الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : المنتقم

المنتقم

 مع الدرس التاسع والخمسين من دروس أسماء الله الحُسنى والاسم اليوم هو المنتقم وكلمة المنتقم إذا وصف بها إنسان من البشر فالأمر يختلف عما إذا كانت اسماً من أسماء الله، لأن الله سبحانه وتعالى أسماؤه كلمها حُسنى، والدليل قول الله عز وجل:
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾
(سورة الأعراف)
 و قد يتصف إنسان بالانتقام فلا نحبه، لكن الله سبحانه وتعالى حينما يضع للظالم حداً، فيوقفه عند حده، ويحجزه عن أن يؤذي الآخرين فهذا المعنى يليق بحضرة الله جل جلاله، وهذا الاسم الجليل مشتق من الانتقام، والنقمة هي العقوبة، والله جل جلاله يعاقب ليؤدب، ويؤدب ليسعد.
 وقد ذكرت لكم من قبل أن الشر المطلق لا وجود له في الكون لأن وجوده يتناقض مع وجود الله، ولأن الله جل جلاله ذات كاملة ولله الأسماء الحُسنى، ويمكن أن نصف هذه الذات الكاملة بالوجود والوحدانية والكمال، فأي اسم اتصف الله به أو سمى نفسه به، ينبغي أن نفهمه فهماً يليق بكمال الله.
 والمنتقم من الانتقام، والنقمة هي العقوبة والمنتقم الذي يعاقب من يشاء، أما الإنسان فلا يستطيع أن يعاقب من يشاء إذ لا يعاقب إلا من هو دونه، ولا يستطيع أن يعاقب نداً أو مساوياً له، وأما أن يعاقب من هو أعلى منه فهذا مستحيل، لكن الله سبحانه وتعالى ينتقم ممن يشاء ؛ أي يعاقب من يشاء، فإذا كنت مع القوي فأنت قوي، مهما يكن عدوك كبيراً، أو قوياً أو جباراً، أو طاغياً، أو متطاولاً، فالله جل جلاله أكبر ينتقم منه ويوقفه عند حده، ويحجزه عن أن يؤذي خلق الله عز وجل وبهذا المعنى نفهم الانتقام.
 فلو أنك في الدنيا رأيت إنساناً شارداً مجرماً عاتياً يقتل ويسرق ويفعل فحينما يُلقى القبض عليه وتُحجز حريته يشعر الناس جميعاً بالراحة لأنه حُجز عن أن يؤذي خلق الله عز وجل، فالانتقام في هذا المعنى يليق بكمال الله جل جلاله.
 قال بعض العلماء: " المنتقم في حق الله تعالى هو الذي يقصم ظهور الطغاة ويشدد العقوبة على العصاة، والانتقام أشد من العقوبة العاجلة التي لا تمكن صاحبها من الإمعان في المعصية، لكن المنتقم هو الذي يعاقب عقوبة تمنع المعاقب من أن يقع في المعصية " وربنا عز وجل هو الطبيب.
 وقد تجد إنساناً فتسأل كيف يصلح هذا الإنسان، و يعود إلى الله و يستقيم على أمره، فتجد أن الله جل جلاله عاقبه بعقاب أو ساق له شدةً تحار لها العقول إذاً هو يقف عند حده، ويرتدع ويعود إلى ربه ويسلك الطريق القويم، فالمنتقم كالمربي، ينتقم ليؤدب ويؤدب ليسعد.
 قالوا: " المنتقم له معنى آخر، هو الذي عُرفت عظمته فخشي العباد نقمته " و تقريباً للمعنى ؛ دولة عظمى لديها سلاح نووي قد لا تستخدم هذا السلاح إطلاقاً، لكنها مرهوبة الجانب، فلا يفكر أحد أن يعتدي عليها، فالله سبحانه وتعالى لأنه إذا أراد أن يعاقب عاقب:
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾
(سورة البروج)
 فإذا عرف الإنسان عظمة الله عز وجل تأدب معه، فكان تعظيم الله سبباً لطاعته ولخشية نقمته، فالنقمة هي العقوبة، فانتقمنا منهم أي عاقبناهم، ولكن أيها الإخوة أريد أن أوضح لكم بعض المعاني، الكلمة كما تعلمنا في اللغة هي كائن يولد وينمو ويهرم ويموت، وهناك كلمات ميتة كثيرة جداً، وأضرب لكم بعض الأمثلة، قال الشاعر:
مدحوصة بمحيص الدحص بازلها  له صريف صريف القعو بالمسد
***
 هل فهمتم شيئاً، هذه كلمات ميتة، وأحياناً، للكلمة معنى رفيع، وبعد حين تكتسب معنى آخر غير المعنى الذي وضعت له، كنت أضرب على ذلك المثل التالي، الجرثومة في اللغة أصل الشيء، وقد وقف شاعر كبير يمدح خليفة عظيمة كالمعتصم يصفه بأنه جرثومة الدين والإسلام والحسب، وهذا بيت في المديح، والخليفة تقبَّل هذا البيت بنفس رضية، أما كلمة جرثومة الآن فماذا تعني ؟ الشيء الشرير إذا قلنا لأحدهم أنت جرثومة فهذا المكان هذه كلمة ذم، إذ تأخذ الكلمة معنى غير المعنى الذي وضعت له في أصل اللغة.
 وكلمة استعمار ؛ من إعمار الأرض، يعني أنت مثلاً إذا بنيت الأبنية ونصبت الجسور، وأنشأت المدارس والمستشفيات وشققت الطرق فأنت مستعمر، أما حينما جاءت قوة غاشمة واحتلت البلاد وسلبت ونهبت وقهرت وطغت وبغت سُميت استعماراً، فكملة استعمار لها وقع سيء في النفوس.
 وكلمة عصابة: تعني الجماعة، قال عليه الصلاة والسلام:
(( إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبد بعد اليوم ))
 أما إذا قلت الآن عصابة مجرمين أو عصابة قطاع طرق، فلها معنى آخر، فينبغي لك أن تفهم الكلمة كما هي في أصل اللغة، فالمنتقم هو المعاقب.
 ولعلنا نفهم المنتقم من البشر الذي يحقد والذي يعاقب ليتشفى، فهذه المعاني التي نفهما من كلام الناس اليوم لا علاقة لها بهذا الاسم إطلاقاً و المنتقم هو الذي يعاقب، أو هو الذي يعاقب عقوبة تردع صاحبها عن أن يعصي الله عز وجل، والمنتقم هو الذي يعاقب ليوقف الباغي و الظالم عند حده، والناس جميعاً يرتاحون إذا ألقي القبض على مجرم عات باغ ووضع حد لإجرامه.
 والمعنى الفرعي الذي قلته قبل قليل، هو الذي عُرفت عظمته فخشي الناس نقمته، ومن عرف رحمته رجا نعمته، فإن عرفت عقوبته خشيت معصيته، وإن عرفت رحمته رجوت نعمته.
 و سيدنا عمر سأله بعض أصحاب رسول الله، إن الناس خافوا شدتك وبطشك، فبكى وقال: لو يعلم الناس ما في قلبي من الرحمة لأخذوا عباءتي هذه ولكن هذا الأمر لا يناسبه إلا كما ترى.
 وربنا عز وجل أحياناً يريك من رحمته الشيء الكثير، فترتاح راحة كبرى، وتطمح، وتطمع، وتسترخي أحياناً، وتتساهل وتقصر، يريك من شدته فتخاف، فهو يعالج الناس، إن أقبلوا على رحمته فقصروا أو تساهلوا أراهم من شدته.
 والإمام الغزالي رحمه الله تعالى يذكر أن المنتقم هو الذي يقصم ظهور العتاة وينكل بالجناة ويشدد العقاب على الطغاة.
 ومن القصص، إن رجل جالس على أريكة، وزوجته أمامه، وله أخت عانس متقدمة في السن، ألجأتها الأقدار إلى أن تكون عند أخيها وكانت هذه الزوجة تبالغ في التنكيل بأخت زوجها، إلى حد غير مقبول من امرأة غريبة، أما أن ينكل بها أخوها، إذ ركلها بقدمه أمام زوجته، وقال: إتني بكأس من الماء، وفي اليوم التالي كان في سفر فأُصيب بحادث فقطعت رجله اليمنى التي ركل بها أخته ليذلها من أعلى الفخذ..
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾
 وآلاف من القصص، ينتقم ربنا عز وجل فيضع حداً للطغيان.
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)﴾
(سورة البقرة)
 تروي القصص أن بعوضة دخلت إلى أنفه واستقرت في أعلى خيشومه فصار الألم لا يطاق، والإنسان ضعيف، فلو أن قناة الدمع سُدت لأصبحت حياته لا تطاق، ولو أن المستقيم أصيب بالشلل أو أصيب بورم خبيث لاستؤصل، وإذا استؤصل فسوف تحوّل الفضلات إلى فتحة في جدار البطن وهذا شيء لا يُحتمل.. ولو أن هذه الجفون أطبقت على بعضها ولم ترتفع إلا بيدك، لغدا الأمر لا يطاق، وربنا عز وجل لديه آلاف الأدوية بل مئات ألوف الأدوية، فإذا كنت في طاعته فأنت في ظله وحفظه و رحمته، وفضله.
 والمنتقم هو الذي يقصم ظهور العتاة، وينكل بالجناة ويشدد العقاب على الطغاة، ولكن بعد الإعذار والإنذار، إن الله جلت حكمته لا يبطش من أول مرة، بل يعطي فرصة، وزمناً كي تتوب، و ترجع، وهناك إنسان ضبط متلبساً بالسرقة، فسيق إلى أمير المؤمنين، قال: والله يا أمير المؤمنين إنها المرة الأولى، قال كذبت، إن الله لا يعاقب من المرة الأولى، إذاً هي المرة الثامنة.
 وبعد الإعذار والإنذار، فالله يعطي تنبيهاً، وهناك من يقود مركبته في أحد طرق دمشق، فأصيب بأزمة قلبية فانكب على المقود وزوجته إلى جانبه فصرخت، ومن غرائب المصادفات، أو من توفيق الله عز وجل أن صديقه خلفه، فخرج من مركبته وحمله على المقعد الخلفي وأخذه إلى المشفى فأدخل إلى غرفة العناية المشددة، وبعد يومين أو ثلاثة، شعر بالخطر وقال ائوني بالمسجلة، فقال: المحل الفلاني لأخي وليس لي لقد اغتصبته منه، والبيت الفلاني لفلان، والأرض الفلانية لفلان، وكل الأراضي والبيوت والحوانيت التي اغتصبها اعترف بها على هذا الشريط، وبعد يومين أو ثلاثة، شعر أنه عاد إلى ما كان عليه فهو طبيعي جداً، فقال أين الشريط ائتوني به، فكسره وعاد إلى ما كان عليه، وبعد ثمانية أشهر جاءت النوبة القاضية.
 فالله عز وجل متى يبطش ؟ ومتى يهلك ؟ ومتى ينتقم ؟ حينما يعذر وينذر، وبعد الإعذار والإنذار وبعد التمكين والإمهال.
 والإمام القشيري يرى أن الانتقام نتيجة الكراهية، كراهية وعقوبة لكنك إذا قلت إن الله يكره، فالله لا يكره الإنسان لأنه إنسان بل يكره عمله فقط، فلا يغضب منه ولا يغضب عليه، ولا يكرهه بل يكره عمله وتقريباً للمعنى، فالأب مع ابنه المنحرف يكره انحرافه وهو ابنه فإذا عاد إليه عاد إلى مكانته الطبيعية، وإذاً فالكراهية لشيء والعقوبة عليه أيضاً كراهية وعقوبة، إلا أن كراهية الله عز وجل لكماله ولحرصه ورحمته، يكره العمل الذي يفضي بصاحبه إلى النار، فانتقام الله تعالى للعصاة على ما كره منهم ليصلحهم وليوصلهم إلى أبوابه وأبواب طاعته، والكراهة في حق الله تعالى ذم الفاعل والحكم عليه بالعقوبة، أما أن يكره الله عز وجل إنساناً فيتحمل مشقة منه، فهذا لا يليق بالله أبداً، ولا شيء يصل إليه ولا شيء ينال منه، إنه فوق كل شيء.
 وإذا غضب الله عز وجل فلا يغضب لنفسه ولا يغضب لخلقه، إنه غني عنهم، ولو أن العباد جميعاً على أتقى قلب رجل واحد منهم ما زاد في ملك الله شيء.
 وقيل: المنتقم هو الذي يشدد العقوبة على الظالمين، ويسلط البلاء على المجرمين، وهو الذي يرسل رسله بالآيات والإنذارات، فمن لم ينتفع بالإنذارات سلط عليه العقوبات.
 وشيء مألوف ؛ يقول لك الطبيب لا تدخن فالدخان يسبب الأمراض الخبيثة، وأمراض القلب والأوعية وأمراض الموات"الغرغرين " فإن لم تستجب لهذه النصيحة يأتي المرض المزعج.
 فقال بعضهم: هو الذي يرسل رسله بالآيات والإنذارات فإن لم ينتفع بها الإنسان سلط عليه العقوبات والانتقامات.
 الانتقام كمادة لغوية ؛ وردت في القرآن الكريم في آيات كثيرة قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) ﴾
(سورة المائدة 95)
 ومن عاد، استمرأ المعصية وبالغ فيها ولم يرتدع فينتقم الله منه أي يعاقبه، يعاقبه ليرحمه.
 كما وردت كلمة انتقمنا منسوبة إلى الله جل جلاله في الأعراف:
﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)﴾
(سورة الأعراف)
 رسول كريم جاء فرعونَ ليدعوه إلى الله العظيم، جاء بالبينات والمعجزات والآيات، جاء لينهاه عن قتل أبناء بني إسرائيل واستحياء نسائهم، فما كان من فرعون الطاغية إلا أن جمع جنوده ولحق بموسى ومن معه، قال:
﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) ﴾
(سورة الشعراء)
 تصور فئة قليلة خائفة وجلة وضعيفة مستضعفة وراءها فرعون بجبروته وقوته وطغيانه وجنوده والبحر أمامها وفرعون وراءها والهلاك محقق:
﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾
(سورة الشعراء)
 ولحكمة بالغة بالغة، أنقذ الله جسده إلى الشاطئ، لأن هذا الجسد لو لم يصل إلى الشاطئ لما صدق الناس أنه غرق، وهو يدعي الألوهية، لذلك:
﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)﴾
(سورة يونس)
 والذي سمعته أنه محنط في متحف مصر، وأغلب الظن أن هذا المحنط في متحف مصر الفرعوني هو نفسه فرعون موسى، لأن آثار الملح موجودة في فمه، هكذا يقول بعض العلماء.
﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)﴾
(سورة الأعراف)
﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)﴾
(سورة الحجر)
 الأنبياء على صراط واضح مستقيم كما قال عليه الصلاة والسلام:
((عَنْ جَابِرِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ فَقَالَ أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلا أَنْ يَتَّبِعَنِي ))
(مسند الإمام أحمد)
 وفي سورة الروم:
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

(سورة الروم)
 ويقول الله عز وجل:
﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾
(سورة الصافات)
 كن جندياً لله وانتظر وعد الله بالنصر، فلا يمكن لمن كان جندياً لله أن يُهزم، وإذا هزم الإنسان فذلك يرجع إلى خلل في جنديته لله عز وجل وليس معنى أن يكون جندياً لله أن يحارب، فالكلمة لها معنى واسع جداً، فأنت إذا وظفت علمك وخبرتك في سبيل الله، في سبيل إحقاق الحق فأنت جندي لله، أحياناً تقول لإنسان كبير نحن جنودك، وليس هناك حرب و نحن أعوانك، ونحن في خدمتك، و طاقاتنا في سبيلك، فكيف إذا كنت جندياً لله، والمؤمن الصادق، علمه وخبرته وماله و لسانه وقلمه واختصاصه وحرفته ومهنته ومكانته وميزاته وخصائصه كلها موظفة في سبيل الله، ومعظم الناس يأكلون ويشربون ويعملون ويتاجرون ويربحون إلا المؤمن، كل هذه الأفعال الاعتيادية التي يفعلها كل الناس ولا أجر لهم ولكن إذا فعلها المؤمن تُحسب له أعمالاً صالحة لأنه يبتغي بها وجه الله.
 قال تعالى:
﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً(104)﴾
(سورة النساء)
 وعندما يسهر الكفار ويخططون ويبذلون الجهود الكبيرة والجبارة ليطفئوا نور الله عز وجل، وليضيقوا على المؤمنين ليضعفوا دوائر الحق فهذا جهد ووقت وطاقة وذكاء وعلم وإمكانات وأموال:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)﴾
(سورة الأنفال)
 الشيء الدقيق جداً:
﴿ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ﴾
 لكن:
﴿ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ ﴾
 أضرب لكم مثلاً آخر ؛ شابان أزمعا أن يتزوجا، هل من السهل تأمين بيت، والله لا تصل إلى مفتاح بيت إلا بشق الأنفس، وقد يكون بيتاً مؤلفاً من غرفة واحدة في أطراف المدينة البعيدة، فإذا ملكت هذا المفتاح كأنك ملكت الجنة، فالبيت وتأسيه، وكسوته، على العظم يقول لك أخذناه وتأمين حاجاته، هذا الشاب الذي يسعى للزواج يبذل جهداً كبيراً جداً، فإذا أراد من الزواج المتعة واللذة فقط، فهو يألم كما يألم أي شاب مؤمن، ولكن المؤمن يرجو من الله في زواجه ما لا يرجوه غير المؤمن، فالمؤمن يرجو أن يرزقه الله ولداً صالحاً ينفع الناس من بعده، ويرجو زوجة يأخذ بيدها إلى الله، وأن يؤسس عشاً إسلامياً نموذجياً لكل من يقتدي به، وهذه هي النقطة الدقيقة، فالأعمال الاعتيادية التي يفعلها معظم الناس مكرهين لا أجر لهم عند الله عز وجل، إلا أن المؤمن كل نشاطاته، وكل طاقاته وإمكاناته موظفة في خدمة الحق.
 وجاء في سورة الزخرف:
﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)﴾
(سورة الزخرف)
 وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في معركة بدر خاطب قتلى قريش واحداً واحداً، يا فلان يا فلان بأسمائهم وكأنهم أحياء، هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً لقد كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، قالوا: يا رسول الله أتخاطب قوماً جيفوا، قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يجيبونني:
﴿ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)﴾
﴿فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)﴾
(سورة الزخرف)
 تلاحظون طغياناً وبغياً وعدواناً وكبراً وغطرسة، وقد سمعتم قبل أسابيع كيف أنهم أرادوا في ليلة القدر أن يعتدوا عدواناً مجرماً، وكيف انتقم الله منهم، إنهم مئة وخمسون ضابطاً من نخبة الضباط لا يمكن أن يعوضوا في أقل من عشر سنين تدريباً، سمعوا ما في الصندوق الأسود فقال الطيار الأعلى إنني أهبط ولا أدري لم أهبط، نزل فوق الطائرة السفلى فاحترقتا ونزلت الطائرتان فوق مستعمرة فأهلكت هؤلاء لقد أرادوا أن يعتدوا في ليلة القدر..
﴿ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾
﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾
 وفي آل عمران:
﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)﴾
(سورة آل عمران)
 إخواننا الكرام هناك نقطة دقيقة، يجب أن يكون في قلبك خوف وتعظيم وحب في وقت واحد، وهناك حديث قدسي:
((قال يا رب: أي عبادي أحب إليك حتى أحبه بحبك، قال: أحب عبادي إلي تقي القلب نقي اليدين لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني وأحب من أحبني وحببني إلى خلقي، قال: يا رب إنك تعلم أني أحبك وأحب من يحبك فكيف أحببك إلى خلقك، قال ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي ))
 فالدعوة إلى الله يجب أن تتحرك في هذه الخطوط الثلاثة ويجب أن تبين للناس عظمة الله عز وجل، من أجل أن تطيعه تعظيماً وينبغي لك أن ترى فضله عليك من أجل أن تحبه، وينبغي لك أن ترى بطشه وشدته وانتقامه أحياناً من أجل أن تخاف منه، ولا بد من أن يجتمع في قلب المؤن الصادق تعظيم عن طريق الآيات، ومحبة عن طريق النعم وخوف عن طريق العقوبات، فالعقوبات لها معنى، والنعم لها معنى والآيات لها معنى، تعظمه وتحبه وتخاف منه، والآية الكريمة:
﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ(90)﴾
(سورة ألأنبياء)
 رغباً راغبين ورهباً خائفين، نرجوا رحمتك ونخشى عذابك.
 ثم دقق في هذه الآية الكريمة في سورة إبراهيم:
﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)﴾
(سورة إبراهيم)
﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾
 يرخي الحبل، فلا يضان الإنسان أن أحداً لن يستطيع أن يوقفه عند حده، يُشد الحبل فجأة فإذا هو في قبضة الله، فمن هو العاقل، ومن هو الموفق ؟ الذي يدخل في حساباته عظمة الله عز وجل، وقوته وبطشه.
 قال بعض العارفين: " اسم المنتقم من أسماء الجلال والقهر ".. أما الرحمن الرحيم المنعم المتفضل الحنان المنان ؛ فهذه أسماء الرحمه.. وأما المنتقم الجبار المتكبر القوي ؛ فهذه من أسماء الجلال والقهر.
 وإن البحر جميل جداً إذا كان هادئاً، فإذا هاج الموج فهو يمثل اسم الجبار، والله عز وجل يتجلّى على شيء باسم الجمال فإذا هو يأخذ بالألباب ويتجلى على شيء باسم القهر.. فانظر إلى الزلازل، فهناك شيء مخيف رهيب:
﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)﴾
(سورة الحجر)
 كل فترة هناك زلازل، يقال: ثلاثة آلاف متشرد، ألف وخمسمائة قتيل، في أربع ثوان، ستة رختر، انتهى، أبنية انهارت وأنابيب تفجرت وحرائق اشتعلت.
﴿ فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ﴾
 وفي الزمر:
﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37)﴾
(سورة الزمر)
 والناس يستهزؤون أحياناً بكلمة إني سأشكوك إلى الله، وحبذا لو تعرفون أبعاد هذه الكلمة، فلو قال لك أحدهم سأشكوك إلى الله ولن أسامحك، والله لو تعرف أبعاد هذه الكلمة لارتعدت فرائصك.
 وهذه امرأة كأنها تنتقد عمر بن الخطاب، فاستدعاها في اليوم الثاني وأعطاها مبلغاً كبيراً وكتبت له براءة عن تقصيره، فقال: ضعوها في كفني، فأنا استسمحت منها.
 فسيدنا عمر كان مع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما يتجولان في المدينة، فقال تعالى نحرس هذه القافلة ونذكر الله عز وجل جلسا لحراسة هذه القافلة، فبكى طفل صغير فقام عمر وهو عملاق الإسلام إلى أمه فقال أرضعيه، فأرضعته ثم بكى، ثم قام إليها ثانية فقال أرضعيه فأرضعته ثم بكى، وجاءها ثالثة، وقال يا أمة السوء أرضعيه، قالت له ما شأنك بنا، إنني أفطمه، قال ولم قالت: لأن عمر لا يُعطينا العطاء إلا بعد الفطام،" هذا هو التعويض العائلي " وتروي الكتب أنه ضرب جبهته وقال: ويحك يا ابن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين بهذا التعويض الذي لا يُعطى إلا بعد الفطام، فكم من أم فطمت ابنها وهو في أمس الحاجة إلى حليبها، وصلى صلاة الفجر فلم يفهم أصحابه قراءته من شدة بكائه، وكان يقول: رب هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي أم رددتها فأعزيها.
 والإنسان حينما يعرف الله عز وجل ويقف عند حدوده، لا يؤذي أحداً من خلقه، لأن الله منتقم.
﴿ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾
(سورة السجدة)
 دخل على معمل الحلويات، صاحبه وهو أشهر معمل في لبنان، وكنت أسمع أن طائرة شحن تنطلق يومياً إلى دول الخليج، ليصدر إنتاجه فيها، إنها ملك الحلويات.. لم يعجبه عمل أحد العمال، فأمسك العجينة ووضعها على الأرض وعركها بأقدامه وحذائه، فقال هذا العامل: يا سيدي أتعركها بحذائك فقال إن الناس يأكلون من تحت قدمي، و مضى على هذا الحادث ثلاثون يوماً فأصيبت رجلاه بالغر غرين، فقطعتا من ركبتيه، فهو الآن في بلد غربي بلا أرجل.
﴿ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾
 والإنسان حينما يكون جاهلاً يتطاول ويتجاوز حدوده، وقد سمعت مئات القصص، عندما يتجبر الإنسان ويتكبر ويتعالى ويتغطرس، فالله جل جلاله لا بد من أن يري الناس فيه يوماً.
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ﴾
 و لو رأيت إنساناً يبيع ويشتري ويربح ملايين ويركب أفخر المركبات ويستطيل على خلق الله، ويتحدى عظمة الله عز وجل، ولم يعبأ بشيء وعشت أمداً طويلاً فلم تر فيه يوماً فإن الله عز وجل يقول:
﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41)﴾
(سورة الزخرف)
 ولابد من أن ننتقم منهم، وسواء أرأيت هذا أم لم تر وكفاك نصراً على عدوك أنه في معصية الله:
﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)﴾
(سورة الدخان)
 وهذه بلدة في الساحل الأطلسي من أفسق البلدان في المغرب، كلها نوادي عراة وخمور وزنى، وكل أنواع المعاصي، فيها بعشرين أو ثلاثين ثانية جعلها الله رأساً على عقب..
﴿ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾
 قال بعض العارفين: " إن اسم المنتقم من أسماء الجلال والقهر "، ومن لم يعرف أسماء الجلال وأخلاق الكبير المتعال وقع في الضلال والنكال، فإن عرفت أنه كريم رحيم فاعرف أنه منتقم شديد عظيم.. دققوا في هذه الآية:
﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) ﴾
(سورة الحجر)
 زرت مرةً رجلاً في مرض شديد فقال لي والله ويكاد قلبه يعتصر أنا مصاب بمرضين، فأدوية هذا المرض تؤذي الآخر وأدوية الآخر تؤذي الأول ولا أدري ماذا أفعل.
 وأحياناً تأتي المصائب من كل جانب و تحيط بالإنسان، لكن أيها الإخوة صدقوني هذه كلمة رائعة:
" من خاف الله دله الخوف على كل خير "
 ونحن مؤمنون بأن هناك خوفاً مقدساً، فأروع أنواع الخوف أن تخاف من الله، والنبي عليه الصلاة والسلام سيد الرسل، أرسل خادماً بحادة فغاب طويلاً، فالنبي غضب لأنه بشر، فلما عاد هذا الخادم، قال:
((والله لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك))
 والسواك يؤلم الطفل، والإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيان الله.
 و أنت كإنسان كيف تتخلق بأخلاق الله عز وجل، ولا سيما باسم المنتقم، والمؤمن الكامل ينتقم من أعداء الله تعالى، فلا يجاملهم و لا يعينهم على معصية، و لا يغطي انحرافهم، ولا يباركه ويقف أمامهم بجرأة.
 وهنا يصف الله عز وجل المؤمنين قال:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾
(سورة المائدة)
 فلا تكن عوناً لإنسان منحرف، فمن أعان ظالماً سلطه الله عليه ومن أعان ظالماً ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوباً على جبينة " آيس من رحمة الله ".
 تخلّق بأخلاق الله، فهذا إنسان منحرف، فاسق فاجر، لا تبجله ولا تعظمه، ولا تقل فيه كلاماً لست قانعاً فيه.
 وإليكم بعض الأدعية:
 إلهي أنت المنتقم من أعدائك الظالمين القاهر بسطوتك المجرمين، قد انتقمت من النمرود وفرعون وهامان ومحقت أهل الظلم والطغيان.
 فإذا خفت من الله وصلت إلى كل خير، وأعظم خوف أن تخاف الله ورأس الحكمة مخافة الله، والإيمان قيد الفتك، ولا يفتك مؤمن.
 تصور هرة:
((حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ لَهَا أَوْ هِرٍّ رَبَطَتْهَا فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تُرَمْرِمُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ هَزْلا ))
(صحيح مسلم)