حد الردة
.تعريفها:
الردة: هي الرجوع في الطريق الذي جاء منه، وهي مثل الارتداد، إلا أنها تختص بالكفر.
والمقصود بها هنا: رجوع المسلم، العاقل، البالغ، عن الإسلام إلى الكفر باختياره دون إكراه من أحد - سواء في ذلك الذكور والإناث - فلا عبرة بارتداد المجنون ولا الصبي لأنهما غير مكلفين.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل» رواه أحمد وأصحاب السنن وحسنه الترمذي.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.
والاكراه على التلفظ بكلمة الكفر لا يخرج المسلم عن دينه ما دام القلب مطمئنا بالايمان.
وقد أكره عمار بن ياسر على التلفظ بكلمة الكفر فنطق بها، وأنزل الله سبحانه في ذلك: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}.
قال ابن عباس: أخذه المشركون، وأخذوا أباه وأمه سمية، وصهيبا وبلالا، وخبابا، وسالما، فعذبوهم، وربطت سمية بين بعيرين، وجئ قبلها بحربة، وقيل لها: إنك أسلمت من أجل الرجال، فقتلت وقتل زوجها، وهما أول قتيلين في الإسلام.
وأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها - فشكا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «كيف تجد قلبك؟» قال مطمئن بالايمان.
فقال الرسول: «إن عادوا فعد».
هل انتقال الكافر من دين إلى دين كفري آخرى يعتبر ردة؟: قلنا: إن المسلم إذا خرج عن الإسلام كان مرتدا، وجرى عليه حكم الله في المرتدين، ولكن هل الردة قاصرة على المسلمين الخارجين عن الإسلام، أو أنها تتناول غير المسلمين إذا تركوا دينهم إلى غيره من الاديان الكافرة؟.
الظاهر أن الكافر إذا انتقل من دينه إلى دين آخر من أديان الكفر فإنه يقر على دينه الذي انتقل إليه ولا يتعرض له لأنه انتقل من دين باطل إلى دين يماثله في البطلان، والكفر كله ملة واحدة، بخلاف ما إذا انتقل من الإسلام إلى غيره من الاديان، فإنه انتقال من الهدى ودين الحق إلى الضلال والكفر.
والله يقول: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه}.
وفي بعض طرق الحديث: «من خالف دينه دين الإسلام فاضربوا عنقه» أخرجه الطبراني عن ابن عباس مرفوعا.
وللشافعي قولان: أحدهما لا يقبل منه بعد انتقاله إلا الإسلام أو القتل.
وهذا يوافق إحدى الروايتين عن أحمد.
والرواية الاخرى تقول: إنه إن انتقل إلى مثل دينه أو إلى أعلى منه أقر، وإن انتقل إلى أنقص من دينه لم يقر.
فإذا انتقل اليهودي إلى النصرانية أقر، لأن اليهودية مثل النصرانية من حيث كونهما دينين سماويين في الاصل، دخلهما التحريف ونسخهما الإسلام.
وكذلك يقر المجوسي إذا انتقل إلى اليهودية أو النصرانية لأنه انتقال إلى ما هو أعلى.
وإذا جاز الانتقال إلى الدين المماثل، فالانتقال إلى ما هو أعلى أحق وأولى.
وإذا انتقل اليهودي أو النصراني إلى المجوسية لم يقر، لأنه انتقال إلى ما هو أنقص.
.لا يكفر مسلم بالوزر:
الإسلام عقيدة وشريعة، والعقيدة تنتظم بالايمان:
1- بالالهيات.
2- والنبوات.
3- والبعث، والجزاء.
والشريعة تنتظم:
1- بالعبادات من: صلاة، وصيام، وزكاة، وحج
2- والآداب والاخلاق من: صدق، ووفاء، وأمانة.
3- والمعاملات المدنية من: بيع، وشراء...الخ.
4- والروابط الاسرية من: زواج وطلاق.
5- والعقوبات الجنائية: قصاص، وحدود.
6- والعلاقات الدولية من: معاهدات، واتفاقات.
وهكذا نجد أن الإسلام، منهج عام، ينتظم شئون الحياة جميعا.
وهذا هو المفهوم العام للاسلام كما قرره الكتاب والسنة وكما فهمه المسلمون على العهد الأول، وطبقوه في كل مجال من المجالات العامة والخاصة، وكان كل فرد يدين بالولاء لهذا الدين يعتبر عضوا في الجماعة المسلمة، ويصبح فردا من أفراد الأمة الإسلامية تجري عليه أحكام الإسلام وتطبق عليه تعاليمه.
إلا أن من الناس الذكي والغبي، والضعيف والقوي، والقادر والعاجز، والعامل والعاطل، والمجد والمقصر فهم يختلفون اختلافا بينا في قواهم البدنية ومواهبهم النفسية والعقلية والروحية وتبعا لهذا الاختلاف فمنهم من يقترب من الإسلام، ومنهم من يبتعد عنه حسب حال كل فرد وظروفه وبيئته.
يقول الله سبحانه: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله}، إلا أن هذا الابتعاد عنه لا يخرج المقصر عن دائرته ما دام يدين بالولاء لهذا الدين، فإذا صدر من المسلم لفظ يدل على الكفر لم يقصد إلى معناه، أو فعل ظاهره مكفر لم يرد به فاعله تغيير إسلامه، لم يحكم عليه بالكفر.
ومهما تورط المسلم في المآثم واقترف من جرائم، فهو مسلم لا يجوز اتهامه بالردة.
روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم».
وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين من أن يقذف بعضهم بعضا بالكفر، لعظم خطر هذه الجناية، فقال فيما رواه مسلم عن ابن عمر: «إذا كفر الرجل أخاه، فقد باء بها أحدهما».
متى يكون المسلم مرتدا: إن المسلم لا يعتبر خارجا عن الإسلام، ولا يحكم عليه بالردة إلا إذا انشرح صدره بالكفر، واطمأن قلبه به، ودخل فيه بالفعل، لقول الله تعالى: {ولكن من شرح بالكفر صدرا}.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما الاعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» ولما كان ما في القلب غيبا من الغيوب التي لا يعلمها إلا الله، كان لابد من صدور ما يدل على كفره دلالة قطعية لا تحتمل التأويل، حتى نسب إلى الإمام مالك أنه قال: من صدر عنه ما يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجها، ويحتمل الايمان من وجه، حمل أمره على الايمان.
ومن الأمثلة الدالة على الكفر:
1- إنكار ما علم من الدين بالضرورة. مثل إنكار وحدة الله وخلقه للعالم وإنكار وجود الملائكة، وإنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن وحي من الله، وإنكار البعث والجزاء، وإنكار فرضية الصلاة والزكاة، والصيام والحج.
2- استباحة محرم أجمع المسلمون على تحريمه، كاستباحة الخمر، والزنا، والربا، وأكل الخنزير، واستحلال دماء المعصومين وأموالهم.
3- تحريم ما أجمع المسلمون على حله كتحريم الطيبات.
4- سب النبي أو الاستهزاء فيه، وكذا سب أي نبي من أنبياء الله.
5- سب الدين، والطعن في الكتاب والسنة، وترك الحكم بهما، وتفضيل القوانين الوضعية عليهما.
6- ادعاء فرد من الافراد أن الوحي ينزل عليه.
7- إلقاء المصحف في القاذورات، وكذا كتب الحديث، استهانة بها واستخفافا بما جاء فيها.
8- الاستخفاف باسم من أسماء الله، أو أمر من أوامره، أو نهي من نواهيه، أو وعد من وعوده، إلا أن يكون حديث عهد بالإسلام، ولا يعرف أحكامه، ولا يعلم حدوده، فإنه إن أنكر منها جهلا به لم يكفر.
وفيه مسائل أجمع المسلمون عليها، ولكن لا يعلمها إلا الخاصة، فإن منكرها لا يكفر، بل يكون معذورا بجهله بها، لعدم استفاضة علمها في العامة، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وأن القاتل عمدا لا يرث، وأن للجدة السدس، ونحو ذلك.
ولا يدخل في هذا الوساوس التي تساور النفس فإنها مما لا يؤاخذ الله بها.
فقد روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو يتكلم به» وروى مسلم عن أبي هريرة قال: «جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فقالوا: انا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم قال: ذلك صريح الايمان».
وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا، فليقل: آمنت بالله».
عقوبة المرتد: الارتداد جريمة من الجرائم التي تحبط ما كان من عمل صالح قبل الردة، وتستوجب العذاب الشديد في الآخرة.
يقول الله سبحانه: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
ومعنى الآية: أن من يرجع عن الإسلام إلى الكفر ويستمر عليه حتى يموت كافرا، فقد بطل كل ما عمله من خير، وحرم ثمرته في الدنيا، فلا يكون له ما للمسلمين من حقوق، وحرم من نعيم الآخرة، وهو خالد في العذاب الاليم، وقد قرر الإسلام عقوبة معجلة في الدنيا للمرتد، فضلا عما توعده به من عذاب ينتظره في الآخرة، وهذه العقوبة هي القتل.
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من بدل دينه فاقتلوه».
وروي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس».
وعن جابر رضي الله عنه: «أن امرأة يقال لها أم مروان ارتدت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعرض عليها الإسلام: فإن تابت، وإلا قتلت فأبت أن تسلم، فقتلت».
أخرجه الدارقطني والبيهقي.
وثبت أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قاتل المرتدين من العرب حتى رجعوا إلى الإسلام.
ولم يختلف أحد من العلماء في وجوب قتل المرتد.
وإنما اختلفوا في المرأة إذا ارتدت.
فقال أبو حنيفة: إن المرأة إذا ارتدت لا تقتل، ولكن تحبس، وتخرج كل يوم فتستتاب، ويعرض عليها الإسلام، وهكذا حتى تعود إلى الإسلام، أو تموت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء.
وخالف ذلك جمهور الفقهاء فقالوا: إن عقوبة المرأة المرتدة كعقوبة الرجل المرتد، سواء بسواء، لأن آثار الردة وأضرارها من المرأة كآثارها وأضرارها من الرجل، ولحديث معاذ الذي حسنه الحافظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما أرسله إلى اليمن: «أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه، فإن عاد، وإلا فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها، فإن عادت، وإلا فاضرب عنقها».
وهذا نص في محل النزاع.
وأخرج البيهقي، والدارقطني، أن أبا بكر استتاب امرأة يقال لها أم قرفة كفرت بعد إسلامها، فلم تتب، فقتلها.
وأما حديث النهي عن قتل النساء فذلك إنما هو في حال الحرب، لاجل ضعفهن وعدم مشاركتهن في القتال.
ولهذا كان سبب النهي عن قتلهن أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة، فقال: «ما كانت هذه لتقاتل».
ثم نهى عن قتلهن.
والمرأة تشارك الرجل في الحدود كلها دون استثناء.
فكما يقام عليها حد الرجم إذا كانت محصنة، فكذلك يقام عليها حد الردة، ولافرق.
حكمة قتل المرتد:
الإسلام منهج كامل للحياة فهو: دين ودولة، وعبادة، وقيادة، ومصحف وسيف، وروح ومادة، ودنيا وآخرة، وهو مبني على العقل والمنطق، وقائم على الدليل والبرهان، وليس في عقيدته ولا شريعته ما يصادم فطرة الإنسان أو يقف حائلا دون الوصول إلى كماله المادي والأدبي - ومن دخل فيه عرف حقيقته، وذاق حلاوته، فإذا خرج منه وارتد عنه بعد دخوله فيه وإدراكه له، كان في الواقع خارجا على الحق والمنطق، ومتنكرا للدليل والبرهان، وحائدا عن العقل السليم، والفطرة المستقيمة.
والإنسان حين يصل إلى هذا المستوى يكون قد ارتد إلى أقصى دركات الانحطاط، ووصل إلى الغاية من الانحدار والهبوط، ومثل هذا الإنسان لا ينبغي المحافظة على حياته، ولا الحرص على بقائه - لأن حياته ليست لها غاية كريمة ولا مقصد نبيل.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن الإسلام كمنهج عام للحياة، ونظام شامل للسلوك الإنساني، لاغنى له من سياج يحميه، ودرع يقيه، فإن أي نظام لا قيام له إلا بالحماية والوقاية والحفاظ عليه من كل ما يهز أركانه، ويزعزع بنيانه، ولاشئ أقوى في حماية النظام ووقايته من منع الخارجين عليه، لأن الخروج عليه يهدد كيانه ويعرضه للسقوط والتداعي.
إن الخروج على الإسلام والارتداد عنه إنما هو ثورة عليه والثورة عليه ليس لها من جزاء إلا الجزاء الذي اتفقت عليه القوانين الوضعية، فيمن خرج على نظام الدولة وأوضاعها المقررة.
إن أي انسان سواء كان في الدول الشيوعية، أم الدول الرأسمالية - إذ اخرج على نظام الدولة فإنه يتهم بالخيانة العظمى لبلاده، والخيانة العظمى جزاؤها الاعدام.
فالإسلام في تقرير عقوبة الاعدام للمرتدين منطقي مع نفسه ومتلاق مع غيره من النظم.
.استتابة المرتد:
كثيرا ما تكون الردة نتيجة الشكوك والشبهات التي تساور النفس وتزاحم الايمان، ولابد أن تتهيأ فرصة للتخلص من هذه الشبهات والشكوك، وأن تقدم الادلة والبراهين التي تعبد الايمان إلى القلب، واليقين إلى النفس، وتريح ما علق بالوجدان من ريب وشكوك.
ومن ثم كان من الواجب أن يستتاب المرتد ولو تكررت ردته، ويمهل فترة زمنية يراجع فيها نفسه، وتفند فيها وساوسه وتناقش فيها أفكاره، فإن عدل عن موقفه بعد كشف شبهاته، ورجع إلى الإسلام وأقر بالشهادتين واعترف بما كان ينكره، وبرئ من كل دين يخالف دين الإسلام، قبلت توبته، وإلا أقيم عليه الحد.
وقد قدر بعض العلماء هذه الفترة بثلاثة أيام، وترك بعضهم تقدير ذلك وإنما يكرر له التوجيه ويعاد معه النقاش حتى يغلب على الظن أنه لن يعود إلى الإسلام، وحينئذ يقام عليه الحد والذين رأوا تقدير ذلك بالايام الثلاثة اعتمدوا على ما روي: أن رجلا قدم إلى عمر رضي الله عنه من الشام، فقال هل من مغربة خبر.
قال: نعم. رجل كفر بعد إسلامه.
فقال عمر: فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه قال: هلا حبستموه في بيت ثلاثا، وأطعمتموه كل يوم رغيفا، واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله: اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني: اللهم إني أبرأ إليك من دمه رواه الشافعي.
والذين ذهبوا إلى القول الثاني استندوا إلى ما رواه أبو داود: أن معاذا قدم اليمن على أبي موسى الاشعري وقد وجد عنده رجلا موثقا فقال: ماهذا؟ قال: رجل كان يهوديا فأسلم، ثم رجع إلى دينه دين اليهود فتهود فقال: لا أجلس حتى يقتل ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكرر ذلك ثلاث مرات فأمر به فقتل، وكان أبو موسى قد استتابه قبل قدوم معاذ عشرين ليلة، أو قريبا منها.
ومن طريق عبد الرازق: أنهم أرادوه على الإسلام شهرين.
قال الشوكاني: واختلف القائلون بالاستتابة.
هل يكتفي بالمرة؟ أو لابد من ثلاث، وهل الثلاث في مجلس واحد أو في ثلاثة أيام، ونقل ابن بطال عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه يستتاب شهرا، وعن النخعي يستتاب أبدا أحكام المرتد: إذا ارتد المسلم ورجع عن الإسلام تغيرت الحالة التي كان عليها.
وتغيرت تبعا لذلك المعاملة التي كان يعامل بها كمسلم، وثبتت بالنسبة له أحكام نجملها فيما يأتي:
.1- العلاقة الزوجية:
إذا ارتد الزوج أو الزوجة انقطعت علاقة كل منهما بالآخر لأن ردة أي واحد منهما موجبة للفرقة بينهما، وهذه الفرقة تعتبر فسخا، فإذا تاب المرتد منهما وعاد إلى الإسلام، كان لابد من عقد ومهر جديدين، إذا أرادا استئناف الحياة الزوجية.
ولايجوز له أن يعقد عقد زواج على زوجة أخرى من أهل الدين الذي انتقل إليه، لأنه مستحق القتل.
.2- ميراثه:
والمرتد لا يرث أحدا من أقاربه إذا مات، لأن المرتد لادين له، وإذا كان لادين له فلا يرث قريبه المسلم، فإن قتل هو أو مات ولم يرجع إلى الإسلام، انتقل ما له هو إلى ورثته من المسلمين لأنه في حكم الميت من وقت الردة.
وقد أتي علي بن أبي طالب بشيخ كان نصرانيا فأسلم، ثم ارتد عن الإسلام فقال له علي: لعلك إنما ارتددت لأن تصيب ميراثا ثم ترجع إلى الإسلام؟ قال: لا قال: فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن يزوجوكها، فأردت أن تتزوجها ثم تعود إلى الإسلام؟ قال: لا قال: فارجع إلى الإسلام قال: لا. حتى ألقى المسيح فأمر به فضربت عنقه فدفع ميراثه إلى ولده من المسلمين.
قال ابن حزم: وعن ابن مسعود بمثله.
وقالت طائفة بهذا، منهم: الليث بن سعد، وإسحاق بن راهويه.
وهذا مذهب أبي يوسف، ومحمد، وإحدى الروايات عن أحمد.
.3- فقد أهليته للولاية على غيره:
وليس للمرتد ولاية على غيره، فلا يجوز له أن يتولى عقد تزويج بناته ولا أبنائه الصغار، وتعتبر عقوده بالنسبة لهم باطلة، لسلب ولايته لهم بالردة.
.مال المرتد:
الردة لا تقضي على أهلية المرتد للتملك، ولا تسلبه حقه في ماله، ولا تزيل يده عنه، ويكون مثله في ماله مثل الكافر الاصلي، وله أن يتصرف في ماله كما يشاء.
وتصير تصرفاته نافذة لاستكمال أهليته، وكونه مستحق القتل لا يسلبه حقه في التملك والتصرف، لأن الشارع لم يجعل للمرتد عقوبة سوى عقوبة القتل حدا، ويكون في ذلك كمن حكم عليه بالقصاص أو بالرجم.
فإن قتله قصاصا أو رجما لا يسلبه حقه في الملكية، ولا يزيل يده عن ماله.
.لحوقه بدار الحرب:
وكذلك يبقى ماله مملوكا له إذ الحق بدار الحرب، ويوضع تحت يد أمين، لأن لحوقه بدار الحرب لا يسلبه حقه في الملكية.
.ردة الزنديق:
قال أبو حاتم السجستاني وغيره: الزنديق فارسي معرب أصله: زنده كرو أي يقول بدوام الدهر، ثم قال: قال ثعلب: ليس في كلام العرب زنديق، وإنما يقال: زندقي لمن يكون شديد التحيل، وإذا أرادوا ما تريد العامة قالوا: ملحد ودهري أي يقول بدوام الدهر.
وقال الجوهري: الزنديق من الثنوية.
وقال الحافظ ابن حجر: التحقيق ما ذكره من صنف في الملل والنحل: أن أصل الزندقة أتباع ديصان، ثم ماني، ثم مزدك.
وقال النووي: الزنديق الذي لا ينتحل دينا.
وقال في المسوى ملخصا: إن المخالف للدين الحق أن لم يعترف به ولم يذعن له ظاهرا ولاباطنا، فهو الكافر.
وإن اعترف بلسانه، وقلبه على الكفر فهو المنافق.
وإن اعترف به ظاهرا وباطنا لكنه يفسر بعض ما ثبت من الدين ضرورة بخلاف ما فسره الصحابة والتابعون، وأجمعت عليه الأمة فهو الزنديق، كما إذا اعترف بأن القرآن حق، وما فيه من ذكر الجنة والنار حق، لكن المراد بالجنة الابتهاج الذي يحصل بسبب الملكات المحمودة، والمراد بالنار، هي الذامة التي تحصل بسبب الملكات المذمومة، وليس في الخارج جنة ولا نار، فهو الزنديق.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «أولئك الذين نهاني الله عنهم» هو في المنافقين دون الزنادقة ثم قال: وإن الشرع كما نصب القتل جزاء للارتداد ليكون مزجرة للمرتدين، وذبا عن الملة التي ارتضاها، فكذلك نصب القتل جزاء للزندقة، ليكون مزجرة للزنا دقة، وذبا عن تأويل فاسد في الدين لا يصح القول به. قال: ثم التأويل تأويلان: تأويل لا يخالف قاطعا من الكتاب والسنة واتفاق الأمة. وتأويل يصادم ما ثبت بقاطع، فذلك الزندقة. فكل من أنكر الشفاعة، أو أنكر رؤية الله تعالى يوم القيامة، أو أنكر عذاب القبر، وسؤال المنكر والنكير، أو أنكر الصراط والحساب، سواء قال: لا أثق بهؤلاء الرواة.
أو قال: أثق بهم، لكن الحديث مؤول، ثم ذكر تأويلا فاسدا لم يسمع من قبله، فهو الزنديق.
وكذلك من قال في الشيخين أبي بكر وعمر مثلا: ليسا من أهل الجنة، مع تواتر الحديث في بشارتهما، أو قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبوة، ولكن معنى هذا الكلام أنه لا يجوز أن يسمى بعده أحد بالنبي.
وأما معنى النبوة وهو كون إنسان مبعوثا من الله تعالى إلى الخلق مفترض الطاعة، معصوما من الذنوب، ومن البقاء على الخطأ فيما يرى، فهو موجود في الائمة بعده، فذلك هو الزنديق، وقد اتفق جمهور المتأخرين من الحنفية والشافعية على قتل من يجري هذا المجرى، والله أعلم. اهـ.