الأربعاء، 18 أبريل 2012

موسوعة علوم القرآن : رسم المصحف

رسم المصحف


حكم تغيير رسم المصحف العثماني
  الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، قد اطلع على خطاب الشيخ هاشم وهبة عبد العال، من جدة، الذي ذكر فيه موضوع (تغيير رسم المصحف العثماني إلى الرسم الإملائي). وبعد مناقشة هذا الموضوع من قبل المجلس، واستعراض قرار هيئة كبار العلماء بالرياض رقم (17) وتأريخ 21/10/1399هـ. الصادر في هذا الشأن، وما جاء فيه من ذكر الأسباب المقتضية بقاء كتابة المصحف بالرسم العثماني، وهي:
1        - ثبت أن كتابة المصحف بالرسم العثماني، كانت في عهد عثمان، رضي الله عنه، وأنه أمر كتبة المصحف أن يكتبوه على رسم معين، ووافقه الصحابة، وتابعهم التابعون، ومن بعدهم إلى عصرنا هذا، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عَلَيكُم بِسُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدين المَهْدِيِّين مِن بَعْدِي". فالمحافظة على كتابة المصحف بهذا الرسم هو المتعين، اقتداء بعثمان وعليٍّ وسائر الصحابة، وعملاً بإجماعهم.
2        - إن العدول عن الرسم العثماني إلى الرسم الإملائي الموجود حاليًّا، بقصد تسهيل القراءة يفضي إلى تغيير آخر إذا تغير الاصطلاح في الكتابة، لأن الرسم الإملائي نوع من الاصطلاح قابل للتغيير باصطلاح آخر. وقد يؤدي ذلك إلى تحريف القرآن، بتبديل بعض الحروف، أو زيادتها، أو نقصها، فيقع الاختلاف بين المصاحف على مر السنين ويجد أعداء الإسلام مجالاً للطعن في القرآن الكريم، وقد جاء الإسلام بسد ذرائع الشر، ومنع أسباب الفتن.
3        - ما يخشى من أنه إذا لم يلتزم الرسم العثماني في كتابة القرآن، أن يصير كتاب الله ألعوبة بأيدي الناس، كلما عنت لإنسان فكرة في كتابته، اقترح تطبيقها، فيقترح بعضهم كتابته باللاتينية أو غيرها، وفي هذا ما فيه من الخطر، ودرء المفاسد أولي من جلب المصالح.
        وبعد اطلاع مجلس المجمع الفقهي الإسلامي على ذلك كله، قرر بالإجماع: تأييد ما جاء في قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، من عدم جواز تغيير رسم المصحف العثماني، ووجوب بقاء رسم المصحف العثماني على ما هو عليه؛ ليكون حجة خالدة على عدم تسرب أي تغيير أو تحريف في النص القرآني، واتباعًا لما كان عليه الصحابة، وأئمة السلف-رضوان الله عليهم أجمعين- أما الحاجة إلى تعليم القرآن، وتسهيل قراءته على الناشئة التي اعتادت الرسم الإملائي الدارج، فإنها تتحقق عن طريق تلقين المعلمين؛ إذ لا يستغني تعليم القرآن في جميع الأحوال عن معلم، فهو يتولى تعليم الناشئين، قراءة الكلمات التي يختلف رسمها في المصحف العثماني، عن رسمها في قواعد الإملاء الدارجة، ولا سيما إذا لوحظ أن تلك الكلمات عددها قليل، وتكرار ورودها في القرآن كثير، ككلمة (الصلوة) و (السموات) ونحوهما، فمتى تعلم الناشئ الكلمة بالرسم العثماني، سهل عليه قراءتها كلما تكررت في المصحف، كما يجري مثل ذلك تمامًا في رسم كلمة (هذا) و (ذلك) في قواعد الإملاء الدارجة أيضًا. والله ولي التوفيق. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا
....................................................................
قواعد رسم المصحف العثماني
        المراد برسم المصحف ما كتبه الصحابة من الكلمات القرآنية في المصحف العثماني على هيئة مخصوصة لا تتفق مع قواعد الكتابة وينحصر أمر هذا الرسم في ست قواعد (1) وهى:
        1- الحذف.
        2- الزيادة.
        3- البدل .
        4- الوصل.
        5- الفصل.
        6- وما فيه قراءتان فكتب على احداهما.
        وقد جمع هذه القواعد العلامة لمرحوم الشيخ محمد العاقب الشنقيطى بقوله:
الرسم في ست قواعد استقل         حذف زيادة وهمز وبدل
وما أتى بالوصل أو بالفصل         موافقا للفظ أو للاصل
وذو قراءتين مما قد شهر         فيه على احداهما قد اقتصر

        وشرح هذه القواعد يطول وأنما نأتى بجملة أمثلة اقتطفناها من كتاب إيقاظ الاعلام لوجوب اتباع رسم المصحف الامام للعلامة المحدث الشهير الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطى رحمه الله تعالى ...

أولاً :
        مثال الحذف (ربى اكرمن) (فأرسلون يوسف ايها الصديق).
        وحذف واو داود، وإحدى نون ننجي بالأنبياء، وحذف إحدى اللامين من نحو (اليل) و(الذى)، وحذف الالف من (بسم الله)، ومن (لتخذت عليه اجرا)، وحذف الواو من نحو (يمح الله الباطل)، و(يدع الانسان) وقد أشار الشيخ محمد العاقب إلى مواضع حذف الواو من آخر الفعل بقوله :
وحذف الواو بغير داع في         يدع الانسان ويدع الداع
سندع صالح ويمح الله         إن سبق الباطل لا سواه(2)

ثانياً :
        مثال الزيادة (لكنا هو الله ربى)، (سأوريكم آياتى)، (أولئك)، (السماء بنينها بأييد)، (بلقاءى ربهم)، (ولا تقولن لشائ)،(أو لاذبحنه) .

ثالثاً :
        مثال البدل (يتوفيكم)، (من عصاني)، (الاقصا), (الصلوة)، (الربو)، (الزكوة)، (ليكونا من الصاغرين)، (إن رحمت الله).
رابعاً :
        مثال الوصل (ألن نجعل لكم)، (ألن نجمع عظامه)، (فأينما تولوا فثم وجه الله)، (ويكأن الله).
خامساً :
        مثال الفصل (أن لا اله الا انت سبحانك)، (لكى لا يكون على المؤمنين حرج) .
سادساً :
        مثال ما فيهما قراءتان فكتب على احداهما :
                كالصراط كتبت بالصاد مع ان قراءة المكى من رواية قنبل بالسين الخالصة وقراءة خلف باشمام الصاد زايا.
                ومثله بصطة وبمصيطر فيكتب الجميع بالصاد لا غير .
                وكالالف المرسوم في لاهب لك غلاما زكيا مع انه قرئ بياء المضارعة إلى غير ذلك من الامثلة
سابعاً :
        مثال الهمز فالهمز له أحوال متنوعة وأمثلة كثيرة تعرف من كتب الاملاء وقد فصل علماء الرسم احوال الهمز في القرآن لا داعى لذكرها هنا خوف التطويل ومن اراد بسط القول فليرجع إلى كتب القراءات
===============
(1)أي في ستة انواع فان رسمه لا قاعدة له ولا يتمشى مع القواعد الاملائية .
(2) يعني تحذف الواو من قوله تعالى " ويمح الله الباطل " بالشوري بخلاف قوله " يمحوا الله ما يشاء ويثبت " بالرعد فانه باثبات الواو
............................................................................................
اختلاف رسم المصاحف العثمانية
        من الثابت تاريخياً أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لما قام بجمع القرآن أرسل عدداً من المصاحف إلى المدن والأمصار, وعلى الرغم من كثرتها وتعدد رسمها إلا أنها كلها تسمى المصاحف العثمانية وهى التى يجب إتباع رسمها وإن اختلف رسم كل مصحف عن الآخر بالحذف والإثبات، فمن قال بالحذف مثلا في بعضها يدعى أنه هو الموجود في المصحف العثماني ومن قال بالإثبات يدعى عكس ذلك مع اتفاق الطرفين على أن الموجود في المصحف العثماني هو الحق الثابت في نفس الأمر بإجماع الامة, وذلك كالخلاف في كلمة " لدا " هل كتبت بالألف أم بالياء كما أشار إليه الخراز في مورد الظمآن بقوله:
وفي لدا في غافر يختلف         وفي لدا الباب اتفاقا ألف (1)         وقال في كلمة الربا :
وبعضهم في الروم ايضا كتبا         واوا بقوله تعالى من ربا         وقال في كلمة تعسا :
وابن نجاح قال عن بعض أثر         تعسا بياء وهو غير مشتهر
        وكالخلاف الواقع في هذه الكلمات: (لأوضعوا، ولأنتم، ولآتوها, ولألى) هل تزاد فيها ألف بعد الألف الأصلية كما زيدت في كلمة " لاأذبحنه " أم لا.
        واعلم أن الخلاف الواقع في رسم بعض كلمات المصحف ليس خلافا حقيقيا بل هو خلاف صوري، اما الخلاف الواقع في وجوه القراءات السبع فهو خلاف حقيقي واقع بينهم لكن مع تجويز كل واحد من السبعة قراءة غيره واعترافه بأنها متواترة وأنها من عند الله تعالى, وهذا الخلاف في وجوه القراءات ليس على حد الخلاف في الاحكام الشرعية لان كلا من وجوه القراءات حق في نفس الأمر كما صرح به عليه الصلاة والسلام وكلا من الأحكام الشرعية حق باعتبار الإجتهاد وفي نفس الأمر الحق واحد ليس إلا لحرمة العمل بالمقابل .
جملة من الامثلة التى اختلفت كتابتها ورسومها في المصاحف
        قوله تعالى (لئن انجانا) في سورة الانعام مكتوب في المصحف الكوفى بالألف وفي غيره بالتاء بعد الياء أي انجيتنا.
        وقوله تعالى (كانوا أشد منهم قوة) مكتوب منكم بالكاف في المصحف الشامي وبالهاء في غيره.
        وقوله تعالى (واذ نجياكم من آل فرعون) هو هكذا في امام اهل العراق وفى امام اهل الشام واهل الحجاز واذ نجاكم.
        وقوله تعالى (وما عملت ايديهم) هكذا في بعضها وفي بعضها وما عملته ايديهم .
        وقوله تعالى (وجعل اليل سكنا) هكذا في بعضها وفي بعضها وجاعل اليل بالالف.
        وقوله تعالى (سارعوا إلى مغفرة من ربكم) بغير واو قبل السين وفي بعضها وسارعوا بالواو.
        وقوله تعالى (قل انما أدعوا ربى) هكذا في بعضها وفى بعضها قال انما بالالف.
        وقوله تعالى (والشمس والقمر حسبانا) في بعض المصاحف بحذف الالف من باء حسبانا هكذا حسبنا.
        وقوله تعالى (هررت ومروت) في بعض المصاحف باثبات الالف في الهاء والميم وفي بعهضا بحذفها منهما.
        وقوله تعالى (لومة لائم) في بعض المصاحف هكذا - لئم - بحذف ألف المد.
        وقوله تعالى (فأحيكم ثم يميتكم) في بعضها فاحياكم بالالف
        وكلمة " ابراهيم " مرسومة في سورة البقرة بحذف الياء في المصحف الشامي والعراقى ومرسومة باثباتها في المصحف المكى والمدنى.
        وألف التثنية فد تحذف في بعض المصاحف وفي بعضها لا تحذف نحو قوله تعالى (إذ همت طائفتان) وقوله (كانا يأكلان الطعام) إلى غير ذلك وهذا حسبما ذكره أئمة القراءات المتقدمون ونقلوه بالسند المتصل عن الثقاة العدول الذين شاهدوا تلك المصاحف العثمانية.
سبب اختلاف رسوم المصاحف العثمانية
        لا ندرى لم اختلفت رسوم تلك المصاحف التى كتبت بأمر عثمان رضى الله عنه وارسلت إلى المدن والامصار وقد اجاب على هذا العلامة الشيخ محمد حسنين مخلوف العدوى وكيل الجامع الازهر والمعاهد الدينية بمصر المتوفى عام 1351 تقريبا رحمه الله تعالى في كتابه " عنوان البيان في علوم التبيان " بقوله:
        [إن هذا الإختلاف بين تلك المصاحف انما هو اختلاف قراءات في لغة واحدة (2) لا إختلاف لغات قصد بإثباته إنفاذ ما وقع الإجماع عليه إلى أقطار بلاد المسلمين واشتهاره بينهم وإنما كتبت هذه في البعص بصورة وفي آخر بأخرى لانها لو كررت في كل مصحف لتوهم نزولها كذلك, ولو كتبت بصورة في الاصل وبأخرى في الحاشية لكان تحكما مع إيهام التصحيح ومثل هذا بعد أمر عثمان رضى الله عنه وبعثه إلى كل جهة ما أجمع الصحابة على الأخذ به لا يؤدى إلى تنازع أو فتنة لان أن أهل كل جهة قد استندوا إلى أصل مجمع عليه وإمام يرشدهم إلى كيفية قراءته والحاصل أن المصاحف العثمانية كتبت بحرف واحد وهو حرف قريش وإن ذلك الحرف يسع من القراءات ما يرسم بصور مختلفة إثباتاً وحذفاً وإبدالاً, فكتب في بعضها برواية وفي بعضها برواية اخرى تقليلا للإختلاف في الجهة الواحدة بقدر الإمكان, فكما اقتصر على لغة واحدة في جميع المصاحف اقتصر على رسم رواية واحدة في كل مصحف, والمدار في القراءة على عدم الخروج عن رسم تلك المصاحف, ولذلك لا يحظر على أهل أي جهة أن يقرؤا بما يقتضيه رسم الجهة الاخرى] انتهى كلامه رحمه الله تعال وهو كلام حسن وجواب سديد.
        ولم نقف على شئ من كلام المتقدمين والمتأخرين من العلماء في هذا الموضوع سواه, فمن لم يقتنع بجواب الشيخ العدوي المذكور نقول له : "إن رسم المصاحف العثمانية سر من الأسرار التى لم تهتد إلى حله فحول العلماء ونوابغ العقلاء فما علينا غير الاتباع والتسليم".
===============
(1) أي كتبت " لدا " بالياء في آية لدى الحناجر بغافر، وفي بعض المصاحف كتبت بالالف بخلافها في آية لدا الباب بيوسف فانها بالالف اتفاقا .
(2) وهى لغة قريش كما سبق الكلام عند جمع عثمان المصحف