الأربعاء، 18 أبريل 2012

موسوعة علوم القرآن : الموصول لفظا المفصول معنى

الموصول لفظا المفصول معنى


        هو نوع مهم جدير أن يفرد بالتصنيف وهو أصل كبير في الوقف وبه يحصل حل إشكالات وكشف معضلات كثيرة من ذلك قوله تعالى: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) إلى قوله: (جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون‏)‏ فإن الآية في قصة آدم وحواء كما يفهمه السياق وصرح به في حديث أخرجه أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه من طريق الحسن عن سمرة مرفوعاً وأخرجه ابن أبي حاتم وغيره بسند صحيح عن ابن عباس.

        لكن آخر الآية مشكل حيث نسب الإشراك إلى آدم وحواء وآدم نبيّ متكلم والأنبياء معصومون من الشرك قبل النبوة وبعدها إجماعاً وقد جر ذلك بعضهم إلى حمل الآية على غير آدم وحواء وأنها في رجل وزوجته كانا من أهل الملك وتعدى إلى تعليل الحديث والحكم بنكارته وما زلت في وقفة من ذلك حتى رأيت ابن أبي حاتم قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا أحمد بن مفضل حدثنا أسباط عن السدى في قوله: (‏فتعالى الله عما يشركون‏)‏ قال‏:‏ هذه فصل من آية آدم خاصة في آلهة العرب‏.‏

        وقال عبد الرزاق‏:‏ حدثنا ابن عيينة سمعت صدقة بن عبد الله ابن كثير المكي يحدث عن السدي قال‏:‏ هذا هو الموصول المفصول‏.‏

        وقال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا عليّ بن الحسين حدثنا محمد بن أبي حماد حدثنا مهران عن سفيان عن السدي عن أبي مالك قال‏:‏ هذه مفصولة إطاعة في الولد (فتعالى الله عما يشركون) هذه لقوم محمد فانحلت عني هذه العقدة وانجلت لي هذه المعضلة واتضح بذلك أن آخر قصة آدم وحواء فيما آتاهما وأن ما بعده تخلص إلى قصة العرب وإشراكهم الأصنام ويوضح ذلك تغيير الضمير إلى الجمع بعد التثنية ولو كانت القصة واحدة لقال عما يشركان كقوله: (‏دعوا الله ربهما) (فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما) وكذلك الضمائر في قوله (‏أيشركون ما لا يخلق شيئاً) وما بعده إلى آخر الآيات وحسن التخلص والاستطراد من أساليب القرآن من ذلك قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون‏...)‏ الآية فإنه على تقدير الوصل يكون الراسخون يعلمون تأويله وعلى تقدير الفصل بخلافه.

        وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي الشعثاء وأبي نهيك قالا‏:‏ إنكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة ويؤيد ذلك كون الآية دلت على ذم متبعي المتشابه ووصفهم بالزيغ ومن ذلك قوله تعالى: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا...) فإن ظاهر الآية يقتضي أن القصر مشروط بالخوف وأنه لا قصر مع الأمن وقد قال به لظاهر الآية جماعة منهم عائشة لكن بين سبب النزول أن هذا من الموصول والمفصول.

        فأخرج ابن جرير من حديث عليّ قال: سأل قوم من بني النجار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله إنا نضرب في الأرض، فكيف نصلي؟ فأنزل الله (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة...) ثم انقطع الوحي فلما كان بعد ذلك بحول عزا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر، فقال المشركون‏:‏ لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم‏، فقال قائل منهم‏:‏ إن لهم أخرى مثلها في أثرها فأنزل الله بين الصلاتين (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا...) إلى قوله: (‏عذاباً مهيناً) فنزلت صلاة الخوف فتبين بهذا الحديث أن قوله: (‏إن خفتم) شرط فيما بعده وهو صلاة الخوف لا صلاة القصر‏.‏

        وقد قال ابن جرير‏:‏ هذا تأويل في الآية حسن لو لم يكن في الآية إذا‏، قال ابن الغرس‏:‏ ويصح مع إذا على جعل الواو زائدة‏.‏

        قلت‏:‏ يعني ويكون من اعتراض الشرط على الشرط وأحسن منه أن تجعل إذا زائدة بناء على قول من يجيز زيادتها‏.‏

        وقال ابن الجوزي في كتابه النفيس‏:‏ قد تأتي العرب بكلمة إله جانب أخرى كأنها معها وهي غير متصلة بها‏.‏

        وفي القرآن‏:‏ (يريد أن يخرجكم) هذا قول الملاً فقال فرعون‏:‏ (فماذا تأمرون) ومثله: (أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين) انتهى كلامها، فقال يوسف: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) ومثله: (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلة) هذا منتهى قولها، فقال تعالى (وكذلك يفعلون) ومثله: (من بعثنا من مرقدنا) انتهى قول الكفار، فقالت الملائكة: (هذا ما وعد الرحمن‏).‏

        وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في هذه الآية قال‏:‏ آية من كتاب لله أولها أهل الضلالة وآخرها أهل الهدى، قالوا: (يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) هذا قول أهل النفاق، وقال أهل الهدى حين بعثوا من قبورهم: (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) وأخرج عن مجاهد قوله: (‏وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) قال‏:‏ وما يدريكم أنهم يؤمنون إذا جاءت ثم استقبل يخبر أنها إذا جاءت لا يؤمنون‏.