الثلاثاء، 24 أبريل 2012

موسوعة السيرة النبوية : حجة الوداع


حجة الوداع


 تجهز الرسول
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو القعدة ، تجهز للحج ، وأمر الناس بالجهاز له ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم بن محمد ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت ‏:‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج لخمس ليال بقين من ذي القعدة ‏.‏
 استعماله على المدينة أبا دجانة
قال ابن هشام ‏:‏فاستعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي ، ويقال ‏:‏ سباع بن عرفطة الغفاري ‏.‏
 حكم الحائض في الحج
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم بن محمد ، عن عائشة ، قالت ‏:‏ لا يذكر ولا يذكر الناس إلا الحج ، حتى إذا كان بسرف وقد ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم معه الهدي وأشراف من أشراف الناس ، أمر الناس أن يحلوا بعمرة ، إلا من ساق الهدي ، قالت ‏:‏ وحضت ذلك اليوم ، فدخل علي وأنا أبكي ، فقال ‏:‏ مالك يا عائشة ‏؟‏ لعلك نفست ‏؟‏ قالت ‏:‏ قلت ‏:‏ نعم ، والله لوددت أني أخرج معكم عامي في هذا السفر ؛ فقال ‏:‏ لا تقولن ذلك ، فإنك تقضين كل ما يقضي الحاج ، إلا أنك لا تطوفين بالبيت ‏.‏
قالت ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، فحل كل من كان لا هدي معه ، وحل نساؤه بعمرة ‏.‏
فلما كان يوم النحر أتيت بلحم بقر كثير ، فطرح في بيتي ، فقلت ‏:‏ ما هذا ‏؟‏ قالوا ‏:‏ ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر ‏.‏
حتى إذا كانت ليلة الحصبة ، بعث بي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخي عبدالرحمن بن أبي بكر ، فأعمرني من التنعيم ، مكان عمرتي التي فاتتني ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني نافع ، مولى عبدالله بن عمر ، عن عبدالله ابن عمر ، عن حفصة بنت عمر ، قالت ‏:‏ لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه أن يحللن بعمرة ، قلن ‏:‏ فما يمنعك يا رسول الله أن تحل معنا ‏؟‏ فقال ‏:‏ إني أهديت ولبدت ، فلا أحل حتى أنحر هديي ‏.‏
 موافاة علي في قفوله من اليمن رسول الله في الحد
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي نجيح ‏.‏
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث عليا رضى الله عنه إلى نجران ، فلقيه بمكة وقد أحرم ، فدخل على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى الله عنها ، فوجدها قد حلت وتهيأت ، فقال ‏:‏ ما لك يا بنت رسول الله ، قالت ‏:‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحل بعمرة فحللنا ‏.‏
 إشراكه صلى الله عليه وسلم عليا في هديه
ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغ من الخبر عن سفره ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ انطلق فطف بالبيت ، وحل كما حل أصحابك ، قال ‏:‏ يا رسول الله ، إني أهللت كما أهللت ‏:‏ فقال ‏:‏ ارجع فاحلل كما حل أصحابك ، قال ‏:‏ يا رسول الله ، إني قلت حين أحرمت ‏:‏ اللهم إني أهل بما أهل به نبيك وعبدك رسولك محمد صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ فهل معك من هدي ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ‏.‏ فأشركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏في هديه
وثبت على إحرامه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى فرغا من الحج ، ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدى عنهما ‏.‏
 شكوى جند علي منه رضى الله عنه وسببها
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يحيى بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي عمرة ، عن بريد بن طلح بن يزيد بن ركانة ، قال ‏:‏
لما أقبل علي رضي الله عنه من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، تعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستخلف على جنده الذين معه رجل من أصحابه ، فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي رضى الله عنه ، فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم ، فإذا عليهم الحلل ، قال ‏:‏ ويلك ‏!‏ ما هذا ‏؟‏
قال ‏:‏ كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس ؛ قال ‏:‏ ويلك ‏!‏ انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ قال ‏:‏ فانتزع الحلل من الناس ، فردها في البز ، قال ‏:‏ وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالله بن عبدالرحمن بن حزم بن معمر بن حزم عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة ، عن عمته زينب بنت كعب ، وكانت عند أبي سعيد الخدري ، عن أبي سعيد الخدري ، قال ‏:‏ اشتكى الناس علياً رضوان الله عليه ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا ، فسمعته يقول ‏:‏ أيها الناس ، لا تشكوا علياً ، فوالله إنه لأخشن في ذات الله ، أو في سبيل الله من أن يشكى ‏.‏
 خطبة الوداع
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حجة ، فأرى الناس مناسكهم ، وأعلمهم سنن حجهم ، وخطب الناس خطبته التي بين فيها ما بين ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال ‏:‏
أيها الناس ، اسمعوا قولي ، فإني لا أدرى لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً أيها الناس ، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا ، وكحرمة شهركم هذا ، وإنكم ستلقون ربكم ، فيسألكم عن أعمالكم ، وقد بلغت ، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ‏.‏
وإن كل ربا موضوع ، ولكن لكم رؤوس أموالكم ، لا تظلمون ولا تظلمون ، قضى الله أنه لا ربا ، وإن ربا عباس بن عبدالمطلب موضوع كله ‏.‏
وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع ، وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب ، وكان مسترضعا في بني ليث ، فقتلته هذيل ، فهو أول ما أبداً به من دماء الجاهلية ‏.‏
أما بعد ‏:‏ أيها الناس ، فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبداً ، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضى به مما تحقرون من أعمالكم ، فاحذروه على دينكم ‏.‏
أيها الناس ، إن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ، ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله ، فيحلوا ما حرم الله ، ويحرموا ما أحل الله ، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متوالية ، ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان ‏.‏
أما بعد ‏:‏ أيها الناس ، فإن لكم على نسائكم حقاً ، ولهن عليكم حقاً ، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن ، فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ‏.‏
واستوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً ، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمات الله ، فاعقلوا أيها الناس قولي ، فإني قد بلغت ‏.‏
وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً ، أمراً بيناً ، كتاب الله وسنة نبيه ‏.‏
أيها الناس ، اسمعوا قولي واعقلوه ، تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم ، وأن المسلمين إخوة ، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه ، فلا تظلمن أنفسكم ؛ اللهم هل بلغت ‏.‏
فذكر لي أن الناس قالوا ‏:‏ اللهم نعم ‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اللهم اشهد ‏.‏
من كان يردد قوله صلى الله عليه وسلم رافعا صوته ليسمع الناس
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، قال كان الرجل الذي يصرخ في الناس بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة ، ربيعة بن أمية بن خلف قال ‏:‏
يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ قل ‏:‏ يا أيها الناس ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ هلا تدرون أي شهر هذا ‏؟‏ فيقول لهم ‏:‏ فيقولون ‏:‏ الشهر الحرام ، فيقول ‏:‏ قل لهم ‏:‏ إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة شهركم هذا ،
ثم يقول ‏:‏ قل ‏:‏ يا أيها الناس ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ هل تدرون أي بلد هذا ‏؟‏ قال ‏:‏ فيصرخ به ، قال ‏:‏ فيقولون ‏:‏ البلد الحرام قال ‏:‏ فيقول ‏:‏ قل لهم ‏:‏ إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم ، إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة بلدكم هذا ‏.‏
قال ‏:‏ ثم يقول ‏:‏ قل ‏:‏ يا أيها الناس ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ هل تدرون أي يوم هذا ‏؟‏ قال ‏:‏ فيقوله لهم ‏.‏ فيقولون ‏:‏ يوم الحج الأكبر ، فيقول ‏:‏ قل لهم ‏:‏ إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم ، إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا ‏.‏
ما ذكره عمرو بن خارجة من قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب الأشعري عن عمرو بن خارجة قال ‏:‏
بعثني عتاب بن أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة ، فبلغته ، ثم وقفت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن لغامها ليقع على رأسي ، فسمعته وهو يقول ‏:‏
أيها الناس ، إن الله أدى إلى كل ذي حق حقه ، وإنه لا تجوز وصية لوارث ، والولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة الناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ‏.‏
 تعاليم الرسول عليه السلام للحاج
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي نجيح ‏:‏
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقف بعرفة قال ‏:‏ هذا الموقف للجبل الذي هو عليه ، وكل عرفة موقف ‏.‏ وقال حين وقف على قزح صبيحة المزدلفة ‏:‏ هذا الموقف ، وكل المزدلفة موقف ‏.‏ ثم لما نحر بالمنحر بمنى ، قال ‏:‏ هذا المنحر وكل منى منحر ‏.‏
فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج وقد أراهم مناسكهم ، وأعلمهم ما فرض الله عليهم من حجهم ‏:‏ من الموقف ، ورمى الجمار ، وطواف بالبيت ، وما أحل لهم من حجهم ‏:‏ وما حرم عليهم ، فكانت حجة البلاغ ، وحجة الوداع ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحج بعدها