الاثنين، 23 أبريل 2012

موسوعة السيرة النبوية : أمر وفد ثقيف وإسلامها في شهر رمضان سنة تسع


 أمر وفد ثقيف وإسلامها في شهر رمضان سنة تسع


 قدوم عروة بن مسعود عليه صلى الله عليه وسلم مسلما
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك ، في رمضان وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف ‏.‏
وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم ، اتبع أثره عروة بن مسعود الثقفي ، حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة ، فأسلم ، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما يتحدث قومه ‏:‏ إنهم قاتلوك ، وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم نخوة الامتناع الذي كان منهم ، فقال عروة ‏:‏ يا رسول الله ، أنا أحب إليهم من أبكارهم ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ويقال من أبصارهم ‏.‏
 دعوة قومه إلى الإسلام وقتلهم إياه ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان فيهم كذلك محبباً مطاعاً ، فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه ، لمنزلته فيهم ، فلما أشرف لهم على علية له ، وقد دعاهم إلى الإسلام ، وأظهر لهم دينه ، رموه بالنبل من كل وجه ، فأصابه سهم فقتله ، فتزعم بنو مالك أنه قتله رجل منهم ، يقال له أوس بن عوف أخو بني سالم بن مالك ، وتزعم الأحلاف أنه قتله رجل منهم ، من بني عتاب بن مالك ، يقال له ، وهب بن جابر ، فقيل لعروة ‏:‏ ما ترى في دمك قال ‏:‏
كرامة أكرمني الله بها ، وشهادة ساقها الله إلي ، فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم ، فادفنوني معهم ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه ‏:‏ إن مثله في قومه لكمثل صاحب ياسين في قومه ‏.‏
 إرسال ثقيف وفدا إليه صلى الله عليه وسلم
ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهراً ، ثم إنهم ائتمروا بينهم ، ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب ، وقد بايعوا وأسلموا ‏.‏
حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ‏:‏
أن عمرو بن أمية ، أخا بني علاج ، كان مهاجراً لعبد ياليل بن عمرو ، الذي بينهما شيء ، وكان عمرو بن أمية من أدهى العرب ، فمشى إلى عبد ياليل بن عمرو ، حتى دخل داره ‏.‏
ثم أرسل إليه أن عمرو بن أمية يقول لك ‏:‏ أخرج إلي ، قال ‏:‏ فقال عبد ياليل للرسول ‏:‏ ويلك أعمرو أرسلك إلي ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، وها هو ذا واقفا في دارك ، فقال إن هذا الشيء ما كنت أظنه ، لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك ، فخرج إليه فلما رآه رحب به ، فقال له عمرو ‏:‏ إنه قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة ، إنه قد كان من أمر هذا الرجل ما قد رأيت ، قد أسلمت العرب كلها ، وليست لكم بحربهم طاقة ، فانظروا في أمركم ‏.‏
فعند ذلك ائتمرت ثقيف بينها ، وقال بعضهم لبعض ‏:‏ أفلا ترون أنه لا يأمن لكم سرب ، ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع ، فأتمروا بينهم ، وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً ، كما أرسلوا عروة ، فكلموا عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، وكان سن عروة بن مسعود ، وعرضوا ذلك عليه فأبى أن يفعل ، وخشي أن يصنع به إذا رجع كما صنع بعروة ‏.‏
فقال ‏:‏ لست فاعلاً حتى ترسلوا معي رجالاً فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف ، وثلاثة من بني مالك ، فيكونوا ستة ، فبعثوا مع عبد ياليل الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب وشرحبيل ابن غيلان بن سلمة بن معتب ، ومن بني مالك عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبد دهمان ، أخا بني يسار ، وأوس بن عوف ، أخا بني سالم بن عوف ، ونمير بن خرشة بن ربيعة أخا بني الحارث ‏.‏
فخرج بهم عبد ياليل ، وهو ناب القوم وصاحب أمرهم ، ولم يخرج بهم إلا خشية من مثل ما صنع بعروة بن مسعود ، لكي يشغل كل رجل منهم إذا رجعوا إلى الطائف رهطه ‏.‏
 طلبهم من الرسول أمورا فرفضها ‏:‏
فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة ، ألفوا بها المغيرة بن شعبة ، يرعى في نوبته ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت رعيتها نوبا على أصحابه صلى الله عليه وسلم ، فلما رآهم ترك الركاب عند الثقفيين ، وضبر يشتد ، ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره عن ركب ثقيف أن قد قدموا يريدون البيعة والإسلام ، بأن يشرط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شروطاً ، ويكتتبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً في قومهم وبلادهم وأموالهم ‏.‏
فقال أبو بكر للمغيرة ‏:‏ أقسمت عليك بالله ، لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه ، ففعل المغيرة ، فدخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بقدومهم عليه ، ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم ، وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية ‏.‏
ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة في ناحية مسجده ، كما يزعمون فكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اكتتبوا كتابهم ، وكان خالد هو الذي كتب كتابهم بيده ، وكانوا لا يطعمون طعاماً ، يأتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالد ، حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم ‏.‏
وقد كان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية ، وهي اللات ، لا يهدمها ثلاث سنين ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليهم ، فما برحوا يسألونه سنة سنة ، ويأبى عليهم حتى سألوا شهرا واحدا بعد مقدمهم ، فأبي عليهم أن يدعها شيئا مسمى ، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يتسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ، ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام ، فأبي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب ، والمغيرة بن شعبة فيهدماها ‏.‏
وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة ، وأن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
أما كسر أوثانكم بأيديكم ، فسنعفيكم منه ، وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه ، فقالوا ‏:‏ يا محمد ، فسنؤتيكها وإن كانت دناءة ‏.‏
 تأمير عثمان بن أبي العاص على ثقيف
فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابهم ، أمر عليهم عثمان بن أبي العاص ، وكان من أحدثهم سنا ، وذلك أنه كان أحرصهم على التفقه في الإسلام ، وتعلم القرآن ‏.‏
 صوم وفد ثقيف ما تبقى من رمضان وخدمة بلال إياهم
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عيسى بن عبدالله بن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي عن بعض وفدهم قال ‏:‏
كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من رمضان بفطرنا ، وسحورنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأتينا بالسحور ، وإنا لنقول ‏:‏ إن لنرى الفجر قد طلع ، فيقول ‏:‏ قد تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسحر ، لتأخير السحور ‏:‏ يأتينا بفطرنا ، وإنا لنقول ‏:‏ ما نرى الشمس كلها ذهبت بعد ‏:‏ فيقول ‏:‏ ما جئتكم حتى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يضع يده في الجفنة ، فيلتقم منها ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏بفطورنا وسحورنا ‏.‏
 عهده صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص حين تأميره على ثقيف
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني سعيد بن أبي هند عن مطرف بن عبدالله بن الشخير ، عن عثمان بن أبي العاص ، قال ‏:‏
كان من أخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني على ثقيف أن قال ‏:‏ يا عثمان تجاوز في الصلاة ، واقدر الناس بأضعفهم ، فإن فيهم الكبير ، والصغير ، والضعيف ، وذا الحاجة ‏.‏
 هدم اللات
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما فرغوا من أمرهم ، وتوجهوا إلى بلادهم راجعين ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة ، في هدم الطاغية ‏.‏ فخرجا مع القوم ، حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة بن شعبة أن يقدم أبا سفيان ، فأبى ذلك أبو سفيان عليه ، وقال ‏:‏ ادخل أنت على قومك ؛ وأقام أبو سفيان بماله بذي الهدم ، فلما دخل المغيرة بن شعبة علاها يضربها بالمعول ، وقام قومه دونه بنو معتب خشية أن يرمي أو يصاب كما أصيب عروة ، وخرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها ويقلن ‏:‏
لتبكين دفاع * أسلمها الرضاع
لم يحسنوا المصاع
قال ابن هشام ‏:‏لتبكين عن غير ابن إسحاق ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ يقول أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفأس ‏:‏ واها لك ‏!‏ آها لك ‏!‏ فلما هدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل إلى أبي سفيان وحليها مجموع ، وما لها من الذهب والجزع ‏.‏
 من أول من أسلم من ثقيف
وكان أبو مليح بن عروة وقارب ابن الأسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد ثقيف ، حين قتل عروة ، يريدان فراق ثقيف وأن لا يجامعاهم على شيء أبداً ، فأسلما فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وخالكما أبا سفيان بن حرب ؛ فقالا ‏:‏وخالنا أبا سفيان ابن حرب ‏.‏
 سؤال أبي المليح وقارب بن الأسود قضاء دينهما من مال اللات
فلما أسلم أهل الطائف ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان والمغيرة إلى هدم الطاغية ، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو مليح بن عروة أن يقضي عن أبيه عروة ديناً كان عليه من مال الطاغية ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ نعم ، فقال له ، قارب بن الأسود ، وعن الأسود يا رسول الله فاقضه ، وعروة والأسود أخوان لأب وأم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
إن الأسود مات مشركا ‏.‏ فقال قارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ يا رسول الله ، لكن تصل مسلما ذا قرابة ، يعني نفسه ، إنما الدين علي ، وإنما أنا الذي أطلب به ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود من مال الطاغية ؛ فلما جمع المغيرة مالها قال لأبي سفيان ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقضي عن عروة والأسود دينهما ، فقضى عنهما ‏.‏
 كتابه عليه السلام لثقيف
وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لهم ‏:‏
بسم الله الرحمن الرحيم ‏:‏ من محمد النبي رسول الله ، إلى المؤمنين ‏:‏ إن عضاه وج وصيده ، لا يعضد من وجد يفعل شيئاً من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه ، فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به إلى النبي محمد ، وإن هذا أمر النبي محمد رسول الله ‏.‏
وكتب خالد بن سعد بأمر الرسول محمد بن عبدالله ، فلايتعده أحد ، فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏