الاثنين، 12 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الحدود : حد القذف


حد القذف

1- تعريفه:
أصل القذف الرمي بالحجارة وغيرها.
ومنه قول الله تعالى لام موسى عليه السلام: {أن اقذ فيه في التابوت فاقذفيه في اليم}.
والقذف بالزنا مأخوذ من هذا المعنى، والمقصود به هنا المعنى الشرعي، وهو الرمي بالزنا.

.2- حرمته:
يستهدف الإسلام حماية أعراض الناس، والمحافظة على سمعتهم، وصيانة كرامتهم، وهو لهذا يقطع ألسنة السوء ويسد الباب على الذين يلتمسون للبرآء العيب، فيمنع ضعاف النفوس من أن يجرحوا مشاعر الناس ويغلوا في أعراضهم، ويحظر أشد الحظر إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا حتى تتطهر الحياة من سريان هذا الشر فيها.
فهو يحرم القذف تحريما قاطعا، ويجعله كبيرة من كبائر الاثم والفواحش، ويوجب على القاذف ثمانين جلدة - رجلا كان أو امرأة - ويمنع من قبول شهادته، ويحكم عليه بالفسق واللعن والطرد من رحمة الله، واستحقاق العذاب الاليم في الدنيا والاخرة، اللهم إلا إذا ثبت صحة قوله بالادلة التي لا يتطرق إليها الشك، وهي شهادة أربع شهداء بأن المقذوف تورط في الفاحشة يقول الله سبحانه: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}.
ويقول: {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والاخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين}.
ويقول: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والاخرة}.
وروى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هن يارسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».
وكان هذا التحريم الذي نزلت به الآيات بسبب حادث الافك الذي وقع لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزل عذري، قام النبي على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن، فلما نزل عن المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم، وهم حسان ومسطح، وحمنة رواه أبو داود.

.ما يشترط في القذف:
للقذف شروط لابد من توافرها حتى يصبح جريمة تستحق عقوبة الجلد.
وهذه الشروط منها ما يجب توافره في القاذف، ومنها ما يجب توافره في المقذوف، ومنها ما يجب توفره في الشئ المقذوف به.

.شروط القاذف:
والشروط التي يجب توفرها في القاذف هي:
1- العقل.
2- البلوغ.
3- الاختيار.
لان ذلك أصل التكليف، ولا تكليف بدون هذه الاشياء.
فإذا قذف المجنون أو الصبي أو المكره فلا حد على واحد منهم، لقول رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق».
ويقول: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه».
فإذا كان الصبي مراهقا بحيث يؤذي قذفه فإنه يعزر تعزيرا مناسبا.

.شروط المقذوف:
وشروط المقذوف هي:
.1- العقل:
لأن الحد إنما شرع للزجر عن الاذية بالضرر الواقع على المقذوف، ولا مضرة على من فقد العقل فلا يحد قاذفه.

.2- البلوغ:
وكذلك يشترط في المقذوف البلوغ، فلا يحد قاذف الصغير والصغيرة، فإذا رمى صبية يمكن وطئها قبل البلوغ بالزنا، فقد قال جمهور العلماء: إن هذا ليس بقذف، لأنه ليس بزنا، إذ لا حد عليها ويعزر القاذف.
وقال مالك: أن ذلك قذف يحد فاعله.
وقال ابن العربي: والمسألة محتملة الشك.
لكن مالك غلب عرض المقذوف وغيره راعى حماية ظهر القاذف، وحماية عرض المقذوف أولى، لأن القاذف كشف ستره بطرف لسانه، فلزم الحد.
وقال ابن المنذر: وقال أحمد في الجارية بنت تسع يجلد قاذفها، وكذلك الصبي إذا بلغ ضرب قاذفه.
وقال إسحاق: إذا قذف غلام يطأ مثله فعليه الحد.
والجارية إذا جاوزت تسعة مثل ذلك.
وقال ابن المنذر: لا يحد من قذف من لم يبلغ، لأن ذلك كذب.
ويعزر على الاذى.

.3- الإسلام:
والإسلام شرط في المقذوف، فلو كان المقذوف من غير المسلمين لم يقر الحد على قاذفه عند جمهور العلماء، وإذا كان العكس فقذف النصراني أو اليهودي المسلم الحر فعليه ما على المسلم: ثمانون جلدة.

.4- الحرية:
فلا يحد العبد بقذف الحر له، سواء أكان العبد ملكا للقاذف أم لغيره: لأن مرتبته تختلف عن مرتبة الحر، وإن كان قذف الحر للعبد محرما لما رواه البخاري ومسلم.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قذف مملوكه بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال».
قال العلماء: وإنما كان ذلك في الاخرة لارتفاع الملك، واستواء الشريف والوضيع، والحر والعبد، ولم يكن لأحد فضل إلا بالتقوى، ولما كان ذلك تكافأ الناس في الحدود والحرمة واقتص من كل واحد لصاحبه، إلا أن يعفو المظلوم عن الظالم.
وإنما لم يتكافأوا في الدنيا لئلا تدخل الداخلة على المالكين في مكافأتهم لهم فلا تصح لهم حرمة ولا فضل في منزلة، وتبطل فائدة التسخير.
ومن قذف من يحسبه عبدا فإذا هو حر فعليه الحد، وهو اختيار ابن المنذر، وقال الحسن البصري لا حد عليه.
وأما ابن حزم فإنه رأى غير ما رآه جمهور الفقهاء، فرأى أن قاذف العبد يقام عليه الحد.
وأنه لا فرق بين الحر والعبد في هذه الناحية.
قال: وأما قولهم لا حرمة للعبد ولا للامة فكلام سخيف. والمؤمن له حرمة عظيمة.
ورب عبد جلف خير من خليفة قرشي عند الله تعالى.
ورأي ابن حزم هذا رأي وجيه وحق، لو لم يصطدم بالنص المتقدم.
5- العفة:
وهي العفة عن الفاحشة التي رمي بها سواء أكان عفيفا عن غيرها أم لا، حتى أن من زنا في أول بلوغه ثم تاب وحسنت حالته وامتد عمره فقذفه قاذف، فإنه لا حد عليه.
وإن كان هذا القذف يستوجب التعزير لأنه أشاع ما يجب ستره وإخفاؤه.

.ما يجب توفره في المقذوف به:
أما ما يجب توفره في المقذوف به، فهو التصريح بالزنا أو التعريض الظاهر، ويستوي في ذلك القول والكتابة.
ومثال التصريح أن يقول موجه الخطاب إلى غيره: يا زاني أو يقول عبارة تجري مجرى هذا التصريح، كنفي نسبه عنه.
ومثال التعريض كأن يقول في مقام التنازع: لست بزان ولا أمي بزانية.
وقد اختلف العلماء في التعريض..فقال مالك: إن التعريض الظاهر ملحق بالتصريح، لأن الكفاية قد تقوم - بعرف العادة والاستعمال - مقام النص الصريح.
وإن كان اللفظ فيها مستعملا في غير موضعه، وقد أخذ عمر رضي الله عنه بهذا الرأي.
روى مالك عن عمرة بنت عبد الرحمن: أن رجلين استبا في زمان عمر بن الخطاب فقال أحدهما للاخر: والله ما أبي بزان ولا أمي بزانية فاستشار عمر في ذلك.
فقال قائل: مدح أباه وأمه.
وقال آخرون: قد كان لابيه وأمه مدح غير هذا نرى أن تجلده الحد فجلده عمر الحد ثمانين.
وذهب ابن مسعود، وأبو حنيفة، والشافعي، والثوري، وابن أبي ليلى، وابن حزم، والشيعة، ورواية عن أحمد: إلى أنه لا حد في التعريض، لأن التعريض يتضمن الاحتمال، والاحتمال شبهة.
والحدود تدرأ بالشبهات إلا أن أبا حنيفة والشافعي يريان تعزير من يفعل ذلك.
قال صاحب الروضة الندية: كاشفا وجه الصواب في هذا:
التحقيق أن المراد من رمي المحصنات المذكور في كتاب الله عز وجل هو أن يأتي القاذف بلفظ يدل - لغة أو شرعا أو عرفا - على الرمي بالزنا، ويظهر من قرائن الاحوال أن المتكلم لم يرد إلا ذلك، ولم يأت بتأويل مقبول يصح حمل الكلام عليه، فهذا يوجب حد القذف بلا شك ولا شبهة.
وكذلك لو جاء بلفظ لا يحتمل الزنا أو يحتمله احتمالا مرجوحا، وأقر أنه أراد الرمي بالزنا فإنه يجب عليه الحد.
وأما إذا عرض بلفظ محتمل ولم تدل قرينة حال ولا مقال على أنه قصد الرمي بالزنا، فلا شيء عليه، لأنه لا يسوغ إيلامه بمجرد الاحتمال.

.بم يثبت حد القذف:
الحد يثبت بأحد أمرين:
1- إقرار القاذف نفسه.
2- أو بشهادة رجلين عدلين.

.عقوبة القاذف الدنيوية:
يجب على القاذف إذا لم يقم البينة على صحة ما قال عقوبة مادية، وهي ثمانون جلدة.
وعقوبة أدبية، وهي رد شهادته وعدم قبولها أبدا والحكم بفسقه لأنه يصبح غير عدل عند الله وعند الناس.
وهاتان العقوبتان هما المقررتان في قول الله سبحانه وتعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}.
وهذا متفق عليه بين العلماء إذا لم يتب القاذف.
بقي هنا مسألتان اختلف فيهما العلماء:

المسألة الأولى:
هل عقوبة العبد مثل عقوبة الحر أو لا؟ المسألة الثانية إذا تاب القاذف، هل يرد له اعتباره وتقبل شهادته أولا؟.
أما المسألة الأولى فهي أنه إذا قذف العبد الحر المحصن وجب عليه الحد، ولكن هل حده مثل حد الحر، أو على النصف منه؟.
لم يثبت حكم ذلك في السنة، ولهذا اختلفت أنظار الفقهاء، فذهب أكثر أهل العلم إلى أن العبد إذا ثبتت عليه جريمة القذف، فعقوبته أربعون جلدة، لأنه حد يتنصف بالرق، مثل حد الزنا.
يقول الله سبحانه: {فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}. قال مالك: قال أبو الزناد سألت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ذلك فقال: أدركت عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، والخلفاء، وهلم جرا، فما رأيت أحدا جلد عبدا في فرية أكثر من أربعين.
وروي عن ابن مسعود، والزهري، وعمر بن عبد العزيز وقبيصة بن ذؤيب، والاوزاعي، وابن حزم، أنه يجلد ثمانين جلدة.
لأنه حد وجب، حقا للادميين، إذ أن الجناية وقعت على عرض المقذوف، والجناية لا تختلف بالرق والحرية.
قال ابن المنذر: والذي عليه الأمصار القول الأول، وبه أقول.
وقال في المسوى: وعليه أهل العلم.
وقد ناقش صاحب الروضة الندية الرأي الأول، وقال مرجحا الرأي الثاني:
الآية الكريمة عامة يدخل تحتها الحر والعبد، والغضاضة بقذف العبد للحر أشد منها بقذف الحر للحر، وليس في حد القذف ما يدل على تنصيفه للعبد، لا من الكتاب ولا من السنة.
ومعظم ما وقع التعويل عليه هو قوله تعالى في حد الزنا: {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}.
ولا يخفى أن ذلك في حد آخر غير حد القذف.
فإلحاق أحد الحدين بالاخر فيه إشكال، لا سيما مع اختلاف العلة وكون أحدهم حقا لله محضا، والاخر مشوبا بحق آدمي.
أما المسألة الثانية:
فقد اتفق الفقهاء على أن القاذف لا تقبل شهادته ما دام لم يتب، لأنه ارتكب ما يستوجب الفسق، والفسق يذهب بالعدالة، والعدالة شرط في قبول الشهادة، وأنه لم يتب من فسقه هذا، والجلد، وإن كان مكفرا للاثم الذي ارتكبه ومخلصا له من عقاب الاخرة، إلا أنه لا يزيل عنه وصف الفسق الموجب لرد الشهادة.
ولكن إذا تاب وحسنت توبته، فهل يرد له اعتباره وتقبل شهادته أم لا؟.
اختلف الفقهاء في ذلك إلى رأيين:
الرأي الأول يرى قبول شهادة المحدود في قذف إذا تاب توبة نصرحا وهذا هو رأي مالك، والشافعي، وأحمد، والليث، وعطاء، وسفيان بن عيينة، والشعبي، والقاسم، وسالم، والزهري.
وقال عمر لبعض من حدهم في قذف: إن تبت قبلت شهادتك!.
أما الرأي الثاني فإنه يرى عدم قبولها، وممن ذهب إلى هذا: الأحناف، والاوزاعي، والثوري، والحسن، وسعيد بن المسيب، وشريح، وابراهيم النخعي، وسعيد بن جبير.
وأصل هذا الخلاف هو الاختلاف في تفسير قول الله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا}.
فهل الاستثناء في الآية راجع إلى الأمرين معا: أي عدم قبول الشهادة، والحكم بالفسق، أو راجع إلى الأمر الاخير، وهو الحكم بالفسق؟.
فمن قال أن الاستثناء راجع إلى الأمرين معا، قال بجواز قبول الشهادة بعد التوبة.
ومن قال إنه راجع إلى الحكم بالفسق، قال بعدم قبولها مهما كانت توبته.

.كيفية التوبة:
قال عمر رضي الله عنه: توبة القاذف لا تكون إلا بأن يكذب نفسه في ذلك القذف الذي لا حد فيه.
وقال الذين شهدوا على المغيرة: من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما يستقبل ومن لم يفعل لم أجز شهادته.
فأكذب الشبل بن معبد، ونافع بن الحارث بن كلدة أنفسهما وتابا وأبى أبو بكرة أن يفعل، فكان لا يقبل شهادته.
وهذا مذهب الشعبي، ومحكي عن أهل المدينة، وقالت طائفة من العلماء: توبته أن يصلح ويحسن حاله، وإن لم يرجع عن قوله بتكذيب، وحسبه الندم على قذفه والاستغفار منه وترك العود إليه.
وهذا مذهب مالك، وابن جرير.

.هل يحد بقذف أصله؟
قال أبو ثور وابن المنذر: إذا قذف القاذف ابنه فإنه يحد لظاهر القرآن الكريم فإنه لم يفرق بين قاذف ومقذوف.
وقالت الحنفية والشافعية: لا يحد، لأنه يشترط في القاذف أن لا يكون أصلا كالأب والأم، لأنه إذا لم يقتل الاصل به فعدم حده بقذفه أولى، وإن قالوا بتعزيره، لأن القذف أذى.

.تكرار القذف لشخص واحد:
إذا قذف القاذف شخصا واحدا أكثر من مرة، فعليه حد واحد إذا لم يكن قد حد لواحد منها، فإن كان قد حد لواحد منها ثم عاد إلى القذف، حد مرة ثانية، فإن عاد مرة ثالثة وهكذا يحد لكل قذف.

.قذف الجماعة:
إذا قذف القاذف جماعة ورماهم بالزنا، فقد اختلفت أنظار الفقهاء في في حكمه إلى ثلاثة مذاهب: المذهب الأول مذهب القائلين بأنه يحد حدا واحدا.
وهم أبو حنيفة، ومالك، وأحمد والثوري.
والمذهب الثاني مذهب القائلين بأن عليه لكل واحد حدا، وهم الشافعي والليث.
والمذهب الثالث مذهب الذين فرقوا بين أن يجمعهم في كلمة واحدة، مثل أن يقول لهم: يا زناة.
أو يقول: لكل واحد: يا زاني، ففي الصورة الأولى يحد حدا واحدا، وفي الثانية حد لكل واحد منهم.
قال ابن رشد: فعمدة من لم يوجب على قاذف الجماعة إلا حدا واحدا حديث أنس وغيره: أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سمحاء، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلاعن بينهما ولم يحد شريكا، وذلك إجماع من أهل العلم فيمن قذف زوجته برجل.
وعمدة من رأى أن الحد لكل واحد منهم أنه حق للآدميين، وأنه لو عفا بعضهم ولم يعف الكل لم يسقط الحد.
وأما من فرق بين من قذفهم في كلمة واحدة أو كلمات، أو في مجلس واحد أو في مجالس، فلأنه رأى أنه وجب أن يتعدد الحد بتعدد القذف، لأنه إذا اجتمع تعدد المقذوف وتعدد القذف، كان أوجب أن يتعدد الحد.

هل الحد حق من حقوق الله أو من حقوق الآدميين؟
ذهب أبو حنيفة إلى أن الحد حق من حقوق الله، ويترتب على كونه حقا من حقوق الله، أنه إذا بلغ الحاكم، وجب عليه إقامته، وإن لم يطلب ذلك المقذوف، ولا يسقط بعفوه، ونفعت القاذف التوبة فيما بينه وبين الله تعالى، ويتنصف فيه الحد بالرق مثل الزنا.
وذهب الشافعي إلى أنه حق من حقوق الآدميين، ويترتب عليه أن الإمام لا يقيمه إلا بمطالبة المقذوف، ويسقط بعفوه، ويورث عنه ويسقط بعفو وارثه، ولا تنفع القاذف التوبة حتى يحلله المقذوف.

.سقوط الحد:
ويسقط حد القذف بمجئ القاذف بأربعة شهداء، لأن الشهداء ينفون عنه صفة القذف الموجبة للحد، ويثبتون صدور الزنا بشهادتهم.
فيقام حد الزنا على المقذوف، لأنه زان. وكذلك إذا أقر المقذوف بالزنا واعترف بما رماه به القاذف. وإذا قذفت المرأة زوجها فإنه يقام عليها الحد، إذا توفرت شروطه بخلاف ما إذا قذفها هو ولم يقم عليها البينة، فإنه لا يقام عليه الحد، وإنما يتلاعنان،
وقد تقدم ذلك في باب اللعان.