الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : البارئ المصور

البارئ المصور

 مع الاسم الثامن عشر من أسماء الله الحسنى، ألا وهو "الباريء المصور " إذ حديثنا في الصفحات السابقة عن اسم الخالق الذي ورد في القرآن الكريم مقترناً مع اسم البارئ والمصور، فقد دَرَجَت الكتب التي تتحدث عن أسماء الله الحسنى على أن تشرح الأسماء الثلاثة معاً في سياق واحد، وقبل أن أنتقل إلى اسم الله البارئ المصور لابد من وقفة قصيرة مع اسم الخالق فتتساءل كيف يقول الله عز وجل:
﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)﴾
(سورة المؤمنون)
 وكيف يقول في آية أخرى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)﴾
(سورة فاطر)
 في الآية الأولى يُثبت الله عز وجل أن هناك خالقين كثيرين لكن الله أحسنهم، وفي الآية الثانية يقول هل من خالق غير الله ؟ هو ينفي عن طريق الاستفهام الإنكاري أن يكون في الكون خالق غير الله.
 فالإنسان حينما يقرأ القرآن قراءة أولية، ولا يتعمّق في العلم ولا يسأل أهلَ الذِكر، وحينما يقف عند آية من الآيات المتشابهة ولا يحاول أن يسأل عنها فقد يشعر أن في القرآن تناقضاً، ولذلك فهؤلاء الغربيّون أو المستشرقون الذين درسوا ما في الشرق من أديان ومن ثقافات، هؤلاء قالوا إن في القرآن تناقضاً، وهذه نظرة ساذجة أولية لا تقف على قدميها، فالعلماء المحققون قالوا: "إذا قال الله عز وجل:
﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)﴾
 يعني ؛ أي إنسان أخذ مواد أولية من الأرض وصنع منها شيئاً، وعُزي الخلق عندئذٍ إلى الإنسان، فتعريفه كما يلي:الإنسان خالق إذ يصنع من شيء موجود شيئاً على مثال سابق "، فإذا قلت:
﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)﴾
 فهؤلاء الذين يصنعون نماذج في بعض محلات الألبسة، ويضطرون إلى صنع تماثيل يضعون عليها الألبسة، فهذا التمثال إن كان من شمع أو من جِبس أو من أية مادة، اجعله إلى جانب إنسان من لحم ودم ولاحظ الفرق بينهما فهذا إنسان فيه حياة وله فكر وقلب ومشاعر وهو ذكي يستنبط ويحاكم ويفكر ويتفاعل ويغضب، ويخاف ويرجو وله أوعية وشرايين وأعصاب، وعضلات ودماغ وجهاز عصبي، فإذا وازنت بين من يصنع هذا التمثال كي توضع عليه الألبسة، وبين من يخلق هذا الإنسان من لحم ودم، فقُل:
﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)﴾
 وإذا رأيت وردةً طبيعية تفوح برائحة زكية، فأنت تشعر أن قلبك قد هفا إليها، وإن باقة ورد تُضفي على المكان أنساً وفرحاً وسروراً، وإذا دُعي الإنسان إلى عقد قِران رأى الأزهار. وهذه النباتات الطيبة الرائحة بألوان مختلفة دقيقة جداً، ولا تعرفون قيمة التلوين إلا من خلال صنع الحكيم.. فالفراشات والأزهار هي الأساتذة لمهندسي التلوين، فلو نظرت إلى مركبة حديثة جداً، فإنك تجد ألوانها مقتبسة إمّا من زهرة أو من فراشة، يقول العوام " هذا أصفر غير راكز " وهذا لون زهر جميل جداً بينما يمكن تدريج اللون الواحد إلى ثمانمائة ألف درجة والعين البشرية تفرّق بين كل درجتين، وإذا وضعت في بيتك ورداً صناعياً، فبعد أسبوع تضيق ذرعاً به، ولا أعتقد إنساناً إلا بعد فترة أمسك بهذا الورد ووضعه في سلة المهملات، إذ لا يحتمله، رغم منظره الجميل وحجمه الكبير وألوانه الزاهية فالفرقٌ كبيرٌ بين الورد الطبيعي والورد الصناعي، وانظر إلى عين صُنعت لتكون وسيلة إيضاح، و إلى العين البشرية، ففيها مائة وثلاثون مليون عصية فالعصب البصري مؤلف من تسعمائة ألف عصب، فوازن بين آلة تصوير وبين العين، فالعين الواحدة في الثانية تلتقط عشرات الصور ولابد من أن تمحى الصورة الأولى لتأتي مكانها الصورة التالية، و لو أن الصورة تنطبع في العين وتبقى فالرؤية تستحيل كما أنها ترى الحركات والسكنات حتى إن الذي اخترع السينما، قامت لديه على مجموعة صور تُعرض تِباعاً في زمن قصير بحيث تتوهم أنها متحركة، لا. إنما هي صور ثابتة وجامدة، فكذلك العين لابد من أن تنطبع هذه الصورة على الشبكية أولاً، وبعد ذلك تُمحى وتأتي الصورة التي تليها وهناك عتبة للرؤية، وهذه العتبة تُريكَ الأشياء متحركة، فإذا وازنت بين العين وبين آلة تصوير، وبين وردة طبيعية و وردة صناعية وتمثال من شمع وإنسان حقيقي فمجال الموازنة كبير جداً، فإذا أردت أن ترى صنعة الإنسان فلاستخراج خمسة إنشات من الماء حينما تكون في بستان تسمع صوت المحرك يصم الآذان، أما حينما يهطل المطر مدراراً بكميات كبيرة جداً فلا صوت ولا صخب، قال ربنا عز وجل:
﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)﴾
(سورة النمل)
 فالجبال تمر في سرعة السحاب بلا صخب ولا ضجيجها، فإذا قرأت قوله تعالى:
﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)﴾
(سورة المؤمنون)
 إذا فلا غرابة أن يسمى الإنسان خالقاً لأنه صنع من شيء موجود شيئاً على مثال سابق، فإذا قلتك " هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ؟! " تفهم من هذه الآية أنه إذا عُزي الخلق إلى الله فالمعنى أن يخلق الله شيئاً من لا شيء على غير مثال سابق، وشتان بين الخلق على غير مثال سابق وبين من دأبه التقليد على مثال سبق، وعند الله لحم ودم وعظم وعصب وروح، وعند الإنسان صناعة متينة.
 فليس في الكون كله إلا الله يستطيع أن يصنع شيئاً من دون شيء على غَيرّ مثال سابق، أما إذا قلت الإنسان يخلق لشيئ فتجد حقيقته واضحة في قول الله عز وجل:
﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾
(سورة آل عمران من الآية 49)
 أجل. كهيئة الطير وليس طيراً، ومن طين، لا من لحم ودم وروح، إذاً لا تناقض بين الآيتين إذ قال تعالى في الأولى:
﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾
 بينما قال تعالى في الثانية:
﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾
 ولكن الشيء الذي يلفت النظر وسبق لي أن أوضحته أن في القرآن الكريم كلمات إذا جاءت مجتمعة فلها معنى، وإذا جاءت منفصلة عن بعضها فلها معنى آخر، مثلاً: الفقراء والمساكين، هاتان الكلمتان إذا اجتمعتا تفرقتا، وإذا تفرقتا اجتمعتا، أي إذا ذكر الله في القرآن كلمة المساكين فقط، فالمقصود عندئذٍ: الفقراء والمساكين، أما إذا ذكر كلمة الفقراء والمساكين معاً فالفقراء صنف والمساكين وبناءً عليه إذا وردت كلمة خالق وحدها معزوّة إلى الله عز وجل فهو الذي يوجد من العدم على غير مثال سابق، أما إذا قال الله عز وجل:
﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ﴾
 صار " الخلق " هو التقدير، و" البَرء " هو الإيجاد من عدم و " التصوير " إعطاء الصورة.
 وبعد، فقد يسأل سائل: ما علاقتنا بهذه الأبحاث المتعلقة بأسماء الله الحسنى ؟ إنه وقت مناسب جداً لأن أجيب على هذا السؤال، فالإجابة: أنك إذا عرفت أن الله خالق فقط، فهذا تعرفه العامة كذلك إذ لو سألت عامّةَ الناس: مَن خلق الكون ؟ لقالوا: الله، ولكن لو سألتهم: ماذا تعرفون عن الله ؟لوجموا، وهذا ما لابد من بحثه. فأن تعزو خلق الكون إلى الله، هذه قضية أقرَّ بها إبليس، والدليل قال:
﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (81)﴾
(سورة ص)
 فاعترف إبليس أن الله رب وعزيز، ولكن الاعتراف والإقرار لا يكفي، بل المهم هو: ماذا تعرف عن الله عز وجل ؟ وبذلك يظهر إيمانك بالله ودرجة إيمانك به، ولدينا مقياس دقيق وصائب، فهذا الإيمان إذا حملك على طاعة الله فهو كاف كي تنجو به من عذاب الله، أجل إذا حَمَلَكَ إيمانُكَ على طاعة الله فنَمّ قرير العين واطمئِن لأنه ينجيك أما إذا كان بحجمٍ لا يكفي أن يحمِلَكَ على طاعةِ الله فلذلك الضلال المبين أقول لكم كما قال عليه الصلاة والسلام:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ أَنَّ عِبَادِي أَطَاعُونِي لأَسْقَيْتُهُمُ الْمَطَرَ بِاللَّيْلِ وَأَطْلَعْتُ عَلَيْهِمُ الشَّمْسَ بِالنَّهَارِ وَلَمَا أَسْمَعْتُهُمْ صَوْتَ الرَّعْدِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُسْنِ عِبَادَةِ اللَّهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا قَالَ أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ))
(انفرد به أحمد)
 إذاً، إذا اكتفيت أيها القاريء الكريم بمعرفة الله فالطريق أمامك لازال طويلاً، وليس المهم أن يعرف المرء ربه ولا حجم هذه المعرفة بل المهم مردودها، والمردود هو الطاعة لله عز وجل، ولذلك قال بعض العلماء:
﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾
(سورة فاطر من الآية 10)
﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ﴾
 " ما الذي يجعله يصعد إلى الله عز وجل ؟ بالعمل الصالح الذي يرافقه، فلو أن الكلم الطيب خلا من عمل صالح لما صعد إلى الله عز وجل ".
 إذاً: فالذي يرفعك هو عملك الصالح، وعملك الصالح أساسه حجم معرفتك، فمن الممكن أن نُعطي الإيمان كما يقولون حجماً مادياً لنتبيّن الحقيقة، فلو وضعنا الإيمان في كفة، ووضعنا الشهوات في كفة ورجحت كفة الشهوات فالإيمان لا يكفي، والصِراع قائم لا محالة.
 وربنا عز وجل حينما وصف النبي عليه الصلاة والسلام قال:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾
(سورة القلم)
 فالنبي متمكّن من أخلاقه، وقد انعدم أي صراع لديه، أما إذا كان حجم إيمانك بحجم شهواتك، أو كان وزن الإيمان الضاغط عليك كوزن شهواتك الضاغطة عليك، أي كان الوزنان متساويين فقد دخلت في الصِراع بينهما حتماً، أما إذا كان حجم إيمانك أكبر فتنجو من الصِراع وتكون من الفائزين وتقترب من معنى التمكن من الخُلُقْ العظيم.
 وإذا كان حجم الشهوات أكبر فقد ولج المرء باب مدخل ثانِ، ونبدأ عندئذٍ بالسؤال التالي: لماذا أودع الله فينا الشهوات ؟.. فلنتصوّر أولاً أن الإنسان ليس فيه شهوات بل عنده عقل فقط وعقله يأمره أن يتجه إلى الله، فأين العبودية لله، لا تبدو عبوديتك ولا حبك ولا إخلاصك، ولا طاعتك، بل كل حقيقة الحياة الدنيا التي أساسها الابتلاء لا تظهر، إذا ليس لدى المرء شيء من الشهوات فلِحِكمةٍ أرادها الله عز وجل، أودع فيك أيها الإنسان شهوةً وأعطاكَ عقلاً، فالعقل له نِداء والشهوة لها نِداء، فإذا غَلَبَ نِداء الشهوة فسينطبق على هذا الإنسان قوله تعالى:
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ(104)﴾
﴿أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ(108)﴾
(سورة المؤمنون)
 أي غلبت علينا شهوتنا، التي أشقتنا، فسمَّاها بنتائجها، غَلَبَت علينا شهواتنا التي كانت سبب شقائنا، وكنا قوماً ضالين:
﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ(108)﴾
﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)﴾
(سورة المؤمنون)
 إذاً لابد من معرفة أن في الإنسان دافعاً شهوانياً ووازعاً عقلياً فإذا غَلَبَ العقل على الشهوة نجا، وإذا غَلَبَتْ الشهوة على العقل هَلَك ولِحِكمَةٍ أرادها الله أنت مُمتحنٌ دائماً، مُمتحنٌ بين أن تنام وبين أن تٌصلي، فالعقل يقول لك قم فصلِّ، والجسم يقول اخلُد إلى الفراش فأنتَ متعب، تسمع أذان الفجر، فيقول لك العقل قُم فصلِّ هذا وقت الصلاة والصلاة خير من النوم، ويقول لك الجسد ابقَ مستريحاً فقد سهرت طويلاً وأنت إنسان مُتعب، وعليك أن تقوم إلى عملك نشيطاً، فتصلي قضاءً، لاحظ نفسك دائماً فأنت بين نداء الشهوة ونداء العقل فإذا غَلَبَ عقلُكَ نجوت وسَعِدت، وإذا غلبت شهوتك أهلكت نفسك وشقيت.
 لذلك هذا ما قاله الإمام علي كرم الله وجهه " رُكب المَلَكُ من عقل بلا شهوة ورُكب الحيوانُ من شهوة بلا عقل، وركب الإنسان من كليهما فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان ".
 وما تراه عيناك في الدنيا من انحراف الناس وسقوطهم في مهاوي الرذيلة وانغماسهم في الملذّات المُحرّمة، إنما هي معركة انتصرت فيها الشهوة:
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾
(سورة النازعات)
 فلماذا وجدت أسماء الله الحسنى ؟ كي يكون أمر الله عز وجل عظيماً مستمداً من عظمة الله، لا حظ نفسك لو كنت في ثُكنة، فجاءك أمر من عريف، فالأمر له وقع عندك، لو جاء من عريف أول لكان له لوقع آخر، وكلما ارتفعت الرتبة كان وقع الأمر أشد، فلو جاءك أمر من قائد الجيش لبادرت إلى التطبيق خوف العقاب والمسؤولية، فإذاً المشكلة أن أمر الله بين الناس مبذول، والقرآن موجود والعلماء يشرحون كل أمر فلماذا يعصي الإنسان الله عز وجل ؟ لأنه لا يعرف حقيقة الآمر، فلو عرفه لَطَبّقَ الأمر ؛ فإذا عرفنا أسماء الله الحسنى وعرفنا عظمة الله عز وجل عندئذ يعظُم عِندَنا أمرُه وإذا عظّمنا أمره بادرنا إلى تطبيقه، فلذلك: أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً.
((عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كَفَى بِالْمَرْءِ عِلْمًا أَنْ يَخْشَى اللَّهَ وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلا أَنْ يُعْجَبَ بِعِلْمِهِ ))
 وحينما نتلو قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾
(سورة البقرة)
 إذاً لماذا تعبدونه ؟ لأنه الذي خلقكم، وهو سبحانه خالق ورب ومسير فيجب أن تؤمن أنه خالق ورب ومسيّر ويجب أن تؤمن أنه واحدٌ في خلقه، واحدٌ في ربو بيته، واحدٌ في تسييره، فوحدانية الخلق ووحدانية الربوبية، ووحدانية التسيير، هذه هي التي إذا أيقنت بها وعملت لتحقيقها وبمقتضى ما أمرك هذا الخالق نجوت وارتقيت.
 وبالمناسبة، ففهم الاسم شيء وأن تعيشه شيء آخر، أي إذا فهمت أن الله هو الخالق بمعنى أنه خلق الأشياء من غير شيء على غير مثال سابق، فقد تنطلق في الحياة مؤمناً بأن كل ما يجري من فعله وبإرادته.
 وأسماء الله الحسنى منها ما يكون على صيغ مبالغة اسم الفاعل فتعني الكثرة النوعية والعددية، لكنك إذا انطلقت في الحياة العملية، ورأيت زيداً وعُبيداً، وحوادث وأفعالاً، ونسيت أن الله هو الذي يخلق كل هذا ويفعله وتجري به إرادته، فعندئذٍ نقول لك أنت فهمت معنى الخالق ولكن لم تعش هذا الاسم ولم تفكر به. وبعد فإن السعادة الكبرى الحقيقية، ليست في فهم تعريفات هذه الأسماء ولكن في أن تعيشها، ولا يمكن لك ذلك إلا إذا اجتهدت وجاهدت نفسك وهواها، وفي ممارسة العمل الصالح وبذل الغالي والرخيص والنفس والنفيس وعندئذ تُقبِل على الله عز وجل، وإذا أَقبلت عليه فهو يلقي في قلبك المعرفة والسكينة والطمأنينة، وعندئذ ترى الله في كل شيء.
 لا أريد أن يبقى الدرس كما يقولون أكاديمياً، أي معلومات وتعريفات أملأ بها صفحات الكتاب، بل أريد أن يعيش أحدنا هذه الأسماء، وهذا ينقلنا إلى أنَّ المعلم يختلف عن المربي فالمعلم إنسان يلقي على الناس حقائق، وأدلة، ومعلومات منظمة، ومبوبة، ومرتبة، ومصنفة مع أدلة قطعية، ونقلية، وعقلية، وواقعية، و فطرية، والبحث منظم ومبوّب، و ومبرمج، فهو والله موضوع لطيف، ولكن الذي يسعى إلى أن يصطبغ بِصِبغة هذا العلم، والذي يسعى ؛ ليكون في مستوى هذه الأسماء ؛ وأن تمتزج بها نفسه لا أن يفهم تعريفاتها فقط، هو المربي، فأنت أيها القاريء الكريم حاول إذا علّمت الناس أن تكون مربياً ؛ لأن كل مربِّ هو في الأصل معلم، لكن المعلم وحده لا يكفي لملء فراغ النفوس والأفهام، فالكلمة الأخيرة إذاً ترتكز حول اسم الخالق بين أن تفهم تعريفه النظري، أو أن تفهم هذا الاسم، وأن تعيشه مدى الحياة.
 لقد ضربت على هذا مثلاً، مفاده أن الإنسان إذا قرأ قوله تعالى:
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)﴾
(سورة الأحزاب)
 وهذا أخ مستقيم على أمر الله، وله صديق غارق في معصية الله لكن هذا الصديق ذو بحبوحة كبيرة، ويغبطه صديقه المستقيم على ماله ورخائه وصحته الجيدة، بينما المستقيم يعاني من كذا وكذا، ويذكره إخوة له صادقون معه: أنت مستقيم وهو غير مستقيم وتقول هنيئاً له !!. فإذاً هذا وإن قرأ هذه الآية مرات ومرات:
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)﴾
 ولم يعِش مفهوها ولا تأثر بمعناها فما فهم منها شيئاً.
 إن الفرق كبير جداً بين أن تفهم أسماء الله الحسنى بحدودها وتعريفاتها والفرق بينها وبعض الأدلة وأقوال العلماء فيها، وبين أن تعيش هذه الأسماء، فإذا تأملّت الكون وعرفت الله عز وجل وبذلت جهداً كبيراً في طاعته، وفي التقرّب إليه فقد عاد عليك ذلك بالخير الكثير، وهو أنَّ الله يملأ قلبك غنى، ونفسك بصيرةً، وترى عندئذٍ ما لا يراه الآخرون، وتسمع ما لا يسمعون فهذا هو التمييز، فإذا أردنا أن نُقرر حقيقة وهي أن هذه الأسماء الحسنى ينبغي ألا نكتفي بفهم مدلولاتها وحدودها، وأبعادها وتعريفاتها وما تعنيه في المعاني العامة والخاصة ولكن ينبغي أن نعيشها ونمتزج بها.
 ولابد من أن يكون هناك اتصال بالله عز وجل، حتى تعيش، أيها القاريء الكريم، هذه الأسماء وحتى تشعر أنك مع الله دائماً، وإذا كان الله معك فمن عليك، هذا الذي قاله الإمام الغزالي، ومن ثم فلتعلم أن هناك عِلماً بأمر الله وعِلماً بخلق الله، وآخر بالله.
 العلم بأمر الله وبخلق الله يحتاج إلى مدارسة كتابٍ نقرؤه ونحفظه ونفهمه: أي نعيد ونكرر ونتذكر ونكتب، ثم نؤدي فحصاً ونأخذ شهادة فهذه المُدارسة عن طريق الكتاب والقراءة والمراجعة والفهم والتلقي والإلقاء وما شاكَلَ ذلك، هذه المُدارسة تؤدي إلى حفظ المعلومات، ولكن أين تُحْفَظ ؟ إنها تُحْفَظ في الدماغ !.
 ولكن المُجاهدة، وغض البصر، إنفاق المال، وبِرّ الوالدين والصدقة النافلة غير الزكاة، وقيام الليل، وإتقان الصلوات، وكثرة الذِكر وتِلاوة القرآن فهذه اسمُها مجاهدة للنفس وطاعة لله، ثم إذا عَزَفْتَ عن رحلة لا تُرضي الله وعن حفلة لا تُرضي الله، وطعام شهي جداً ولكن حوله حوله مجتمع اختلاطٍ وقُلت: مَعَاذَ الله، فهذه هي المُجاهدة للنفس لردها عن سُبل الهوى، أي أن تُجاهد نفسك وهَوَاك، ومن شأنِها أن تصلك بالله، وإذا اتصلت بالله عز وجل جاءتكَ أنواره وسكينته، وجاءتك السعادة، والبصيرة النافذة، فالإنسان المؤمن شخصية فذة، أي يتمتع برؤية صحيحة، فيرى حقائق الأشياء، وبواِطنَها، و ما تنطوي عليه و أبعادها الحقيقية و خلفياتها الغائبة عن معظم الناس، فهذه البصيرة خاصة بالمؤمنين ؛ لأن الله سبحانه وتعالى ألقى في قلوبهم النور والدليل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(28)﴾
(سورة الحديد)
 أجل، هذه خاصّة بالمؤمن، فإن الله يعطي السكينة أصفياءه المؤمنين بقدر، والمؤمن شخصية فذة، و حينما يجاهد نفسه وهواه يأتيه الجواب، وتأتيه ثمرات جهاده، وهي نورٌ في قلبه، وبصيرةٌ نافذة، فقلبٌ واثق بالله عز وجل، وكلامٌ سديد، وتفكيرٌ صحيح، وموقفٌ متوازن فهو شخصيةٌ واثقة بالله لا تنهار سريعاً لأنه حصل على هذه الثِمار، وأفاد مما فيها.
 ولذلك فمعرفة الله عز وجل طريقها المُجاهدة، لكن معرفة شرعه أو معرفة خلقه فطريقها المُدارسة، فبين المُدارسة والمُجاهدة بونٌ شاسع، والمُدارسة لا تُكلّف كثيراً فقد تحتاج إلى طاولة وكتاب وقلم، وقد تكون أنتَ في واد والكتاب في واد، ولهذا فقد يأخذ الإنسان أعلى الشهادات وهو غارق في أحط الشهوات، أما إذا جاهَدَ نفسه وهواه فقد اصطبغ بِصِبغة الله عز وجل، أي شَعَرَ في نفسه سمواً وعن شهواته تنائِياً وتصعيداً، وفي ميولِهِ شرفاً فتُصبح هذه مقدّسة، وفي تفكيره دقة، وفي كلامه سداداً، وفي مواقفه أخلاقاً وشرفاً.
 إذاً كل ثمار الدين تأتي من معرفة الله، ومعرفة الله ثمنها المجاهدة، فالذي يتمنى أن يعيش هذه الأسماء، لا أن يعرف مدلولاتها وأحكامها وأبعادها ومعانيها الدقيقة بشكل نظري فقط فعليه أن يعيش هذه الأسماء بشكل عملي، وأحياناً المؤمن يرى يد الله تعمل في الخفاء، فكل شيء يشاهده أو كل قصة يسمعها أو كل حادث يراه، إنما يفهمه فهماً من خلال شعوره أن الله يرقبه ويصحبه، وأن الله خالق كل شيء.
 إذاً: أردتُ في خِضَمِّ الحديث عن أسماء الله الحسنى أن أقف وقفة قصيرة حول الجدوى التي تُعلَّق عليها الآمال من معرفة أسماء الله الحسنى، فالمعلومات النظرية قضية سهلة جداً، فأي إنسان حتى من غير المسلمين، بإمكانه أن يقرأ و يحفظ، و يكتب، و يجيب و يأخذ شهادة بهذا الموضوع، أما أن تُجاهد نفسك وهواك كي تعقد مع الله صِلة، فهذه الصِلة إذا انعقدت أتاك منها كل خير، ولذلك يقول النبي:
((عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ وَالصَّلاةُ نُورُ الْمُؤْمِنِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ ))
(انفرد به ابن ماجة)
(( والصلاة طهور ))
(( والصلاة حبور ))
 أما أنها طَهور، فمستحيل للمصلي أن يحقد أو يتكبر أو يكون ذا أثرة أو يكون مستعلياً، وأنا أقول دائماً: للإعراض عن الله أعراض! ومِنْ أعراض الإعراض التكبر، والعلو والإستكبار والعنجهية والغطرسة وحب الذات، والدناءَة أحياناً، وأن تأخذ ما ليس لك،و أن تتمنى أن تكون فوق الناس جميعاً، هذه كلها أعراض الإعراض، فإذا حصل اتصال بالله عز وجل، عُدتَ إلى حجمك الحقيقي، حجم العبودية، وشعرت أن الله عز وجل عليك رقيب وأن الله معك، وفي الحديث الشريف:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مَا الإِيمَانُ قَالَ الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ قَالَ مَا الإِسْلامُ قَالَ الإِسْلامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ قَالَ مَا الإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ))
(متفق عليه)
 والنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا نظر في المرآة يقول:
((عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي ))
(انفرد به أحمد)
 فإذاً ليشَكَرَ الإنسان الله عز وجل على أن أعطاه قَواماً ورأساً فيه سمع وبصر وفم ولسان وأنف، وهذا الخَلْقُ السوي الكامل من نِعَمِ الله عز وجل كذلك حتى إذا جاءه مولود ورآه كامل الخِلْقَة فهذا من فضل الله عز وجل أيضاً، وهذا هو معنى المصور، أي جعله صورةً حسنةً، فلو أن الوجه الحسن ـ كما قال عليه الصلاة والسلام ـ رجل لكان رجلاً صالحاً ولو أن الوجه السيئ رجل لكان رجلاً سيئاً.
 إذاً: لازِلنا في الحديث عن أن معرفة أسماء الله الحسنى من حيث إنها معلومات فهذا وجه، ومن حيث أن تسعى ؛ لأن تعقد صلة مع الله عز وجل وجه آخر ؛ لأنك عندئذ تعيش هذه الأسماء، وحينما تعيشها تشعر بعظمة هذا الدين، والإنسان وقته ثمين جداً، والعُمر لا يحتمل تجارب كثيرة خاطئة، قال عليه الصلاة والسلام لرجل كيف أصبحت يا زيد قال أصبحت أحب الله ورسوله... والحديث طويل: وكأني بأهل الجنة يتنعمون، وبأهل النار يتصايحون، وأصبحت بعرش ربي بارزاً.. قال عبد نَوَّرَ الله قلبه بالإيمان عرفت فالزم.
 فالإنسان معنيٌ، أن يرى بعينيه أن هذا الكون من خلق الله وأن الله سبحانه وتعالى ربه، وأنَّ الله سبحانه وتعالى مُسيّره، وأنَّ كل شيء وقع أراده الله، وأن الله عز وجل أراده لحكمة بالغة، ولو لم يكن هذا الشيء لكان نقصاً في الحكمة وكان الله سبحانه وتعالى ملوماً من عباده يوم القيامة، قال تعالى:
﴿وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾
(سورة القصص)
 فأسماء الله الثلاثة الخالق والبارئ والمصور، أسماء متلازمة متآلفة في غايتها تجمع بينها آصرة واحدة هي العلاقة الوشيجة لعملية الخلق ؛ خلقاً وبرءاً وتصويراً والمصور ؛ أن الله عز وجل أعطى كل شيء صورته، ليس معنى الصورة الشكل الخارجي بل القَوام الكامل:
﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)﴾
(سورة غافر)
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾
(سورة التين)
 فمعنى التصوير يعني أعطاك الشكل الكامل طولاً وعرضاً وارتفاعاً وعمقاً، فالنملة لها صورة، والفيل والحوت والإنسان، وكل مخلوق له صورة، والله سبحانه وتعالى هو المصور، يقول الله عز وجل:
﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)﴾
(سورة آل عمران)
 وهذا من معاني اسم المصور ؛ وأيضاً فهذا الجنين في بطن أمه حينما تشق عيناه ويشق سمعه، ويُعطى رأسُه حجماً، وجسمه حجماً وله جلد و أعضاء وحركات، فهذا من التصوير، وليس هناك فصل بين الخلق والتصوير إلا فصل نظري، فالخلق والتصوير يَتِمّان في وقت واحد