طلاق الآيسة والصغيرة والمنقطعة الحيض
طلاق هؤلاء إنما يكون للسنة إذا كان طلاق واحدا، ولا يشترط له شرط آخر، غير ذلك.
عدد الطلقات وإذا دخل الزوج بزوجته ملك عليها ثلاث طلقات.
واتفق العلماء على انه على الزوج أن يطلقها ثلاثا بلفظ واحد.
أو بألفاظ متتابعة في طهر واحد.
وعللوا ذلك بأنه إذا أوقع الطلقات الثلاث، فقد سد باب التلافي والتدارك عند الندم، وعارض الشارع، لأنه جعل الطلاق متعددا لمعنى التدارك عند الندم، وفلا عن ذلك، فإن المطلق ثلاثا قد أضر بالمرأة من حيث أبطل محليتها بطلاقه هذا.
وقد روى النسائي من حديث محمود بن لبيد قال: «أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته بثلاث تطليقات جميعا، فقام غضبان فقال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم، حتى قام رجل فقال: يا رسول الله: أفلا أقتله».
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: فجعله لاعبا بكتاب الله لكونه خالف وجه الطلاق وأراد به غير ما أراد الله به، فإنه تعالى أراد أن يطلق طلاقا يملك فيه رد المرأة إذا شاء، فطلق طلاقا يريد به ألا يملك فيه ردها.
وأيضا فإن إيقاع الثلاث دفعة مخالف لقول الله تعالى: {الطلاق مرتان}.
والمرتان والمرات في لغة القرآن والسنة، بل ولغة العرب، بل ولغة سائر الأمم، لما كان مرة بعد مرة.
فإذا جمع المرتين والمرات في مرة واحدة فقد تعدى حدود الله تعالى، وما دل عليه كتابه.
فكيف إذا أراد باللفظ الذي رتب عليه الشارع حكما ضد ما قصده الشارع؟.ا ه.
وإذا كانوا قد اتفقوا على الحرمة، فإنهم اختلفوا فيما إذا طلقها ثلاثا بلفظ واحد.
هل يقع أم لا؟.
وإذا كان يقع فهل يقع واحدة أم ثلاثا؟.
فذهب جمهور العلماء إلى أنه يقع.
ويرى بعضهم عدم وقوعه، والذين رأوا وقوعه، اختلفوا: فقال بعضهم: إنه يقع ثلاثا.
وقال بعضهم: يقع واحدة فقط.
وفرق بعضهم فقال: إن كانت المطلقة مدخولا بها وقع الثلاث، وإن لم تكن مدخولا بها فواحدة.
استدل القائلون بأنه يقع ثلاثا بالادلة الاتية:
1- قول الله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره}.
2- قول الله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة}.
3- وقول الله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء} فظواهر هذه الايات تبين صحة إيقاع الواحدة والثنتين والثلاث. لأنها لم تفرق بين إيقاعه واحدة أو ثنتين، أو ثلاثا.
4- وقول الله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}.
فظاهر هذه الآية جواز إطلاق الثلاث، أو الثنتين دفعة أن مفرقة، ووقوعه.
5- حديث سهل بن سعد، قال: «لما لا عن أخو بني عجلان امرأته، قال: يا رسول الله ظلمتها إلى أمسكتها: هي الطلاق، هي الطلاق، هي الطلاق». رواه أحمد.
6- وعن الحسن قال: حدثنا عبد الله بن عمر، أنه طلق امرأته تطليقة، وهي حائض، ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين أخريين عند القرأين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا ابن عمر: ما هكذا أمرك الله تعالى!.إنك قد أخطأت السنة. والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء. وقال: فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فراجعتها. ثم قال: إذا هي طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك. فقلت يا رسول الله: ارئيت لو طلقتها ثلاثا، أكان يحل لي أن أراجعها؟ قال: لا. كانت تبين منك «وتكون مقصية». رواه الدارقطني.
7- وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن عبادة بن الصامت، قال: طلق جدي امرأة له ألف تطليقة، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال له النبي: «ما اتقى الله جدك، أما ثلاث فله. وأما تسعمائة وسبع وتسعون فعدوان وظلم. إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له» وفي رواية: «إن أباك لم يتق الله فيجعل له مخرجا. بانت منه بثلاث على غير السنة، وتسعمائة وسبع وتسعون، إثم في عنقه».
8- وفي حديث ركانة: أن النبي صلى الله عليه وسلم استحلفه أنه ما أراد إلا واحدة: وذلك يدل على أنه لو أراد الثلاث لوقع.
وهذا مذهب جمهور التابعين وكثير من الصحابة، وأئمة المذاهب الأربعة.
أما الذين قالوا بأنه يقع واحدة: فقد استدلوا بالادلة الاتية: أولا: ما رواه مسلم: أن أبا الصهباء قال لأن عباس: «ألم تعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرا من خلافة عمر؟ قال: نعم».
وروي عنه أيضا قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة. فلو أمضيناه عليهم؟ فأمضاه عليهم.
أي أنهم كانوا يوقعون طلقة بدل إيقاع الناس الان ثلاث تطليقات.
ثانيا: عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «طلق ركانة امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا. فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف طلقتها؟ قال: ثلاثا. فقال: في مجلس واحد؟ قال: نعم. قال: فإنما تلك واحدة. فأرجعها إن شئت. فراجعها» رواه أحمد وأبو داود.
وقال ابن تيمية ج 3 ص 22 فتاوى: وليس في الادلة الشرعية الكتاب، والسنة، والاجماع، والقياس ما يوجب لزوم الثلاثة له، ونكاحه ثابت بيقين، وامرأته محرمة على الغير بيقين، وفي إلزامه بالثلاث إباحتها للغير مع تحريمها عليه، وذريعة إلى نكاح التحليل الذي حرمه الله ورسوله، ونكاح التحليل لم يكن ظاهرا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه، ولم ينقل قط أن امرأة أعيدت بعد الطلقة الثالثة على عهدهم إلى زوجها بنكاح تحليل.بل لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له.
إلى أن قال: وبالجملة فما شرعة النبي صلى الله عليه وسلم لامته شرعا لازم، لا يمكن تغييره، فإنه لا يمكن نسخ بعد رسول الله.
وقال تلميذه ابن القيم: قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن الثلاث كانت واحدة في عهده، وعهد أبي بكر رضي الله عنه، وصدرا من خلافة عمر رضي الله عنه، وغاية ما يقدر مع بعده أن الصحابة كانوا على ذلك، ولم يبلغه، وهذا وإن كان كالمستحيل، فإنه يدل على أنهم كانوا يفتون في حياته وحياة الصديق بذلك، وقد أفتى هو صلى الله عليه وسلم.
فهذه فتواه وعمل أصحابه كأنه أخذ باليد، ولا معارض لذلك.
ورأى عمر رضي الله تعالى عنه، أن يحمل الناس على إنفاذ الثلاث عقوبة وزجرا لهم - لئلا يرسلوها جملة - وهذا اجتهاد منه رضي الله عنه. غايته أن يكون سائغا لمصلحة رآها. ولا يجوز ترك ما أفتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليه أصحابه في عهده وعهد خليفته. فإذا ظهرت الحقائق. فليقل أمرؤ ما شاء. وبالله التوفيق.
وقال الشوكاني: وقد حكى ذلك صاحب البحر عن أبي موسى، ورواية عن علي عليه السلام، وابن عباس، وطاووس، وعطاء، وجابر، وابن زيد، والهادي، والقاسم، والباقر، وأحمد بن عيسى، وعبد الله بن موسى بن عبد الله، ورواية عن زيد بن علي.
وإليه ذهب جماعة من المتأخرين.
منهم: ابن تيمية، وابن القيم، وجماعة من المحققين، وقد نقله ابن مغيث في كتاب الوثائق عن محمد بن وضاح، ونقل الفتوى بذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن بقي ومحمد بن عبد السلام وغيرهما.
ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عيسى.
كعطاء، وطاووس، وعمر، وابن دينار، وحكاه ابن مغيث أيضا في ذلك الكتاب عن علي رضي الله عنه، وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير.
وهذا هو المذهب الذي جرى عليه العمل أخيرا في المحاكم.
فقد جاء في المادة 3 من القانون رقم 25 لسنة 1929 ما يلي: الطلاق المقترن بعدد - لفظا، أو إشارة - لا يقع واحدة.
1- أما حجة القائلين بعدم وقوع الطلاق مطلقا: أنه طلاق بدعي، والطلاق البدعي لا يقع عند هؤلاء، ويعتبر لغوا.
وهذا المذهب يحكى عن بعض التابعين.
وهو مروي عن ابن علية، وهشام ابن الحكم، وبه قال أبو عبيدة، وبعض أهل الظاهر، وهو مذهب الباقر، والصادق، والناصر، وسائر من يقول بأن الطلاق البدعي لا يقع.
لان الثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متتابعة من جملته.
وأما الذين فرقوا بين المطلقة المدخول بها وغير المدخول بها فهم جماعة من أصحاب ابن عباس وإسحاق بن راهويه