الثلاثاء، 6 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الجنائز : الأعمال التي تنفع الميت


الأعمال التي تنفع الميت

وهل يجوز إهداء الثواب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
من المتفق عليه: أن الميت ينتفع بما كان سببا فيه من أعمال البر في حياته، لما رواه مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» وروى ابن ماجه عنه: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علما علمه ونشره، أو ولدا صالحا تركه أو مصحفا ورثه. أو مسجدا بناه، أو بيتا بناه لابن السبيل أو نهرا أكراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلخه من بعد موته».
وروى مسلم عن جرير بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها، ووزر من يعمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شئ»
أما ما ينتفع به من أعمال البر الصادرة عن غيره فبيانها فيما يلي:

.1- الدعاء والاستغفار له:
وهذا مجمع عليه لقول الله تعالى: {والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}، وتقدم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء» وحفظ من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر لحينا وميتنا» ولا زال السلف والخلف يدعون للاموات ويسألون لهم الرحمة والغفران دون إنكار من أحد.

2- الصدقة:
وقد حكى النووي الاجماع على أنها تقع عن الميت ويصله ثوابها سواء كانت من ولد أو غيره، لما رواه أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «إن أبي مات وترك مالا ولم يوص، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم».
وعن الحسن عن سعد بن عبادة أن امه ماتت.
فقال: «يارسول الله: إن أمي ماتت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء» قال الحسن: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة رواه أحمد والنسائي وغيرهما.
ولا يشرع إخراجها عند المقابر، ويكره إخراجها مع الجنازة.

.3- الصوم:
لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: «لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها»؟ قال: نعم.
قال: «فدين الله أحق أن يقضى».

.4- الحج:
لما رواه البخاري عن ابن عباس: أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: «حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضيته؟ اقضوا فالله أحق بالقضاء».

.5- الصلاة:
لما رواه الدار قطني أن رجلا قال: يارسول الله، إنه كان لي أبوان أبرهما في حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إن من البر بعد الموت أن تصلي لهما مع صلاتك، وأن تصوم لهما مع صيامك».

.6- قراءة القرآن:
وهذا رأي الجمهور من أهل السنة.
قال النووي: المشهور من مذهب الشافعي: أنه لا يصل.
وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل.
فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه: اللهم أوصل مثل ثواب ما قرأته إلى فلان.
وفي المغني لابن قدامة: قال أحمد بن حنبل، الميت يصل إليه كل شيء من الخير، للنصوص الواردة فيه، ولان المسلمين يجتمعون في كل مصر ويقرءون ويهدون لموتاهم من غير نكير، فكان إجماعا.
والقائلون بوصول ثواب القراءة إلى الميت، يشترطون أن لا يأخذ القارئ على قراءته أجرا.
فإن أخذ القارئ أجرا على قراءته حرم على المعطي والاخذ ولا ثواب له على قراءته، لما رواه أحمد والطبراني والبيهقي عن عبد الرحمن ابن شبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقرءوا القرآن، واعملوا...ولا تجفوا عنه ولا تغفلوا فيه، ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به».
قال ابن القيم: والعبادات قسمان: مالية وبدنية، وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصدقة على وصول سائر العبادات المالية، ونبه بوصول ثواب الصوم على وصول سائر العبادات البدنية، وأخبر بوصول ثواب الحج المركب من المالية والبدنية، فالانواع الثلاثة ثابتة بالنص والاعتبار.

.اشتراط النية ولابد من نية الفعل على الميت.
قال ابن عقيل: إذا فعل طاعة من صلاة صيام وقراءة قرآن وأهداها، بأن جعل ثوابها للميت المسلم، فإنه يصل إليه ذلك وينفعه، بشرط أن تتقدم نية الهدية على الطاعة وتقارنها. ورجح هذا ابن القيم.

.أفضل ما يهدى للميت:
قال ابن القيم: قيل الأفضل ما كان أنفع في أنفسه، فالعتق عنه، والصدقة أفضل من الصيام عنه، وأفضل الصدقة ما صادفت حاجة من المتصدق عليه وكانت دائمة مستمرة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة سقي الماء» وهذا في موضع يقل فيه الماء ويكثر فيه العطش، وإلا فسقي الماء على الأنهار والقنى لا يكون أفضل من إطعام الطعام عند الحاجة، وكذلك الدعاء والاستغفار له إذا كان بصدق من الداعي وإخلاص وتضرع، فهو في موضعه أفضل من الصدقة عنه كالصلاة على الجنازة، والوقوف للدعاء على قبره.
وبالجملة: فأفضل ما يهدى إلى الميت العتق والصدقة والاستغفار والدعاء له والحج عنه.

.اهداء الثواب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال ابن القيم: قيل: من الفقهاء المتأخرين من استحبه، ومنهم من لم يستحبه ورآه بدعة، فإن الصحابة لم يكونوا يفعلونه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم له أجر كل من عمل خيرا من أمته من غير أن ينقص من أجر العامل شيء لأنه الذي دل أمته على كل خير وأرشدهم ودعاهم إليه، ومن دعا إلى هدي فله من الاجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم، وكل هدي وعلم، فإنما نالته أمته على يده، فله مثل أجر من اتبعه، أهداه إليه أو لم يهده