الجبرية
الجبر: هو نفي الفعل حقيقة عن العبد، وإضافته إلى الرب تعالى، والجبرية أصناف: فالجبرية الخالصة: هي التي لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلاً، والجبرية المتوسطة: هي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة أصلاً، فأما من أثبت للقدرة أثراً ما في الفعل وسمى ذلك كسباً فليس بجبري.
والمعتزلة يسمون من لم يثبت للقدرة الحادثة أثراً في الإبداع والإحداث استقلالاً: جبرياً ،ويلزمهم أن يسموا من قال من أصحابهم بأن المتولدات أفعال لا فاعل لها: جبرياً إذ لم يثبتوا للقدرة الحادثة فيها أثراً.
والمصنفون في المقالات عدوا النجارية والضرارية: من الجبرية وكذلك جماعة الكلابية: من الصفاتية. والأشعرية سموهم تارة حشوية وتارة جبرية. ونحن سمعنا إقرارهم على أصحابهم من النجارية والضرارية فعددناهم من الجبرية، ولم نسمع إقرارهم على غيرهم فعددناهم من الصفاتية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجهمية
أصحاب جهم بن صفوان، وهو من الجبرية الخالصة.ظهرت بدعته بترمذ، وقتله سالم بن أحوز المازني بمرو في آخر ملك بني أمية، وافق المعتزلة في نفي الصفات الأزلية ،وزاد عليهم بأشياء: منها قوله: لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه؛ لأن ذلك يقضي تشبيهاً فنفى كونه: حياً عالماً وأثبت كونه: قادراً فاعلاً خالقاً لأنه لا يوصف شيء من خلقه: بالقدرة والفعل والخلق.
ومنها لإثباته علوماً حادثة للباري تعالى لا في محل قال: لا يجوز أن يعلم الشيء قبل خلقه لأنه لو علم ثم خلق! أفبقي علمه على ما كان؟ أم لم يبق؟ فإن بقى فهو جهل، فإن العلم بأن سيوجد غير العلم بأن قد وجد، وإن لم يبق فقد تغير والمتغير مخلوق ليس بقديم.
ووافق في هذا مذهب ،هشام بن الحكم كما تقرر قال: وإذا ثبت حدوث العلم فليس يخلو: إما أن يحدث في ذاته تعالى، وذلك يؤدي إلى التغير في ذاته، وأن يكون محلاً للحوادث ،وإما أن يحدث في محل، فيكون المحل موصوفا به لا الباري تعالى.فتعين أنه لا محل له فأثبت علوما حادثة بعدد الموجودات المعلومة.
ومنها قوله في القدرة الحادثة: إن الإنسان لا يقدر على شيء ،ولا يوصف بالاستطاعة، وإنما هو مجبور في أفعاله: لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار، وإنما يخلق الله تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات، وتنسب إليه الأفعال مجازاً، كما تنسب إلى الجمادات، كما يقال: أثمرت الأشجار، وجرى الماء، وتحرك الحجر، وطلعت الشمس وغربت، وتغيمت السماء وأمطرت، واهتزت الأرض وأنبتت إلى غير ذلك.
والثواب والعقاب جبر كما أن الأفعال كلها جبر قال: وإذا ثبت الجبر فالتكليف أيضاً كان جبراً.
ومنها قوله: إن حركات أهل الخلدين تنقطع، والجنة والنار تفنيان بعد دخول أهلهما فيهما وتلذذ أهل الجنة بنعيمها وتألم أهل النار بحميمها، إذ لا تتصور حركات لا تتناهى آخراً ،كما لا تتصور حركات لا تتناهى أولاً، وحمل قوله تعالى:{ خالدين فيها }على المبالغة والتأكيد دون الحقيقة في التخليد ،كما يقول: خلد الله ملك فلان واستشهد على الانقطاع بقوله تعالى: { خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك}[هود:108]"فالآية اشتملت على شريطة واستثناء.والخلود والتأييد لا شرط فيه ولا استثناء.
ومنها قوله: من أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه لم يكفر بجحده، لأن العلم والمعرفة لا يزلان بالجحد فهو مؤمن، قال: ولا يتفاضل أهله فيه، فإيمان الأنبياء وإيمان الأمة على نمط واحد، إذ المعارف لا تتفاضل. وكان السلف كلهم من أشد الرادين عليه. ونسبته إلى التعطيل المحض.وهو أيضاً موافق للمعتزلة في نفي الرؤية وإثبات خلق الكلام وإيجاب المعارف بالعقل قبل ورود السمع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النجارية
أصحاب الحسين بن محمد النجار، وأكثر معتزلة الري وما حواليها على مذهبه، وهم وإن اختلفوا أصنافاّ إلا أنهم لم يختلفوا في المسائل التي عددناها أصولاً، وهم برغوثية ،وزعفرانية ،ومستدركة، وافقوا المعتزلة في نفي الصفات: من العلم ،والقدرة، والإرادة، والحياة، والسمع، والبصر ووافقوا الصفاتية في خلق الأعمال.
قال النجار: الباري تعالى مريد لنفسه كما هو عالم لنفسه، فألزم عموم التعلق فالتزم وقال: هو مريد الخير والشر والنفع والضر. وقال أيضاً: معنى كونه مريداً أنه غير مستكره ولا مغلوب.
وقال: هو خالق أعمال العباد: خيرها وشرها حسنها وقبيحها والعبد مكتسب لها،وأثبت تأثيراً للقدرة الحادثة وسمى ذلك كسباً، على حسب ما يثبته الأشعري ووافقه أيضاً في أن الاستطاعة مع الفعل.
وأما في مسألة الرؤية، فأنكر رؤية الله تعالى بالأبصار وأحالها، غير أنه قال: يجوز أن يحول الله تعالى القوة التي في القلب - من المعرفة - إلى العين فيعرف الله تعالى بها فيكون ذلك رؤية.
وقال بحدوث الكلام، لكنه انفرد عن المعتزلة بأشياء: منها قوله: إن كلام الباري تعالى إذا قرئ فهو عرض وإذا كتب فهو جسم.
ومن العجب أن الزعفرانية قالت: كلام الله غيره، وكل ما هو غيره فهو مخلوق، ومع ذلك قالت: كل من قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر، ولعلهم أرادوا بذلك: الاختلاف وإلا فالتناقض ظاهر.
والمستدركة منهم زعموا: أن كلامه غيره، وهو مخلوق لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كلام الله غير مخلوق " والسلف عن آخرهم أجمعوا على هذه العبارة فوافقناهم وحملنا قولهم غير مخلوق أي: على هذا الترتيب والنظم من الحروف والأصوات؛ بل هو مخلوق غير هذه الحروف بعينها وهذه حكاية عنها.
وحكى الكعبي عن النجار أنه قال: الباري تعالى بكل مكان ذاتاً،ووجوداً لا معنى العلم والقدرة،وألزمه محالات على ذلك. وقال في المفكر قبل ورود السمع مثل ما قالت المعتزلة: أنه يجب عليه تحصيل المعرفة بالنظر والاستدلال.
وقال في الإيمان إنه عبارة عن التصديق، ومن ارتكب كبيرة ومات عليها من غير توبة عوقب على ذلك ،ويجب أن يخرج من النار، فليس من العدل التسوية بينه وبين الكفار في الخلود.
ومحمد بن عيسى الملقب ببرغوث، وبشر بن غياث المريسي والحسين النجار: متقاربون في المذهب،وكلهم أثبتوا كونه تعالى مريداً - لم يزل - لكل ما علم أنه سيحدث من: خير وشر وإيمان وكفر، وطاعة ومعصية،وعامة المعتزلة يأبون ذلك