الاثنين، 23 أبريل 2012

موسوعة السيرة النبوية : غزوتا بنى لحيان وذى قرد


غزوتا بنى لحيان وذى قرد


غزوة بني لحيان
 خروجه صلى الله عليه وسلم إليهم
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ، قال ‏:‏ حدثني زيد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال ‏:‏
ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفرا وشهري ربيع ، وخرج في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من فتح قريظة ، إلى بني لحيان يطلب بأصحاب الرجيع ‏:‏ خبيب بن عدي وأصحابه ، وأظهر أنه يريد الشام ، ليصيب من القوم غِرَّة ‏.‏
 استعماله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة
فخرج من المدينة صلى الله عليه وسلم ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، فيما قال ابن هشام ‏.‏
 الطريق التي سلكها صلى الله عليه وسلم إليهم ثم رجوعه عنهم
قال ابن إسحاق ‏:‏ فسلك على غُراب ، جبل بناحية المدينة على طريقه إلى الشام ، ثم على محيص ، ثم على البتراء ، ثم صفَّق ذات اليسار ، فخرج على بِيْن ، ثم على صخيرات اليمام ، ثم استقام به الطريق على المحجة من طريق مكة ، فأغذّ السير سريعا ، حتى نزل على غُرّان ، و هي منازل بني لحيان ، وغران واد بين أمج وعسفان ، إلى بلد يقال له ‏:‏ ساية ، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال ‏.‏
فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخطأه من غرتهم ما أراد ، قال ‏:‏ لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة ، فخرج في مئتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان ، ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كُراع الغميم ، ثم كر وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا ‏.‏
 دعاء العودة
فكان جابر بن عبدالله يقول ‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين وجه راجعا ‏:‏ آبيون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون ، أعوذ بالله من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في الأهل والمال ‏.‏
 ما قاله كعب بن مالك في غزوة بني لحيان
والحديث في غزوة بني لحيان ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، وعبدالله ابن أبي بكر ، عن عبدالله بن كعب بن مالك ؛ فقال كعب بن مالك في غزوة بني لحيان ‏:‏
لو انَّ بني لحيان كانوا تناظروا * لقوا عُصبا في دارهم ذات مَصْدَقِ
لقوا سَرَعانا يملأ السَّرْب روعه * أمام طَحُون كالمجرة فَيْلقِ
ولكنهم كانوا وِبارا تتَّبعت * شعاب حجاز غير ذي مُتنفَّق
 غزوة ذي قرد
 غارة ابن حصن على لقاح الرسول
ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلم يُقم بها إلا ليالي قلائل ، حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ، في خيل من غطفان على لقاح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة ، وفيها رجل من بني غفار وامرأة له ، فقتلوا الرجل ، واحتملوا المرأة في اللِّقاح ‏.‏
 شجاعة ابن الأكوع في هذه الغزوة
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبي بكر ، ومن لا أتهم ، عن عبدالله بن كعب بن مالك ، كل قد حدث في غزوة ذي قَرَد بعض الحديث ‏:‏ أنه كان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي ، غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله ، ومعه غلام لطلحة بن عبدالله معه فرس له يقوده ، حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم ، فاشرف في ناحية سلع ، ثم صرخ ‏:‏ واصباحاه ، ثم خرج يشتد في آثار القوم ، و كان مثل السبع حتى لحق القوم ، فجعل يردهم بالنبل ، ويقول إذا رمى ‏:‏ خذها وأنا ابن الأكوع ، اليوم يوم الرُّضَّع ، فإذا وُجِّهت الخيل نحوه انطلق هاربا ، ثم عارضهم ، فإذا أمكنه الرمي رمى ، ثم قال ‏:‏ خذها وأنا ابن الأكوع ، اليوم يوم الرضع ، قال ‏:‏ فيقول قائلهم ‏:‏ أُوَيْكعنا هو أول النهار ‏.‏
 صراخ الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ‏:‏ وبلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صياحُ ابن الأكوع ، فصرخ بالمدينة الفزع الفزع ، فترامت الخيول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
 تسابق الفرسان إليه
وكان أول من انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان ‏:‏ المقداد بن عمرو ، وهو الذي يقال له ‏:‏ المقداد بن الأسود ، حليف بني زهرة ؛ ثم كان أول فارس وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المقداد من الأنصار ، عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء ، أحد بني عبدالأشهل ؛ وسعد بن زيد ، أحد بني كعب بن عبدالأشهل ؛ وأسيد بن ظُهير ، أخو بني حارثة بن الحارث ، يشك فيه ؛ وعُكَّاشة بن محصن ، أخو بني أسد بني خزيمة ؛ ومحُرز بن نضلة ، أخو بني أسد بن خزيمة ؛ وأبو قتادة الحارث بن ربعي ، أخو بني سلمة ؛ وأبو عياش ، وهو عبيد بن زيد بن الصامت ، أخو بني زريق ‏.‏
فلما اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّر عليهم سعد بن زيد ، فيما بلغني ، ثم قال ‏:‏ اخرج في طلب القوم ، حتى ألحقك في الناس ‏.‏
 الرسول و نصيحته لأبي عياش بترك فرسه
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني عن رجال من بني زريق ، لأبي عياش ‏:‏ يا أبا عياش ، لو أعطيت هذا الفرس رجلا ، هو أفرس منك فلحق بالقوم ‏؟‏ قال أبو عياش ‏:‏ فقلت ‏:‏ يا رسول الله ، أنا أفرس الناس ، ثم ضربت الفرس ، فوالله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني ، فعجبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ لو أعطيته أفرس منك ، وأنا أقول ‏:‏ أنا أفرس الناس ‏.‏
فزعم رجال من بني زريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فرس أبي عياش معاذ بن ماعص ، أو عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة ، وكان ثامنا ، وبعض الناس يعد سلمة بن عمرو بن الأكوع أحد الثمانية ، ويطرح أسيد بن ظهير ، أخا بني حارثة ، والله أعلم أي ذلك كان ‏.‏ ولم يكن سلمة يومئذ فارسا ، وقد كان أول من لحق بالقوم على رجليه ‏.‏ فخرج الفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا ‏.‏
 سبق محرز بن نضلة إلى القوم ومقتله
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عاصم بن عمرو بن قتادة ‏:‏ أن أول فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة ، أخو بني أسد بن خزيمة - وكان يقال لمحرز ‏:‏ الأخرم ؛ ويقال له ‏:‏ قُمير - وأن الفزع لما كان جال فرس لمحمود بن مسلمة في الحائط ، حين سمع صاهلة الخيل ، وكان فرسا صنيعا جامّا ، فقال نساء من نساء بني عبدالأشهل ، حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط فيه ‏:‏ يا قمير ، هل لك في أن تركب هذا الفرس ‏؟‏ فإنه كما ترى ، ثم تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، فأعطيناه إياه ‏.‏
فخرج عليه ، فلم يلبث أن بذّ الخيل بجمامه ، حتى أدرك القوم ، فوقف لهم بين أيديهم ، ثم قال ‏:‏ قفوا يا معشر بني اللَّكيعة حتى يلحق بكم مَن وراءكم من أدباركم من المهاجرين والأنصار ‏.‏ قال ‏:‏ وحمل عليه رجل منهم فقتله ، وجال الفرس ، فلم يقدر عليه حتى وقف على آرِيِّه من بني عبدالأشهل ، فلم يُقتل من المسلمين غيره ‏.‏
 مقتل وقاص بن مجزز
قال ابن هشام ‏:‏ وقتل يومئذ من المسلمين مع محرز ، وقَّاص بن مجُزّز المُدلجي ، فيما ذكر غير واحد من أهل العلم ‏.‏
 أسماء أفراس المسلمين
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان اسم فرس محمود ‏:‏ ذا اللمَّة ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ وكان اسم فرس سعد بن زيد ‏:‏ لاحق ؛ واسم فرس المقداد ‏:‏ بَعْزَجة ؛ ويقال ؛ سبحة ، واسم فرس عُكاشة بن محصن ‏:‏ ذو اللَّمة ؛ واسم فرس أبي قتادة ‏:‏ حَزْوة ؛ وفرس عباد بن بشر ‏:‏ لَمَّاع ، وفرس أسيد بن ظهير ‏:‏ مسنون ؛ وفرس أبي عياش ‏:‏ جُلوة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني بعض من لا أتهم عن عبدالله بن كعب بن مالك ‏:‏ أن مجُزّزا إنما كان على فرس لعكاشة بن محصن ، يقال له ‏:‏ الجناح ، فقُتل مجزز واستُلبت الجناح ‏.‏
 القتلى من المشركين
ولما تلاحقت الخيل قَتل أبو قتادة الحارث بن ربعي ، أخو بني سلمة ، حبيب بن عيينة بن حصن ، وغشَّاه برده ، ثم لحق بالناس ‏.‏
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين ‏.‏
 استعماله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة
قال ابن هشام ‏:‏ واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فإذا حبيب مسجَّى ببرد أبي قتادة ، فاسترجع الناس وقالوا ‏:‏ قتل أبو قتادة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ليس بأبي قتادة ، ولكنه قتيل لأبي قتادة ، وضع عليه برده ، لتعرفوا أنه صاحبه ‏.‏
وأدرك عكاشة بن محصن أوبارا وابنه عمرو بن أوبار ، وهما على بعير واحد ، فانتظمهما بالرمح ، فقتلهما جميعا ، واستنفذوا بعض اللقاح ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد ، وتلاحق به الناس ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم به ، وأقام عليه يوما وليلة ؛ وقال له سلمة بن عمرو بن الأكوع ‏:‏ يا رسول الله ، لو سرحتني في مائة رجل لاستنقذت بقية السرح ، وأخذت بأعناق القوم ‏؟‏ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني ‏:‏ إنهم الآن ليُغْبَقُون في غطفان ‏.‏
 تقسيم الفيء بين المسلمين
فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه في كل مائة رجل جزورا ، وأقاموا عليها ، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا حتى قدم المدينة ‏.‏
 لا نذر في معصية
وأقبلت امرأة الغفاري على ناقة من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قدمت عليه فأخبرته الخبر ، فلما فرغت ، قالت ‏:‏ يا رسول الله ، إني قد نذرت لله أن أنحرها إن نجاني الله عليها ؛ قال ‏:‏ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال ‏:‏ بئس ما جزيتها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها ‏!‏ إنه لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين ، إنما هي ناقة من إبلي ، فارجعي إلى أهلك على بركة الله ‏.‏
والحديث عن امرأة الغفاري وما قالت ، وما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن أبي الزبير المكي ، عن الحسن بن أبي الحسن البصري