الجمعة، 23 مارس 2012

موسوعة العقيدة - السمعيات : رؤية الله تعالى فى الجنة

رؤية الله تعالى فى الجنة


        تعود علماء التوحيد أن يذكروا هذا الموضوع ضمن الحديث عن صفاته تعالى ، لا لأنه صفة واجبة لله ، ولكن لأنه من الأمور الجائزة على الله تعالى ، ولكني فضلت أن أجعله بعد الكلام عن الجنة ؛ لأنه أفضل نعيمها ، وأحب شئ إلى أهلا . نسأ الله أن يجعلنا منهم .

        1ـ مذهب أهل السنة :

        رؤية الله تعالى جائزة من الناحية العقلية في الدنيا والآخرة ، وستحدث للمؤمنين في الجنة ، حيث يرون ربهم بأبصارهم بغير إحاطة ولا كيفية .

        وأما وقوعها في الدنيا ، فلم تحدث لغير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج .

        قال الإمام مالك : "إنما لم ير الله في الدنيا ؛ لأنه باق ، والباقي لا يرى بالفاني : فإذا كان في الآخرة ، ورزقوا أبصارا باقية ، رأوا الباقي بالباقي".

        وأما رؤيته تعالى في المنام فجائزة . لكنها رؤية بالقلب بدون تحديد صورة معينة ، وإلا لكانت من الشيطان . بخلاف رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام ، فهي حقيقية ؛ لأن الشيطان لا يتمثل به .

        أدلة أهل السنة :

        1ـ قال تعالى :{ وجوه يومئذ ناضرة (22) إلى ربها ناظرة (23)}[القيامة].

        (إلى) كان معناه المشاهدة بالعين ، وقد أضيفت إلى الوجود التي هي محل البصر ؛ ليفهم أن المراد نظر العين .

        2ـ وقال تعالى : { لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد (35) } [ق].

        قال على بن أبي طالب ، وأنس بن مالك : هو النظر إلى وجه الله عز وجل.

        3ـ وقال تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } [يونس/26].

        فالحسنى : الجنة . والزيادة : النظر إلى وجهه الكريم . كما قال صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة قال : يقول الله تبارك وتعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة ، وتنجنا من النار؟ قال : فيكشف الحجاب. فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل"(1).

        4ـ وقال تعالى : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون (15)} [المطففين].

        وسئل الإمام الشافعي عن هذه الآية فقال : " لما أن حجب هؤلاء في السخط ، كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا " .

        5ـ وعن أبي هريرة أن ناسا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : فإنكم ترونه كذلك " (2)

        والمراد تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح والظهور، لا تشبيه المرئي بالمرئي.

        وقد روى أحاديث الرؤية نحو ثلاثين صحابيا .

        6ـ واستدل أهل السنة بدليل عقلي مؤداه : الله موجود ، وكل موجود تجوز رؤيته ، فالله تجوز رؤيته .

        أ ـ مذهب المخالفين في الرؤية والرد عليهم :

        ذهب الخوارج ، والشيعة الإمامية ، والمعتزلة إلى أن رؤية الله مستحيلة، ولا تقع ، وقد استدلوا بما يلي :

        1ـ دليلهم العقلي : قالوا : للرؤية شروط يستحيل تحقيقها بالنسبة لله تعالى. بأن يكون المرئي جسما ، وفي حيز ومكان ، ومقابلا للرائي ، وبينهما مسافة محدودة ، وهكذا .

        أجاب أهل السنة :

        إن هذه الشروط شروط عادية ، وليست عقلية ، وهي خاصة برؤية المخلوقات بعضها لبعض ، والله منزه عن ذلك ، فيمكن أن يرى بغير هذه الشروط ، بأن يزيد في بصر من شاء من عباده حتى يراه بغير إحاطة ولا كيفية .

        2ـ استدلوا بقوله تعالى : { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين (143)} [الأعراف].

        فقوله تعالى : { لن تراني} يفيد نفي رؤيته وامتناعها ؛ لأن {لن} لتأبيد النفي.

        أجاب أهل السنة :

        قولكم : {لن} تفيد تأييد النفي غير صحيح ، لأنها لا تفيده ، حتى لو قيدت بالتأبيد ، فكيف إذا أطلقت ؟ وتأمل قوله تعالى عن الكافرين : { ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم } [البقرة/95] أي الموت ، وقوله تعالى : { ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون (77)} [الزخرف] أي يميتنا . فالآية الأولى تفيد أنهم لن يتمنوا الموت ، والآية الأخرى تفيد أنهم يتمنونه . فهل أفادت { لن } تأبيد النفي مع وجود { أبدا } أيضا ؟

        ولو كانت { لن } للتأبيد المطلق ، ما جاز تحديد الفعل بعدها ، وقد جاء محددا في قوله تعالى:{ فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي } [يوسف/80]. فثبت أن { لن } لا تقتضي النفي المؤبد.

        كما أننا إذا تأملنا الآية جيدا ، وجدناها تدل على ثبوت الرؤية ، لا على استحالتها وامتناعها . فطلب موسى لها يدل على جوازها ؛ إذ كيف يطلب نبي من الأنبياء أمرا مستحيلا ؟ ولم ينكر الله عليه سؤاله ، ولو كانت مستحيلة لقال الله : إني لا أرى ، أو لا تجوز رؤيتي ، أو لست بمرئى ، وما قال له : { لن تراني } وهذا يدل على أنه مرئي ، لكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في الدنيا لضعف قوى البشر فيها . فإن الجبل رغم قوته وصلابته لم يثبت لما تجلى الله له ، فكيف بالإنسان الذي خلق ضعيفا ؟

        3ـ استدلوا بقوله تعالى : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير (103) } [ الأنعام ].

        قالوا : معنى الإدراك : الرؤية . وقد نفاه الله عنه ، فهو لا يرى .

        أجاب أهل السنة :

        بأن الإدراك غير الرؤية ، لأن معناه الإحاطة بالشئ ، وهو قدر زائد على الرؤية ، كما أننا نرى الشمس مثلا ، ولا ندركها ، أي لا نحيط بها بأبصارنا، فالله سبحانه يرى ولا يدرك ، كما أنه سبحانه يعلم ولا يحاط به علما ، لكمال عظمته سبحانه .

        وتأمل قوله تعالى : { فلما تراءا الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون(61) قال كلا إن معي ربي } [ الشعراء 61 ـ 62].

        لم ينف موسى الرؤية . إنما نفى الإدراك ، ونفى الأخص لا يستلزم نفى الأعم. كما أن ( ال ) في كلمة { الأبصار} في الآية للعموم ، وتقدم النفي على العموم يفيد سلب العموم . فالمعنى لا تدركه جميع الأبصار . بل يراه بعضها دون بعض ، فيراه المؤمنون دون الكافرين .

================

        المراجع والهوامش :

1ـ رواه مسلم في الإيمان 1/163
2ـ رواه مسلم في الإيمان 1/164 وتضارون بتشديد الراء أي تضارون غيركم بسبب تزاحمكم بسبب الرؤية ، وبتخفيفها أي : هل يصيبكم ضير أي ضرر .