الثلاثاء، 24 أبريل 2012

موسوعة السيرة النبوية : ذكر ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو بن نفيل

 
ذكر ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو بن نفيل

تشككهم في الوثنية
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ واجتمعت قريش يوما في عيد لهم عند صنم من أصنامهم ، كانوا يعظمونه وينحرون له ، ويعكفون عنده ، ويديرون به ، وكان ذلك عيدا لهم في كل سنة يوما ، فخلص منهم أربعة نفر نجيا ، ثم قال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ تصادقوا وَلْيَكْتُم بعضكم على بعض ؛ قالوا ‏‏:‏‏ أجل ‏‏.‏‏ وهم ‏‏:‏‏ ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي ؛ وعبيد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة ، وكانت أمه أميمة بنت عبدالمطلب ، وعثمان بن الحويرث بن أسد بن عبدالعزى بن قصي ؛ وزيد بن عمرو بن نفيل بن عبدالعزى بن عبدالله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ؛ فقال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ تعلموا والله ما قومكم على شيء ‏‏!‏‏ لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم ‏‏!‏‏ ما حجر نُطيف به ، لا يسمع ولا يبصر ، ولا يضر ولا ينفع ، يا قوم التمسوا لأنفسكم دينا ، فإنكم والله ما أنتم على شيء ‏‏.‏‏ فتفرقوا في البلدان يلتسمون الحنيفية ، دين إبراهيم ‏‏.‏‏
 تنصر ورقة وابن جحش
فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية ، واتبع الكتب من أهلها ، حتى علم علما من أهل الكتاب ‏‏.‏‏
وأما عبيد الله بن جحش ، فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم ، ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة ، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان مسلمة ؛ فلما قدمها تنصر ، وفارق الإسلام ، حتى هلك هنالك نصرانيا ‏‏.‏‏
 ابن جحش يغري مهاجري الحبشة على التنصر
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال ‏‏:‏‏ كان عبيد الله‏ بن جحش حين تنصر يمر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم هنالك من أرض الحبشة ، فيقول ‏‏:‏‏ فقَّحْنا وصأصأتم ، أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ، ولم تبصروا بعد ‏‏.‏‏ وذلك أن ولد الكلب إذا أراد أن يفتح عينيه لينظر ، صأصأ لينظر ‏‏.‏‏ وقوله ‏‏:‏‏ فقح ‏‏:‏‏ فتح عينيه ‏‏.‏‏
 رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلف على زوجة ابن جحش بعد وفاته
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني محمد بن علي بن حسين ‏‏:‏‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث فيها إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري ، فخطبها عليه النجاشي ، فزوجه إياها ، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار ‏‏.‏‏
فقال محمد بن علي ‏‏:‏‏ ما نرى عبدالملك بن مروان وقف صداق النساء على أربعمائة دينار إلا عن ذلك ‏‏.‏‏ وكان الذي أملكها النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد بن العاص ‏‏.‏‏
تنصر ابن الحويرث ، وقدومه على قيصر
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر ملك الروم ، فتنصَّر وحسنت منزلته عنده ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ولعثمان بن الحويرث عند قيصر حديث ، منعني من ذكره ما ذكرت في حديث حرب الفجار ‏‏.‏‏
 زيد بن عمرو يتوقف عن جميع الأديان
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وأما زيد بن عمرو بن نفيل فوقف فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية ، وفارق دين قومه ، فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان ‏ونهى عن قتل الموءودة ، وقال ‏‏:‏‏ أعبد رب إبراهيم ؛ وبادى قومه بعيب ما هم عليه ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني هشام بن عروة عن أبيه ، عن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، قالت ‏‏:‏‏ لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة ، وهو يقول ‏‏:‏‏ يا معشر قريش ، والذي نفس زيد بن عمرو بيده ، ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري ، ثم يقول ‏‏:‏‏ اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به ، ولكني لا أعلمه ، ثم يسجد على راحلته ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثت أن ابنه ، سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وعمر بن الخطاب ، وهو ابن عمه ، قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أتستغفر لزيد بن عمرو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ، فإنه يُبعث أمة وحده ‏‏.‏‏
 شعر زيد في فراق الوثنية
وقال زيد بن عمرو بن نفيل في فراق دين قومه ، وما كان لقي منهم في ذلك ‏‏:‏‏
أربا واحدا أم ألف رب * أدين إذا تُقسمت الأمورُ
عزلت اللات والعزى جميعا * كذلك يفعل الجلد الصبور
فلا العزى أدين ولا ابنتيها * ولا صنمَيْ بن عمرو أزور
ولا هبلا أدين وكان ربا * لنا في الدهر إذ حلمي يسير
عجبت وفي الليالي مُعجبات * وفي الأيام يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالا * كثيرا كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين ببر قوم * فيربِل منهم الطفل الصغير
وبينا المرء يفتر ثاب يوما * كما يتروّح الغصن المطير
ولكن أعبدالرحمن ربي * ليغفر ذنبي الرب الغفور
فتقوى الله ربكم احفظوها * متى ما تحفظوها لا تبوروا
ترى الأبرار دارهمُ جنان * وللكفار حامية سعير
وخزي في الحياة وإن يموتوا * يلاقوا ما تضيق به الصدور
وقال زيد بن عمرو بن نفيل أيضا - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ هي لأمية بن أبي الصلت في قصيدة له ، إلا البيتين الأولين والبيت الخامس وآخرها بيتا ‏‏.‏‏ وعجز البيت الأول عن غير ابن إسحاق - ‏‏:‏‏
إلى الله أهدي مدحتي وثنائيا * وقولا رصينا لا يـَني الدهر باقيا
إلى الملك الأعلى الذي ليس فوقه * إله ولا رب يكون مدانيا
ألا أيها الإنسان إياك والردى * فإنك لا تخفي من الله خافيا
وإياك لا تجعل مع الله غيره * فإن سبيل الرشد أصبح باديا
حنانيك إن الحن كانت رجاءهم * وأنت إلهي ربنا ورجائيا
رضيت بك اللهم ربَّا فلن أرى * أدين إلها غيرك الله ثانيا
أدين لرب يُستجاب و لا أرى* أدين لمن لم يسمع الدهر داعيا
وأنت الذي من فضل منّ ورحمة * بعثت إلى موسى رسولا مناديا
فقلت له يا اذهب وهارون فادعوا * إلى الله فرعون الذي كان طاغيا
وقولا له ‏‏:‏‏ أأنت سويت هذه * بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا
وقولا له ‏‏:‏‏ أأنت رفعت هذه * بلا عمد أرفقْ إذا بك بانيا
وقولا له ‏‏:‏‏ أأنت سويت وسطها * منيرا إذا ما جنه الليل هاديا
وقولا له ‏‏:‏‏ من يرسل الشمس غدوة * فيصبح ما مست من الأرض ضاحيا
وقولا له ‏‏:‏‏ من ينبت الحب في الثرى * فيصبح منه البقل يهتز رابيا
ويخرج منه حبه في رءوسه * وفي ذاك آيات لمن كان واعيا
وأنت بفضل منك نجيت يونسا * وقد بات في أضعاف حوت لياليا
وإني ولو سبحت باسمك ربنا * لأكثر ، إلا ما غفرت ، خطائيا
فرب العباد ألقِ سيبا ورحمة * علي وبارك في بَنيَّ وماليا
وقال زيد بن عمرو يعاتب امرأته صفية بنت الحضرمي -
نسب الحضرمي
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ واسم الحضرمي ‏‏:‏‏ عبدالله بن عماد بن أكبر أحد الصدف ، واسم الصدف ‏‏:‏‏ عمرو بن مالك أحد السكون بن أشرس بن كندي ؛ ويقال ‏‏:‏‏ كندة بن ثور بن مرتع بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن مهسع بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ ؛ ويقال ‏‏:‏‏ مرتع بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ‏‏.‏‏
 زيد يعاتب زوجته لمنعها له عن البحث في الحنيفية
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان زيد بن عمرو قد أجمع الخروج من مكة ليضرب في الأرض يطلب الحنيفية دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، فكانت صفية بنت الحضرمي كلما رأته قد تهيأ للخروج وأراده آذنت به الخطاب بن نفيل ، وكان ‏الخطاب بن نفيل عمه وأخاه لأمه ، وكان يعاتبه على فراق دين قومه ، وكان الخطاب قد وكَّل صفية به ، وقال ‏‏:‏‏ إذا رأيتيه قد هم بأمر فآذنيني به - فقال زيد ‏‏:‏‏
لا تحبسيني في الهوا ن * صفيَّ ما دأبي ودابُهْ
إني إذا خفت الهوا ن * مشيع ذُلُل ركابه
دعموص أبواب الملو ك * وجائب للخرق نابه
قطاع أسباب تذ لّ * بغير أقران صعابه
وإنما أخذ الهوا ن * العير إذ يوهي إهابه
ويقول إني لا أذ لّ بصك * جنبيه صلابه
وأخي ابن أمي ثم * عمّي لا يُواتيني خطابه
وإذا يعاتبني بسو ء * قلت أعياني جوابه
ولو أشاء لقلت ما * عندي مفاتحه وبابه
 قول زيد حين يستقبل الكعبة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثت عن بعض أهل زيد بن عمرو بن نفيل ، أن زيدا كان إذا استقبل الكعبة داخل المسجد ، قال ‏‏:‏‏ لبيك حقا حقا ، تعبدا ورقا ‏‏.‏‏
عذت بما عاذ به إبراهيمْ * مستقبل القبلة وهو قائم‏
إذ قال ‏‏:‏‏
أنفي لك اللهم عان راغمْ * مهما تجشمني فإني جاشم
البرَّ أبغي لا الخال * ليس مُهجِّر كمن قال ‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ البر أبقى لا الخال ، ليس مهجر كمن قال ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ وقوله ‏‏(‏‏ مستقبل الكعبة ‏‏)‏‏ عن بعض أهل العلم ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال زيد بن عمرو بن نفيل ‏‏:‏‏
وأسلمت وجهي لمن أسلمت * له الأرض تحمل صخرا ثقالا
دحاها فلما رآها استوت * على الماء أرسى عليها الجبالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت * له المزن تحمل عذبا زلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة * أطاعت فصبت عليها سجالا
 الخطاب يؤذي زيدا ويحاصره
وكان الخطاب قد آذى زيدا ، حتى أخرجه إلى أعلى مكة ، فنزل حراء مقابل مكة ، ووكل به الخطاب شبابا من شباب قريش وسفهاء من سفهائها ، فقال لهم ‏‏:‏‏ لا تتركوه يدخل مكة ؛ فكان لا يدخلها إلا سرا منهم ، فإذا علموا بذلك آذنوا به الخطاب فأخرجوه وآذوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم ، وأن يتابعه أحد منهم على فراقه ‏‏.‏‏
فقال وهو يعظم حرمته على من استحل منه ما استحل من قومه ‏‏:‏‏
لاهُمَّ إني محرم لا حِلَّهْ * وإن بيتي أوسط المحلَّهْ
عند الصفا ليس بذي مَضلَّهْ *
 زيد يرحل إلى الشام وموته
ثم خرج يطلب دين إبراهيم عليه السلام ، ويسأل الرهبان والأحبار ، حتى بلغ الموصل والجزيرة كلها ، ثم أقبل فجال الشام كله ، حتى انتهى إلى راهب بميفعة من أرض البلقاء كان ينتهي إليه علم أهل النصرانية فيما يزعمون ، فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم ؛ فقال ‏‏:‏‏ إنك لتطلب دينا ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم ، ولكن قد أظل زمان نبي يخرج من بلادك التي خرجت منها ، يُبعث بدين إبراهيم الحنيفية ، فالحق بها ، فإنه مبعوث الآن ، هذا زمانه ‏‏.‏‏
وقد كان شامَّ اليهودية والنصرانية ، فلم يرض شيئا منهما ، فخرج سريعا ، حين قال له ذلك الراهب ما قال ، يريد مكة ، حتى إذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه ‏‏.‏‏
 ورقة يرثي زيدا
فقال ورقة بن نوفل بن أسد يبكيه ‏‏:‏‏
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما * تجنبت تنورا من النار حاميا ‏
بدينك ربا ليس رب كمثله * وتركك أوثان الطواغي كما هيا
وإدراكك الدين الذي قد طلبته * ولم تك عن توحيد ربك ساهيا
فأصبحت في دار كريم مقامها * تُعلَّل فيها بالكرامة لاهيا
تلاقي خليل الله فيها ولم تكن * من الناس جبارا إلى النار هاويا
وقد تدرك الإنسان رحمة ربه * ولو كان تحت الأرض سبعين واديا
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يروى لأمية بن أبي الصلت البيتان الأولان منها ، وآخرها بيتا في قصيدة له ، وقوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أوثان الطواغي ‏‏)‏‏ عن غير ابن إسحاق ‏‏.‏‏