الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : الغني و المغنى

الغني و المغنى

مع الدرس الخامس والستين من دروس أسماء الله الحُسنى، والاسم اليوم هو اسم الغني والمُغني.
الغنيُّ والمُغني: اسمان من أسماء الله الحُسنى، إلا أنَّ أكثر الذين بحثوا في هذين الاسمين ؛ بحثوا فيهما معاً، وذكروهما معاً، فكان الجمع بينهما من تقليد العلماء الذين درسوا أسماء الله الحُسنى، لذلك الاسم اليوم الغني والمُغني، والأصح أن نقول الاسمان اليوم الغنيُّ والمغني.
 الغنى - كما تعلمون - ضدُّ الفقر، والغنى له معانٍ عديدة.. أحدها عدم الحاجة إطلاقاً، وليس ذلك إلا لله تعالى. الله وحده الذي لا يحتاج إلى أحد، بل إنَّ الله وحده يحتاجه كلُّ شيء في كلِّ شيء. الله وحده لا يحتاج أحداً، إذاً غنيّ.. غنيٌ عن خلقه، آمنوا، كفروا، أحسنوا، أساءوا، قدَّروا لم يُقدِّروا، عرفوا جهلوا، جحدوا، ألحدوا، غنيٌ عن خلقه، فقد قال تعالى:
﴿إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)﴾
(سورة إبراهيم)
 شأن المخلوق أنَّه يحتاج ربَّه في كلِّ شيء، شأن العبد أنَّه يحتاج ربَّه في كلِّ شيء، وشأن الربِّ أنَّه لا يحتاج أحداً.
 لذلك أيُّها الإخوة: كتطبيقٍ سريعٍ لهذا الاسم.. كلَّما استغنيت عن الناس، شعرت براحةٍ نفسيّة. كلَّما استغنيت عن ما في أيدي الناس، أحبَّك الناس. كلَّما استغنيت عن أموالهم، وعن عطاءاتهم، وعن ما يخصُّونك به، شعرت بكرامة. دققوا في هذه الأقوال الثلاثة.. احتج إلى الرجل تكن أسيره، أحسن إليه تكن أميره، استغنِ عنه تكن نظيره. لذلك من بعض الأدعية اللطيفة: اللهمَّ لا تجعل حوائجنا إلا إليك، ودُلَّنا بك عليك.
 الغنيُّ هو الذي لا يحتاج أحداً، وهذه ليست إلا لله. أما العبد فإنه يحتاج، إلا أنَّه إذا احتاج إلى ربِّه بقي عزيزاً، أما إذا احتاج إلى عبيده كان ذليلاً لهم.
 الإمام الحسن البصري من كبار التابعين وله هيبةٌ لا توصف، وله مكانةٌ عليَّة، سُئِلَ مرةً بِمَ نِلت هذا المقام ؟ قال: باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي.
 أما إذا تعلَّم الإنسان العلم الشرعي، ثم احتاج إلى دنيا الناس واستغنوا عن علمه، فو الله هذا منتهى الذل.. أن يستغني الناس عن علمك، وأن تحتاج إلى دنياهم، لكنَّ الإمام الحسن البصري نال هذا المقام الرفيع باستغنائه عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمه.
 والحقيقة: اسم الغني.. والمؤمن إذا أقبل على الله عزَّ وجلَّ، يشتقُّ من هذا الاسم شيئاً، يشعر أنَّه غنيٌ عن المطامع. الطمع أذلَّ رقاب الرجال، غنيٌ عن ما في أيدي الناس، لا يشتهي ما لا يجد.. لي صديقٌ كان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظَّمه في عيني صِغرُ الدنيا في عينيه، كان لا يشتهي ما لا يجد، ولا يُكثر إذا وجد. خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً.. من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر.
 الله غنيّ.. لا يحتاج إلى خلقه. المؤمن باتصاله بالله عزَّ وجلَّ يشتقُّ من هذا الاسم شيئاً، يصبح غنياً عن الناس، لا ينظر إلى ما عندهم. الإنسان يدخل إلى أحد البيوت، تجده ينظر إلى كل ما فيه من أشياء ويسأل: كم ثمن هذه الثُريّا، ومن أين اشتريت هذه، وكيف حصَّلت هذه ؟ تشعر بضعفه وتشعر بدنوّه.. أما هناك إنساناً لا يأبه بكلِّ هذه المظاهر.. ربما يركب مركبة فخمة فلا بدَّ من أن يسأل عن ميِّزاتها وعن سرعتها، وعن مصروفها وعن ثمنها، وكيف طَوَّبْتَها، و هل مستأجرة أم هي ملكا لك ؟ أم سياحي وما وضعها ؟ يبدو أن نفسه قد تاقت لها.. المؤمن المتصل بالله يستغني، يشعر بغنى.
 دخلوا على سيِّدنا أبي عبيدة الجراح، وكان قائد الجيوش الإسلاميَّة في بلاد الشام، رأوا في غرفته قدر ماءٍ مغطىً برغيف خبزٍ، وجلداً يجلس عليه، وسيفٌاً معلَّقٌاً في الحجرة. قيل له: يا أبا عُبيدة ما هذا ؟ قال: هو للدنيا وعلى الدنيا كثير، ألا يُبلِّغنا المقيل.
ازهد بما في أيدي الناس، يحبُّك الناس.. ارغب بما عند الله، يُحبُّك الله، الله بالعكس إن أحببت ما عنده أحبَّك، وإن زهدّتَ بما في أيدي الناس، أحبَّك الناس.
 فالغني هو الله الذي لا يحتاج أحداً، وجوده ذاتي أما الإنسان يحتاج ؛ لكن بين أن يحتاج الله عزَّ وجلَّ، ويحتاج إلى ما عنده، وبين أن يحتاج إلى خلقه. إذا احتاج ما عنده علا، إن احتاج إلى خلقه دنى.. احتج إلى الرجل تكن أسيره، استغنِ عنه تكن نظيره، أحسن إليه تكن أميره.
 بالمناسبة إنَّ أدقَّ ما في هذا الموضوع ؛ حديثٌ صحيح قاله النبيُّ عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))
(سنن الترمذي)
 لا تنسوا.. أنْ، خذ من الدنيا ما شئت، وخذ بقدرها هماً. إذا كان لديك آلة بسيطة فتصليحها سهلٌ، أما إذا كانت تعمل بالحاسوب وتعطَّلت، ولا يوجد من يصلحها لك، يأتيك الهم فكلَّما كانت الآلة شديدة التعقيد، فتصليحها يكون صعباً وهمَّاً أكبر.. هذه قاعدة.. خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً.
 يقول الله عن ذاته .
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾
 وهذه لها معنى دقيق.. فأحياناً الإنسان يستغني عن الناس، لأنَّه مستغنٍ عنهم، يترفَّع عنهم، ويستعلي عليهم، وأحياناً يحتقرهم، يؤذيهم بقوله لكنَّ الله جلَّ جلاله مع أنَّه غنيٌ عن خلقه ؛ لكنَّ كماله مطلق.
 تجد غنياً بعيداً عن الله، به كبرٌ، وغطرسة، واستعلاء، وتأفف.. وأحياناً تجد غنياً على حجمه المالي الكبير متواضعاً، قريباً منك.. العظمة أن تكون مستغنياً عن الناس ؛ وأنت معهم، تصغي إلى حديثهم، تتعاطف مع مشكلاتهم، يعنيك ما يعنيهم، يؤلمك ما يؤلمهم، ترجو لهم ما ترجو لنفسك. وهذه صفة عالية جداً، الأنبياء كانوا مع الخلق، يمشون في الأسواق، يعيشون معهم، لذلك قالوا: هناك برجٌ عاجيٌّ فكري، وهناك برجٌ عاجيٌّ أخلاقي.. البرج العاجي مذموم.. يقولون لك: فلان يعيش في برج عاجي، ليس واقعياً، بعيداً عن هموم الناس، إذا ابتعدت عن هموم الناس وعن حياتهم اليوميَّة، وعن مآسيهم، وعن آلامهم، وعن طموحاتهم فأنت في بُرجٍ عاجيٍّ فكري. أنت تعيش في الأحلام. أما إذا ابتعدت عن سقطاتهم وانحرافاتهم ومعاصيهم فأنت في برجٍ عاجيٍ أخلاقيّ.
 فالمؤمن ينأى بأخلاقه عن سقطات مجتمعه، أما بفكره يعيش معهم ؛ يألم لألمهم.. سيِّدنا عمر جاءته هديَّةٌ من أذربيجان، فقال لرسول أذربيجان: ما هذه ؟ قال له: هديَّةٌ.. طعامٌ أهداه إليك عاملك على أذربيجان، ففتح العُلبة، فوجد فيها طعاماً نفيساً جداً. فسأل رسول عامله على أذربيجان: هل يأكل عندكم عامَّة المسلمين هذا الطعام ؟ قال: لا هذا طعام الخاصَّة. أخرجها من فمه وقال: قل لصاحبك كيف يعنيك أمر المسلمين إن لم تأكل مما يأكلون ؟ حرامٌ على بطن عمر أن يذوق طعاماً لا يطعمه فقراء المسلمين، خذ هذه الهديَّة ووزعها على فقراء المسلمين في المسجد النبوي. ولم يأكل منها.
 سيِّدنا عمر حينما كان هناك عام مجاعةِ في المدينة، ترك اللحم أربعة أشهر، فقرقر بطنه فخاطبه قال: قرقر أيُّها البطن أو لا تُقرقر، فو الله تذوق اللحم حتى يشبع منه صِبْيَةُ المسلمين.
 المعنى الأول.. أنَّ الله هو الغني، أي هو الذي لا يحتاج أحداً. شأن الخالق أنَّه غنيٌ عن خلقه، وشأن المخلوقات أنَّهم مفتقرون إلى ربِّهم. لذلك قالوا: الربُّ ربٌ، والعبد عبدٌ. شأنُك يا رب أنَّك غنيٌ عنا، وشأنُنا أننا مفتقرون إليك، لكن أيُّها الإخوة: ما أحلى وما أجمل وما أكرم أن تفتقر إلى الله، وما أصعب وما أقسى أن تفتقر إلى عبدٍ لئيم.
 سيِّدنا علي كرَّم الله وجهه سُئِل ما الذل ؟ قال: أن يقف الكريم بباب اللئيم ثم يَرُدُّه. ويقول سيِّدنا علي: والله و الله مرتين لحفر بئرين بإبرتين - مستحيل -، وكنسِ أرض الحجاز في يومٍ عاصفٍ بريشتين - أيضاً مستحيل -، ونقلِ بحرين زاخرين بمنْخَلين، وغسلِ عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين، أهون عليَّ من طلب حاجةٍ من لئيمٍ لوفاء دين.
 أيُّها الإخوة: المؤمن غنيٌ بالله، عبارة في الفقه تُعجبني.. هل يجوز أن تُعطي طفلاً صغيراً زكاة مالك وله أبٌ غني ؟ قد يقول القائل ليس معه مال، لا يملك قرشاً واحداً في جيبه. يجيب الفقهاء عن هذه المسألة: الطفل الصغير الفقير غنيٌ بغنى أبيه. فما دام أبوه غني هو غني، غنيٌ بأبيه، ولو سحبنا هذه القاعدة على موضوع درسنا.. المؤمن فقير لكنَّه غنيٌ بالله، غنيٌ بربِّه، لذلك تجد أحياناً إنساناً مطمئناً ويقول لك: أنا أملك خمسة كيلو ذهباً، وكل كيلو ثمنه نصف مليونٍ من الليرات.. أو معي عملة صعبة، القول الرائع: كن بما في يدي الله، أوثق بما في يديك.
 فأحياناً تجد إنساناً معتمداً على توفيق الله وعلى حفظه، ومتوكِّلاً عليه يثق بما عند الله، هذا أغنى ممن يملك ملايين كثيرة، بالداخل وبالخارج جامداً وسائلاً، فهذا أغنى.
 المعنى الثاني من معاني الغني.. قال: قِلَّة الحاجات، وهو المشار إليه في قوله تعالى:
﴿وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى (8)﴾
(سورة الضحى)
 أي أنَّ الإنسان محتاج إلى طعام، إلى شراب، إلى مسكن، إلى ثياب، إلى أوانٍ، إلى سرير، الإنسان يحتاج إلى آلاف مؤلَّفة من الحاجات، مثلاً لو اشترى بيتاً مَلَكهُ ومفروش، وعنده مركبة فرضاً، وله محل تجاري مورداً لرزقه، ويملك بيتاً في المَصِيْفِ، عنده ألبسة كثيرة جداً، عنده مال سائل ؛ هذا بالمعنى الثاني غني، فبيته ملكه البيت مفروش، في عنده وقود للتدفئة، في عنده أجهزة ومركبة وطعام، وعنده مال سائل. لكن هذا يحتاج إلى طبيب، ويحتاج إلى معلّم ابنه ضعيف بالرياضيات لكن حاجاته قليلة، أما أكثر الحاجات لديه موجودة.
 فالمعنى الثاني للغني قالوا: قِلَّة الحاجات.. وهو المشار إليه في قوله تعالى:
﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ﴾
 أغناك، فإذا أغنى الله رسول الله لن يعُد النبيّ الكريم محتاجاً إلى الله ؟ لا.. الحاجة إلى الله ثابتة، و دائمة، ثم إنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام أشار إلى هذا المعنى بشقٍ آخر قال:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ ))
(صحيح البخاري)
 فأحياناً الإنسان يكون لديه نفسٌ عظيمة تبتغي الوصول إلى الله، وأمور الدنيا عندها ثانويَّة، مستغني عن دنيا الناس ؛ لكنَّه مفتقرٌ إلى فضل الله، هذا شأن الصدِّيقين، والمؤمنين الكبار، الغنى غنى النفس.
 أحياناً تجد شخصاً ذا نفس عفيفة، تقول له: هل يلزمك شيء من المكان الفلاني ؟ يقول لك: شكراً. لا يطلب. وهناك شخصاً يقول لك: أين ذاهب ؟ أين أنت مسافرٌ ؟ أحضر لي كذا وكذا. يبحث ولا يترك إنساناً إلا وسخَّره، يقول: هناك هذا الشيء رخيص أحضره لي. وهناك إنسانٌ لا يطلب شيئاً.. وكلَّما قلَّت طلباتك، ارتقى مقامك. حتى النبي الكريم قال:
(( عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مؤُونَةً ))
(مسند الإمام أحمد)
 من قبل عدّة أيّام، توفي شيخ الأزهر، وقد لفت نظري تحقيقٌ كتب عنه وعن بيته وهو شيء مدهش.. فهو يسكن في بيت صغير، ومكتبه طاولة من الفورميكا، و كتبه داخل العلب الكرتونيّة، فلا يوجد لديه مكتبة لوضعها فيها. كم تقدِّرون ما تحت يده من ميزانيَّة ؟ تحت يده مبالغ كبيرةً جداً جداً، و يسكن في بيت في الطابق الرابع، وقد أجرى عمليّتين في ركبتيه، بسبب التهاب المفاصل، ولم يتمكَّن من أن يبدل بيته. والذي مساحته صغيرة. وشيخ الأزهر تأتي رتبته بعد رئيس الوزارة، وتحت يده أموالٌ طائلة، ملايين مملينة، ولكن عنده غنى.. وهذا هو الغنى، وفيه عفَّة، وخرج لجنازته خمس عشرة مليوناً من المشيعين.
 فالغنى غنى النفس، فأحياناً الإنسان يستغني بالله ؛ فلا يحتاج لشيء ما دام طعامٌ يأكله، وشرابٌ يشربه، ولباسٌ يستره، وبيتٌ يسكنه ويؤويه انتهى الأمر.
 المعنى الثالث: الغني ؛ الذي عنده الشيء الكثير من متاع الدنيا، فهو يملك بيتين أو ثلاث، وسيّارتين أو ثلاث، و مئة وكلَّها أجنبية الصنع، و ثلاثمائة حذاء من الدرجة الأولى.. ثمن الحذاء ثمانية آلاف.
 فالمعنى الثالث ؛ مَنْ عنده مقتنيات كثيرة فهو غني. المعنى الأول للغنى أن لا تحتاج إلى أحد.. من ؟ الله وحده.. شأن الله أنَّه لا يحتاج أحداً، شأن العبد أنَّه يحتاج، إن احتاج الله عزَّ وجلَّ علا، وإن احتاج إلى خلقه دنا.
 المعنى الثاني: قلَّة الحاجات.. عنده كلُّ شيء، حاجاته قليلة لكنَّه يحتاج إلى طبيب لأسنانه، ولو كان معه ملايين ! يحتاج إلى طبيب صحَّة، إلى أستاذ لأولاده، يحتاج إلى صاحب مهنة معيَّنة لإصلاح خللٍ طرأ في بيته.
 المعنى الثالث أن تكْثُرَ مقتنياتك.. هذا الغنى بالنسبة للمعنى الثالث وأشير إليه في قوله تعالى:
﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾
(سورة النساء الآية: 6)
﴿ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ﴾
 اليهود حينما سمعوا قول الله عزَّ وجلَّ:
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ﴾
(سورة البقرة)
 قالوا:
﴿إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾
(سورة آل عمران)
 قالوا:
﴿ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ﴾
 فقال الله عزَّ وجل:
﴿ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ﴾
 هذه معاني الغنى في اللغة.. معانٍ ثلاث.
 الإمام الغزالي يرى ؛ أنَّه من معاني الغني: هو الذي لا تعلُّق له في ذاته. أي أنّ ذاته لا تتعلَّق بشيء. فأنت متعلِّق بالحرارة.. فإذا كان البرد شديداً ؛ فأنت بحاجة إلى معطف، متعلِّق بالبرودة، فإذا كان البرد شديداً كانت بحاجة إلى معطف، وإذا كان الحرَّ شديداً ؛ فأنت بحاجة إلى جهاز تكييف، وإذا كنت جائعاً ؛ فأنت بحاجة إلى الطعام، وإذا كان هناك عطشٌ ؛ فأنت بحاجة إلى ماء، وكنت بلا مأوى ؛ فأنت بحاجة إلى بيت، وبحاجة إلى سرير، وإلى أن تنام. فأنت ترى سيارة ثمنها ملايين، وقالبة على الطريق ؛ والسبب أنَّ السائق قد نام ؛ فالنوم سلطان وحاجته للنوم أودت به في هذا الحادث ؛ فأنت محتاج للنوم، محتاج للطعام، وللشراب، ولجو مريح، ولهواء، ولثياب، ولمأوى، وتحتاج إلى زوجة.
 فأحياناً. الإنسان يكون قد تعوَّد على زوجته، فالأكل واللبس والطعام المطبوخ. وهي تؤنسه أحياناً، فإذا سافرت أو مرضت يقول لك: تغيَّرت حياتي. فأنت مفتقر إلى زوجة كذلك مفتقر إلى طفل.. يقول لك: هذا الطفل ملأ البيت بهجة. فأحياناً لا ينجب الزوجان ؛ فتجد البيت أصبح مثل القبر، فالأطفال لهم ضجيج و لهم لعب و لهم مطاليب لكن يملؤه البيت فرحةً.
 فكم حاجة أنت تحتاجها ؟ تحتاج إلى زوجة، وإلى ولد، وأن تشرب، وأن تأكل، وأن تنام، ولثياب، وأن تأكل شيء ذي مذاق حلو، أو لكأسٍ من الشاي لتشربه، وتحتاج إلى فاكهة لتأكلها، فلو مكثت شهراً من غير أن تأكل الفاكهة، تشعر بحاجتك الأساسيّة لها.. فأنت محتاج إلى مليون حاجة، أما الغني الحقيقي ذاته لا تتعلَّق بشيء، فأنت مربوط بمليون رابط.
 مثلاً معك كميَّة من الذهب، فتجدك متتبِّعاً للأسعار هل غلي الذهب أم رخص سعره ؟ ولو اشتريت بضاعة فتسأل نفسك هل هناك بالسوق منافس لك ؟ وما هي أسعار البضاعة ؟ وأنت بحاجة إلى أن تربح، فيومياً لديك آلاف الحاجات، لكن الغني الحقيقي هو الذي لا يتعلَّقُ بشيء.. ذلك هو الله ففي الحديث:
(( لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَ آخِرَكُمْ وَ إِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا ))
( صحيح مسلم )
 وقيل: من تعلَّق بغيره فهو محتاجٌ إليه
 وقيل: الغنيِّ ؛ هو الذي لا يحتاج إلى شيء، وهو المستغني عن كلِّ شيء، المفتقر إليه كلُّ شيء.
 وقيل: الغنيُّ ؛ هو الغنيُّ بذاته عن العالمين، المتعالي عن جميع الخلائق في كلِّ زمنٍ وحين، الغنيُّ عن العباد، المتفضِّل على الكلِّ بمحض الوداد.
 هذا هو الغنيّ... ورد اسم الغنيِّ في القرآن الكريم في مواطن كثيرة.. في سورة البقرة قال تعالى:
﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) ﴾
(سورة البقرة)
 أي: إنَّ الله عزَّ وجلَّ غنيٌ عن صدقةٍ يتبعها أذى.. هذه الصدقة لك وليست لله، أمرك أن تدفعها من أجل أن تقبل عليه، فإن أتبعتها بالمنِّ والأذى ؛ لا قيمة لها، هو غنيٌ عنك، وقال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ(267)﴾
(سورة البقرة)
 أيضاً.. غنيٌ عن صدقةٍ تكرهها.. أكلةٌ عافتها نفسك، وتصدَّقت بها.. هذه الصدقة الله غنيٌ عنها، أمرك أن تُعطي مما تحب ؛ من أجل أن تقبل عليه، من أجل أن ترقى عنده، فإن فعلت ما لا تُحِب، فهو غنيٌ عن هذه الصدقة، وقال تعالى:
﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)﴾
(سورة آل عمران)
﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ ﴾
 أي من لم يحُجَّ البيت.
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ ﴾
 فإن تحج فأهلاً وسهلاً بك، وإن كنت لا تريد أن تحج فلا تحج حرمت نفسك الخير، والمعاني دقيقة فكل آية لها معنى.
﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾
(سورة الأنعام)
 انظر إلى أول آية:
﴿ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾
 مع أنَّه غنيٌ عنك، لا يعاملك معاملةً إلا وتحمده عليها، وفي هذه الآية:
﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾
 مع أنَّه غنيٌ عنك يرحمك.. هذا الكمال.
 وفي سورة يونس قال تعالى:
﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾
(سورة يونس)
 الإنسان يتمنّى ولداً حتى يُعينه في الكِبَر، وهذه هي سنَّة الله في خلقه. فتجد الشاب يصعد على الدرجات قافزاً كل عشر درجات معاً، وبعد فترة يصعد درجة درجة، ثم يضع رجله فوق الدرجة ويرتاح، دقيقتين ثم ينقل رجله الأخرى ويرتاح كذلك دقيقتين، ثم بعد ذلك لا يستطيع الصعود ؛ فينتقل إلى بيت غير مرتفع أرضي. فالله عزَّ وجلَّ غني أما الإنسان مفتقر.
﴿ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾
 فنحن بحاجة إلى أولاد لأنَّ الإنسان فانٍ، وبابنه يشعر بامتداد أثره، الإنسان ابنه يُعوِّض نقصه، فإذا لم يكن قد درس، فيكون حريصاً على أن يُدَّرِسَ ابنه. وإذا لم يتاجر يقول لك: لا أريد أن أجعله موظفاً. وإذا لم يكن الأب متعلِّماً للغة من اللغات، يقول لك: أريد أن أعلِّم ابني للغة. فالإنسان أحياناً يحقق نقصه بابنه، ويحقق فيه امتداده لأنَّه فاني ؛ فيقول لك: هذا من أثري، يخلفُني، ذِكْرٌ لي بعد أن أموت. فالإنسان بحاجة إلى ولد..
﴿ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾
 ليس بحاجة إلى ولد.
 وفي سورة إبراهيم يقول تعالى:
﴿ وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾
 وقال تعالى:
﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ﴾
(سورة الحجرات)
 وقال تعالى:
﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) ﴾
(سورة محمد)
 وفي سورة العنكبوت وقال تعالى:
﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6)﴾
(سورة العنكبوت)
 يقول لك: يا أخي أنا صليت التراويح كلها في رمضان ؛ فهذه لك.. دفعت نصف مالي صدقة، فهذه لك، عملت ختمة قرآن ؛ فهذه كذلك لك.
﴿ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ ﴾
 وقال تعالى:
﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)﴾
(سورة لقمان)
 وقال تعالى:
﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)﴾
(سورة لقمان)
 معنى أنَّه غنيٌ عنك ؛ هو كامل، لا يُعاملك معاملةً إلا تحمده عليها، فأحياناً الإنسان يكون مستغنياً ؛ ولا يلزمه أحد من الناس، فيطرق بابه فيستقبل القدوم ويرحِّب بهم ويضيِّفهم، ويصغي ويتواضع ويخدم، وهو ليس محتاجاً لهم فهذا من كماله.
وفي سورة فاطر قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) ﴾
(سورة فاطر)
﴿ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾
 إخواننا الكرام: لعلّي أقدِّم لكم هذه الحقيقة: الله هو الغني، وأنت فقير حقيقةً وليس تواضعاً.. فإذا كان أحد الناس يملك مئة مليونٍ ونقطة من الدم تجمَّدت في شرايين مخِّه فشُلَّ عن الحركة، ممكن أن يحدث ذلك لملك ؟ فتفضَّل تحرَّك امشِ !!
 فقد درس رجل في فرنسا، وحصل على الدكتوراه في العلوم، ووصل إلى منصبٍ رفيعٍ جداً، وتزوَّج وتملك بيتاً وسيّارات ؛ وأقام الحفلات والسهرات، وكان طليقاً في لسانه وجميلاً وأنيقاً. وبعد حين فقد بصره وهو في ريعان شبابه، فكان يأتيه البريد الخاص بعمله إلى البيت، ويقرؤونه له، ويشرحون له مضامين المعاملات، التي يريدون منه أن يوقِّعها. وهو يقول لمن يقرأ له المعاملة: اكتب مع الموافقة.. ثم يوقِّع عليها. ظل شهراً على هذا الحال، وبعد ذلك ليس من المعقول أن يستمر في مثل هذا العمل ؛ فأعفي من منصبه، زاره صديق لي.. فقال له: يا فلان والله أتمنّى أن أجلس على الرصيف، وأن أتسوَّل ولا أملك من الدنيا إلا معطفاً على كتفي، وأن يُردَّ لي بصري - والله كلمته وبالحرف الواحد .
 أنت مفتقر إلى عين، مفتقر إلى سمع، مفتقر إلى توازن، مفتقر إلى كُليتين تعملان. ذهب شخص لغسيل كليته فقالت له الممرِّضة: لا تشرب الماء طوال هذه الأسبوع ؛ فالجهاز معطَّل عن العمل. فهل هذا قليل ؟ فعندك كليَّة تعمل بصمت، لا تحتاج للانتظار في الدور، ولا لأجرة تدفعها، ولا ضجيج ولا تثقيب شرايين، وغسيل الكلية مرتين في الأسبوع كل اثنين وخميس وباستمرار فهل أنت غني ؟ أنت مفتقر لكلية ؟
 الغدَّة النخاميَّة وزنها نصف غرام ؛ تفرز اثنا عشر هرموناً أحد هذه الهرمونات يحقق توازن السوائل، فتشرب في اليوم أربع أو خمس كاسات من الماء وتقوم بإخراجهم، فلو اختلَّت هذه الغدة تحتاج لشرب أربع تنكات من الماء لتشربهم، فلا تستطيع مغادرة صنبور الماء ولا المرحاض وهذا هو يكون عملك ! فهل أنت غني ؟ !!
 قال لي أحد الإخوة: زارني طبيب جلس عنده بالغرفة، وضع يده على مفتاح الكهرباء، وضغط عليه فانطفأت الثريا وقال له: هكذا الإنسان كبسة على الزر وينتهي.. أنت وأموالك ومكانتك وصلاحيَّاتك ؛ بكبسة زر، وينتهي كل شيء، سكتة دماغية، فيصبح في عداد الأموات! فأين بيته الفخم ؟ ومركبته الفخمة ؟ ومنصبه الرفيع ؟ وأين مكتبه التجاري؟ وأين وجوده ؟ الصارخ بالمجتمع ؟ فهل أنت غني ؟! أنت فقير !! أنت فقير إلى شرايين مرنه، لو تصلَّبت، تنتهي ويموت، فقير إلى شرايين مفتوحة، ولو أغلقت ؟ يقولون: خمس شرايين مسدودة ؛ فلا بدَّ من عمليّة قلب مفتوح، فهل أنت غني ؟ أنت مفتقر إلى أي شيء !!
 قال لي شخص: فجأةً اهتزت الصورة أمامي لمسافة عشرين سنتيمترٍ كل الصور من حولي، وفقدت التوازن الحركي، ولا بدَّ من إنسان يسير بي، وكذلك فقدت التوافق الحركي، فلا أستطيع الإمساك بكأس، وإن أردت ذلك ذهبت يدي لمكان آخر ! ذهب إلى فرنسا مكث فيها ستة أشهر ولا أمل في الشفاء.. صورة مهتزَّة، فقد للتوافق الحركي، وفقد التوازن.. فهل أنت غني ؟ مليون من القضايا أنت بحاجة لها.
 من كان له خبرة بالطب، ونظر إلى التحاليل وقرأ: أسيد أوريك مرتفع، وكوليسترول زائد، وكذلك الشحوم الثلاثيَّة، والمفاصل متيبِّسة، والغضاريف مهترئة، فكيف تكون غنياً ؟ فالإنسان فقيرٌ!! وكلَّما عرف ضعفه يصبح متواضعاً، فليس الإنسان غنياً ولكنه يتواضع، لا ولكن أنت فقيرٌ والله هو الغني، وإن اعترفت بفقرك أصبحت غنياً. أغناك الله وأمدَّك بقوةٍ وبحيويَّةٍ، وأعطاك عافيةً، أحد الأيام أعطاك ذاكرةً.
توفي منذ فترة أحد إخواننا، قال لي ابنه: خرج من معمله ولم يستطع التعرف على بيته وضاع عنه لمدة ساعة، أصيب بمرض فَقْدِ ذاكرة جزئي، وليست الذاكرة كلَّها ولكن فقد عنوان بيته. معمله بالقدم وبيته بخور شيد، وبعد ساعة من البحث عن بيته لم يجده ! وهو يتذكر بيت ابنه فذهب إليه وقال له: يا بني، أين بيتي دُلني عليه. لي قريبة في أعلى درجات الذكاء، وفجأةً فقدت الوعي، دخل عليها ابنها وهو أقرب الناس لها، فقالت له من أنت ؟! فهل أنت غني ؟ بل مفتقر الله هو الغني وأنت الفقير. إن عرفت فقرك أغناك الله، وإن ادعيت الغنى أفقرك الله، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾
﴿ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ(38) ﴾
(سورة محمد)
﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) ﴾
(سورة الحديد)
﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾
 فأحياناً والعياذ بالله يكون الإنسان ضعيف التفكير، يحضر دروس العلم، ويلتقي مع إخوان مؤمنين فيُسرَّ فتتغيَّر حياته كلَّها، فيصلي، ويقرأ القرآن، ويستقيم ويغُضَّ بصره، ويدقق في دخله وإنفاقه ويعيش في جنَّة. ويأتي إنسان يسيء له، فيريد أن ينتقم منه، فيترك الدروس كلَّها ويترك الصلاة. فأين ذهب عقلك ؟ إذا إنسان أساء لك والجامع مفتوحاً للجميع، فليس عندنا اصطفاء في الجامع، والباب مفتوحٌ لمن يحضر فإذا أساء شخص لك ؛ فالله ليس له علاقة بذلك، فيريد أن ينتقم، فيترك الصلاة والدروس وانحرف لأنَّ أحد الأشخاص أساء له، فعقلك صغير !!
 فإذا كنت طالباً في كليَّة الطب، ومعلِّق آمالاً كبيرة على هذه الكليَّة، وأساء لك أحد الطلاَّب، فهل تهجر الكليَّة وتخرج منها ؟! كل مستقبلك في هذه الكليَّة ؟ فستصبح طبيباً، وتفتح عيادة ويأتيك المرضى، وتأخذ ألوفاً مؤلَّفة، إذا كان أحد الطلاَّب أساء لك، لو أساء لك أستاذ، لا تترك ولو أساء لك عميد الكليَّة فلا تترك، هذا المؤمن.
﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾
(سورة الممتحنة)
 أيُّها الإخوة... هذا هو الغني، أما المُغني قال: هو الذي يُغني من يشاء أن يُغنيه:
 ولو كانت الأرزاق تجري مع الجهل.... هلكنَ إذاً من جهلهِنَّ البهائم
 تجد شخصاً شعلة من الذكاء، ولا يملك مالاً ! وإنساناً على بساطته وفطريَّته، تجد رزقه وفيراً. فالله هو الرزَّاق وهو الغني، فمعنى مُغني أنَّه يُغني من يشاء.
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾
(سورة الإسراء)
 المُغني ؛ هو الذي يُعطي الغنى لعباده، إما أن يعطيهم الكفاية ؛ أي أغناهم عن السؤال، أو يُغني بعض عبادة عن بعض.. فالحقيقة إنَّ الحوائج لله، لا تكون إلا لله، فعندما يهبها لك ربُّنا عزَّ وجلَّ من خلال رزقٍ تملكه أعزَّك. أما إذا جعلك تحتاج إلى إنسان أذلَّك.. لذلك الدعاء يقول: " اللهم اجمعنا عليك وفرِّقنا عليك، اللهمَّ لا تجعل حوائجنا إلا إليك ".
 ربُّنا سبحانه وتعالى مُغني بمعنى: أعطى كلَّ شيءٍ خَلْقَهُ ثم هدى أعطاك قدمين تمشي بهما، أعطاك سمعاً، أعطاك بصراً، أعطاك حركة، أعطاك يداً، مفاصل، أصابع، رسغاً، مرفقاً، كتفاً، أعطاك جهازاً للهضم، جهازاً للأمعاء، جهاز دوران، جهاز إفراز، أعطاك هيكلاً عظمياً.
﴿ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ﴾
 أعطاه ما يصلحه، أعطاك إدراكاً وذاكرة.
﴿ ثُمَّ هَدَى ﴾
﴿ثُمَّ هَدَى (50)﴾
(سورة طه)
 والمُغني ؛ هو الذي أفاض الغنى على عباده، وسهَّل لهم المراد، وما من غنىً في الوجود، إلا وهو من جناب الحقِّ ممدود، الغنى الحقيقي من الله عزَّ وجلَّ.. وهو المُغني لأوليائه من كنوز أنواره.. الآن غنى من نوع ثانٍ ؛ فقد أغناك بالعلم.
 فقد أطلعني أخ على مجلَّة فرنسيَّة، فيها صورٌ عن مقاطعة في الهند، يعبدون- ليس الأبقار ولكن –الجرذان، وتبيِّن الصورة معبداً ضخماً وأكثر من ثلاثمائة جرذٍ يقدِّمون لهم الحليب واللبن، القمح، البرغل، يأكلون مع الجرذان في طبقٍ واحد.. امرأة تضع على رأسها خماراً والجرذان يقفون على رأسها وكتفها، يعبدونهم كآلهة.. تحقيق علمي، موثَّق.
 فهل ذلك ممكنٌ ؟ ممكن ذلك ؟ فهناك من يعبد البقر وأشياء أخرى، ولكن الله عرَّفك بذاته فتعبده هو، تعبد خالق الكون، خالق السماوات والأرض.. وهناك من يعبد البقر، أو الشجر، أو الحجر، أو الشمس، أو يعبد الموج.. والله سبحانه وتعالى كرَّمنا وأغنانا عن هذه الخرافات، وعن هذه السخافات، وعن هذه التُرُّهات.
 إما أن يُغنيك بالدنيا، وإما أن يُغنيك بمعرفته، يُغنيك بتقريبك إليه، يُغنيك بإلقاء النور في قلبك، يُغنيك بأن يُعطيك رؤيةً صحيحة، حكمةٌ بالغة، سدادٌ في الأقوال، وصوابٌ في الأفعال؛ هذا هو الغِنى.
 الحقيقة إذا أردنا أن نصل إلى ملخَّص الدرس.. المُغني ؛ هو الذي أغنى عبده بمعرفته.. فأنت غني بمعرفة الله، أغناه بمنهجه، معك منهجٌ صحيحٌ بالمائة، فليس لديك مفاجأة. أغناه بالقرب منه، أغناه بإلقاء النور في قلبه، أعطاه رؤيةً صحيحة، حكمةً بليغة.
 اسم المُغني لم يَرد بلفظه في القرآن الكريم. ولكن ورد في سورة التوبة في قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) ﴾
(سورة التوبة)
 الآن.. الله مُغني، غنيٌ ويُعطي الغِنى لمن يشاء. لكن صدِّقوني أيُّها الإخوة -الغِنى الحقيقي أن تعرفه، فسيِّدنا ربيعة خدم النبيَّ أياماً عديدة، قال له: يا ربيعة سلني حاجتك. قال له: أنظرني. بعد أيام قال له: ماذا يا ربيعة ؟ قال إنّي أسألك أن أكون رفيقك في الجنَّة فقال له: من علَّمك هذا ؟ قال: والله ما أحد علَّمني، لكن رأيت الدنيا فانية، ما قيمة الدنيا ؟ أنا أريد شيئاً ثابتاً في الجنَّة، أن أكون معك في الجنَّة.
 فلذلك الغنى الحقيقي ان تصل إليه، أن تعرفه، أن تُقبل عليه، أن تلوذ بحماه، أن يكون قلبك مهبطاً لتجليَّاته، يطمئنك، يكرمك، يُفِّقهك، يقرِّبك منه، يسعدك، وفي سورة النور قال تعالى:
﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾
(سورة النور)
﴿ حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾
 فإخواننا المتزوِّجون فالزواج ليس شيئاً سهلاً فمن عنده بيتٌ فلا يهم، وعنده ابنٌ، والبيت فيه طبخٌ أي طبخ. والثياب نظيفة، فالله أغناك بهذه الزوجة ؟ وجعلها ستراً لك فلا تقسوا عليها كثيراً، ولا تقرَّحها فهي هديَّة الله إليك، لا تكفر بنعمة الله، الزواج نعمة، هناك من يضايق زوجته حتى يجعلها تترك البيت !! هذه نعمة الله.
 وأحياناً تجد زوجة عندها زوج، وعندها أولادٌ، تعمل أعمالاً إلى أن تُطلَّق هذه كفرت نعمة الزواج !!
﴿ حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾
 أحياناً يغنيك بالمال، تحصل على شهادة فتُعيَّن، وتحصل على راتبٍ في آخر كلّ شهر، فلا تمدَّ يدك لأحد، أو تتقن مهنة عليك طبعاً فيدخل لك مصروفٌ فتشتري أكلاً وشرباً وتأكل، فأغناك بالمال، وأحياناً أغناك بالعلم.. أغناك بالصحَّة الأجهزة كلَّها سليمة، أغناك بزوجة، أغناك ببيتٍ.
﴿ حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾
 وفي سورة النجم قال تعالى:
﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)﴾
(سورة النجم)
 أعطى... وفي سورة الضحى:
﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ﴾
 هذه الآيات كلَّها عن المُغني.. قال الإمام القُشيري: " إغناء الله لعباده على قسمين ؛ منهم من يغنيه الله بتنمية الأموال وهم العوام - يقولون لك: الله متفضل، ربحنا عامودين أي مليونين ويضع يده على جبينه بعد أن يقبِّلها - ومنهم من يغنيه بتصفية الأحوال وهم الخواص ".
 وهو الغني الحقيقي قريب من الله، عنده علم و عنده حكمة وعنده شفافية، فالنبيَّ عليه الصلاة والسلام خطب على نخلة، قطعت له نخلة فخطب عليها، فلما صنعوا له منبراً، قال فخطب على المنبر فحنَّت النخلة إليه، فوضع يده عليها إكراماً لها. وقال:
(( أعرف حجراً بمكَّة كان يُسلِّم علي ))
(( عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ قَالَ فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ فَقَالَ مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَفَلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ ))
(سنن أبي داود)
 فأحياناً ؛ الله عزَّ وجلَّ يعطيك شفافية، فتتفاعل مع المخلوقات، وتتناغم مع الكون، وتتذوَّق الجمال، جمال الفجر، جمال الشجر، جمال البحر، تتذوَّق الجمال فهذا غنى، أحياناً يكون لديك نفس واسعة عندك قلب كبير، وعندك نفس صافية، وعندك رضا، وعندك حلم وتوازن فهذا غنى.
 تجد شخصاً عنده من المقتنيات الثمينة، ويملك بيتاً فخماً ولكنَّه إذا غضب، فيصبح مثل الوحش، فهذا فقيرٌ، أحمق، أرعن. الحلم غنى، الحكمة غنى، معرفة الله غنى، وطاعتك لله غنى ؛ أن تصلّى الصلوات الخمس غنى، أن تصوم رمضان غنى، العوام يغنيهم الله بتنمية الأموال، والخواص بتصفية الأحوال.
 من أدب المؤمن مع اسم المُغني: أنَّ من عرف أنَّ الله تعالى هو الغنيِّ المُغني، استغنى بالاعتماد عليه عن كلِّ شيء.
 قال سيِّدنا جبريل لسيِّدنا إبراهيم: ألك حاجة. قال له: منك ؟ قال: لا، من الله. قال: علمه بحالي يُغني عن سؤالي.
وما لي سوى فقري إليك وسيلةٌ  فبالافتقار إليك فقري أدفع.
إذا كنت في كلِّ حالٍ معي  فعن حمل زادي أنا في غنى.
***
 من أدب المؤمن مع الله عزَّ وجلَّ أن تعتمد عليه وحده.
 من مسالك التخلُّق بالغنى والمُغني، أنَّ التخلُّق بالغنى يناسبه إظهار الفاقة والفقر إلى الله تعالى أبداً.
 فأنت في الأصل فقير الله هو الغني، فإذا عملت إنجازاً ما، فقل هذا من فضل الله. وإذا نجحت لا تقل " ذاب لب مخِّي " لا.. ليس كذلك بل قل: الله وفقني وأعانني ونجحت. أسست عملاً ما ونجحت، فلا تقل: أنا خططت له وجمَّعت خبرات متراكمة، لا... لا تقل ذلك بل قل: الله عزَّ وجلَّ وفقني، وسمح لي أن أنجح في هذا العمل. فأنت في الأصل فقير، فإذا عزوت الغِنى إلى ذاتك، فأنت مخطئ. وهي حقيقة، إذا عزوت الفضل لله، فأنت الآن تأدَّبت مع الله، الغني لفقرك في الأساس. وكلَّما افتقرت إلى الله، زادك غنىً، وكلَّما تذللت إليه، زادك عزاً. فهذه العمليَّة معكوسة، كلَّما خضعت إليه زادك رفعاً.
 قال: التخلُّق بالمعنى باسم الغني.. أن تكون بما في يدي الله، أوثق منك بما في يديك، وأن تُحسن السخاء والبذل لعباد الله تعالى، أن تثق بالله، وأن تُغني.. الله غني مُغني، أن تستغني بالله عمن سواه، وأن تُغني من حولك، أعطِ.. فمن لوازم التخلُّق بأخلاق الله عزَّ وجلَّ؛ أن تُعطي. كما أنَّ الله يُغني عباده، أنت أغنِ من حولك.
 فإذا كنت تملك معملاً، أو مشروعاً ؛ فإذا كان العاملون عندك، ووسعت عليهم واشتروا بيوتاً، وتزوَّجوا فهل هذا غلط ؟ تجد من يقول لك: أخذ العامل من لحمي. لا.. ليس هكذا فإذا كان عندك عاملٌ واشترى بيتاً وزوَّجته فعل هذا غلط ؟ لا ليس غلطاً أبداً، فإذا أغنيت من حولك فأنت أغنى واحد، أنت تعرف الله عزَّ وجلَّ، بعض الناس يحبون أن يكون كلُّ من حولهم غنياً، يعطوا.
 كثير من الإخوان لديهم معامل ومؤسسات. فإذا كان زوَّج هذا، وأمَّن لهذا بيتاً وأعطى هذا مساعدة، إن رزقه الله مولوداً، وهذا لديه مشكلةٌ أو مرضٌ فأجرى له عمليَّة على حسابه الخاص، فهذا صواب. مثل ما أنَّ الله مُغنٍ فتأدَّب مع هذا الاسم وأغنِ من حولك، فتكن أنت أغنى واحدٍ فيهم

محمد راتب النابلسى