الأربعاء، 21 مارس 2012

موسوعة العقيدة - الإلهيات : شبهات الملاحدة فى إنكارهم وجود الله


شبهات الملاحدة فى إنكارهم وجود الله

شبهات الملاحدة في إنكارهم وجود الله تعالى

1- دليل الجاذبية     
    من شبههم على نفي وجود الإله الخالق الحافظ لهذا الكون ما زعموه بعد اكتشاف نظام الجاذبية في علم الفلك من أن هذا الكون محفوظ بقانون الجاذبية ومتماسك بسببها لا بقدرة إله خالق ولا شك أن هذا الفهم تافه سخيف إذ يقال لهم هل نظام الجاذبية ينفي وجود إله خالق قادر، أم أنه على العكس يدل على وجود الإله سبحانه وتعالى الذي خلق الجاذبية ذاتها لتعمل وفق ما أراد وقدر لا وفق ما تريد هي، إذ لا إرادة لها ولا وجود لها من نفسها فهي قد وجدت بعد أن لم تكن، وهذا الترتيب العجيب في الكون يفوق كل قدرة ويفوق كل تدبير لقد حير العقول وتضاءلت دون إدراكه الأفهام، فكيف ينسب هذا كله إلى الجاذبية المحدثة المخلوقة؟ كما أن كثيرا من الملاحدة – كما تقدم – يعترفون بعجزهم عن الوصول عن طريق الأبحاث والتجارب إلى معرفة أسرار كثير من الحقائق المشاهدة في هذا الكون وهذا الإقرار يلزمهم أن يقروا أيضا بحقيقة الإله، بل وحقيقة الدين لأنه يشتمل على كثير من الحقائق التي لا يصل العقل إلى معرفتها لا عن طريق البحث ولا عن طريق التجارب فكيف ساغ لهم الإيمان بأن لبعض الحقائق المشاهدة حقائق باطنية عجز العلم عن معرفتها بينما ينفون وجود الإله وحقيقة الدين بحجة أن الدين قائم على أمور لا تدرك حقيقتها الباطنية عن طريق البحث والتجربة، هذا تناقض واضح وتفريق بلا مستند.

2- دليل الارتقاء
        من شبههم التي استندوا عليها في إلحادهم في الله تعالى قضية الارتقاء. أي ارتقاء المخلوقات وتطورها في خلقها تلقائيا وهذه القضية رغم وضوحها في الدلالة على وجود الله تعالى وقدرته ومشيئته ورحمته بخلقه إلا أنهم نظروا لها من جانب آخر بعيد عن الفهم السليم والعقل المستقيم فزعموا أن أنواع الحياة قد وجدت نتيجة لعمل الارتقاء لافتراضهم أنه على فرض وجود خالق لهذه الحياة بزعمهم فلا يمكن أن يخلقهم على هذا الترتيب من الصغر إلى الكبر في الإنسان والنبات بل يخلقه دفعة واحدة كل صنف في كمال شكله بدون ترتيب يخضعها لعمل تطوري طويل الأمد حسب زعمهم وأن المخلوقات تطورت بنفسها بفعل المادة وأنها تولدت عن بعضها للتشابه بينها وأن بقاءها يعود إلى قدرتها على التكيف مع الظروف التي تحيط بها. والواقع أنه ما من مؤمن بالله عز وجل إلا وهو يعلم أن وجود الخلق على هذه الحالة إنما يعود إلى مشيئة الله وقدرته ولتنظيم الحياة على سنة واحدة ولن تجد لسنة الله تبديلا.
وأن ما يزعمونه من تطور المخلوقات بنفسها بفعل المادة إن هو إلا خرافات سخيفة ولو كان ذلك صحيحا لأدى التطور إلى أن تصبح الذرة جملا أو فيلا ضخما فما الذي يمنعها وقانون التطور يجيز ذلك لها؟
        وقد مرت ملايين السنين ولا تزال الذرة هي الذرة والجمل هو الجمل والإنسان هو الإنسان لم يتطور من قرد إلى إنسان إلا عند " داروين " الملحد الذي أصبحت نظرياته محل سخرية العقلاء من الناس وضحكهم منها وإذا كان الارتقاء بمعنى أن الإنسان والحيوان يكون في أوله صغيرا ثم يكبر شيئا فشيئا إلى أن يكتمل فهذا أمر حقيقي مشاهد وهو يدل على قدرة قوية تربيه إلى أن يصل إلى درجة الاكتمال ولا يدل هذا على أنه ليس له إله رحيم مدبر.
        و في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على التطور والارتقاء في حياة الإنسان والحيوان والنبات ولو كان للطفل المولود أسنانا حادة من أول يوم لما أرضعته أمه ولو ولد شابا لما وجد ذلك الحنان بينه وبين أمه وأبيه وأهله ولو كانت الشمس تسطع حرارة منذ بزوغها لما وجد لها هذا الحب في استقبالها و في غروبها كل يوم ولكن الملاحدة قلبوا الأمر فجعلوا ما كان دليلا واضحا على قدرة الله تعالى ووجوده جعلوه دليلا على إنكار وجوده لأن قلوبهم غلف وقد طبع الله عليها.
        وأما ما زعموه من أن الكائنات الحية نشأت عن التولد وأن تكيفها مع الظروف هو الذي أبقاها فإنه يقال لهم إن هناك حقائق مسلمة لا يعارضها عقل ولا دين بحال، بل يؤكدها الدين والعقل بدلالتها على الخالق العظيم ولا يصح أن يقال أنها دليل على صحة نظرية التطور التي يثبتها الملاحدة وهي:
1- الكائنات الأدنى كالنبات وجدت قبل الكائنات الأرقى كما يذكر الباحثون فالإنسان هو أرقى الكائنات الحية وجد متأخرا بينما النباتات وجدت أولا فإن الله عز وجل خلق السموات والأرض وخلق الأرض وقدر فيها أقواتها وما يحتاج إليه البشر حين يوجدون عليها.
2        - يوجد كثير من أوجه الشبه بين الكائنات الحية كالإنسان والقرد ومع ذلك بقي كل كائن كما هو على طول المدى لم يتحول القرد إلى إنسان ولا الإنسان إلى قرد. 3- الكائنات الحية تملك قدرة على التكيف مع الظروف "ظهور المناعة لمقاومة الأمراض، تغير لون الجلد لمقاومة الحرارة وأشعة الشمس.. الخ .
        ويقال لهم في توجيه ذلك: إن كل هذه الثوابت لا يعارضها الدين أو العقل وهي من أوضح الأمور على قدرة الله تعالى الذي منحها هذه الصفات فإن ترتيب وجود الكائنات يعود لمشيئة الله تعالى كذلك ولا يلزم من وجود الكائن الأول أن الكائن الذي يليه تولد عنه، فإن الإنسان مع وجوده متأخرا لا يصح أن يقال أنه تولد عن النبات الذي سبقه في الوجود، وإلاّ لزم التسلسل فإنه يقال لمن يريد إثبات ذلك والنبات أيضا عن أي شيء تولد؟ فلو قال من اجتماع أجزاء المادة يقال له وأجزاء المادة أيضا من أي شيء تولدت؟ وهكذا فلا يجد جوابا في النهاية إلا التسليم رغم أنفه شاء أم أبى.
        وأما وجود التشابه بين الكائنات الحية فلا يعني هذا أيضا أن كل كائن تولد عن شبهه فلا يصح أن يقال أن القرد تولد عن الإنسان أو الإنسان تولد عن القرد لما بينهما من تشابه لا يمكن هذا إلا في نظرية "دارون" وقد عرفت سخافتها، بل إن العلم والدين كلاهما يثبتان أن التشابه بين الكائنات الحية مع بعضها البعض أو مع بعضها وأخرى ليست من جنسها إنما هو دليل قاطع على أن مصدر الإيجاد واحد وهو الله تعالى ولو أن الكائنات كلها تولد بعضها عن بعض لما كان هناك فرق، في مفاهيم العقلاء بين أن تقول لإنسان أنت قرد أو كلب أو شجرة وبين أن تقول له أنت إنسان أو قمر أو وردة لحصول التولد الذي زعمه الملاحدة بنظرياتهم السخيفة إذ ما دامت الكائنات كلها تولدت عن بعضها البعض فلا يبقى بينهم أي فارق حقيقي.
        وأما وجود القدرة للكائنات الحية على التكيف مع الظروف التي تحيط بها فإن العلم والدين يثبتان ذلك ويرجعان السبب إلى قوة مدبرة رحيمة هي قوة الله تعالى وقدرته ورحمته فإن تلك القدرة على التكيف إنما هي رحمة من الله تعالى لبقاء ذلك الكائن حيا منتفعا بذلك التكيف على مقاومة انقراضه إلى الوقت الذي يشاء له موجد تلك القدرة فأي دليل للملاحدة في هذا على عدم وجود الله تعالى الخالق لهذه الكائنات والموجد لها هذه القدرة على التكيف في معيشتها {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحـج: 46].

3        - قانون العلة أو المعلول أو التفسير الميكانيكي للكون من المسلم به عند العقلاء وكل المؤمنين بالله تعالى أن الله تعالى يوجد الأشياء عند وجود أسبابها في أغلب الأمور إلا إذا أراد عدم وجود تلك الأسباب وحينما اكتشف علماء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أن الكون يسيره قانون العلة والمعلول طار الفرح بمفكري الملاحدة وظنوا أنهم وجدوا ضالتهم المنشودة في التدليل على عدم وجود الله تعالى لأن كل الأشياء ناتجة عن علة ومعلول فلا ضرورة حينئذ إلى القول بوجود إله موجد لأن جميع ما يجري في هذا الكون إنما يحدث بسبب علل مادية دون تدخل خارجي غير وجود العلة والمعلول التي تغني عن القول بوجود الله عز وجل وهو ما يسميه بعض الباحثين " التفسير الميكانيكي للكون " ومن الطريف أن العلماء الذين اكتشفوا هذا القانون لم يزعموا أنه بديل عن الله تعالى بل صرحوا بأنه سنة الله في الخلق أن تجري الأمور بواسطة أسباب وعلل فقد قال "نيوتن" "هذا هو أسلوب الله في العمل، فالله يجري مشيئته في الكون بواسطة أسباب وعلل" .
        ولكن الملاحدة وهم في نشوة فرحهم ببناء مذهبهم الإلحادي جعلوا هذا ضمن أدلتهم على تقوية إلحادهم ونظريتهم إلى الدين بعين البغضاء وأنه بزعمهم ينافي العلم، وأنى لهم أن يكون هذا الاكتشاف دليلا على عدم وجود الإله الخالق الذي قدر الأسباب وضرب الآجال وفق سننه في هذا الكون التي هي أجلى من الشمس لولا عناد الملاحدة واستكبارهم وقد أشار الله تعالى إلى هذا في القرآن الكريم حينما أمرت مريم بأن تهز النخلة وهي في حالة تمام الإعياء والتعب في وقت الولادة ليفهم الناس أن الله تعالى يجري الأمور بأسبابها. وقد وجد الفلاسفة الملاحدة صفعة أبطلت نشوتهم بهذا الاكتشاف الميكانيكي وذلك حينما عجز العلماء عن الإتيان بتفسير للأسباب الكامنة في بعض القضايا مع وضوح آثارها دون أن يعرفوا وجه العلة والمعلول فيها و على سبيل المثال فإن الراديوم عنصر مشع وإليكتروناته تتحول إلى حطام تلقائيا بعمل الطبيعة وقد أجرى العلماء تجارب لا حصر لها لكي يصلوا إلى سبب إشعاع الراديوم ولكن كل التجارب انتهت إلى الإخفاق. ونحن نجهل حتى اليوم سبب تحطم إلكترون ما وخروجه عن نظامه النووي في الراديوم وأيضا فنحن نشاهد المغناطيس وهو يشد نحوه الحديد. وقد أقام العلماء نظريات كثيرة لشرح هذه الظاهرة ولكن أحدهم كتب يعلق على هذه النظريات قائلا: " إننا لا نعرف لماذا يشد المغناطيس الحديد نحوه ربما لأن الله أصدر إلى المغناطيس أمرا بذلك " .
        ولقد علل العلماء في الماضي لبعض القضايا بتعليل ظنوا أنه صواب فإذا به عند التحقيق تعليل سطحي، بل لا يعرف الإنسان إلى الآن لماذا ينام حين يستلقي في الليل على سريره ما هو السبب لذلك.
        ولقد اعترف الملاحدة بعد طول جدل بأن قانون التعليل ليس حقيقة مطلقة بالمفهوم الذي افترضوه في القرن التاسع عشر، بل لقد قرروا أخيرا " أن نظام العالم لا يخضع لقانون العلة والمعلول الناتج عن الصدفة المحضة، وإنما هناك عقل ذو وعي يدبر شؤون العالم بالإرادة ".
وكان سائدا عند الجهال في القرون الأولى أن هناك آلهة مشتركة في تدبير هذا الكون وهي تخضع في النهاية لإله واحد هو أكبرها فقد تغيرت هذه النظرة الشركية إلى ما هو أقبح منها وهو الإلحاد المادي الحديث القائم على القول بالصدفة وطبيعة أجزاء المادة وانتظامها وانفجارها مما لم يقل به المشركون قديما.

4- دليل المادة
        ومن أدلتهم على نفي الإله واعتبار الدين خطرا يضاد العلم قولهم أن أساس هذا الكون كان مادة شبه غبار منتشر ثم حدث أن تحرك حركة لم تنته إلا بتكوين هذا الكون وما فيه في انفجار هائل، ولكن يقال لهم إن هذا التفسير مضحك سخيف فهل تستطيعون أن تثبتوا من الذي كون ذلك الغبار ومن الذي جمعه ومن كان السبب في تلك الحركة التي جعلت الكون كله يتفجر ويتكون على نحو ما هو عليه؟ إنهم لا يجدون لهم جوابا غير أن الصدفة هي التي فعلت ذلك وهو افتراض بدون أساس ناتج عن خيال كاذب وفهم قاصر، ويقال لهم: إذا كان وجود هذا الكون عن طريق الصدفة أليس من الممكن والحال هكذا أن توجد صدفة أخرى تقضي على هذا الكون كله وتتعطل كل هذه المصالح من شمس وقمر ونجوم وغير ذلك مما في هذا الكون المترابط المنتظم بصورة تضمن استمرار الحياة سليمة عن الخراب والتداخل إذ الشمس تجري لمستقر لها والنجوم زينة للسماء والقمر ضياء والرياح لواقح والسحب تحمل المطر والليل في وقته والنهار في وقته، كلها تجري لصالح الإنسان ولبقاء الحياة هذه الدهور التي لا يعرف لها وقت إلا الله تعالى، بل والإنسان نفسه أعظم آية، كيف أوجدته الصدفة من العدم وكيف وجد الإنسان الحي من مادة ليس لها حياة. " إن التفسير الميكانيكي يعجز هنا عن إقرار أن سببا واحدا خلق الكون. وأن هذا السبب نفسه يقوم بتدبير شؤونه في نفس الوقت، إن هذا التفسير نقيض وجود إلهين اثنين. فمن ناحية يقدم لنا هذا التفسير نكتة قانون الصدفة لشرح الحركة الأولى التي وقعت في المادة الراكدة، ولكن هذا التفسير من ناحية أخرى يعجز عن تقديم تفسير مقنع لتسلسل الحركة بواسطة تلك الصدفة نفسها التي وقعت "صدفة " للمرة الأولى لذلك وجب البحث عن إله آخر لشرح هذا الجزء الأخير من التفسير الميكانيكي" .
        وقد وجدوه بزعمهم في مبدأ التعليل الذي زعموا فيه أن الكون ابتدأ في الوجود إثر حكة المادة وانفجارها الذي سبق ذكره وعرفت سخافته وبطلانه. وحينما قام الإلحاد ونكران الإله على أساس أن الكون خاضع لتلك القوانين المعنية وأن كل حدث له سبب وأن قوانين الارتقاء قد تكفلت بإتمام كل موجود وأن الكون كله تكون من مادة حسب سخافاتهم فلا حاجة إلى القول بوجود إله خالق مدبر لهذا الكون، وبالتالي أخذ عظماء الكفر والإلحاد يتبجحون بما توصلوا إليه في اكتشافاتهم من تلك القوانين الطبيعية فراحوا يتفنون في إطلاق كلمات الإلحاد وأنه بإمكانهم أن يخلقوا الإنسان والكون لو توفرت لهم المواد والتي زعموا أن الكون خلق منها فقال الفيلسوف الألماني " كانت " : " ائتوني بالمادة وسوف أعلمكم كيف يخلق الكون منها " .وقال "هيجل": "إنني أستطيع خلق الإنسان لو توفر لي الماء والمواد الكيماوية والوقت " .وقال "نيتشه" : "لقد مات الإله الآن" .
        وهكذا زعموا أن العلم أوصلهم إلى أن الكون إنما وجد من مادة وأنه لا أثر للخالق فيه، وبالتالي فلا حاجة مع وجود هذه العلوم والاكتشافات إلى القول بالخالق وسبحان العليم الحليم. وقالوا متعالين: لقد كان الإنسان القديم يعتقد أن خروج الكتكوت من البيضة إنما كان بقدرة إلهية أما اليوم فقد علمنا أن الكتكوت بعد 21 يوما يظهر على منقاره قرن صغير يستعمله في تكسير قشرة البيضة فيخرج منها ثم يزول هذا القرن بعد بضعة أيام من خروجه من البيضة .
        إنهم حين يقفون عند هذا الحد في خلق الكتكوت تفوتهم أمور كثيرة لا يستطيعون الجواب عنها هي أشد من تكسير البيضة، إذ يقال لهم: كيف يظهر هذا القرن؟ ! !، ومن الذي منحه هذا القرن الضروري لخلاصه من البيضة؟ ! !، فإذا قالوا: إنها الطبيعة، فيمكننا أن نقول لهم: إن هذه الطبيعة التي تقولون بها هي سنة الله تعالى في تكوين خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا، وأنها هي الله تعالى الخالق المدبر، فيصبح الخلاف في وجود الله بين المؤمنين والملحدين خلافا لفظيا.
        ومهما اكتشف العلماء من اكتشافات، فإنها تبقى في حاجة إلى بيان القوة المؤثرة الخفية فيها الذي حاد عنها الملاحدة {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل:14].
        وكلام الله هو الدليل القاطع، فقد أثبت الله تعالى أن الإنسان مهما كابر عقله، فإنه يعلم في قرارة نفسه أن الشيء لا يوجد نفسه، وأن العدم لا يوجد الموجودات المشاهدة المنتظمة في أكمل وأدق نظام، والمادة التي جعلت إلها في نظرهم هي نفسها مخلوقة مربوبة حتى وإن وصفوها بصفة الإله.
        ومن الملفت للنظر أن هذا الإله المختلق – المادة – لا يصفونه بالحكمة ولا القصد ولا التدبير وهذا ما أكده " دارون "، و " أنجلز " و " ماركس " ومن سار على منهجهم في زعمهم فوضوية المادة على أن هذا الإلحاد الذي قرره " دارون "، و " ماركس " و " أنجلز " لم يكن وليد أفكارهم وإنما أنشأته ظروف كثيرة قبلهم ومنها الحياة الدينية في أوروبا حينما انفصلت عن كل شيء يشير إلى الدين الصحيح وحل محله طغيان رجال الدين الكنسي الذي نتج عنه بغض الدين وبغض مصدره وهو ذلك الإله المنحاز إلى الطبقات الثرية وإلى رجال الدين والحكام ولا شأن له بالفقراء والمغلوبين على أمرهم.
ومما لا ريب فيه أن هذا المفهوم الباطل للدين والإله أمر لابد أن يولد عنه الإلحاد متى اقتنع الشخص بصحته، كما أن استغلال الطبقات القوية للفقيرة وإذلالهم باسم ذلك الإله الذي صوروه قوة عاتية إلى جانبهم فقط يعذب من أغضبهم ويرضى عن من أرضاهم من شأنه أن يساعد على نشأة الإلحاد أيضا.
        ومن هنا شعر الجميع بوجوب الهرب من وجه هذا الإله المتصف بتلك الصفات إلى إله آخر له كل صفات الإله الأول إلا أنه لا يعترف بالكنيسة ولا يبارك ظلم طغاتها ولا يلزم الناس تجاهه بأي التزام وعباده أحرار فيما يصنعون بأنفسهم لا سلطان لأحد عليهم إلا الهوى والشهوات لقد استراح من أراد الهرب من إله الكنيسة إلى الإله الجديد المسمى " الطبيعة " مادام بينهما هذا الفارق الكبير في السلوك وتفنن بعد ذلك هؤلاء الهاربون في إضفاء الصفات على هذا الإله الذي تخيلوه وأحبوه وسموه الطبيعة.
ولكنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه إله وهمي متخيل لا حقيقة له إلا من خلال أنه ملاذ وجداني أرحم من إله الكنيسة حتى وإن كان غيبيا وكانوا كلما وقفوا على شيء يدل على الإله العظيم رب العالمين سارعوا إلى تفسيره لصالح هذا الإله المتخيل مخافة أن يقعوا مرة أخرى في قبضة رجال الكنيسة وصدق عليهم قول الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل:14]. أو قول الشاعر:
"كالمستجير من الرمضاء بالنار"
        إن الملاحدة هربوا عن اسم الله والإعتراف به إلى اسم آخر أعطوه نفس القدرة ونفس صفات الإله الحقيقي دون أي مبرر إلا الهرب من إله الكنيسة دون أن يرجعوا إلى عقولهم وإلى سؤال أنفسهم بصراحة وصدق هل هذا الإله الذي جعلته الكنيسة ستارا لطغيانها هو فعلا الإله الحقيقي أم أنه إله مخترع وورقة رابحة في أيدي الطغاة. إنهم لو طلبوا الحقيقة سيجدونها واضحة صريحة وسيجدونها في مكان لا يقل كراهتهم له عن كراهيتهم للكنيسة إنه الإسلام الذي سيبين لهم، لو أرادوا، الحق الصحيح الإله الحقيقي الرحيم العادل بين عباده.

المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/1166
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إبطال شبهات الملاحدة الماديين في إنكار الخالق العليم

بواسطة: غالية نوام,

        يقول بعض الكتّاب: "إن الإيمان بالله لم يأت نتيجةً لبحثٍ علمي، أو تحليل منطقي، وإنما جاء عن طريق أن إنساناً ما وهو النبي قال للناس: إن هناك إلهاً وهذه هي صفاته، وهذه هي أحكامه وتشريعاته، فالمؤمن لم يتوصل إلى ذاك "الله" بمحض عقله، بل إن إيمانه جاء عن طريق تصديق النبي فيما قاله. إذاً الإيمان ما هو إلا نوع من تصديق شخص ما وليس أكثر من ذلك.." ا.هـ ، بهذا التبسيط الساذج، يقرر الملاحدة قضية الإيمان بالله، ليس هناك من دليل على وجوده، سوى شخص جاء وأخبر عنه، وأمر الناس بطاعته، فالإيمان لا يعدو أن يكون تصديق شخص ما، لا أقل ولا أكثر، فهل رأى أحدٌ سخرية من العقل والمنطق كهذه السخرية!!

        إن الإيمان بالله عز وجل خالق الوجود ومسيّره، أعظم وأجل من أن يقال فيه هذا، ووجوده أعظم من أن يقتصر في الاستدلال عليه على خبر النبي رغم أهميته وعظم دلالته، بل أدلة وجوده أوسع وأعمق، فهي تتسع لتشمل كل ذرات الكون من فرشه إلى عرشه، فما من مخلوق في هذا الكون إلا وهو ينادي بالدلالة على خالقه، وهي دلالة لا تقتصر على إثبات الوجود فقط، بل تتسع لتدل على صفات هذا الخالق العظيم، من العلم والحكمة والإرادة والقدرة وغيرها.

        ورغم سعة هذه الدلالات وعظمتها، فقد وجد من شواذ البشر، من زعم أنه لا إله، وأن الحياة مادة صماء لا تعقل ولا تنطق، وهي مع ذلك قد أوجدت نفسها بنفسها عن طريق التلقائية والمصادفة !! وهي ذاتها تسيَّر نفسها عن طريق نظام الطبيعة وقوانينها، دون أن يتدخل أحد لا في إيجادها ولا في تسييرها، في منطق يعجز العقل عن تصوره، إذ كيف لمادة صماء أن توجد نفسها، فضلا على أن تهب الحياة لغيرها ؟!! كيف ؟! والعقل قاضٍ بأن الموجود لابد له من موجد، وأن المخلوق لا بد له من خالق، كما نطق بذلك لسان الفطرة عند أعرابي، عندما سئل عن دليل وجود الله ؟ فقال: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدل على العليم الخبير.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
        ومع وضوح دلائل وجود الخالق سبحانه، إلا أننا نرى أن لا بد من الإتيان على ما يتشبث به الملاحدة من شبه بالنقض والإبطال، ليعلموا أن ليس معهم من العلم شيءٌ يستندون إليه في إنكار خالقهم ورازقهم، فمن شبهات الملاحدة:
الشبهة الأولى،

        قولهم: إن العقول عاجزة عن تصور كنه هذا الإله وحقيقته، وما عجزت العقول عن إدراكه وتصوره فهذا دليل على عدم وجوده.

        ونحن نجيب على هذه الشبهة بقولنا: إن المقدمة الأولى من هذه القضية صحيحة بلا شك، فالعباد قاطبة عاجزون عن معرفة حقيقة هذا الإله العظيم، ومن مأثور كلام أهل العلم في ذلك، قولهم: "كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، وعجزك عن درك الإدراك إدراك، والبحث في كنه ذات الله إشراك "، لكن المقدمة الثانية غير صحيحة، إذ ليس كل ما عجزت العقول عن معرفة حقيقته وكنهه عدم، وإلا للزم أن تنكر العقول كثيرا من أسرار هذا الكون لعجزها عن معرفة حقيقتها وكنهها، فقد وقف العلماء عاجزين عن معرفة حقيقة المادة التي بين أيديهم، وهم يرونها بأعينهم، ويذوقونها بألسنتهم، ويشمونها بأنوفهم، ويصرفونها في طرق الحياة والعيش . فإذا كان هذا الشأن في معرفة أقرب الأشياء من الإنسان وألصقها به، فهل يطمع الإنسان أن يصل بعقله إلى معرفة حقيقة الله تعالى؟ وهل يطمع الإنسان الذي لا يعرف كيف يعرف ؟ ولا يدرك كيف يدرك ؟ ولا يعقل كيف يعقل ؟ أن يعقل حقيقة الله تعالى !!.

        إن العلم لا يزال عاجزاً عن معرفة الطريقة التي يتم بها الإدراك، والوسيلة التي يتم بها الاتصال بين المادة والعقل، والكيفية التي يتلقى بها العقل الروحاني الإحساس بالشيء المادي فيدركه، فهل يطمع بعد ذلك أن يعرف كنه ذات الله تعالى ؟.

        إن عدم اقتداركم – أيها الملاحدة - على تصور حقيقة الله لا يعني استحالة وجوده، ويكفي العقول أن تستدل على وجود الله بآثاره من نظام وإتقان وإحكام في هذا العالم، أما التطلع إلى إدراك حقيقة ذاته، فهذا ما لا سبيل للإنسان إليه، وفي هذا يقول أحد الفلاسفة الكبار، "روجر باكون": "إنه لا يوجد عالم من علماء الطبيعة يستطيع أن يعرف كل شيء عن حقيقة ذبابة واحدة وخواصها، فضلا عن أن يعرف كنه ذات الله".
الشبهة الثانية
        قولهم: إن عقولنا لا يمكن أن تتصور حصول شيء من لا شيء، أي استحالة خلق المادة من العدم، فكيف يخلق الإله من العدم ؟ وجوابنا عن هذه الشبهة من وجهين:

        الوجه الأول: أن قولهم لا يمكننا أن نتصور حصول شيء من لا شيء، مبني على قولهم بقدم المادة وأزليتها، وهذا عين المحال، إذ كيف للمادة الصماء أن توجد نفسها!! وإذا كنتم ادعيتم عجز العقول عن تصور خلق شيء من لا شيء، فإن العقول أعجز عن تصور قدم المادة وأزليتها، ذلك أن المادة لا يعقل أن تخلو من صورة تقوم بها، والعقل السليم يقطع بأن كل صورة تقوم في المادة هي حادثة لأنها تزول وتتغير، ولا يخفى أن كل ما يطرأ عليه العدم يستحيل عليه القدم .

        الوجه الثاني: أن عجز العقول عن تصور حصول شيء من لا شيء، لا يعني امتناعه في نفسه، فقد تعجز العقول عن تصور أمور كثيرة وهي ثابتة، كعجزها عن تصور حقيقة المادة رغم أنها ملامسة مشاهدة، فإذا كان هذا الشأن في معرفة أقرب الأشياء من الإنسان وألصقها به، فهل يطمع الإنسان أن يخضع بعقله أفعال الله سبحانه لقوانين البشر وقدراتهم.!!

        إن منشأ هذه الشبهة – إنكار الخلق من العدم - هو قياس التمثيل، فعندما رأوا أن المخلوق لا يمكن أن يصنع شيئا إلا من شيء آخر، نفوا أن يكون شيء مصنوعا من لا شيء، وإبطال هذا القياس بإيضاح الفرق بين الخالق والمخلوق، فالمخلوق لا يمكنه أن يصنع شيئا من لا شيء، أما الخالق فقدرته ليس لها حدود، فهو على كل شيء قدير، { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } ( يس : 82 ) .
الشبهة الثالثة:
        قولهم لو كان نظام الكائنات مخلوقا من إله حكيم، لكان موضوعا بقصد وحكمة، ولكانت علامات القصد والحكمة تامة في كل شيء، إلا أننا نرى في العالم أشياء لا تنطبق على القصد والحكمة.

        والجواب على هذه الشبهة: أن جهلنا بحكمة مخلوق أو نظام ما في هذا الكون، ليس مبررا على الإطلاق أن ننكر خالقه سبحانه، ذلك أننا نشاهد من أسرار الله في مصنوعاته الحكم الباهرة ولم تزل تظهر لنا يوما بعد يوم حكمة بعد أخرى، مما كان خافيا علينا دهورا طويلة، فليس عدم إدراكنا للحكمة يعني انتفاءها وعدم وجودها، فقد تظهر لنا في يوم من الأيام ، كما ظهر سواها .

        وإذا تأملتم – أيها الملاحدة - قصور العقل البشري وعجزه عن إدراك كثير من الأمور المادية المشاهدة لنا، وقارنتم بين هذا العجز وبين قدرة الله العظمى وحكمته، لم تستغربوا اختفاء حكمة بعض الأشياء عن عقولنا، ورأيتم أن من الأولى قياس القليل النادر، مما لم تظهر حكمته، على الكثير المستفيض الذي لا يعد ولا يحصى من شواهد حكم الله الظاهرة في مخلوقاته، لا أن تتخذوا من هذا القليل النادر الذي خفيت حكمته دليلا على إنكار وجود الله الخالق.
الشبهة الرابعة،

        قولهم: إذا كان لكل موجود موجد، ولكل مخلوق خالق فمن خلق الله ؟ والجواب على هذه الشبهة من وجهين:

        الوجه الأول: أن إيراد هذا السؤال خطأ بين، ذلك أن قدرة الله جل جلاله تتعلق بالممكنات لا المستحيلات، وأن يخلق الله إلها من المستحيلات بلا شك، فلا تتعلق به القدرة، ذلك أن هذا الإله الذي سيخلقه الله سبحانه سيكون مخلوقا، وإذا كان مخلوقا فبالضرورة لن يكون خالقا وبالتالي لا يصلح أن يكون إلها.

        الوجه الثاني: أننا لو تنزلنا وقلنا بصحة السؤال، لأفضى ذلك إلى التسلسل، وهو محال عقلا، بيانه أننا إذا أجبنا على سؤال من خلق الله؟ بالقول: إنه خالق آخر، فسوف يرد نفس السؤال على الخالق الآخر، فيقال من خلق الخالق الآخر، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية، وفي المحصلة سنكون قد ارتكبنا محالين عقليين: الأول نفي الخالق، والثاني: القول بتسلسل علل لا نهاية لها.

الإيمان والعلم والفلسفة:


        كثيرا ما يستند الملاحدة في إنكارهم للخالق إلى الفلسفة والمنطق، ويحاولون أن يظهروا بمظهر الباحثين والمفكرين، ولكنهم في حقيقة الأمر من أجهل المخلوقات على الإطلاق، ذلك أن الدين والعلم والفلسفة كلها قد اتفقت على الإيمان بالله سبحانه، وأنه موجد الكون ومدبره، ولكن كما قال بعض الفلاسفة: القليل من الفلسفة يبعد عن الله، لكن الكثير منها يرد إلى الله، وقد اخترنا في خاتمة هذا المقال بعض مقولات لعظماء من الفلاسفة الذين نصوا على وجود الله سبحانه، والإيمان به:

        يقول "أفلاطون": "إن العالم آية في الجمال والنظام، ولا يمكن أن يكون هذا نتيجة علل اتفاقية، بل هو صنع عاقل، توخى الخير، ورتب كل شيء عن قصد وحكمة"

        ويقول "ديكارت": "إنِّي مع شعوري بنقصٍ في ذاتي، أُحسُّ في الوقت نفسه بوجود ذاتٍ كاملة، وأراني مضطرًّا إلى اعتقادي؛ لأنَّ الشعور قد غَرَسَتْه في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحليَّة بجميع صفات الكمال؛ وهي الله".

        ويقول "أناكساغورس" أحد فلاسفة اليونان الأوائل: " من المستحيل على قوة عمياء، أن تبدع هذا الجمال، وهذا النظام اللذين يتجليان في هذا العالم، لأن القوة العمياء لا تنتج إلا الفوضى، فالذي يحرك المادة هو عقل رشيد، بصير حكيم "

        ويقول ديكارت أيضاً: " أنا موجود فمن أوجدني ومن خلقني؟ إنني لم أخلق نفسي، فلا بد لي من خالق. وهذا الخالق لا بد أن يكون واجب الوجود، وغير مفتقر إلى من يوجده، أو يحفظ له وجوده، ولا بد أن يكون متصفا بكل صفات الجمال. وهذا الخالق هو الله بارئ كل شيء "

        ويقول باسكال: " إن إدراكنا لوجود الله، هو من الإدراكات الأولية، التي لا تحتاج إلى جدل البراهين العقلية، فإنه كان يمكن أن لا أكون، لو كانت أمي ماتت قبل أن أولد حيا، فلست إذا كائنا واجب الوجود، ولست دائما ولا نهائيا، فلا بد من كائن واجب الوجود، دائم لا نهائي، يعتمد عليه وجودي، وهو الله الذي ندرك وجوده إدراكا أوليا، بدون أن نتورط في جدل البراهين العقلية، ولكن على الذين لم يقدر لهم هذا الإيمان القلبي أن يسعوا للوصول إليه بعقولهم.."

        وبهذه الثلة من أقوال هؤلاء الفلاسفة وبما سبق من أدلة عقلية جلية، يتبين أن الإيمان بوجود الخالق قضية ضرورية بديهية، مركزة في النفس والعقل، لا يخالطها ريب ولا شك، ولا تحتاج لبرهان إلا لمن فسدت فطرته، والله الموفق والهادي إلى سواء لسبيل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ