الخميس، 15 مارس 2012

موسوعة الفقه : باب الأطعمة


الأطعمة

.تعريفها:
الأطعمة جمع طعام، وهي ما يأكله الإنسان ويتغذى به من الاقوات وغيرها.
وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه} أي على آكل يأكله.
ولا يحل منها إلا ما كان طيبا تتوقه النفس.
يقول الله تعالى: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات}.
والمقصود بالطيب هنا ما تستطيبه النفس وتشتهيه وهذا مثل قول الله تعالى: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}.
والطعام، منه ما هو جماد، ومنه ما هو حيوان.
فالجماد حلال كله ما عدا النجس والمتنجس والضار والمسكر وما تعلق به حق الغير.
فالنجس مثل الدم والمتنجس كالسمن الذي ماتت فيه فأرة، لحديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، الذي رواه البخاري عن ميمونة أنه سئل عن سمن وقعت فيه فأرة فقال: «القوها، وما حولها فاطرحوه، وكلوا سمنكم».
وقد أخذ من هذا الحديث أن الجامد إذا وقعت فيه ميتة طرحت وما حولها منه إذا تحقق أن شيئا من أجزائها لم يصل إلى غير ذلك منه.
وأما المائع فإنه ينجس بملاقاة النجاسة.
والضار من السموم وغيرها.
فالسموم مثل السموم المستخرجة من العقارب والنحل والحيات السامة وما يستخرج من النبات السام والجماد كالزرنيخ، لقول الله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}.
وقوله جل شأنه: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
وقول الرسول، صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي رواه أبو هريرة: «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا» رواه البخاري.
وإنما يحرم من السموم القدر الذي يضر.
وأما ما يحرم للضرر من غير السموم مثل الطين والتراب والحجر والفحم بالنسبة لمن يضره تناولها فلقول الرسول، صلى الله عليه وسلم،: «لا ضرر ولا ضرار» رواه أحمد وابن ماجه.
ويدخل في هذا الباب الدخان فإنه ضار بالصحة وفيه تبذير وضياع للمال، والمسكر مثل الخمر وغيرها من المخدرات.
وما تعلق به حق الغير مثل المسروق والمغصوب فإنه لا يحل شيء من ذلك كله.
والحيوان منه ما هو بحري ومنه ما هو بري.
فأما البحري فهو حلال كله.
والحيوان البري: منه ما هو حلال أكله ومنه ما هو حرام.
وقد فصل الإسلام ذلك كله وبينه بيانا وافيا، مصداقا لقول الله عزوجل: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه}.
وقد جاء هذا التفصيل مشتملا على أمور ثلاثة:
الأمر الأول: النص على المباح.
الأمر الثاني: النص على الحرام.
الأمر الثالث: ما سكت عنه الشارع.

.ما نص الشارع على أنه مباح:
وما نص الشارع على أنه مباح نذكره فيما يلي:

.الحيوان البحري:
الحيوان البحري حلال كله ولا يحرم منه إلا ما فيه سم للضرر، سواء أكان سمكا أم كان من غيره وسواء اصطيد أم وجد ميتا، وسواء أصاده مسلم أم كتابي أم وثني، وسواء أكان مما له شبه في البر أم لم يكن له شبه.
والحيوان البحري لا يحتاج إلى تزكية. والاصل في ذلك قول الله عزوجل: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة} قال ابن عباس: صيد البحر وطعامه: ما لفظ البحر رواه الدار قطني.
وروى عنه في معنى طعامه ميتته لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سأل رجل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو الطهور ماؤه والحل ميتته» رواه الخمسة.
وقال الترمذي: هذا الحديث حسن صحيح.
وسألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: حديث صحيح.

.السمك المملح:
كثيرا ما يخلط السمك بالملح ليبقى مدة طويلة بعيدا عن الفساد ويتخذ من أصنافه المختلفة: السردين، والفسيخ، والرنجة، والملوحة.
وكل هذه طاهرة ويحل أكلها ما لم يكن فيه ضرر فإنه يحرم لضرره بالصحة حينئذ.
قال الدرديري - رضي الله عنه - من شيوخ المالكية: الذي أدين الله به أن الفسيخ طاهر لأنه لا يملح ولا يرضخ إلا بعد الموت، والدم المسفوح لا يحكم بنجاسته إلا بعد خروجه، وبعد موت السمك إن وجد فيه دم يكون كالباقي في العروق بعد الذكاة الشرعية، فالرطوبات الخارجة منه بعد ذلك طاهرة لا شك في ذلك.
وإلى هذا ذهب الأحناف والحنابلة وبعض علماء المالية.
الحيوان يكون في البر والبحر:
قال ابن العربي: الصحيح في الحيوان الذي يكون في البر والبحر منعه، لأنه تعارض فيه دليلان: دليل تحليل، ودليل تحريم، فنغلب دليل التحريم احتياطا.
أما غيره من العلماء فيرى أن جميع ما يكون في البحر بالفعل تحل ميتته، ولو كان يمكن أن يعيش في البر، إلا الضفدع للنهي عن قتلها.
فعن عبد الرحمن بن عثمان رضي الله عنه أن طبيبا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء فنهاه عن قتلها رواه أبو داود والنسائي وأحمد وصححه الحاكم.

الحلال من الحيوان البري:
والحلال من الحيوان البري المنصوص عليه نذكره فيما يلي: بهيمة الانعام، بقول الله تعالى: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون}.
ويقول جل شأنه: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الانعام إلا ما يتلى عليكم}.
وبهيمة الانعام هي: الإبل والبقر ومنه الجاموس والغنم ويشمل الضأن والمعز ويلحق بها بقر الوحش وإبل الوحش والظباء، فهذه كلها حلال بالاجماع، وثبت في السنة الترخيص في: الدجاج والخيل وحمار الوحش والضب والارنب والضبع والجراد والعصافير.
عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فيما رواه مسلم في صحيحه، عن أبي الزبير قال: سألت جابرا عن الضب فقال: لا تطعموه وقذره.
وقال: قال عمر بن الخطاب، إن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يحرمه، إن الله ينفع به غير واحد، وإنما طعام عامة الرعاة منه، ولو كان عندي طعمته.
وقال ابن عباس، رواية عن خالد بن الوليد، رضي الله عنهما، أنه دخل مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على خالته ميمونة بنت الحارث فقدمت إلى رسول الله لحم ضب جاءها مع قريبة لها من نجد، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا يأكل شيئا حتى يعلم ما هو - فاتفق النسوة ألا يخبرنه حتى يرين كيف يتذوقه ويعرفه إن ذاقه، فلما أن سأل عنه وعلم به تركه وعافه، فسأله خالد: أحرام هو؟ قال: لا، ولكنه طعام ليس في قومي فأجدني أعافه، قال خالد: فاجتررته إلى فأكلته ورسول الله ينظر.
وروي عن عبد الرحمن بن عمار قال: سألت جابر بن عبد الله عن الضبع، آكلها؟ قال: نعم.
قلت: أصيد هي؟ قال: نعم.
قلت: فأنت سمعت ذلك من رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم رواه الترمذي بسند صحيح.
وممن ذهب إلى جواز أكله الشافعي وأبو يوسف ومحمد وابن حزم.
وقال الشافعي فيه: إن العرب تستطيبه وتمدحه ولا يزال يباع ويشترى بين الفا والمروة من غير نكير.
ويري بعض العلماء أنه حرام لأنه سبع، ولكن الحديث حجة عليهم.
وذكر أبو داود وأحمد أن ابن عمر سئل عن القنفذ فتلا: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه}.
فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «خبيثة من الخبائث».
فقال ابن عمر: إن كان قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هذا فهو كما قال.
وهذا الحديث من رواية عيسى ابن نميلة وهو ضعيف، قال الشوكاني: فلا يصلح الحديث لتخصيص القنفذ من أدلة الحل العامه، وبناء على ما قاله الشوكاني يكون أكله حلالا.
وقال مالك وأبو ثور ويحكى عن الشافعي والليث أنه لا بأس بأكله، لأن العرب تستطيبه ولان حديثه ضعيف. وكرهه الأحناف.
وقالت عائشة في الفأرة: ما هي بحرام، وقرأت: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه}.
وعند مالك لا بأس بأكل خشاش الأرض وعقاربها ودودها، ولا بأس بأكل فراخ النحل ودود الجبن والتمر ونحوه.
قال القرطبي: وحجته قول ابن عباس وأبي الدرداء: «ما أحل الله فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو».
قال أحمد في الباقلاء المدود: تجنبه أحب إلي، وإن لم يستقذر فأرجو أي أنه لا يكون في أكله بأس.
وقال عن تفتيش التمر المدود: لا بأس به، وقد روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه أتي بتمر عتيق فجعل يفتشه ويخرج السوس منه وينقيه.
قال ابن قدامة: وهو أحسن.
ويرى ابن شهاب وعروة والشافعي والأحناف وبعض علماء أهل المدينة أنه لا يجوز أكل شيء من خشاش الأرض وهو امها مثل الحيات والفأرة وما أشبه ذلك وكل ما يجوز قتله فلا يجوز عند هؤلاء أكله، ولا تعمل الذكاة عندهم فيه.
وقال الشافعي: لا بأس بالوبر واليربوع.
وفي أكل العصافير يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «ما من إنسان قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله تعالى عنها قيل: يا: رسول الله، وما حقها؟ قال: يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها يرمي بها» رواه النسائي.
وأكل بعض الصحابة مع النبي، صلى الله عليه وسلم، لحم الحباري طائر رواه أبو داود والترمذي.

.ما نص الشارع على حرمته:
والمحرمات من الطعام في كتاب الله تعالى محصورة في عشرة أشياء منصوص عليها في قوله سبحانه: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالازلام ذلكم فسق}.
وهذا تفصيل للاجمال المذكور في قوله سبحانه: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به}.
فإنه ذكر هنا أربعة أشياء مجملة، وذكر في الآية السابقة تفصيلها فلا تنافي بين الآيتين.

.ما قطع من الحي:
ويلحق بهذه المحرمات ما قطع من الحي.
لحديث أبي واقد الليثي قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة» رواه أبو داود والترمذي وحسنه، قال: والعمل على هذا عند أهل العلم.
ويستثنى من ذلك:
أ- ميتة السمك والجراد فإنها طاهرة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أحل لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالحوت والجراد، واما الدمان: فالكبد والطحال» رواه أحمد والشافعي وابن ماجه والبيهقي والدارقطني.
والحديث ضعيف، لكن الإمام أحمد صحح وقفه، كما قاله أبو زرعة وأبو حاتم، ومثل هذا له حكم الرفع، لأن قول الصحابي: أحل لنا كذا وحرم علينا كذا، مثل قوله: أمرنا ونهينا - وقد تقدم ما يؤكد هذا الحديث.
وإذا كانت الميتة محرمة فالمقصود بالتحريم أكل اللحم، أما ما عداه فهو طاهر يحل الانتفاع به.
ب- فعظم الميتة وقرنها وظفرها وشعرها وريشها وجلده وكل ما هو من جنس ذلك طاهر.
لان الأصل في هذه كلها الطهارة، ولا دليل على النجاسة.
قال الزهري في عظام الموتى، نحو الفيل وغيره: أدركت ناسا من سلف العلماء يمتشطون بها ويدهنون فيها، لا يرون به بأسا رواه البخاري.
وعن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: تصدق على مولاة لميمونة بشاة فماتت، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به؟ فقالوا: إنها ميتة، فقال: إنما حرم أكلها». رواه الجماعة إلا ابن ماجه، قال فيه عن ميمونة.
وليس في البخاري ولا النسائي ذكر الدباغ.
وعن ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه قرأ هذه الآية: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} وقال: إنما حرم ما يؤكل منها وهو اللحم، فأما الجلد والقد والسن والعظم والشعر والصوف فهو حلال. رواه ابن المنذر وابن حاتم.
وكذلك إنفحة الميتة وليتها طاهر لأن الصحابة لما فتحوا بلاد العراق أكلوا من جبن المجوس وهو يعمل بالانفحة مع أن ذبائحهم تعتبر كالميتة.
وقد ثبت عن سلمان الفارسي، رضي الله عنه، أنه سئل عن شيء من الجبن والسمن والفراء، فقال: الحلال ما أحله الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه، ومن المعلوم أن السؤال كان عن جبن المجوس حينما كان سلمان نائب عمر بن الخطاب عن المدائن.
ج- والدم: يعفى عن اليسير منه، فعن ابن جريج في قوله تعالى: {أو دما مسفوحا} قال: المسفوح الذي يهراق.
ولا بأس بما كان في العروق منها. أخرجه ابن المنذر.
وعن أبي مجلز في الدم يكون في مذبح الشاة أو الدم يكون في أعلى القدر قال: لا بأس، إنما نهى عن الدم المسفوح. أخرجه ابن حميد وأبو الشيخ.
وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كنا نأكل اللحم والدم خطوط على القدر.

.حرمة الحمر والبغال:
ومما يدخل في دائرة التحريم الحمر الأهلية والبغال بقول الله سبحانه: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة}.
1- روى أبو داود والترمذي بسند حسن عن المقداد ابن معد يكرب، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الاهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه».
2- وعن أنس، رضي الله عنه، قال: لما فتح النبي، صلى الله عليه وسلم، خيبر أصبنا من القرية حمرا، فطبخنا منها، فنادى النبي: ألا إن الله ورسوله ينهاكم عنها، فإنها رجس من عمل الشيطان، فأكفئت القدور وإنها لتفور بما فيها رواه الخمسة.
3- وعن جابر، رضي الله عنه، قال: نهانا النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم خيبر عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل.
والمروي عن ابن عباس أنه أباح الحمر الأهلية، والصحيح أنه توقف فيها وقال: لا أدري أنهى عنها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من أجل أنها كانت حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرم يوم خيبر لحم الحمر الأهلية - كما رواه البخاري.

.تحريم سباع البهائم والطير:
ومما حرمه الإسلام السباع من البهائم والطير.
روى مسلم عن ابن عباس قال: نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير.
والسباع جمع سبع وهو المفترس من الحيوان، والمراد بذي الناب ما يعدو بنابه على الناس وأموالهم مثل الذئب والاسد والكلب والفهد والنمر والهر، فهذه كلها محرمة عند جمهور العلماء.
ويرى أبو حنيفة أن كل ما أكل اللحم فهو سبع وأن من السباع الفيل والضبع واليربوع والهر، فهي كلها محرمة عنده.
ويرى الشافعي أن السباع المحرمة هي التي تعدو على الناس كالاسد والنمر والذئب.
وروى مالك في الموطإ عن أبي هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «أكل كل ذي ناب من السباع حرام».
وقال مالك بعد هذا الحديث: وعلى ذلك الأمر عندنا.
وروى ابن القاسم عنه أنها مكروهة، وبه أخذ جمهور أصحابه.
وأجاز أكل الثعلب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة.
وأجاز ابن حزم الفيل والسمور.
ويحرم أكل القرد، قال أبو عمر: أجمع المسلمون على أنه لا يجوز أكل القرد لنهي الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكله.
وأما ذو المخلب من الطير فالمقصود به الطيور التي تعدو بمخالبها مثل الصقر والشاهين والعقاب والنسر والباشق ونحو ذلك، فهي محرمة عند جمهور العلماء.
ويرى مالك أنها مباحة، ولو كانت جلالة.

.تحريم الجلالة:
والجلالة هي التي تأكل العذرة من الإبل والبقر والغنم والدجاج والاوز وغيرها حتى يتغير ريحها.
وقد ورد النهي عن ركوبها وأكل لحمها وشرب لبنها.
1- فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن شرب لبن الجلالة» رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي.
وفي رواية «نهى عن ركوب الجلالة» رواه أبو داود.
2- وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: «نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلالة: عن ركوبها وأكل لحومها» رواه أحمد والنسائي وأبو داود.
فإن حبست بعيدة عن العذرة زمنا وعلفت طاهر فطاب لحمها وذهب اسم الجلالة عنها حلت.
لان علة النهي التغيير وقد زالت.

تحريم الخبائث:
وبجانب هذا التفصيل وضع القرآن الكريم قاعدة عامة لكل ما هو محرم.
بقول الله تعالى: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}.
والطيبات ما تستطيبه الناس وتستلذه من غير ورود نص بتحريمه فإن استخبثته فهو حرام.
ويرى الشافعي والحنابلة أن الطيبات ما تستطيبه العرب وتستلذه لا غيرهم.
والمقصود بالعرب هم سكان البلاد والقرى، دون أجلاف البوادي.
وفي كتاب الدراري المضية يرجح القول باستطابة الناس لا العرب وحدهم، فيقول: ما استخبثه الناس من الحيوانات لا لعلة ولا لعدم اعتياد بل لمجرد استخباث فهو حرام، وإن استخبثه البعض دون البعض كان الاعتبار بالاكثر كحشرات الأرض وكثير من الحيوانات التي ترك الناس أكلها ولم ينهض على تحريمها دليل يخصها، فإن تركها لا يكون في الغالب إلا لكونها مستخبثة فتندرج تحت قوله سبحانه: {ويحرم عليهم الخبائث}.
ويدخل في الخبائث كل مستقذر مثل البصاق والمخاط والعرق والمني والروث والقمل والبراغيث ونحو ذلك.

.تحريم ما أمر الشارع بقتله:
ويرى بعض العلماء تحريم ما أمر الرسول، صلى الله عليه وسلم، بقتله وتحريم ما نهى عن قتله.
فما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتله خمس من الدواب، وهي: الغراب والحدأة والعقرب والفأر والكلب العقور.
روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن عائشة، رضي الله عنها، أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال: «خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأر والكلب العقور».
وما نهى عن قتله من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد.
روى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد».
وقد ناقش الشوكاني هذا الرأي ونقده فقال: وقد قيل إن من أسباب التحريم الأمر بقتل الشئ كالخمس الفواسق والوزغ ونحو ذلك، والنهي عن قتله كالنملة والنحلة والهدهد والصرد والضفدع ونحو ذلك،
ولم يأت الشارع ما يفيد تحريم أكل ما أمر بقتله أو نهى عن قتله حتى يكون الأمر والنهي دليلين على ذلك، ولا ملازمة عقلية ولا عرفية، فلا وجه لجعل ذلك أصلا من أصول التحريم، بل إن كان المأمور بقتله أو المنهى عن قتله مما يدخل في الخبائث كان تحريمه بالآية الكريمة.
وإن لم يكن من ذلك كان حلالا، عملا بما أسلفنا من أصالة الحل وقيام الادلة الكلية على ذلك.

.المسكوت عنه:
أما ما سكت الشارع عنه ولم يرد نص بتحريمه فهو حلال تبعا للقاعدة المتفق عليها، وهي أن الاصل في الأشياء الإباحة، وهذه القاعدة أصل من أصول الإسلام.
وقد جاءت النصوص الكثيرة تقررها، فمن ذلك قول الله سبحانه:
1- {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا}.
2- وروى الدار قطني عن أبي ثعلبة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها».
3- وعن سلمان الفارسي أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، سئل عن السمن والجبن والفراء فقال: «الحلال ما أحله الله في كتابه، والحرام ما حرمه الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا لكم». أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ورواه أيضا الحاكم في المستدرك شاهدا.
4- وروى البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما، من سأل عن شيء لم يحرم على الناس فحرم من أجل مسألته».
5- وعن أبي الدرداء أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا» وتلا: {وما كان ربك نسيا}. أخرجه البزار وقال: سنده صحيح، والحاكم وصححه.

.اللحوم المستوردة:
اللحوم المستوردة من خارج البلاد الإسلامية يحل أكلها بشرطين:
1- أن تكون من اللحوم التي أحلها الله.
2- أن تكون قد ذكيت ذكاة شرعية.
فإن لم يتوفر فيها هذا الشرطان بأن كانت من اللحوم المحرمة مثل الخنزير أو كانت ذكاتها غير شرعية فإنها في هذه الحال تكون محظورة لا يحل أكلها.
وقد أصبح من الميسور معرفة هذين الشرطين بواسطة الوسائل الاعلامية التي وفرها العلم الحديث.
وكثيرا ما تكون العلب التي تحتوي على هذه اللحوم مكتوبا عليها ما يعرف بها وبأنواعها، ويمكن الاكتفاء بهذه المعلومات، إذ الأصل فيها غالبا الصدق.
وقد أفتى الفقهاء من قبل في مثل هذا، فجاء في الإقناع من كتب الشافعية للخطيب الشربيني: لو أخبر فاسق أو كتابي أنه ذبح هذه الشاة مثلا حل أكلها، لأنه من أهل الذبح، فإذا كان في البلد مجوس ومسلمون وجهل ذابح الحيوان هل هو مسلم أو مجوسي؟ لم يحل أكله للشك في الذبح المبيح والاصل عدمه.
نعم إن كان المسلمون أغلب كما في بلاد الإسلام فينبغي أن يحل.
وفي معنى المجوس كل من لم تحل ذبيحته.

.إباحة أكل ما حرم عند الإضطرار:
وللمضطر أن يأكل من الميتة ولحم الخنزير وما لا يحل من الحيوانات التي لا تؤكل وغيرها مما حرمه الله، محافظة على الحياة وصيانة للنفس من الموت.
والمقصود بالاباحة هنا وجوب الأكل لقوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}.

.حد الإضطرار:
وإنما يكون الإنسان مضطرا إذا وصل به الجوع إلى حد الهلاك أو إلى مرض يفضي به إليه سواء أكان طائعا أو عاصيا. يقول الله سبحانه: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم}.
وروى أبو داود عن الفجيع العامري أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما يحل لنا من الميتة؟ قال: ما طعامكم؟ قلنا: نغتبق ونصطبح. قال: «ذاك -وأبي- الجوع» فأحل لهم الميتة على هذه الحال.
وقال ابن حزم: حد الضرورة أن يبقى يوما وليلة لا يجد فيهما ما يأكل أو يشرب، فإن خشي الضعف المؤذي الذي إن تمادى به أدى إلى الموت أو قطع به عن طريقه وشغله، جل له من الأكل والشرب ما يدفع به عن نفسه الموت بالجوع أو العطش.
أما تحديدنا ذلك ببقاء يوم وليلة بلا أكل فلتحريم النبي، صلى الله عليه وسلم، الوصال يوما وليلة أي وصل الصيام.
وأما قولنا إن خاف الموت قبل ذلك فلأنه مضطر.
والمالكية يرون أنه إذا لم يأكل شيئا ثلاثة أيام فله أن يأكل ما حرم الله عليه مما يتيسر له ولو من مال غيره.

.القدر الذي يؤخذ:
ويتناول المضطر من الميتة القدر الذي يحفظ حياته ويقيم أوده، وله أن يتزود حسب حاجته ويدفع ضرورته.
وفي رواية عن مالك وأحمد: يجوز له الشبع، لما رواه أبو داود عن جابر بن سمرة أن رجلا نزل الحرة فنفقت عنده ناقة فقالت له امرأته: اسلخها حتى نقد شحمها ولحمها ونأكله، فقال: حتى أسأل رسول الله، صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: هل عندك غناء يغنيك؟ قال: لا. قال: فكلوها. وقال أصحاب أبي حنيفة لا يشبع منه. وعن الشافعي قولان.
لا يكون مضطرا من وجد بمكان به طعام ولو كان للغير: وإنما يكون الإنسان مضطرا إذا لم يجد طعاما يأكله ولو كان مملوكا للغير.
فإن كان مضطرا ووجد طعاما مملوكا للغير فله أن يأكل منه ولو لم يأذن صاحبه به ولم يختلف في ذلك العلماء.
وإنما اختلفوا في الضمان:
فذهب الجمهور منهم إلى أنه إن اضطر في مخمصة ومالك الطعام غير حاضر فله أن يأخذ منه ويضمن له، لأن الاضطرار لا يبطل حق الغير.
وقال الشافعي: لا يضمن، لأن المسئولية تسقط بالاضطرار لوجود الاذن من الشارع، ولا يجتمع إذن وضمان.
فإن كان الطعام موجودا ومنعه صاحبه فللمضطر أن يأخذه بالقوة متى كان قادرا على ذلك.
وقالت المالكية: يجوز في هذه الحال مقاتلة صاحب الطعام بالسلاح بعد الانذار بأن يعلمه المضطر بأنه مضطر وإنه إن لم يعطه قاتله، فإن قتله بعد ذلك فدمه هدر، لوجوب بذل طعامه للمضطر.
وإن قتله الآخر فعليه القصاص.
وقال ابن حزم: من اضطر إلى شيء من المحرمات ولم يجد مال مسلم ولا ذمي فله أن يأكل حتى يشبع ويتزود حتى يجد حلالا، فإذا وجده عاد ذلك المحرم حراما كما كان.
فإن وجد مال مسلم أو ذمي فقد وجد ما أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بإطعامه منه لقوله «أطعموا الجائع» فحقه فيه، فهو غير مضطر إلى الميتة فإن منع ذلك ظلما كان حينئذ مضطرا.

.هل يباح الخمر للعلاج؟
وقد اتفق العلماء على إباحة الحرام للمضطر ولم يختلف منهم أحد.
وإنما اختلفوا في التداوي بالخمر، فمنهم من منعه ومنهم من أباحه، والظاهر أن المنع هو الراجح، فقد كان الناس في الجاهلية قبل الإسلام يتناولون الخمر للعلاج. فلما جاء الإسلام نهاهم عن التداوي به وحرمه، فقد روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن طارق بن سويد الجعفي أنه سأل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الخمر فنهاه عنها فقال: إنما أصنعها للدواء. فقال: «إنه ليس بدواء، ولكنه داء».
وروى أبو داود عن أبي الدرداء أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله أنزل الداء والدواء، فجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام».
وكانوا يتعاطون الخمر في بعض الاحيان قبل الإسلام اتقاء لبرودة الجو، فنهاهم الإسلام عن ذلك أيضا.
فقد روى أبو داود أن ديلم الحميري سأل النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا رسول الله، إنا بأرض باردة، نعالج فيها عملا شديدا، وإنانتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا قال رسول الله: هل يسكر؟ قال: نعم. قال: فاجتنبوه، قال: إن الناس غير تاركيه. قال: فإن لم يتركوه فقاتلوهم».
وبعض أهل العلم أجاز التداوي بالخمر بشرط عدم وجود دواء من الحلال يقوم مقام الحرام، وأن لا يقصد المتداوي به اللذة والنشوة، ولا يتجاوز مقدار ما يحدده الطبيب.
كما أجازوا تناول الخمر في حال الضطرار، ومثل الفقهاء لذلك بمن غص بلقمة فكاد يختنق ولم يجد ما يسيغها به سوى الخمر.
أو من أشرف على الهلاك من البرد، ولم يجد ما يدفع به هذا الهلاك غير كوب أو جرعة من خمر، أو من أصابته أزمة قلبية وكاد يموت.
فعلم أو أخبره الطبيب بأنه لا يجد ما يدفع به الخطر سوى شرب مقدار معين من الخمر.
فهذا من باب الضرورات التي تبيح المحظورات.