قريش تسأل والرسول يجيب
فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا محمد ، أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصة عجب ؛ وعن رجل كان طوافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ؛ وأخبرنا عن الروح ما هي ؟ قال : فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أخبركم بما سألتم عنه غدا ، ولم يستثن ، فانصرفوا عنه .
فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - خمس عشرة ليلة لا يحُدث الله إليه في ذلك وحيا ، ولا يأتيه جبريل ، حتى أرجف أهل مكة ، وقالوا : وعدنا محمدا غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة ، قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه ، وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مُكْث الوحي عنه ، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة : ثم جاءه جبريل من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف ، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم ، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية ، والرجل الطواف ، والروح .
الرد على قريش فيما سألوه
قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل حين جاءه : لقد احتبست عني يا جبريل حتى سُؤت ظنا ؛ فقال له جبريل : ( وما نتنـزَّل إلا بأمر ربك ، له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك ، وما كان ربك نسيا ) . فافتتح السورة تبارك وتعالى بحمده وذكر نبوة رسوله ، لما أنكروه عليه من ذلك ، فقال : ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، إنك رسول مني : أي تحقيق لما سألوه عنه من نبوتك . ( ولم يجعل له عوجا قيما ) أي معتدلا ، لا اختلاف فيه . ( لينذر بأسا شديدا من لدنه ) : أي عاجل عقوبته في الدنيا . وعذابا أليما في الآخرة : أي من عند ربك الذي بعث رسولا . ( ويـبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ، ماكثين فيه أبدا ) : أي دار الخلد . ( لا يموتون فيها ) الذين صدقوك بما جئت به مما كذبك به غيرهم ، وعملوا بما أمرتهم به من الأعمال . ( وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ) يعني قريشا في قولهم : إنا نعبد الملائكة ، وهي بنات الله . ( ما لهم به من علم ولا لآبائهم ) الذين أعظموا فراقهم وعيب دينهم . ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم ) : أي لقولهم : إن الملائكة بنات الله . ( إن يقولون إلا كذبا ، فلعلك باخع نفسك ) يا محمد ( على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) : أي لحزنه عليهم حين فاته ما كان يرجو منهم : أي لا تفعل .
قال ابن هشام : باخع نفسك ، أي مهلك نفسك ، فيما حدثني أبو عبيدة . قال ذو الرمة :
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه * لشيء نحَتْه عن يديه المقادرُ
وجمعه : باخعون وبخعة . وهذا البيت في قصيدة له . وتقول العرب : قد بخعت له نصحي ونفسي ، أي جهدت له . ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) .
قال ابن إسحاق : أي أيهم أتبع لأمري ، وأعمل بطاعتي . ( وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ) : أي الأرض ، وإن ما عليها لفان وزائل ، وإن المرجع إلي ، فأجزي كلا بعمله ، فلا تأس ولا يحزنك ما تسمع وترى فيها .
قال ابن هشام : الصعيد : الأرض ، وجمعه : صعد . قال ذو الرمة يصف ظبيا صغيرا :
كأنه بالضحى ترمي الصعيد به * دبَّابة في عظام الرأس خرطومُ
وهذا البيت في قصيدة له . والصعيد أيضا : الطريق . وقد جاء في الحديث : إياكم والقعود على الصعدات . يريد الطرق . والجرز : الأرض التي لا تنبت شيئا ، وجمعها : أجراز . ويقال : سنة جرز ، وسنون أجراز ، وهي التي لا يكون فيها مطر ، وتكون فيها جُدوبة ويُبْس وشدة . قال ذو الرمة يصف إبلا :
طوى النحز والأجراز ما في بطونها * فما بقيت إلا الضلوع الجراشع
وهذا البيت في قصيدة له .
ما أنزله الله في قصة أهل الكهف
قال ابن إسحاق : ثم استقبل قصة الخبر فيما سألوه عنه من شأن الفتية ، فقال : ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ) : أي قد كان من آياتي فيما وضعت على العباد من حججي ما هو أعجب من ذلك .
قال ابن هشام : والرقيم : الكتاب الذي رُقم فيه بخبرهم ، وجمعه : رُقُم . قال العجاج :
ومستقر المصحف المرقَّمِ *
وهذا البيت في أرجوزة له .
قال ابن إسحاق : ثم قال تعالى : ( إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدا . فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا . ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ) . ثم قال تعالى : ( نحن نقص عليك نبأهم بالحق ) : أي بصدق الخبر عنهم ( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ، وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها ، لقد قلنا إذا شططا ) : أي لم يشركوا بي كما أشركتم بي ما ليس لكم به علم .
قال ابن هشام : والشطط : الغلو ومجاوزة الحق . قال أعشى بني قيس بن ثعلبة :
لا ينتهون ولا ينهى ذوي شطط * كالطعن يذهب فيه الزيت والفتلُ
وهذا البيت في قصيدة له .
( هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين ) .
قال ابن إسحاق : أي بحجة بالغة .
( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا . وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ، ويهيئ لكم من أمركم مرفقا . وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين ، وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ، وهم في فجوة منه ) .
قال ابن هشام : تزاور : تميل ، وهو من الزور . وقال امرؤ القيس بن حجر :
وإني زعيم إن رجعت مملكا * بسير ترى منه الفُرانق أزورا
وهذا البيت في قصيدة له . وقال أبو الزحف الكليبـي يصف بلدا :
جأب المندَّى عن هوانا أزورُ * يُنضي المطايا خمسه العَشَنـْزَرُ
وهذان البيتان في أرجوزة له . و ( تقرضهم ذات الشمال ) : تجاوزهم وتتركهم عن شمالها . قال ذو الرمة :
إلى ظُعْن يقرضن أقواز مشرف * شمالا وعن أيمانهنّ الفوارسُ
وهذا البيت في قصيدة له . والفجوة : السعة ، وجمعها : الفجاء . قال الشاعر :
ألبست قومك مخزاة ومنقصة * حتى أُبيحوا وخلوا فجوة الدارِ
( ذلك من آيات الله ) أي في الحجة على من عرف ذلك من أمورهم من أهل الكتاب ، ممن أمر هؤلاء بمسألتك عنهم في صدق نبوتك بتحقيق الخبر عنهم .
( من يهد الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا . وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ، ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ، وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) .
قال ابن هشام : الوصيد : الباب . قال العبسي ، واسمه عُبيد بن وهب :
بأرض فلاة لا يسد وصيدها * علي ومعروفي بها غير منكر
وهذا البيت في أبيات له . والوصيد أيضا : الفناء ، وجمعه : وصائد ، ووصد ، ووصدان ، وأصد ، وأصدان .
( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ، ولملئت منهم رعبا ) إلى قوله : ( قال الذين غلبوا على أمرهم ) أهل السلطان والملك منهم : ( لنتخذن عليهم مسجدا ، سيقولون ) يعني أحبار يهود الذين أمروهم بالمسألة عنهم : ( ثلاثة رابعهم كلبهم ، ويقولون خمسة سادسهم كلبهم ، رجما بالغيب ) : أي لا علم لهم . ( ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ، قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل ، فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ) : أي لا تكابرهم . ( ولا تستفت فيهم منهم أحدا ) فإنهم لا علم لهم بهم .
( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ، واذكر ربك إذا نسيت ، وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا ) : أي ولا تقولن لشيء سألوك عنه كما قلت في هذا : إني مخبركم غدا . واستثن شِيْئَة الله ، واذكر ربك إذا نسيت ، وقل عسى أن يهدين ربي لخير مما سألتموني عنه رشدا ، فإنك لا تدري ما أنا صانع في ذلك . ( ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعا ) : أي سيقولون ذلك . ( قل الله أعلم بما لبثوا ، له غيب السماوات والأرض ، أبصر به وأسمعْ ما لهم من دونه من ولي ، ولا يشرك في حكمه أحدا ) أي لم يخف عليه شيء مما سألوك عنه .
ما أنزل الله تعالى في خبر الرجل الطواف ذي القرنين
وقال فيما سألوه عنه من أمر الرجل الطواف : ( ويسئلونك عن ذي القرنين ، قل سأتلو عليكم منه ذكرا . إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا . فأتبع سببا ) حتى انتهى إلى آخر قصة خبره .
خبر ذي القرنين
وكان من خبر ذي القرنين أنه أوتى ما لم يؤت أحد غيره ، فمدت له الأسباب حتى انتهى من البلاد إلى مشارق الأرض ومغاربها ، لا يطأ أرضا إلا سلط على أهلها ، حتى انتهى من المشرق والمغرب إلى ما ليس وراءه شيء من الخلق .
قال ابن إسحاق : فحدثني من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علمه : أن ذا القرنين كان رجلا من أهل مصر ، اسمه مرزُبان بن مرذبة اليوناني ، من ولد يونان بن يافث بن نوح .
قال ابن هشام : واسمه الإسكندر ، وهو الذي بنى الإسكندرية فنسبت إليه .
قال ابن إسحاق : وقد حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان الكلاعي ، وكان رجلا قد أدرك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذي القرنين فقال : ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب .
وقال خالد : سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يقول : يا ذا القرنين ؛ فقال عمر : اللهم غفرا ، أما رضيتم أن تسمَّوْا بالأنبياء حتى تسميتم بالملائكة .
قال ابن إسحاق : الله أعلم أي ذلك كان ، أقال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أم لا ؟ فإن كان قاله ، فالحق ما قال .
ما أنزل الله تعالى في أمر الروح
وقال تعالى فيما سألوه عنه من أمر الروح : ( ويسألونك عن الروح ، قل الروح من أمر ربي ، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) .
سؤال يهود المدينة للرسول صلى الله عليه و سلم عن المراد من قوله تعالى : ( و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) .
قال ابن إسحاق : وحُدثت عن ابن عباس ، أنه قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، قالت أحبار يهود : يا محمد ، أرأيت قولك : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) إيانا تريد ، أم قومك ؟ قال : كلا ؛ قالوا : فإنك تتلو فيما جاءك : أنا قد أوتينا التوراة فيها بيان كل شيء .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها في علم الله قليل ، وعندكم في ذلك ما يكفيكم لو أقمتموه . قال : فأنزل الله تعالى عليه فيما سألوه عنه من ذلك : ( ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام ، والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ، إن الله عزيز حكيم ) : أي أن التوراة في هذا من علم الله قليل .
ما أنزل الله تعالى بشأن طلبهم تسيير الجبال وبعث الموتى
قال : وأنزل الله تعالى عليه فيما سأله قومه لأنفسهم من تسيير الجبال ، وتقطيع الأرض ، وبعث من مضى من آبائهم من الموتى : ( ولوأن قرآنا سُيرِّت به الجبال ، أو قُطعت به الأرض ، أو كُلم به الموتى ، بل لله الأمر جميعا ) : أي لا أصنع من ذلك إلا ما شئت .
ما أنزل الله تعالى رداً على قولهم للرسول صلى الله عليه وسلم : خذ لنفسك
وأُنزل عليه في قولهم : خذ لنفسك ، ما سألوه أن يأخذ لنفسه ، أن يجعل له جنانا وقصورا وكنوزا ، ويبعث معه ملكا يصدقه بما يقول ، ويرد عنه : ( وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق لولا أُنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ، أو يُلقى إليه كنـز ، أو تكون له جنة يأكل منها ، وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا . اُنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ، تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك ) : أي من أن تمشي في الأسواق وتلتمس المعاش ( جنات تجري من تحتها الأنهار ، ويجعلْ لك قصورا ) .
لو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي لفعلت
وأُنزل عليه في ذلك من قولهم : ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ، أتصبرون وكان ربك بصيرا ) : أي جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا ، ولو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي فلا يخُالَفوا لفعلت .
القرآن يرد على ابن أبي أمية
وأنزل الله عليه فيما قال عبدالله بن أبي أمية : ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا . أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا . أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ، أو تأتي بالله والملائكة قبيلا . أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ، ولن نؤمن لرقيك حتى تنـزل علينا كتابا نقرؤه ، قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ) .
قال ابن هشام : الينبوع : ما نبع من الماء من الأرض وغيرها ، وجمعه : ينابيع . قال ابن هَرْمة ، واسمه إبراهيم بن علي الفهري .
وإذا هرقت بكل دار عبرة * نُزف الشئون ودمعك الينبوع
وهذا البيت في قصيدة له . والكسف : القطع من العذاب ، وواحدته : كسفة ، مثل سدرة وسدر . وهي أيضا : واحدة الكسف . والقبيل : يكون مقابلة ومعاينة ، وهو كقوله تعالى : ( أو يأتيهم العذاب قبلا ) : أي عيانا . وأنشدني أبو عبيدة لأعشى بني قيس بن ثعلبة :
أصالحكم حتى تبوءوا بمثلها * كصرخة حُبْلى يسَّرتها قبيلُها يعني القابلة ، لأنها تقابلها وتقبل ولدها . وهذا البيت في قصيدة له . ويقال : القبيل : جمعه قُبُل ، وهي الجماعات ، وفي كتاب الله تعالى : ( وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ) فقُبل : جمع قبيل ، مثل سبل : جمع سبيل ، وسرر : جمع سرير ، و قمص : جمع قميص . والقبيل أيضا : في مثل من الأمثال ، وهو قولهم : ما يعرف قبيلا من دبير : أي لا يعرف ما أقبل مما أدبر ؛ قال الكميت بن زيد :
تفرقت الأمور بوجهتيهم * فما عرفوا الدَّبـيـر من القَبيلِ
وهذا البيت في قصيدة له ، ويقال : إنما أريد بهذا القبيل : الفتل ، فما فتل إلى الذارع فهو القبيل ، وما فتل إلى أطراف الأصابع فهو الدبير ، وهو من الإقبال والإدبار الذي ذكرت . ويقال : فتل المغزل . فإذا فُتل المغزل إلى الركبة فهو القبيل ، وإذا فتل إلى الورك فهو الدبير . والقبيل أيضا : قوم الرجل . والزخرف : الذهب . والمزخرف : المزين بالذهب . قال العجاج :
من طلل أمسى تخال المصحفا * رسومه والمذهب المزخرفا
وهذان البيتان في أرجوزة له ، ويقال أيضا لكل مزيَّن : مزخرف .
نفي القرآن أن رجلا من اليمامة يعلمه
قال ابن إسحاق : وأُنزل في قولهم : إنا قد بلغنا أنك إنما يعلمك رجل باليمامة ، يقال له الرحمن ، ولن نؤمن به أبدا : ( كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن ، قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت ، وإليه متاب ) .
ما أنزله الله تعالى في أبي جهل و ما هم به
وأُنزل عليه فيما قال أبو جهل بن هشام ، وما هم به : ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ، أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ، أرأيت إن كذب وتولى ، ألم يعلم بأن الله يرى ، كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ، ناصية كاذبة خاطئة ، فليدع ناديه ، سندع الزبانية ، كلا لا تطعه واسجد واقترب ) .
قال ابن هشام : لنسفعا : لنجذبن ولنأخذن . قال الشاعر :
قوم إذا سمعوا الصراخ رأيتهم * من بين ملجم مُهْره أو سافع
والنادي : المجلس الذي يجتمع فيه القوم ويقضون فيه أمورهم ، وفي كتاب الله تعالى : ( وتأتون في ناديكم المنكر ) وهو الندي . قال عبيد بن الأبرص :
اذهب إليك فإن من بني أسد * أهل الندي وأهل الجود والنادي
وفي كتاب الله تعالى : ( وأحسن نديا ) . وجمعه : أندية . فليدع أهل ناديه . كما قال تعالى : ( واسأل القرية ) يريد أهل القرية . قال سلامة ابن جندل ، أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم :
يومان يومُ مقامات وأندية * ويوم سير إلى الأعداء تأويبِ
وهذا البيت في قصيدة له . وقال الكميت بن زيد :
لا مهاذير في النديّ مكاثيرَ ولا مصمتين بالإفحامِ *
وهذا البيت في قصيدة له . ويقال : النادي : الجلساء . والزبانية : الغلاظ الشداد ، وهم في هذا الموضع : خزنة النار . والزبانية أيضا في الدنيا : أعوان الرجل الذين يخدمونه ويعينونه ، والواحد : زِبْنِية . قال ابن الزبعرى في ذلك :
مطاعيمُ في المقرى مَطاعين في الوغى * زبانية غلب عظام حلومها
يقول : شداد . وهذا البيت في أبيات له . وقال صخر بن عبدالله الهذلي ، وهو صخر الغي :
ومن كبير نفر زبانية *
وهذا البيت في أبيات له .
ما أنزله تعالى فيما عرضوه عليه ، عليه الصلاة و السلام من أموالهم
قال ابن إسحاق : وأنزل الله تعالى عليه فيما عرضوا عليه من أموالهم : ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم ، إن أجري إلا على الله ، وهو على كل شيء شهيد ) .
استكبار قريش عن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم
فلما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما عرفوا من الحق ، وعرفوا صدقه فيما حدث ، وموقع نبوته فيما جاءهم به من علم الغيوب حين سألوه عما سألوه عنه ، حال الحسد منهم له بينهم وبين اتِّباعه وتصديقه ، فعتوا على الله وتركوا أمره عيانا ، ولجوا فيما هم عليه من الكفر ، فقال قائلهم : لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ، أي اجعلوه لغوا وباطلا ، واتخذوه هزوا لعلكم تغلبونه بذلك ، فإنكم إن ناظرتموه أو خاصمتموه يوما غلبكم