشعب ، فتعلق به وقال ‏‏:‏‏ أتذهب بالطعام إلى بني هاشم ‏‏؟‏‏ والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة ‏‏.‏‏
فجاءه أبو البَخْتري بن هشام بن الحارث بن أسد ، فقال ‏‏:‏‏ ما لك وله ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ يحمل الطعام إلى بني هاشم ؛ فقال له أبو البختري ‏‏:‏‏ طعام كان لعمته عنده بعثت إليه فيه ، أفتمنعه أن يأتيها بطعامها ‏‏!‏‏ خلّ سبيل الرجل ؛ فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه ، فأخذ له أبو البختري لَـحْي ‏بعير فضربه به فشجه ، ووطئه وطأ شديدا ، وحمزة بن عبدالمطلب قريب يرى ذلك ، وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فيشمتوا بهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك يدعو قومه ليلا ونهارا ، و سرا وجهارا ، مباديا بأمر الله لا يتقي فيه أحدا من الناس ‏‏.‏‏
 ذكر ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه من الأذى
 ما نزل من القرآن في أبي لهب وامرأته حمالة الحطب
فجعلت قريش حين منعه الله منها ، وقام عمه وقومه من بني هاشم ، وبني المطلب دونه ، وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من البطش به ، يهمزونه ويستهزئون به ويخاصمونه ، وجعل القرآن ينـزل في قريش بأحداثهم ، وفيمن نصب لعداوته منهم ، ومنهم من سمّى لنا ، ومنهم من نزل فيه القرآن في عامة من ذكر الله من الكفار ، فكان ممن سمّي لنا من قريش ممن نزل فيه القرآن عمه أبو لهب بن عبدالمطلب وامرأته أم جميل بنت حرب ابن أمية ، حمالة الحطب ، وإنما سماها الله تعالى حمالة الحطب ، لأنها كانت - فيما بلغني - تحمل الشوك فتطرحه على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يمر ، فأنزل الله تعالى فيهما ‏
‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ تبت يدا أبي لهب وتب ، ما أغنى عنه ماله وما كسب ، سيصلى نارا ذات لهب ، وامرأته حمالةَ الحطب ، في جيدها حبل من مسد ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الجيد ‏‏:‏‏ العنق ‏‏.‏‏ قال أعشى بني قيس بن ثعلبة ‏‏:‏‏
يوم تُبدي لنا قُتيلة عن جيد * أسيل تزينه الأطواقُ
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وجمعه ‏‏:‏‏ أجياد ‏‏.‏‏ والمسد ‏‏:‏‏ شجر يدق كما يدق الكتان فتفتل منه حبال ‏‏.‏‏ قال النابغة الذبياني ، واسمه زياد بن عمرو ابن معاوية ‏‏:‏‏
مقذوفة بدخيس النحض بازلها * له صريف صريف القعو بالمسدِ
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وواحدته ‏‏:‏‏ مسدة ‏‏.‏‏
 أم جميل امرأة أبي لهب و رد الله كيدها عن الرسول صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فذُكر لي ‏‏:‏‏ أن أم جميل ‏‏:‏‏ حمالة الحطب ، حين سمعت ما نزل فيها ، وفي زوجها من القرآن ، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر الصديق ، وفي يدها فِهْر من حجارة ، فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا ترى إلا أبا بكر ، فقالت ‏‏:‏‏ يا أبا بكر ، أين صاحبك ‏‏؟‏‏ فقد بلغني أنه يهجوني ، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه ، أما والله إني لشاعرة ، ثم قالت ‏‏:‏‏
مذمما عصينا وأمره أبَيْنا
ودينه قَلَيْنا *
ثم انصرفت ، فقال أبو بكر ‏‏:‏‏ يا رسول الله أما تُراها رأتك ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ ما رأتني ، لقد أخذ الله ببصرها عني ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قولها ‏‏(‏‏ ودينه قلينا ‏‏)‏‏ عن غير ابن إسحاق ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكانت قريش إنما تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مذمما ، ثم يسبونه ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏‏:‏‏ ألا تعجبون لما يصرف الله عني من أذى قريش ، يسبون و يهجون مذمما ، وأنا محمد ‏‏.‏‏
 إيذاء أمية بن خلف للرسول صلى الله عليه و سلم
وأمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح ، كان إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم همزه ولمزه ، فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ويل لك همزة لمزة ، الذي جمع مالا وعدده ‏‏.‏‏ يحسب أن ماله أخلده ‏‏.‏‏ كلا لينبذن في الحطمة ، وما أدراك ما الحطمة ، نار الله الموقدة ، التي تطلع على الأفئدة ‏‏.‏‏ إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الهمزة ‏‏:‏‏ الذي يشتم الرجل علانية ، ويكسر عينيه عليه ، ويغمز به ‏‏.‏‏ قال حسان بن ثابت ‏‏:‏‏
همزتك فاخْتضعْتُ لذل نفس * بقافية تأجج كالشُواظِ
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وجمعه ‏‏:‏‏ همزات ‏‏.‏‏ واللمزة ‏‏:‏‏ الذي يعيب الناس سرا ويؤذيهم ‏‏.‏‏
قال رؤبة بن العجاج ‏‏:‏‏
في ظل عَصْريْ باطلي ولمزي *
وهذا البيت في أرجوزة له ، وجمعه ‏‏:‏‏ لمزات ‏‏.‏‏
 إيذاء العاص الرسول صلى الله عليه وسلم وما نزل فيه من قرآن
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ والعاص بن وائل السهمي ، كان خباب بن الأرت ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قينا بمكة يعمل السيوف ، وكان قد باع من العاص ابن وائل سيوفا عملها له حتى كان له عليه مال ، فجاءه يتقاضاه ، فقال له ‏‏:‏‏ يا خباب ، أليس يزعم محمد صاحبكم هذا الذي أنت على دينه أن في الجنة ما ابتغى أهلُها من ذهب ، أو فضة ، أو ثياب ، أو خدم ‏‏!‏‏ قال خباب ‏‏:‏‏ بلى ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأنظرني إلى يوم القيامة يا خباب حتى أرجع إلى تلك الدار فأقضيك هنالك حقك ، فوالله لا تكون أنت وصاحبك يا خباب آثر عند الله مني ، ولا أعظم حظا في ذلك ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ، أطلع الغيب ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ونرثه ما يقول ، ويأتينا فردا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
 إيذاء أبي جهل الرسول صلى الله عليه و سلم ، و ما نـزل فيه
ولقي أبو جهل بن هشام رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - فقال له ‏‏:‏‏ والله يا محمد ، لتتركن سب آلهتنا ، أو لنسبن إلهك الذي تعبد ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ، فيسبوا الله عدوا بغير علم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ فذُكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كف عن سب آلهتهم ، وجعل يدعوهم إلى الله ‏‏.‏‏
 إيذاء النضر الرسول صلى الله عليه و سلم ، و ما نـزل فيه
والنضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي ، كان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا ، فدعا فيه إلى الله تعالى وتلا فيه القرآن ، وحذر فيه قريشا ما أصاب الأمم الخالية ، خلفه في مجلسه إذا قام ، فحدثهم عن رستم السنديد ، وعن أسفنديار ، وملوك فارس ، ثم يقول ‏‏:‏‏ والله ما محمد بأحسن حديثا مني ، وما حديثه إلا أساطير الأولين ، اكتتبها كما اكتتبتها ‏‏.‏‏ فأنزل الله فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ، قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض ، إنه كان غفورا رحيما ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ ونزل فيه ‏‏(‏‏ إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ ونزل فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تُتلى عليه ثم يُصرّ مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا ، فبشره بعذاب أليم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الأفاك ‏‏:‏‏ الكذاب ‏‏.‏‏ وفي كتاب الله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله ، وإنهم لكاذبون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ ‏
وقال رؤبة بن العجاج ‏‏:‏‏
ما لامرىء أفَّك قولا إفكا *
وهذا البيت في أرجوزة له ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما - فيما بلغني - مع الوليد بن المغيرة في المسجد ، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم في المجلس ، وفي المجلس غير واحد من رجال قريش ، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرض له النضر بن الحارث ، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ، ثم تلا عليه وعليهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ، لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ، وكل فيها خالدون ، لهم فيها زفير ، وهم فيها لا يسمعون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ حصب جهنم ‏‏:‏‏ كل ما أوقدت به ‏‏.‏‏ قال أبو ذؤيب الهذلي ، واسمه خويلد بن خالد‏‏:‏‏
فأطفىء ولا توقد ولا تك محضأ * لنار العداة أن تطير شكاتها
وهذا البيت في أبيات له ‏‏.‏‏ ويُروى ‏‏(‏‏ ولا تك محضأ ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ قال الشاعر ‏‏:‏‏
حضأت له ناري فأبصر ضوءها * وما كان لولا حضأة النار يهتدي
 مقالة ابن الزبعرى ، وما أنـزل الله فيه
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل عبدالله بن الزبعرى السهمي حتى جلس ، فقال الوليد بن المغيرة لعبدالله بن الزبعرى ‏‏:‏‏ والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبدالمطلب آنفا وما قعد ، وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم ؛ فقال عبدالله بن الزبعرى ‏‏:‏‏ أما والله لو وجدته خصمته ، فسلوا محمدا ‏‏:‏‏ أكلّ ما يُعبد من دون الله في جهنم مع من عبده ‏‏؟‏‏ فنحن نعبد الملائكة ، واليهود تعبد عزيرا ، والنصارى تعبد عيسى بن مريم عليهما السلام ؛ فعجب الوليد ، ومن كان معه في المجلس من قول عبدالله بن الزبعرى ، ورأوا أنه قد احتج وخاصم ‏‏.‏‏ فذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قول ابن الزبعرى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ إن كل من أحب أن يُعبد من دون الله فهو مع من عبده ، إنهم إنما يعبدون الشياطين ، ومن أمرتهم بعبادته ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى عليه في ذلك ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ، أولئك عنها مبعدون ، لا يسمعون حسيسها ، وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي عيسى بن مريم ، وعزيرا ، ومن عُبدوا من الأحبار والرهبان الذي مضوا على طاعة الله ، فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله ‏‏.‏‏
ونزَّل فيما يذكرون ، أنهم يعبدون الملائكة ، وأنها بنات الله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه ، بل عباد مكرمون ‏‏.‏‏ لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ومن يقل منهم إني إله من دونه ، فذلك نجزيه جهنم ، كذلك نجزي الظالمين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ ‏
ونزّل فيما ذكر من أمر عيسى بن مريم أنه يُعبد من دون الله ، وعجب الوليد ومن حضره من حجته وخصومته ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولما ضُرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي يصدون عن أمرك بذلك من قولهم ‏‏.‏‏
ثم ذكر عيسى بن مريم فقال ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إن هو إلا عبد أنعمنا عليه ، وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ، ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ، وإنه لعلم للساعة فلا تمترُنَّ بها واتبعون هذا صراط مستقيم ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي ما وضعت على يديه من الآيات من إحياء الموتى ، وإبراء الأسقام ، فكفى به دليلا على علم الساعة ، يقول ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ فلا تمترن بها واتبعون ، هذا صراط مستقيم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
 الأخنس بن شريق ، وما أنزل الله فيه
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي ، حليف بني زهرة ، وكان من أشراف القوم وممن يُستمع منه ، فكان يصيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويرد عليه ؛ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولا تطع كل حلاف مهين ، هماز مشاء بنميم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ زنيم ‏‏)‏‏ ، ولم يقل ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ زنيم ‏‏)‏‏ لعيب في نسبه ، لأن الله لا يعيب أحدا بنسب ، ولكنه حقق بذلك نعته ليُعرف ‏‏.‏‏ والزنيم ‏‏:‏‏ العديد للقوم ‏‏.‏‏ وقد قال الخطيم التميمي في الجاهلية ‏‏:‏‏
زنيم تداعاه الرجال زيادة * كما زيد في عرض الأديم الأكارعُ ‏
 الوليد بن المغيرة ، وما أنزل الله تعالى فيه
والوليد بن المغيرة ، قال ‏‏:‏‏ أيُنـزَّل على محمد وأُترك وأنا كبير قريش وسيدها ، ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف ، ونحن عظيما القريتين ، فأنزل الله تعالى فيه ، فيما بلغني ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ مما يجمعون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
 أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط وما أنزل الله فيهما
وأبي بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح ، وعقبة بن أبي معيط ، وكانا متصافيين ، حَسَنا ما بينهما ‏‏.‏‏ فكان عقبة قد جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه ، فبلغ ذلك أبيا ، فأتى عقبة فقال له ‏‏:‏‏ ألم يبلغني أنك جالست محمدا وسمعت منه ، قال ‏‏:‏‏ وجهي من وجهك حرام أن أكلمك - واستغلظ من اليمين - إن أنت جلست إليه أو سمعت منه ، أو لم تأته فتتفل في وجهه ‏‏.‏‏ ففعل ذلك عدو الله عقبة بن أبي معيط لعنه الله ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيهما ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ للإنسان خذولا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
ومشى أبي بن خلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم بال قد ارْفتَّ ، فقال ‏‏:‏‏ يا محمد ، أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرمّ ، ثم فتَّه في يده ، ثم نفخه في الريح نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ نعم ، أنا أقول ذلك ، يبعثه الله وإياك بعدما تكونان هكذا ، ثم يدخلك الله النار ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال ‏‏:‏‏ من يحيي العظام وهي رميم ، قل يحييها الذي أنشأها ‏أول مرة وهو بكل خلق عليم ، الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا ، فإذا أنتم منه توقدون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
 سورة ‏‏(‏‏ قل يا أيها الكافرون ‏‏)‏‏ وسبب نزولها
واعترض رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يطوف بالكعبة - فيما بلغني - الأسود بن المطلب بن أسد بن عبدالعزى ، والوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل السهمي ، وكانوا ذوي أسنان في قومهم ، فقالوا ‏‏:‏‏ يا محمد ، هلم فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، فنشترك نحن وأنت في الأمر ، فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد ، كنا قد أخذنا بحظنا منه ، وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد ، كنت قد أخذت بحظك منه ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ قل يا أيها الكافرون ، لا أعبد ما تعبدون ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، ولا أنا عابد ما عبدتم ‏‏.‏‏ ولا أنتم عابدون ما أعبد ‏‏.‏‏ لكم دينكم ولي دينِ ‏‏)‏‏ أي إن كنتم لا تعبدون الله ، إلا أن أعبد ما تعبدون ، فلا حاجة لي بذلك منكم ، لكم دينكم جميعا ، ولي ديني ‏‏.‏‏
 أبو جهل ، وما أنزل الله فيه
وأبو جهل بن هشام ، لما ذكر الله عز وجل شجرة الزقوم تخويفا بها لهم ، قال ‏‏:‏‏ يا معشر قريش ، هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ لا ؛ قال ‏‏:‏‏ ‏عجوة يثرب بالزبد ، والله لئن استمكنا منها لنتزقمنَّها تزقما ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إن شجرة الزقوم ، طعام الأثيم ، كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي ليس كما يقول ‏‏.‏‏
تفسير لفظ ‏‏(‏‏ المهل ‏‏)‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ المهل ‏‏:‏‏ كل شيء أذبته ، من نحاس أو رصاص أو ما أشبه ذلك فيما أخبرني أبو عبيدة ‏‏.‏‏
وبلغنا عن الحسن البصري أنه قال ‏‏:‏‏ كان عبدالله بن مسعود واليا لعمر ابن الخطاب على بيت مال الكوفة ، وأنه أمر يوما بفضة فأُذيبت ، فجعلت تلون ألوانا ، فقال ‏‏:‏‏ هل بالباب من أحد ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ فأدخلوهم ، فأدخلوا ، فقال ‏‏:‏‏ إن أدنى ما أنتم راءون شبها بالمهل ، لهذا ‏‏.‏‏ وقال الشاعر ‏‏:‏‏
يسقيه ربي حميم المهل يجرعه * يشوي الوجوه فهو في بطنه صهر
ويقال ‏‏:‏‏ إن المهل ‏‏:‏‏ صديد الجسد ‏‏.‏‏
وقال عبدالله بن الزبير الأسدي ‏‏:‏‏
فمن عاش منهم عاش عبدا وإن يمت * ففي النار يُسقى مهلها وصديدها
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ ‏
استشهاد في تفسير ‏‏(‏‏ المهل ‏‏)‏‏ بكلام لأبي بكر
بلغنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما حُضِر أمر بثوبين لَبِيْسين يُغسلان فيكفن فيهما ، فقالت له عائشة ‏‏:‏‏ قد أغناك الله يا أبت عنهما ، فاشترِ كفنا ، فقال ‏‏:‏‏ إنما هي ساعة حتى يصير إلى المهل ‏‏.‏‏ قال الشاعر ‏‏:‏‏
شاب بالماء منه مُهلا كريها * ثم علّ المتون بعد النهالِ
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ والشجرة الملعونة في القرآن ، وُنخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
 ابن أم مكتوم ، والوليد ، و نزول سورة ‏‏(‏‏ عبس ‏‏)‏‏
ووقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و رسول الله عليه و سلم يكلمه ، وقد طمع في إسلامه ، فبينا هو في ذلك ، إذ مر به ابن أم مكتوم الأعمى ، فكلم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل يستقرئه القرآن ، فشق ذلك منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضجره ، وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد ، وما طمع فيه من إسلامه ‏‏.‏‏ فلما أكثر عليه انصرف عنه عابسا وتركه ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ عبس وتولى أن جاءه الأعمى ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ في صحف مكرمة ، مرفوعة مطهرة ‏‏)‏‏ أي إنما بعثتك بشيرا ونذيرا ، لم أخص بك أحدا دون أحد ، فلا تمنعه ممن ابتغاه ، ولا تتصدينّ به لمن لا يريده ‏‏.‏‏ ‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ابن أم مكتوم ، أحد بني عامر بن لؤي ، و اسمه عبدالله ، و يقال ‏‏:‏‏ عمرو

أبو جهل يَذِلُّ للرسول صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد كان عدو الله أبو جهل بن هشام مع عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبغضه إياه ، وشدته عليه ، يذله الله له إذا رآه ‏‏.‏‏
 أبو جهل وأمر الإراشي الذي باعه الإبل
مماطلة أبي جهل الإراشي ، و استنجاده بقريش ، و استخفافهم بالرسول
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني عبدالملك بن عبدالله بن أبي سفيان الثقفي ، وكان واعية ، قال ‏‏:‏‏ قدم رجل من إراش - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ إراشة - بإبل له مكة ، فابتاعها منه أبو جهل ، فمطله بأثمانها ‏‏.‏‏ فأقبل الإراشي حتى وقف على ناد من قريش ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد جالس ، فقال ‏‏:‏‏ يا معشر قريش ، من رجل يؤديني على أبي الحكم بن هشام ، فإني ‏ رجل غريب ، ابن سبيل ، وقد غلبني على حقي ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال له أهل ذلك المجلس ‏‏:‏‏ أترى ذلك الرجل الجالس - لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يهزءون به لما يعلمون ما بينه وبين أبي جهل من العداوة - اذهب إليه فإنه يؤديك عليه ‏‏.‏‏
 الرسول ينصف الإراشي من أبي جهل
فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ يا عبدالله إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله ، وأنا رجل غريب ابن سبيل ، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه ، يأخذ لي حقي منه ، فأشاروا لي إليك ، فخذ لي حقي منه ، يرحمك الله ؛ قال ‏‏:‏‏ انطلق إليه ، وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوه قام معه ‏‏.‏‏ قالوا لرجل ممن معهم ‏‏:‏‏ اتبعه ، فانظر ماذا يصنع ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه ، فقال ‏‏:‏‏ من هذا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ محمد ، فاخرج إلي ، فخرج إليه ، وما في وجهه من رائحة ، قد انتقع لونه ، فقال ‏‏:‏‏ أعط هذا الرجل حقه ؛ قال ‏‏:‏‏ نعم ، لا تبرح حتى أعطيه الذي له ، قال ‏‏:‏‏ فدخل ، فخرج إليه بحقه ، فدفعه إليه ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال للإراشي ‏‏:‏‏ الحق بشأنك ، فأقبل الإراشي حتى وقف على ذلك المجلس ، فقال ‏‏:‏‏ جزاه الله خيرا ، فقد والله أخذ لي حقي ‏‏.‏‏
 ما خافه أبو جهل من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ‏‏:‏‏ وجاء الرجل الذي بعثوا معه ، فقالوا ‏‏:‏‏ ويحك ‏‏!‏‏ ماذا رأيت ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ عجبا من العجب ، والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه ، فخرج إليه وما معه روحه ، فقال له ‏‏:‏‏ أعط هذا حقه ، فقال ‏‏:‏‏ نعم ، لا تبرح حتى أخرج إليه حقه ، فدخل فخرج إليه بحقه ، فأعطاه إياه ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء ، فقالوا له ‏‏:‏‏ ويلك ‏‏!‏‏ ما لك ‏‏؟‏‏ والله ما رأينا مثل ما صنعت قط ‏‏!‏‏ قال ‏‏:‏‏ ويحكم ، والله ما هو إلا أن ضرب علي بابي ، وسمعت صوته ، فملئت رعبا ، ثم خرجت إليه ، وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ، ما رأيت مثل هامته ، ولا قصرته ، ولا أنيابه لفحل قط ، والله لو أبيت لأكلني ‏‏.‏‏
 أمر ركانة المطلبي ومصارعته للنبي صلى الله عليه وسلم
من معجزاته صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، قال ‏‏:‏‏ كان ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبدالمطلب بن عبد مناف أشد قريش ، فخلا يوما برسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض شعاب مكة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ يا ركانة ، ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ إني لو أعلم أن الذي تقول حق لاتبعتك ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أفرأيت إن صرعتك ، أتعلم أن ما أقول حق ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ فقم حتى أصارعك ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فقام إليه ركانة يصارعه ؛ فلما بطش به رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجعه ، وهو لا يملك من نفسه شيئا ، ثم قال ‏‏:‏‏ عد يا محمد ، فعاد فصرعه ، فقال ‏‏:‏‏ يا محمد ، والله إن هذا للعجب ، أتصرعني ‏‏!‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ وأعجب من ذلك إن شئت أن أريكه ، إن اتقيت الله واتبعت أمري ؛ قال ‏‏:‏‏ ما هو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أدعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني ؛ قال ‏‏:‏‏ ادعها ، فدعاها ، فأقبلت حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال لها ‏‏:‏‏ ارجعي إلى مكانك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فرجعت إلى مكانها ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فذهب ركانة إلى قومه ، فقال ‏‏:‏‏ يا بني عبد مناف ساحروا بصاحبكم أهل الأرض ، فوالله ما رأيت أسحر منه قط ، ثم أخبرهم بالذي رأى والذي صنع