الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : العليم

العليم

 مع الدرس الرابع عشر من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم اسم العليم.
 يا أيها الإخوة الأكارم: بادئ ذي بدئ أسماء الله كلها حسنى وكل اسم قائم بذاته ولا يتعلق اسم باسم ومع ذلك فبعض الأسماء أكثر تأثيراً في نفوس العباد من بعض الأسماء الأخرى، فاسم العليم كما قال عز وجل:
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً(12)﴾
(سورة الطلاق)
 إذاً ربنا عز وجل اختار من بين أسمائه كلها اسمين العليم والقدير لأن الإنسان لن يستقيم على أمر الله إلا إذا أيقن أن علم الله يطوله وأن قدرته تطوله، واسم العليم مهم جداً في طريق الإيمان، لأنك إذا أيقنت أن الله يعلم ظواهر الأمور وبواطنها، يعلم سرك وجهرك يراك في خلوتك وفي جلوتك في حضرك وفي سفرك، يعلم نواياك كلها، يعلم ما يدور في خلدك، ما يجري في نفسك، ما تتمناه ما تصبو إليه ما تشتهيه إذا أيقنت أن الله يعلم لزمت جانب الاستقامة.
 إذاً أكثر أسماء الله الحسنى تأثيراً في استقامتك اسم العليم، وأكثر أسماء الله الحسنى تأثيراً في استقامتك اسم القدير، والآية الكريمة تؤكد هذا المعنى:
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً(12)﴾
 من تعاريف العلم أن تكون هناك علاقةٌ ثابتةٌ بين شيئين، مقطوع بصحتهما عليها دليل، مطابقة للواقع، لكن علم الله عز وجل يختلف اختلافاً كلياً عن علم البشر، أضرب لكم بعض الأمثلة:
 الله سبحانه وتعالى محيط بكل شيءٍ علماً، في ظاهر الأشياء وفي بواطنها، في دقيقها وفي جليلها، في أولها وفي آخرها، في فاتحتها وفي عاقبتها، ومع ذلك فعلم الله عز وجل من طبيعة أخرى.
 مثالاً آخر: لو أن رجلاً عبقرياً اخترع آلة وجاء من بعده أجيال ودرسوا هذه الآلة وعرفوا دقائق صنعها واكتشفوا العلاقات فيما بين أجزائها واكتشفوا القوانين التي على أساسها بنيت هذه الآلة، علم الجيل اللاحق يختلف عن علم العبقري الذي اخترع الآلة، فعلم المخترع هو سبب وجود الآلة، علم المخترع سبق الآلة، لكن علم الدارس جاء بعد وجود الآلة وجاء استنباطاً من دقائقها، هذا المثل ضربه الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في كتابه (إحياء علوم الدين )، فأنت علمك مستنبط من الوجود من القواعد التي قعدها الله، من القوانين التي قننها الله، من السنن التي سنها الله، من الخصائص التي خص الله بها الأشياء، علم البشر مكتَسَب، مكتسب من الوجود من قوانينه من قواعده من سننه من علاقاته الثابتة، من خصائص الأشياء، لكن علم الله هو الذي قنن القوانين، هو الذي خصص الأشياء بخواصها، هو الذي سنن السنن، ففرق كبير بين أن تكتشف علاقةً ثابتة في شيء موجود وبين أن تخلف هذه العلاقة، بين أن توجدها من العدم بين أن توجدها من قبل أن تكن موجودة، هذا الفرق...! فعلم البشر لاحِقٌ للوجود، كسبي، وعلم خالق البشر سابِق للوجود وسببي.
 مثل آخر: حينما ينشئ مهندس في العصور القديمة جسراً، وحينما يأتي الصيف يتصدع هذا الجسر، بسبب أن الحديد تمدد، إذاً يكتشفون أن هذا الحديد يتمدد بالحرارة، هذا القانون اكتشف، فلما اكتشف، في المراحل القادمة إذا صنعوا الجسر أو أنشئوا بناء يضعون فواصل تمدد، نقول علم البشر كسبي وعلم الله قديم.
 وضعوا وقوداً سائلاً في شاحنة، هذا الوقود خاص بالطائرات، هذه الشاحنة سارت تحت الشمس المحرقة، فاشتعل هذا الوقود بفعل الشمس المحرقة، إذاً هذا الوقود يمكن أن يشتعل من دون أن تمسه النار بفعل حرارة الشمس الملتهبة، إذاً سيصنعون الآن لهذه الشاحنة التي تحمل الوقود السائل الخاص بالطائرات طبقة ثانية لتكون عازلاً لحرارة الشمس.. علم البشر مكتسب...!
 أنا أضرب لكم بعض الأمثلة، لكنْ يجب أن تعلموا أن كل حقيقة وصل الإنسان إليها إنما هي عن طريق التجارب، وعن طريق الخطأ والصواب، وأكبر دليل إذا دخلت معرض سيارات وتأملت سيارة صنعت عام ألف وتسعمائة واثني عشر، ووازن بينها بين سيارة صنعت في عام ألف وتسعمائة وتسعين، ترى البون شاسعاً، العجلات من دون هواء الإضاءة بالفوانيس، علبة تبديل السرعة غير موجودة سرعة واحدة للمركبة، تشغيل المركبة من أمامها " بالمناويل " وازن بين مركبةٍ صنعت قبل مائة عام تقريباً وبين مركبة صنعت قبل عام تتأكد أن علم البشر علم كسبي، بينما علم الله علم أزلي.
 إذاً العلم هو سبب وجود الأشياء، تعلَّق علمه وتعلقت إرادته، وتعلقت قدرته بهذا الشيء فكان، إذاً علمه سبق هذا الشيء، بل أن علمه سبب لوجود هذا الشيء، بينما علم البشر لاحق للوجود.. هناك جبال وهناك أنهار وهناك بحيرات، عرفنا خصائص المياه عرفنا خصائص الهواء صنعنا الطائرة وفق خصائص الهواء، صُنعت الباخرة وفق قانون أرخميدس، الذي اكتشف.. إذاً كل معلومات الإنسان وكل علم الإنسان مستنبط من القواعد التي قعدَّها الله ومن القوانين التي قنَنَها الله ومن السنن التي سنها الله ومن العلاقات الثابتة التي ثبتها الله، ومن الخصائص التي خص الله بها الأشياء، إذاً يجب أن تتأكد أنه من الخطأ الفاحش أن تظن أن علم الله كعلمنا.
 أنت كإنسان يحكمك المكان والزمان، أنت وسط المكان والزمان تتحرك على أرض من مكان وفي ظرف من زمان، أنت يغلّفك المكان والزمان، لكن الله عز وجل، خالق المكان والزمان، فخالق المكان والزمان لا يُسأل عنه متى كان لأنه خالق الزمان ولا أين هو لأنه خالق المكان، علم ما كان وعلم ما يكون وعلم ما سيكون وعلم مالم يكن لو كان كيف كان يكون... هذه واحدة.
 أردنا أن نبين الفرق الجوهري بين علم الإنسان وبين علم الرحمن، علم قديم، علم يُعدُّ سبب وجود الأشياء، تعلق علمه وإرادته وقدرته بوجود هذا الشيء فكان هذا الشيء، وتعلق علمه وإرادته وقدرته بتخصيص هذا الشيء على شكل معين فكان هذا الشيء على شكل معين، وما القضاء والقدر في حقيقته إلا أن علم الله تعلق بشيء فكان كما أراد الله عز وجل.
 لكنْ الآن أدخُل معكم في مثل آخر، الحقيقة هذا الموضوع موضوع واسع جداً ولا يعقل أن تكفيه خمسون دقيقة لتوضيحه، كل هذا الكون أثر من علم الله عز وجل، فأنت إذا اطَّلعت أو قرأت أو تأملت في المركبة الفضائية التي صنعها الإنسان ووصل بها إلى القمر، هل تصدق أن علم البشر منذ أن وجد علم على أرض البشر، إنما ساهم هذا العلم كله في صنع هذه المركبة، كيف عرفوا أن هذه المركبة يجب أن تنطلق بسرعة كافيةٍ كي تتفلّت من الجاذبية الأرضية، وكيف درسوا حركة القمر وأن هذه المركبة يجب أن تنطلق بزاويةٍ مدروسةٍ دراسة من أعلى عقول علماء الرياضيات بحيث أنها تصل إلى القمر في مكانه الجديد بعد أيام ثلاثة هي التي استغرقتها المركبة في الوصول إلى القمر إذاً هناك علم الفلك وعلم الرياضيات، وكيف درست شروط الحياة على سطح الأرض وكيف توافرت كل هذه الشروط على سطح القمر.. البزة التي ارتداها رجال الفضاء كلفت ستة عشر مليون دولار، كي توفر لهم الضغط المناسب والهواء وضخ الهواء ليتكلموا، طبعاً لا أذكُر هذه التفصيلات إلا لأبينَ لكم أنك إذا رأيت مركبة انطلقت من الأرض ووصلت إلى القمر، فيجب أن تعلم علم اليقين أن علم الرياضيات منذ أن وجد وفي أرقى تطوراته ساهم في إيصال هذه المركبة إلى القمر وأنّ علم الفيزياء في أعلى تطوراته: " النظرية النسبية والفضاء الأحدب والخطوط المنحنية، والسرعة والتسارع والجاذبية " كلها ساهمت في إيصال هذه المركبة إلى القمر، وعلم الكيمياء وعلم وظائف الأعضاء وعلم الفيزيولوجيا، وعلم الطب: " الضغط المناسب وضربات القلب المناسبة، الأوعية المناسبة "، وكيف أن هذا الإنسان يعيش في جو انعدمت فيه الجاذبية، يعني شيئاً ليس لنا أن نفصل فيه في هذا الدرس ولكن لنعلم أن مركبة الفضاء تشف عن علم كبير جداً هو علم البشر كلهم مجتمعين في أعلى مستوى.
 وإذا رأيت حقلاً من النفط وسط بحر الشمال اكتُشف، قد تسأل كيف اكتُشف هذا الحقل، بأي جهاز وعلى أي مبدأ، على مبدأ الليزر على مبدأ المغناطيس، على مبدأ الموجات، على أي مبدأ، وحينما اكتشف هذا الحقل في قعر بحر الشمال كيف وصلوا إليه ؟.. كيف غطسوا في الماء خمسة آلاف متر ؟.. وكيف وصلوا إلى أرض البحر، وكيف حفروا خمسة آلاف متر أخرى ؟..  وكيف هذا الماء المالح لم يدخل في البئر، وكيف أنزلوا هذه المواسير وهذا الأنابيب، وكيف أفرغوا ماء البحر من هذه الأنابيب، وكيف حقنوا الإسمنت السائل، ألا تشعر أن هؤلاء الذين أنشؤوا منصةً على بحر الشمال، تهبط عليها طائرات هليوكبتر وفيها شبه مدينة بيوت ومكاتب وإدارات كلها عائمة على البحر ودرسوا تلاطم الأمواج وارتفاع الأمواج وعمق الأمواج، وتيارات البحر والملوحة وعلاقة الحديد بالملوحة، ومع ذلك في ليلةٍ عاصفةٍ هبت أمواجٌ عاتيةٌ فحطمت هذه القاعدة، إذاً الدراسة غير كافية.
 تصنع طائرة تسقط بلا سبب، إذاً لابد من خلل في صنعها، ضربت هذين المثلين، قد تجد مثلاً ساعة صغيرةً مبرمجةً لمئتي عام تشعرك بأوقات الصلوات الخمس في أي بلد تشاء.. أنت في دمشق تضبطها على دمشق، فإذا هي تشعرك وقت صلاة الصبح وصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وقد برمجت لمائتي عام وفي كل مدن العالم ولا يزيد حجمها عن هذه الساعة، ألا تشعر أن الذي صنعها على مستوى رفيع من العلم.
أطلعني أخٌ على جهاز كمبيوتر صغير بحجم الكف، فيه خمسة وثلاثون ألف معلومة، يتسع لعشرة آلاف رقم هاتف، ولخمسة وثلاثين ألف معلومة وعنوان، ولك أن تستدعي هذه الأرقام بأقل من لمح البصر بحركة واحدة، إذا ضغط على أول حرف من اسم الشخص الذي تبحث عن رقم هاتفه يظهر على الشاشة، ألا تشعر " والله الذي لا إله إلا هو ما أردت من هذه الأمثلة أن ألفت النظر إلى صانعيه وإلى المخترعين " ولكن والله الذي لا إله إلا هو مرًة ثانيةً أن أعظم جهاز تطّلع عليه أن أعظم آلة تطلع عليها، يقول لك هذه آلة تعمل ذاتياً، هذه الآلة اُلكترونية، هذا المجهر الالكتروني يُكَّبِر خمسة آلاف مرة، ترى النملة الصغيرة وكأنها فيل كبير، ترى المسام في الجلد وكأنها كهوف، ترى قطعة من جلد الإنسان وكأنها غابات الأمازون، هذا التكبير خمسة آلاف مرة، هذا الحاسوب المعقد الذي فيه خمسمائة ـ ستمائة ألف معلومة.
 مرةً أحد الأخوة الأكارم أطلعني على كمبيوتر فيه القرآن الكريم، أيَّ سؤال اسأله، سألته كم مرة وردت: لكم، والأنعام خلقها لكم، فأجابني فوراً أنها وردت مائة وثماني عشرة مرة، فسألته أين الآيات فجاءت الآيات وراء بعضها بعضاً، تحب أن تطبعها، بضغطة زر تطبعها على ورق.. سألته بسورة قاف، ما هو أكثر حرف تكرر فيها، وكنت أظن أنها القاف، فكان الجواب لا ليس بقاف، كله ديسك لا يزيد عن حجم الكف، فأنت أمام كمبيوتر أمام حاسوب، أمام منصة نفط أمام طائرة، أمام مركبة فضاء.. تذهل.!!.
 هل تصدق أن كل هذه الآلات وكل هذه المخترعات لا يمكن أن تكون إلا شيئاً بدائياً جداً أمام جسمك، فهذا الدماغ أربعة عشر مليار خلية استنادية خلية قشرية فيها المحاكمة والتصور والتذكر والتخيل، فيها السمع والبصر والحس باللمس والضغط، فإذا ذهبتُ أتحدث لكم عن جسم الإنسان والله الذي لا إله إلا هو لا شك أنكم ترون أن أعقد آلة صنعت لا ترقى إلى آلة بدائية أمام هذا الجسم البشري.
 فأنت أمام آلة صغيرة قد تعظم الآلة لصغر حجمها ولعظم مفعولها وقد تعظم الآلة لضخامة كتلتها، ألم تَشْدَه لمجرة تبعد عن الأرض ستة عشر ألف مليون سنة ضوئية وأن الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمائة ألف كيلومتر ؟، ألم تشده حينما تعلم أن في رأسك ثلاثمائة ألف شعرة وأن لكل شعرة عصباً ووريداً وشرياناً وغدة دهنية وغدة صبغية ألا تدهش ؟، ألا تُدهش إذا علمت أن في الدماغ مائة وأربعين مليار خلية استنادية لم تعرف وظيفتها بعد ؟، ألا تدهش إذا علمت أن في الشبكية مائة وثلاثين مليون مخروط وعصية وأن العصب البصري يمر فيه تسعمائة ألف عصب، بالدماغ بالأعصاب، بالقلب الذي يضخ في اليوم ثمانية أمتار مكعبة دون كلل أو ملل، الكليتان اللتان يمر فيهما الدم في اليوم خمس مرات ويقطع مائة كيلومتر، في الغدة النخامية التي إذا رأت خطراً أعطت أمراً إلى الكظر والكظر يصدر أربعة أوامر، أمر إلى القلب ليسرع في نبضه، وأمر إلى الرئتين لتسرعا في وجيبهما وأمر إلى الأوعية كلها كي تضيّق لمعتها ويتوفر الدم للحركة والهجوم، والى الكبد كي يطلق كميات السكر في الأوعية.
 هل اطلعت على تركيب جسمك ؟، جسم الإنسان يتفق مع أحدث نظريات الميكانيك، هل تعلم أن عنق الفخذ يتحمل وزناً يزيد عن مئتي وخمسين كيلو لكل عظم، الإنسان بإمكانه أن يتحمل خمسمائة كيلو قبل أن تنكسر أضلاعه، ولو ذهبت ساعات طويلة أتحدث عن جسم الإنسان وساعات طويلة عن النبات، الورقة، قرأت مرةً في كتاب والله اقشعر جلدي، قال إن أعظم معمل صنعه الإنسان لا يرقى إلى هذه الورقة ورقة، إنها معمل، تأخذ ثمانية عشر معدناً محلولاً في الماء هذا النسغ الصاعد، في الورقة مادة اليخضور، في الورقة الفوتون الطاقة الشمسية، في الورقة الآزوت، في الورقة شلات الحديد، مع هذا النسغ الصاعد تصنع الورقة النسغ النازل، هذا النسغ يصنع الثمار ويصنع الأزهار.
هل عند الإنسان طاقة يحقن سائلاً تارةً يصبح خشباً تارةً صاجاً تارةً إسفنجاً تارةً، معقول..! السائل واحد والمواد مختلفة، قرأت مرةً أن هذا النسغ الصاعد يجري في أوعية، الشجرة إذا نمت عرضاً ربما ضاقت لمعة الأوعية فضعفت التروية، إذاً هذه الأوعية مدعّمة بألياف حلزونية لئلا تضيق لمعتها إذا نمت الشجرة.
 هذا في النبات، الطيور: الطائر يرى ثمانية أمثال الإنسان، وبعض الكلاب تستمع بدقة تزيد عن مليون ضعف سمع الإنسان.
 ماذا أقول عن الأسماك مليون نوع من السمك، عن الحوت الذي يزيد وزنه عن مائة وخمسين طناً، والذي فيه من اللحم ما يزيد عن خمسين طناً من اللحم وخمسين طناً من الدهن، وتسعين برميل زيت ورَضْعتُه الواحدة تزيد عن ثلاثمائة كيلو، ثلاث رضعات، طن في اليوم، وجبته الصغيرة أربعة طن، " تسكيت جوعة ".
 ماذا أتحدث عن الأسماك الجميلة التي ترونها في أحواض الأسماك.. هذا كله علم الله عز وجل، قوانين علاقات أعمال دقيقة، هذا الماء يتمدد بالحرارة، شأنه شأن أي عنصر، فما الذي يحدث إذا بردناه إلى درجة خمس عشرة ثم عشر، خمس، أربع، يحدث المستحيل تنعكس الآية قرأت مقالة في مجلة العلوم حول آلية عكس هذه الخاصة أن الماء قبل الدرجة زائد أربعة يتمدد بالحرارة وينكمش بالبرودة، كيف تنعكس الآية في هذه الدرجة، والله قرأت هذه المقالة مرتين وشعرت بصداع في رأسي لتعقيد الموضوع، من قنن هذا القانون ؟، كل حياة البشر مبنية على هذه الخاصة، لو أن الماء استمر بانكماشه مع التبريد لانتهت الحياة من على سطح الأرض، لأن البحار كلما تجمدت غاصت هذه الكتل إلى الأعماق لأن الشيء عندما يتجمد وينكمش تزداد كثافته، خلال فترة من الزمن تصبح البحار كلها متجمدة، ينعدم التبخر تنعدم الأمطار يموت النبات يموت الحيوان يموت الإنسان.
 فقبل أن تقول الله يعلم أو لا يعلم، هناك موضوعات كثيرة جداً، كل هذا الكون مظهر لعلم الله عز وجل، أنا أردت أن أمثل أن منصة النفط في بحر الشمال لو أنك زُرتها بطائرة، وهبطتَ على سطحها رأيت مدينة، بيوت مكاتب أجهزة اتصال، مطار، وهذه منصة عائمة على سطح الماء، والأنابيب تصل إلى خمسة آلاف متر، وتحت سطح البحر إلى خمسة آلاف متر أخرى كيف وصلوا إلى النفط هناك وكيف ضخ هذا النفط، ألا تشعر أنك أمام عقول جبارة صممت هذه المنصة.
 إن ركبت أكبر طائرة اختُرعت حتى الآن ألا تشعر أن هؤلاء الركاب الخمسمائة كأنهم في مدينة يركبون والمقاعد وثيرة يأتيهم الطعام ساخناً، يحلقون فوق ارتفاع يزيد عن ثلاثة وأربعين ألف قدم، وكيف أن هذه الطائرة يحملها الهواء والهواء ترونه هل يحمل طائرة، كم هي القوانين معقدة جداً في الطائرة، نحن نتصور بسذاجة بأن جناح الطائرة فيه بترول فيه الوقود، فلو أن الجناح مجوف وفيه بترول كما تظن، بمجرد أن تميل الطائرة كي تدور يميناً تسقط، فلا بد من حواجز وسط هذا الجناح كثيرة جداً وثقوب صغيرة ومضخات تضخ البترول إلى الجهة المعاكسة، هذا الجناح الحرارة في أعالي الجو خمسون درجة تحت الصفر وهناك بخار ماء.
 مرة جلست مع طيار حدثني عن دقائق الطائرة الشيء الذي لا يصدق ألا تشعر أن هذه الطائرة وراءها عقل كبير ودماغ عظيم وعلوم كثيرة ودقة متناهية، إذا كنت أمام طائرة تشعر بالتعظيم لمخترعها، وأمام باخرة، يقال لك هذه الناقلة تحمل مليون طن، قوة محرك دفتها أربعة آلاف حصان، تحريك الدفة فقط، غير تحريك الناقلة، فما قولك بهذا الكون، قال تعالى:
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾
(سورة الواقعة)
 هناك أشخاص مساكين ما عرفوا من علم الله عز وجل إلا أنه يعلم أو لا يعلم، يعني هذا الاسم العظيم الذي يمكن أن تمضي كل حياتك في الوقوف على دقائقه، ضغَطَه بكلمة واحدة.
 سوف نبدأ إن شاء الله تعالى الحديث عن هذا الاسم في بعض التفصيلات، قبل كل شيء أسماء الله الحسنى توقيفية، بمعنى أنه لا يجوز أن تشتق أنت اسماً من عندك، فالله عز وجل قال:
﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15)﴾
(سورة الطارق)
 فلا يجوز أن تقول أن الله كائد..
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)﴾
(سورة الأنفال)
 لا يجوز أن تقول الله ماكر، أسماء الله الحسنى توقيفية، لا نذكر منها إلا ما ورد في الكتاب والسنة وما أجمعت عليه الأمة، هل يجوز أن يقال الله معلم ؟ لا.. هل يجوز أن يقال الله علامة ؟ لا.. أعوذ بالله ما أحد قال هذا الكلام، أجمعت الأمة على أنه لا يجوز أن تقول الله معلم، مع أن الله قال علمه شديد القوى، وعلَّمك ما لم تكن تعلم، علم يعلم معلم، فلا يجوز أن تقول الله معلم، أجمعت الأمة على أن أسماء الله توقيفية، لا يجوز أن تَذكر منها إلا ما ورد في الكتاب والسنة وما أجمعت عليه الأمة.
 هل يجوز أن يقال الله عارف ؟ لا.. الله يعرف، لا لأن كلمة عارف ويعرف وعرف، أقول أنا عرفت الشيء بعد أن جهلته، فكلمة يعرف يسبقها جهل، لا يليق بالله عز وجل أن تقول هو يعرف، بل هو يعلم، لأن كلمة يعلم لا يسبقها جهل، ليس قبل العلم جهل، فالعلم قديم عند الله عز وجل.
 هل تقول الله فطن ؟ لا يكون، هل تقول الله عاقل ؟ لا، هل تقول الله ذكي ؟ أعوذ بالله، إذاً أسماء الله تعالى توقيفية لا يجوز أن تخترع اسماً ولا أن تشتق اسماً إلا أن يرد في الكتاب والسنة وإلا أن تجمع عليه الأمة.
 الفرق الدقيق جداً بين علم الله وعلم البشر، إن علم الله سبحانه وتعالى بالأشياء غير مستفاد من الأشياء بل الأشياء مستفادة من علم الله، وعلم العبد بالأشياء مستفاد من الأشياء.
 أقول لكم هذه الكلمة، شرف العبد العالم بسبب أن العليم اسم من أسماء الله الحسنى، تقول إنسان عالم أو عليم أو علامة، من أين جاءه الشرف، لأن الله عليم، للإنسان اسم لا أقول يشبهه حاشا لله، ليس كمثله شيء، لكن تقول الله عليم وهذا الإنسان عالم، من هنا جاء شرف العلم، أي أنت كما قال النبي تخلقت بأخلاق الله، إن الله عالم يحب كل عالم.
 الآن عندنا سؤال، ما هو أشرف العلوم، أو كيف تكتسب العلوم شرفها ؟
 إذا كان عند أحد علم بطريقة كسر أقفال المحلات، هل تحس أن هذا العلم شريف ؟ هذا سارق.
 إذا عنده علم بوسائل تزوير العملة، عنده أجهزة معقدة وآلات تصوير ملونة وورق خاص، ودارس، وعنده كتب وعمل دورات، هل تُعظِّمُ هذا العلم، تزوير العملة مثلاً.
 علم تهريب مخدرات مثلاً، أعوذ بالله، أحياناً يسلك المهربون في المخدرات أساليب وطرائق يعجز عن فهمها الأذكياء، وقال لي بعضهم إن تهريب المخدرات بنسبة عشر بالمائة يكشف صدفة أو بإخبار، لأن هؤلاء المهربين على مستوى رفيع جداً، فهل تُعظِّمُ هذا العلم ؟. لا بل تحتقره.
 فلان يعلم أمراض القلب لأن الناس بحاجة إليه ترى أن هذا العلم مفيد، فهو أعلى، إذاً فمن أين يكتسب العلم شرفه ؟ من شرف المعلوم، فكلما شُرف المعلوم شُرف العلم.
 إذا كان عند أحد معلومات دقيقة عن المغنيين والمغنيات، وعن أوقات استيقاظهم وعن أوقات نومهم وعن مسَّاجهم وعن أغذيتهم وعن قضاء أيام عطلاتهم، فهل تحترمه.
 أريد أن أؤكد أنه لا يرتفع العلم إلا إذا ارتفع المعلوم، إذا اعتمدنا هذا المبدأ فأعظم العلوم ما هو ؟، العلم بالله.
 فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، تعلمنا الفيزياء والكيمياء والرياضيات والطب والهندسة والفيزيولوجيا والمورفولوجيا والى..الخ، وعرفنا الله، هذه كلها مخلوقات والله هو الخالق، إذاً أشرف علمٍ أن تعرف الله لأن شرف العلم من شرف المعلوم ولا موضوع للعلم أعظم من ذات الله عز وجل.
 والآن أن تعرف الطريق الموصل إلى الله، علم شريف، أن تعرف أمر الله، علم شريف، أن تعرف الأحكام الشرعية التي استنبطت من القرآن، علم شريف، أن تعرف أمراض القلب وكيف يسمو هذا القلب إلى ربه، هذا علم شريف، إذاً أشرف العلوم أن تعرف الله، ويليها في الدرجة العلوم الموصلة إلى الله.
 إذاً في الكون حقيقة واحدة هي الله، وأي شيء يوصلك إليه فشرفه من شرف غايته، إذا تعلمت العربية كي تفهم كلام الله بدقة، فشرف هذا العلم مقتبسٌ من شرف الهدف النبيل.
 نتابع الموضوع: الإمام الغزالي كما قلت لكم في أول درس ألقيته في هذا المسجد، قال: " هناك علم بالله وعلم بأمره وعلم بخلقه "، العلم بأمره وبخلقه علمان شأنهما كشأن أي علم يحتاجان إلى مدارسة إلى كتب إلى إلقاء إلى دروس إلى حقائق إلى حفظ إلى تذكر، وهذه العلوم تبقى في الذاكرة لكن العلم بالله من طبيعة أخرى هذا العلم ثمنه من غير طبيعته، العلم بالله لا يأتي بالمدارسة بل يأتي بالمجاهدة، ولا يبقى في الدماغ بل يسمو بالنفس، ثمنه باهظ ونتائجه باهرة جداً، إذاً العلم بالله أشرف العلوم وأقول لكم مطَمئِناً لكم، إن دروس هذا المسجد بالذات أسماء الله الحسنى، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقني إلى إتمام أسماء الله الحسنى كلها.
 إنه أشرف العلوم أن تعرف الله، أن تعرف اسم القدير اسم العليم اسم العزيز اسم الحكيم اسم الغفار اسم القهار اسم الملك اسم القدوس السلام المؤمن المهيمن..الخ
 أن تعرف الله وأن تكون في المستوى الذي يريده الله، أن تكون مخلصاً محباً مستقيماً عالماً ورعاً متوكلاً، فالفضل لله عز وجل. دَرْسا هذا المسجد درسٌ يتعلق بذات الله ودرسٌ يتعلق بقلب الإنسان، ماذا ينبغي أن يكون عليه هذا القلب، من علم وإخلاص وحب وتوكل وصدق واستقامة، فكأن دروس هذا المسجد خلاصة العلوم كلها، لأن معرفة الله أشرف علم، وأن تكون في المستوى الذي يرضى الله عنه أشرف علم أيضاً، فدرس في أسماء الله ودرس في مدارج السالكين في إياك نعبد وإياك نستعين.
 الآن إلى بعض التفصيلات:
 أولاً: ورد العلم في القرآن بمعنى إثبات العلم لله، أحياناً تسأل: فلانٌ عالم أم غير عالم ؟ لا بل عالم، قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)﴾
(سورة لقمان)
 إثبات علم:
﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾
(سورة البقرة آية 255)
 إثبات علم:
﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً (166)﴾
(سورة النساء)
﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(11)﴾
(سورة فاطر)
 إذاً هناك آيات كثيرة محورها إثبات العلم لله، " إن الله عالم يحب كل عالم ".
﴿ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ ﴾
 الشافعي لما دخل عليه عالم تقليدي يريد أن يسفهه أمام تلاميذه، فقال يا غلام هذا الذي تقوله ما سمعناه من أين جئت به، ما قاله أحد، قال يا سيدي أتعلمت العلم كله، فإن قال نعم أصبح جاهلاً، لقول الله عز وجل:
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً (85)﴾
(سورة الإسراء)
 قال هذا العلم من الشطر الذي لا تعرفه.
 من يحيط بالعلم، يظل المرء عالماً ما طلب العلم فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، إذا قلتَ إني عالم فأنت جاهل بكل تواضع، بكل صراحة لذلك أنا أتمنى من إخواننا الكرام الذين لهم رغبات علمية جامحة ويحضرون مجالس علم ويحرصون على فهم كلام الله وعلى فهم السنة المطهرة، أتمنى عليهم إذا تحدثوا عن أنفسهم أن يقولوا نحن طلاب علم هكذا الأدب، ولقد سمعت هذه الكلمات من علماء كبار يقول: " أنا طالب علم ".
 مرة ألَّف أحد الناس كتاباً كتب عن نفسه أنه أحد علماء دمشق.. كان الأجداد، السلف الصالح يقولون عن أنفسهم، الفقير إليه تعالى، غفر الله له ذنبه آمين، وهناك أشخاص أحقر الورى أيضاً.
 إذاً وردت بعض الآيات في القرآن بمحور إثبات العلم لله، يقول لك رسول الله أمي.. عميد جامعة من الجامعات، طُلب منه إحداث ماجستير في كلية الشريعة، فقال رئيس الجامعة لماذا الماجستير أنتم يا طلاب الشريعة نبيكم أمي، فأجابه عميد الكلية ولكنه يوحى إليه وحينما يوحى إلينا نستغني عن كل الجامعة، لذلك قال العلماء الأمية صفة كمال في حق رسول الله، وصفة نقص في حق غيره، إذا قلت عن إنسان هو أميّ يعني جاهل، أما إذا قلت عن النبي الكريم هو أمي يعني هو تنزه عن علم البشر، تنزه عن ثقافة عصره، تنزه عن معطيات الأرض، وعلَّمه الله.
 أحياناً يكون أحد الناس خريج جامعة يقول لك أنا معي بورد، فلان معه إف. آر. إس من إنكلترا، فلان معه أكريجيه من السوربون، يعطيها اسم مفخم يمطها قليلاً أو بورد، هذا هو الافتخار بالمعلم معناها، فإذا افتخرنا بأن فلاناً أستاذنا، نحن علمنا فلان نحن علّمنا فلان، اجلس مع المثقفين يفتخرون بأساتذتهم، فمن علم النبي ؟، الله سبحانه وتعالى خالق الكون علّمه.
يا أيها الأمي حسبك رتبةً  في العلم أنْ دانت لك العلماء
***
 يأتي إنسان عبقري ذكي جداً يأخذ خمسين حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرسهم ويحللهم ويدرس صياغتها بلاغتها مضامينها أبعادها مدلولاتها، يُمنح درجة الدكتوراه، فهُمْ خمسون حديثاً عن رسول الله، أصبح دكتور في الشريعة، يقول أنا معي دكتوراه، يكتب الدكتور في الشريعة، حتى يعرف الناس قدره.
 إذاً: يا أيها الأمي حسبك رتبةً في العلم أن دانت لك العلماء،
 الأمية في حق رسول الله كمال، وفي حق غيره نقص، قال الله تعالى:
﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)﴾
(سورة العنكبوت)
 الآن وردت آيات العلم في محور آخر، هذا المحور أن الله عالم قال الله تعالى:
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27)﴾
(سورة الجن)
﴿إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38)﴾
(سورة فاطر)
 المحور الأول أثبتنا العلم لله، المحور الثاني وصفنا ربنا بأنه عالم، المحور الثالث الله علاّم، كلمة علام على وزن فعال، صيغة مبالغة يعني كثير العلم، لنوضحها لكم، نقول فلان كاذب، يعني هو في هذا القول كاذب، يعني في حياته كلها تكلم كذبة واحدة يسمى في اللغة كاذب أما إذا كان يكذب كلما تنَّفس يقال له كذّاب، إذاً صيغة كذاب تعني التكرار، التكثير، المبالغة، وأحياناً الذي يكذب كذبةً كبيرة جداً يقال له كذاب، رجل كذاب كبير وعنده عبد كلما كذب فضحه يقول له كذب ليس كذلك القصة، فضاق به ذرعاً واشترى له عباءة، فجلس في مجلس قال عندي أرض من بيروت إلى الشام، فخلع العبد العباءة، ولما رآه خلعها قال لكن عرضها مترٌ واحدٌ، قالوا له ضيقتها فقال هذا الذي ضيقها علي.
 فلو أن الإنسان كذب في حياته كذبة واحدة يقال له كاذب، أما إذا كذب كلما تنفس يقال له كذّاب، مر بنا سابقاً أن صيغة المبالغة تعني النوع أو الكَم إما أنها كذبة كبيرة جداً وإما أنها كذبات كثيرة، إذاً صيغة فعال تعني الكثرة أو الضخامة، تعني مبالغة العدد أو مبالغة النوع، فإذا قلت إن الله عّلام الغيوب يعني كل الغيوب يعلمها، الله عز وجل مطلق يعلم كل غيب، يعلم مصير كل إنسان، وما تسقط من ورقة إلا هو يعلمها، فتصور نفسك في حقل زيتون في الخريف وكلما هبت نسمات من الرياح تساقطت أوراق الزيتون، فيها آية قرآنية:
﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)﴾
(سورة الأنعام)
 علم ما كان وعلم ما يكون وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
 المحور الرابع الأعلم:
﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21)﴾
(سورة الكهف)
 سيدنا الصديق مدحه أشخاص، اِسمعوا ماذا قال، هذا الصديق، هذا الذي لو وزن إيمان الخلق مع إيمانه لرجح، قال: اللهم أنت أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيراً مما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون، هذا موقف الصديق حينما مُدح.
 إذاً الله عز وجل أثبت العلم لذاته، ووصف نفسه بأنه عالم وأنه علام وأنه الأعلم لكن لا يصح أن تقول معلم، قال تعالى:
﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)﴾
(سورة البقرة)
﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾
(سورة الرحمن)
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)﴾
(سورة النساء)
﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65)﴾
(سورة الكهف)
 ملاحظة على الهامش:
 إذا قال الله عز وجل وعصى آدم ربه، قال العلماء لا يجوز أن تقول آدم عاصٍ، ليس لك الحق أن تشتق من فعل وعصى آدم ربه اسماً لسيدنا آدم، وإذا قال الله عز وجل:
﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)﴾
(سورة القصص)
 قال لا يجوز أن تقول موسى أجير، طبعاً هناك تعليلات لطيفة
 أمر الله عز وجل لسيدنا آدم في الجنة أمرٌ إرشادي وليس أمراً تكليفياً، والمعصية على حقيقتها لا تكون إلا من أمرٍ تكليفي، فحينما أكل هذا النبي العظيم سيدُنا آدم، أكل التفاحة، لم يخالفْ أمراً تكليفياً بل خالف أمراً إرشادياً، فربنا قرب إلينا ما حدث قال:
﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)﴾
(سورة طه)
 ليس لك أن تقول آدم عاصٍ، ولا أن تقول موسى أجير، هذه على هامش الموضوع، أيضاً ما ورد في حق الأنبياء يجب أن يكون كما ورد من دون تبديل أو اشتقاق أو تغيير.
 آخر شيء العالم والعلام والأعلم والمعلم، كل هذه الأسماء مع أنها وردت في القرآن الكريم إلا إنها لم ترد في أسماء الله الحسنى، لم يرد في أسماء الله الحسنى إلا العليم، والعليم صيغة مبالغة أيضاً تفيد المبالغة في العدد وفي النوع.
 آخر شيء أتمنى عليكم أن تقفوا عنده وقفة متأنية، ماذا نستفيد من اسم العليم، ورد في بعض الكتب أن الله عز وجل يقول:
(( إن لم تعلموا أني أراكم فالخلل في إيمانكم، وإن علمتم أني أراكم فلِمَ جعلتموني أهون الناظرين إليكم ؟ ))
 إذا كنت لا تعلم أن الله يراك فهذا ضعف في الإيمان كبير، وإذا كنت تعلم أن الله يراك فهذه حجة واهية عذر أقبح من ذنب، إذا علمت أن الله يراك لِمَ جعلت الله عز وجل أهونَ الناظرين إليك، قال الله تعالى:
﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108)﴾
(سورة النساء)
 لذلك اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وقال بعض العلماء: " إنّ حال المراقبة أن تشعر أن الله معك دائماً وهذا الشعور يورثك الخشية والاستقامة، ونعود إلى أول آية طرحناها في هذا الدرس:
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12)﴾
 ولن تستقيم على أمره إلا إذا أيقنت أن علمه يطولك وأن قدرته تطولك