الأربعاء، 14 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الأيمان : الأيمان وتعريفها


الأيمان وتعريفها

.تعريفها:
الإيمان: جمع يمين، وهو اليد المقابلة لليد اليسرى، وسمي بها الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل بيمين صاحبه، وقيل: لأنها تحفظ الشئ كما تحفظه اليمين.
ومعنى اليمين في الشرع:
تحقيق الأمر أو توكيده بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته.
أو هو عقد يقوي به الحالف عزمه على الفعل أو الترك.
واليمين والحلف والإبلاء والقسم بمعنى واحد.

.اليمين لا تكون إلا بذكر الله أو صفة من صفاته:
ولا يكون الحلف إلا بذكر اسم الله أو صفة من صفاته سواء أكانت صفات ذات أم صفات أفعال، كقوله: والله وعزة الله وعظمته وكبريائه وقدرته وإرادته وعلمه وكذا لحلف بالمصحف أو القرآن أو سورة أو آية منه:
وفي القرآن الكريم يقول الله سبحانه: {وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون}.
ويقول: {فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين}.
وعن ابن عمر، رضي الله عنهما قال: كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم: «لا، ومقلب القلوب».
وعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه قال: كان رسول الله، صلى الله صلى الله عليه وسلم، إذا اجتهد في الدعاء قال: «والذي نفس أبي القاسم بيده» رواه أبو داود.
أيم الله وعمر الله وأقسمت عليك قسم: أيم الله يمين، لأنها بمعنى: والله - أو: وحق الله.
ويمين الله، يمين عند الأحناف والمالكية، لأن معناها: أحلف بالله.
وقالت الشافعية: لا تكون يمينا إلا بالنية، فإن نوى الحالف اليمين انعقدت، وإن لم ينو لم تنعقد.
وعند أحمد: روايتان، أصحهما أنها تنعقد.
وعمر الله يمين عند الأحناف والمالكية، لأنها بمعنى: وحياة الله وبقائه.
وقال الشافعي، رضي الله عنه وأحمد وإسحاق: لا يكون يمينا إلا بالنية.
وكلمة أقسمت عليك - وأقسمت بالله، يرى بعض العلماء أنه يكون يمينا مطلقا، ويرى أكثرهم أنه لا يكون يمينا إلا بالنية.
وذهبت الشافعية إلى أن ما ذكر فيه اسم الله يكون يمينا.
وأن ما لم يذكر فيه اسم الله لا يكون يمينا، وإن نوى اليمين.
وقال مالك، رضي الله عنه: إن قال الحالف: أقسمت بالله كان يمينا، وإن قال: أقسمت أو أقسمت عليك، فإنه في هذه الصورة لا يكون يمينا إلا بالنية.

.الحلف بأيمان المسلمين:
الحلف بأيمان المسلمين لا يلزم به شئ، ومن حلف فقال: إن فعلت كذا فعلي صيام شهر أو الحج إلى بيت الله الحرام.
أو قال: إن فعلت كذا فالحلال علي حرام.
أو قال: إن فعلت كذا فكل ما أملكه صدقة.
فهذا وأمثاله فيه كفارة يمين متى حنث، وهو أظهر أقوال العلماء - وقيل: لا شيء فيه.
وقيل: إذا حنث لزمه ما علقه وحلف به.
الحلف بأنه غير مسلم - أو الحلف بالبراءة من الإسلام: من حلف أنه يهودي أو نصراني أو أنه برئ من الله أو من رسوله صلى الله عليه وسلم إن فعل كذا ففعله.
فقال جماعة من العلماء منهم الشافعي: ليس هذا بيمين ولا كفارة عليه، لأن النصوص اقتصرت على التهديد والزجر الشديد.
وروى أبو داود والنسائي عن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف فقال: إني برئ من الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال. وإن كان صادقا فلن يرجع إلى الإسلام سالما».
وعن ثابت بن الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال».
وذهب الأحناف وأحمد وإسحاق وسفيان والاوزاعي: إلى أنه يمين، وعليه الكفارة إن حنث.

.الحلف بغير الله محظور:
وإذا كانت اليمين لا تكون إذا بذكر اسم الله أو ذكر صفة من صفاته، فإنه يحرم الحلف بغير ذلك، لأن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به، والله وحده هو المختص بالتعظيم.
فمن حلف بغير الله فأقسم بالنبي أو الولي أو الأب أو الكعبة أو ما شابه ذلك، فإن يمينه لا تنعقد، ولا كفارة عليه إذا حنث، وأثم بتعظيمه غير الله.
1- عن ابن عمر، رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك عمر رضي الله عنه في ركب وهو يحلف بأبيه، فناداهم الرسول صلى الله عليه وسلم: «ألا إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم. فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت قال عمر: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها. ذاكرا ولا آثرا».
2- وسمع ابن عمر، رضي الله عنهما رجلا يحلف: لا، والكعبة، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حلف بغير الله فقد أشرك».
3- وعن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حلف منكم فقال في حلفه: باللات والعزى: فليقل: لا إله إلا الله. ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق».
4- وعند أبي داود «من حلف بالأمانة فليس منا» أي ليس على طريقتنا.
- وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالانداد - أي الاصنام - ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون» رواه أبو داود والنسائي عن أبي هريرة.
.الحلف بغير الله دون تعظيم المحلوف به:
جاء النهي عن الحلف بغير الله إذا كان يقصد بذكره التعظيم، كالحالف بالله يقصد بذكره تعظيمه.
أما إذا لم يقصد التعظيم، بل قصد تأكيد الكلام فهو مكروه من أجل المشابهة، ولأنه يشعر بتعظيم غير الله.
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم للاعرابي: «أفلح وأبيه».
قال البيهقي: إن ذلك كان يقع من العرب ويجري على ألسنتهم من دون قصد.
وأيد النووي هذا الرأي وقال: إنه هو الجواب المرضي.

.قسم الله بالمخلوقات:
كان العرب يهتمون بالكلام المبدوء بالقسم فيلقون إليه السمع مصغين، لأنهم يرون أن قسم المتكلم دليل على عظم الاهتمام بما يريد أن يتكلم به، وأنه أقسم ليؤكد كلامه.
وعلى هذا جاء القرآن يقسم بأشياء كثيرة، منها القرآن، كقوله تعالى: {والقرآن المجيد}.
ومنها بعض المخلوقات مثل: {والشمس وضحاها} {والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى}.
وإنما كان ذلك لحكم كثيرة في المقسم به والمقسم عليه.
من هذه الحكم: لفت النظر إلى مواضع العبرة في هذه الاشياء بالقسم بها، والحث على تأملها، حتى يصلوا إلى وجه الصواب فيها.
فقد أقسم سبحانه وتعالى بالقرآن لبيان أنه كلام الله حقا وبه كل أسباب السعادة.
وأقسم بالملائكة لبيان أنهم عباد الله خاضعون له، وليسوا بآلهة يعبدون.
وأقسم بالشمس والقمر والنجوم لما فيها من الفوائد والمنافع، وأن تغيرها من حال إلى حال يدل على حدوثها، وأن لها خالقا وصانعا حكيما، فلا يصح الغفلة عن شكره والتوجه إليه.
وأقسم بالريح والطور والقلم والسماء ذات البروج إذ أن ذلك كله من آيات الله التي يجب التوجه إليها بالفكر والنظر.
أما المقسم عليه فأهمه: وحدانية الله، ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعث الاجساد مرة أخرى، ويوم القيامة.
لان هذه هي أسس الدين التي يجب أن تعمق جذورها في النفس.
والقسم بالمخلوقات مما اختص الله به.
أما نحن البشر فلا يصح لنا أن نقسم إلا بالله أو بصفة من صفاته على النحو المتقدم ذكره.