اللطيف
مع الاسم التاسع عشر من أسماء الله الحسنى والاسم هو اللطيف، وقبل أن نبدأ بتعريف هذا الاسم لابد من مقدمة قصيرة: فعندما يعرض الإنسان لمعالجة بحث فينبغي أن نعود إلى الأهداف الكبرى، يحددها أولاً كأن يشير إلى: الهدف العام من بحثه، وإلى الهدف الخاص، لأنَّ الباحث أحياناً تَزِلُّ قدمه وينحرف عن الهدف الكبير، وتشغله فروع البحث فتستأثر باهتمامه وينسى الغاية الأهم في معالجته للبحث المعني به، وقد تضيع الفكرة الرئيسية على القارئ. ونحن هنا مع أحد أسماء الله الحسنى، فالبحث هامٌ والغاية سامية , وحذرنا من الانسياق وراء الفروع قائم إن شاء الله.
إن شرف العلم من شرف المعلوم، وهذه الحقيقة أكررها كثيراً في كتابي، فإذا درست موضوعاً حقيراً أو تافهاً أو سخيفاً، فهذه الدراسة، وتلك التمحيصات والتحقيقات والمتابعات بجملتها سخيفة لماذا؟ لأنَّ الموضوع تافه و كلما شرُفَ الموضوع شرُفَ العِلم.
والسؤال المُلح دائماً: هل يُوازَن خالق مع مخلوق ؟ أو قديم مع حادث ؟ أو كامل كمالاً مطلقاً مع ناقص ؟ لا. وحينما يتعرف المرء إلى أسماء الله الحسنى يتعرف إلى خالق الكون، وقد يَسأل سائل وما علاقتي بأسماء الله الحسنى ؟ فأقول الجواب أتى به رسول الله عليه الصلاة والسلام حين قال:
(( تخلقوا بأخلاق الله ))
قال تعالى:
﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾
(سورة البقرة آية 30)
فأنت أيها الإنسان خليفة الله في الأرض، ولن تُحققَ هذه الخِلافة إلاّ إذا تخلّقتَ بأخلاق الله عز وجل، فإذا عرفنا جانباً من أسماء الله الحسنى فينبغي أن نتساءل وما ما حظ المؤمن مِن معرفة هذا الاسم؟ وما حظه من معرفة اسم العزيز ؟ أقول: حظه أن يكون أنت عزيزاً، وابتغوا يا عباد الله العزة عند الله.
(( عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ قَالُوا وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ قَالَ يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاءِ لِمَا لا يُطِيقُ ))
(أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد)
" ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير "
وإننا في الصفحات التالية نطوف حول اسم اللطيف، والحقيقة التي أتمنى على كل إنسان أن تكون واضحةً في ذهنه ؛ هي أن هذا الكون كله في أصل خلقه خُلِقَ وسُخر للإنسان تسخيرين: تسخير تعريف وتسخير تكريم، فالمرء قد يشرب الكأس من الماء، فيروى العروق ويلتذ به الجسم، ولكن هذا الماء خُلق لهدف أكبر من أن تشربه، خُلق لكي تعرف الله مَن خلاله، فمَن جعل الماء لا لون له ولا طعم ولا رائحة ؟ ومَن جعله ذا خاصية عالية في النفوذ ؟ ومَن جعله يتبخر في درجة منخفضة جداً أي في الدرجة الرابعة عشرة ؟ ومَن جعله يحل المواد الكثيرة؟ ومَن جعله قِوام الخلية الحية ؟ إلخ...؟
فإذا عرفت أيها الإنسان الله من خلال الماء فقد حققت الهدف الكبير من خَلْقِ الماء أما إذا شربت كأس الماء وارتويت به ثم أغلقت دون عقلك الأبواب فقد حققت الهدف الصغير ؛ فالهدف الكبير أن تعرف الله من خلال الماء و الهواء والطعام، وأن تعرفه من خلال نفسك التي بين جنبيك، وأن تعرفه من خلال ابنك، ومن خلال كل شيء حولك، هذا كله بينه النبي عليه الصلاة والسلام في حديث موجز قصير جامع مانع، حينما رأى الهلال فقال:
((حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلالَ قَالَ هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ آمَنْتُ بِالَّذِي خَلَقَكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا ))
(أخرجه أبو داود)
إذا وقفت عزيزي القاريء أمام بائع أزهار وتأملت جمال الله عز وجل، من خلال جمال الزهرة وتأملت هذه الرائحة الفواحة العَطِرة، ورأيت في الزهرة تناسق الألوان وأنت تعلم علم اليقين أن هذا الزهر لا يؤكل، وإنما خُلِقَ خصيصاً لإمتاع عينك وأنفك، إذاً هذا مِن إكرام الله عز وجل لك، وإذا عرفته شكرته وعظمته.
لو قرأت كتاباً عن العسل وتملَّكك العجب العُجاب من هذه النحلة: تلك الحشرة الاجتماعية، ذات النظام البديع، في مجتمعها الذي هو أرقى من المجتمعات البشرية ـ وهذا كلام علمي ـ فأي مجتمع بشري ديموقراطي، يعرف فيه كل مواطن ما له وما عليه، من حقوق وواجبات ؟ إن النظام لدى مجتمع النحل دقيق جداً، إذ لا ترقى إليه التنظيمات البشرية. إذ كل شيء في وقته وموقعه ومكانه وزمانه، فأرقى المجتمعات البشرية لا ترقى إلى مستوى النظام الاجتماعي عند النحل والنمل.
أجل، إذا قرأت كتاباً عن النحل، وشعرت أن الخالق جلَّ وعلا أبدع في خلق النحل، فأدركك الخشوع وربما انهمرت عينك بالدموع، فأنت حققت الهدف الأكبر من خلق النحل ولو لم يكن دخلك يسمح أن تشتري شيئاً من العسل، بينما الذي أكل العسل حتى امتلأت حجراته وخلاياه منه ولم يفكر في هذه المادة التي أكرَمَ الله بها الإنسان عطّلَ الهدف الأكبر واستفاد من الهدف الأصغر.
إذاً اتفقنا على أن الكون مظهر لأسماء الله الحسنى.. وما دمنا نطوف حول اسم اللطيف، فهل ترى في الكون ما يدل على أنه لطيف ؟.. نعم فالهواء يحيط بنا من كل جانب، نستنشقه، ولو حركناه لشعرنا بوجوده، يحمل طائرة وزنها ثلاثمائة وخمسون طناً، منها مائة وخمسون هيكل الطائرة، ومائة وخمسون الوقود، وخمسون الركاب مع الحاجات ؛ فالهواء يحمل ثلاثمائة وخمسين طناً فهو إذاً شيء عجيب جداً.
وحينما تدخل المركبةُ الفضائية في الغلاف الجوي تصبح كتلةً من اللهب لاحتكاكها به، ومع ذلك إذا كنت على سطح الأرض فالهواء لا يُرى وليس له صوت إذا كان ساكناً، فهو موجود وكأنه غير موجود فلا يحجب الرؤية، وترى أخاك من خلاله، وتسمع صوته، إذاً الهواء لطيف، وربنا عز وجل يقول:
﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)﴾
(سورة الشورى)
﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)﴾
(سورة الملك)
اسم اللطيف له معانٍ كثيرة، أحد هذه المعاني أن الشيء الصغير الذي لا يُحس به لصغره يسمى لطيفاً، يعني مثلاً ائتِ بين يديك جهاز راديو، أدر مؤشره إلى إذاعة من الإذاعات، تستمع إلى نشرة الأخبار، فالكلام أين هو ؟ إنه موجودة في الجو المحيط، وبهذا الجهاز اللاقط التقطها، فهل تستطيع أن ترى بعينك موجات الإذاعة ؟ لا تراها بعينك، ولا تسمعها من دون جهاز استقبال ؟ وهل لها وزن ؟ لا، وهل لها رائحة ؟ لا، إذاً موجات الإرسال لطيفة، وموجودة، والدليل استماعك للجهاز الذي بين يديك، فإذا أزحت عنك الجهاز فإنك لا ترى شيئاً، ولا تسمع شيئاً ولا تشم شيئاً، إذاً هذا الإرسال موجود ولكن بلطف، وسأُقرّب الأمثلة لأفهام القراء الكرام:
الإرسال موجود لكن بلطف، والهواء موجود لكن بلطف، أما الهواء إذا تحرّك بسرعة تزيد عن ثمانمائة كيلو متر في الساعة، فهذا الإعصار لا يُبقي شيئاً على سطح الأرض، وقد قرأت عنه في أمريكا بأن إنساناً هناك له فيلا، أي دار فخمة جداً، وله سيارة من الوزن الثقيل وأصاب هذه المدينة إعصار، فعثر على محرك سيارته بعد خمسة كيلو مترات من داره، ولم يجد لا للدار ولا للمركبة أي أثر، وهذا نتيجة حركة الهواء ! أما إذا سكن فلطيف جداً، إذ لا تراه بعينك، وليس له رائحة، ولا صوت ولا حِس.
إذاً معنى اللطيف بالمعنى اللغوي الشيء الصغير الذي لا يُحس به لصِغره، و هذا الشيء الصغير الذي لا يُحس به لصِغره يُسمى لطيفاً، وهذا الماء، لو أخذت منه نقطة من الكأس ووضعتها تحت المجهر، وكبَّرْت النقطة مئات المرات لرأيت فيها عشرات بل مئات بل ألوف الكائنات الحية، بينما يبدو أمامك ماء صافياً عذباً فراتاً رائقاً. لكن الكائنات التي فيه غير الضارة، وهي كائنات لطيفة، وما معنى لطيفة ؟ أي هي من الصِغر بحيث لا تراها من لطفها، فهذا معنىً من معاني لطيف.
ثم إن الهواء لطيف أي موجات الإرسال لطيفة، بلا رائحة ولا صوت ولا حس وغير مرئية، وهذا معنى آخر أيضاً. والكائنات الحية في هذا الكأس من الماء لطيفة، وإذا قلنا الله لطيف بعباده، فالله عز وجل معك يسمع صوتك، ويعلم ما في قلبك، و ما في رأسك من أفكار من وطموحات، و صراعات، و آراء، ومعتقدات، و تصورات و تخيلاّت، ويعلم ما في قلبك من هموم و متاعب وآلام و ضغوط من خوف ومن قلق، ومع ذلك وجوده معك ليس ثقيلاً، تصوّر لو أن إنساناً لازَمَ إنساناً.. جلس فجلس معه، مشى فمشى معه، دخل إلى بيته فدخل معه، أكل فأكل معه، فإن بقي يلازمه خمسة أو ستة أيام يخرج من جلده، ويقول له صائحاً: إليك عني، انصرف بعيداً، وقد رأينا أنه لم يتكلم بأية كلمة، ولم ينتقد، ولم يعترض، ولم يطلب منك مطلباً ما ؛ إن ذلك الشخص بملازمته لك عبء عليك، لكنك تعلم أن الله معك دائماً، ولكن لا تُحِس بوجوده، فوجوده غير ثقيل عليك قال تعالى:
﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)﴾
(سورة الحديد)
﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)﴾
(سورة المجادلة)
يعني كلمة لطيف، أن الله عز وجل من اللطف بحيث لا تراه ولا تسمعه ولكن تراه بعقلك، وهذا أحد المعاني لكلمة لطيف، لهذا جاء في الحديث الصحيح:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، قَالَ: مَا الإِسْلامُ ؟ قَالَ: الإِسْلامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ، قَالَ: مَا الإِحْسَانُ ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. ))
" اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأنا نراك "
إذاً: المعنى الأول أن الشيء الصغير الذي لا يُحس به لأنه بعيد، لدقة صِغره يسمى لطيفاً، ولما كان الله سبحانه وتعالى منزّهاً عن الجسمية ليس بجسم ولا صورة ولا متبعض ولا متجزّئ ولا متحيّز وكل ما خطر ببالك فالله خلاف ذلك، لا يُسأل عنه ؛ متى كان ؟ لأنه خالق الزمان ولا أين هو ؟ لأنه خالق المكان، فالله عز وجل منزّه عن الجسمية والتحيز والجهة. أين الله ؟ هنا فوق، يمين، وراء، يسار، أمام، في كل مكان مع كل شيء، لكن لا كشيء في شيء، محيط بكل شيء علماً مع كل شيء وفوق كل شيء وإلى جانب كل شيء ولكن لا يجوز أن تشير إليه بجهة، ولا أن تنسب إلى الله الجهة ولا الحيز وما معنى الحيّز ؟ مثلاً هذا الكأس يشغل حيزاً في الغرفة، وله وزن وارتفاع و قُطر وقد حجز على الطاولة مكاناً، و في الفراغ مكاناً وله وزن ؛ هذا هو الحيز، فربنا عز وجل ليس بمتحيز، أي لا يشغل حيزاً وليس له جهة يُشار إليها وليس له مكان ولا زمان ولما قال عز وجل:
﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (22)﴾
(سورة الفجر )
أي وجاء أمر ربك، أي حينما يأتي البلاء. وأحياناً يكون الإنسان مُنحرفاً، مُسرفاً، يأتي كل يوم كاليوم السابق صحة وطعاماً وشراباً ومكانة اجتماعية، وقوة وطغياناً وسيطرة، ولكن فجأةً يأتيه مرضٌ عُضال لا يرى، أو قد يشعر بآلام شديدة في صدره أو في يده اليسرى مثلاً، فنقول وجاء ربك، يعني وجاء أمر ربك.
إذاً إذا قلت الله لطيف يعني الله عز وجل لا يشغل حيّزاً وليس له جهة، ولا مكان، ولا زمان، وليس بجسم ولا صورة، ولا متبعّض ولا متجزّئ ولا متحيّز، إلى آخر هذا التعريف.
ولما كان الله منزّهاً عن الجسميّة والجهة لم يحس به فأطلقوا اسم الملزوم له على اللازم، فوصفوا الله تعالى بأنه لطيف بمعنى أنه غير محسوس، وكونه لطيفاً بهذا الاعتبار، فهذا الاسم من صفات التنزيه أي سبحانه أن يكون له جسم، أو أن يكون متحيّزاً، أو أن يَشغُل مكاناً، سبحانه أن يُحيط به زمان، سبحانه.
إذاً: اسم اللطيف من أسماء التنزيه، فهو معك لكن بلا شعور، لا تُدرِكُه الأبصار لأنه لطيف وهو يُدرِك الأبصار، رآك، والدليل الصارخ: مع كل واحد منكم دليل.
وأحياناً تعمل عملاً لا يُرضي الله فتُحاسب عليه بعد قليل حساباً عسيراً ؛ إذاً رآك، وأحياناً تفكر في عمل لا يُرضي الله، تجد الله عز وجل قد عاقبك، لأنه عَلِمَ ما في نفسك، إنه لطيف لا تُحِس بوجوده، فوجوده ليسَ ثقيلاً عليك، لكنه موجود، يَحولُ بين المرء وقلبه، ويعلم السر وأخفى، و معنى وأخفى، أي وعَلِمَ ما لم يكن لو كان وكيف كان ويكون فإن كان دخلك ثلاثة آلاف في الشهر وأنت مستقيم، فيبارك الله لك فيه، أمّا هناك من دخله يساوي عشرين ألفاً، دونما استقامة ولا تقوى، أو قل إن دخله مائة ألف في الشهر فلا يكفيه، إنه يعلم لمَ وكيف، وماذا، وعلامَ، وهذه أحوالك أيها الإنسان فيعلم الله دون أن تراه، فالله لطيف، ولطيف اسم تنزيه، وفي الوقت نفسه لطيف لكنه موجود معك، فخواطرك ومشاعرك وأحاسيسك وطموحاتك وصراعاتك وآلامك، وضيق نفسك كله معروف عنده لكن من دون أن تشعر به.
إن المؤمن ما دام يَعبُد الله وكأنَّ الله يراه فإنه يكون متأدباً حتى ولو كان وحده، وهو لا يرى الله بعينه لكنه يراه بعقله، وصحيح كلام العوام الذي يُقال كل يوم " يا أخي الله ما نشاف لكن بالعقل انعرف" فالمؤمنون وهم في فرشهم يتأدبون مع الله عز وجل، إذ يلاحظ أحدهم ثيابه كاملة، ويحب أن تكون حركته كلها أدباً، حتى إذا دخل الخلاء له دعاؤه، وحتى إذا دخل الحمام له موقف فيه أدب ؛ لأن الله يراقبه، والواقعة التالية إن صحّت فلا ينبغي أن يُستنبط منها حكم نلتزم به: فأحد العارفين كان ماداً رجليه، فسمع في قلبه نداء: يا فلان أهكذا تجالس الملوك، فنذر ألا يمد رجله ما عاش، هذه درجة عالية جداً جداً من الشعور بأن الله معك.
وأحد الصحابة يقول: والله منذ صافحت يد النبي عليه الصلاة والسلام، ما مست يدي ذكري طول حياتي إكراماً لهذه المصافحة، فكلما ارتقى إيمانك تشعُر أنَّ الله معك.. " يا موسى أتحب أن أكون جليسك، فصعق ثم قال: وكيف هذا يا رب، قال: أما علمت أنني جليس من ذكرني وحيثما التمسني عبدي وجدني "
وبعد، فكم من مصلٍ يقول: سَمِعَ الله لمن حمده، فهل عرفت معناها، يعني يا عبدي أنا أسمعك، فاحمدني ؛ فإن قلت: سمع الله لمن حمده، فأنا أسمعك وأصغي إليك،.. أين هو ؟ فلذلك إذا صليت فاعلم أنك بين يدي الله عز وجل، والسيدة عائشة تقول كان النبي يحدثنا ونحدثه، يجالسنا ونجالسه، فإذا حضرت الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه، وهذا ما يجب أن يكون عليه كل مسلم.
ترى الإنسان يعتني بمظهره عناية مطلقة إذا دعيَ لمقابلة مسؤول مثلاً وهو إنسان مثله، يموت ويجوع ويعطش ويتعب ويغضب فكيف إذا وقف بين يدي الواحد الديّان ؟ فليعلم أن الله لطيف، موجود ولكن لطيف، وجوده لطيف وليس ثقيلاً، هذا المعنى الأول.
المعنى الثاني: اللطيف هو العالم بدقائق الأمور وغوامِضِهِا ويُقال فلان لطيف اليد إذا كان حاذقاً في صنعته، ومهتدياً إلى ما يشكل على غيره، وعلى هذا التفسير يكون الله لطيفاً بمعنى عليماً.
و قد تفهم الأمر بشكل ظاهري لا بخباياه، ولا بخلفياته، ولا بتحليلاته العميقة، ولا بالدوافع الخفية لهذا الأمر، فالإنسان كلما ارتقى عِلمُه يفهم البواطن ويفهم السِرّ، و مابين السطور، بل يفهم الدافع الحقيقي
أضرب مثلاً بأشخاصٍ غير مستقيمين: في أيام الشتاء جاءت صديقة زوجته، وهو جالس في غرفة الجلوس والمدفأة مشتعلة، فقال لها ولزوجته: تعالين إلى هنا، أدفأ لَكُنَّ، وهل حقاً أدفأ لَهُنَّ ؟ أم له هدف أبعد من ذلك، أن يطّلِعَ على هذه المرأة صديقة زوجته، من يعلم هذا الشيء ؟ الله عز وجل يعلم السر وأخفى.
وما معنى لطيف يعني يعرف دوافعك الحقيقية، وهذه المواقف الملتوية و السِرَ، والحِكمَة، وهو الذي يعلم دقائق الأمور، وبواطِنها و خلفيات الأشياء، وحقيقة كل أمرٍ، ويعلم ما خَفِيَ على معظم الناس. يقولون: لقد دخل رجل يوماً إلى بيت وارتكب الفاحشة مع امرأة وخرج، فلما علم الزوج تَبِعَهُ وهو في أشدِّ حالات الغضب، فهذا المُلاحق أمسك كفَّه عدس ورماه به وقال له: خذه فالعوام قالوا: الذي يعرف يعرف، والذي لا يعرف ما الذي حدث يقول: كف عدس، يعني أنه يلحقه من أجل كف عدس.
الأمر أعمق من ذلك، أحياناً يكون قضية معقدة جداً، والإعلان عنها سهل ولكنها أخطر من ذلك.
فالذي يعلم بواطن الأمور ودقائقها وخفاياها، ومؤدياتها ومضاعفاتِها وما ينجم عنها وما أساسها، وما سِرُّها، وما أسبابها الحقيقية هو اللطيف هذا معنى ثان، يعني اسم اللطيف هنا بمعنى الذي يعلم كل شيء مهما دق وخفي.
فحجر في الطريق يمكن أن تكون تحته نملة صغيرة، ولها سراديبها و قوتها و مؤونتها.
وفي البحر بين طرطوس وأرواد عشرة كيلو مترات فكم من السمك هناك وما أنواعها ؟ إنك لا تعرف، أما الذي يعلم كل شيء ومهما دقَّ ومهما جلَّ فهو الله عز وجل، فاللطيف هو الذي يعلم دقائق الأشياء، وهذا هو المعنى الثاني.
المعنى الثالث: اللطيف هو البَرُّ بِعِبَادِه الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويهيّء مصالحهم من حيث لا يحتسبون، فاليوم حر شديد مثلاً، فربنا عز وجل يهيّء لأهل هذه البلدة إنضاج فاكهتهم، وهم لا يعرفون، وبعد شهر ترى هذه الفاكهة معروضة في الأسواق بوضع جيد وجميل وطعم طيب ولذيذ، فمن أنضج هذه الفاكهة طَوَال هذه المدة ؟ الله عز وجل، إنه لطيف بعباده، فساعة حر، وساعة برد، وساعة ماء غزير، وساعة ماء قليل، وأنت لا تدري فاللطيف بعباده هو البَرُّ بهم والذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويهيّء مصالحهم من حيث لا يحتسبون، ومن قول الله عز وجل:
﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ ﴾
ومنه يأتي المعنى الثالث أي البر بعباده.
لكن المعنى الرابع وهو من أروع المعاني التي قالها الإمام الغزالي، أن اسم اللطيف الذي يعلم دقائق الأمور وينقل عبده من حال إلى حال بلطف عجيب.
فهذا الطفل الصغير يجب أن يُغيّر أسنانه، لأنه لو نبتت له أسنان نهائية ثابتة وفمه صغير جداً، فمنظره بشع، فأسنانه كبيرة والفم صغير، ولو نبتت له الأسنان وهو يلتقم ثدي أمه فيمكن أن يؤذيها أذى مؤلماً لا تحتمله، فهذا الطفل يكون في السنة الأولى بدون أسنان ثم أسنان لبنية، ومن بعد، ربنا عز وجل يُبدّل لهذا الطفل أسنانه، فالله لطيف، ولا يوجد طبيب في الأرض يستطيع أن ينزع سناً لطفل من دون أن يبكي، حتى أن حقنة المخدر مؤلمة جداً، فيبكي منها و لكن ربنا عز وجل يذيب هذا السن شيئاً فشيئاً ثم يأكله الطفل مع اللقمة ولا يشعر بشيء، فمعنى لطيف كما قال الإمام الغزالي: " هو من يعلم حقائق المصالح وغوامضها ثم يسلك في إيصالها إلى مستحقها سبيل الرفق دون العنف ".
وأحياناً قد يُكرِهُك الله على شيء ما، ليس فجأةً بل بالتدريج خلال خمس سنوات مثلاً، وتأتيك منه بعض المتاعب، أزاح منك بالمائة خمساً من محبته وبعد أسبوعين تأتي متاعب جديدة فيزاح بالمائة عشر، و بعد أسبوعين متاعب جديدة بالمائة خمس عشرة وبعد شهرين أو ثلاثة تقول زهقت روحي ولم أعد أطيق ذلك، فهناك شيء غير صحيح قد تعلقت به، فربنا عز وجل نزعه منك شيئاً فشيئاً بلطف.
على هذا النحو تم تحريم الخمرة ؛ إذ كان العرب متعلقين بها تعلقاً شديداً، فلو أمرهم أن يتركوا الخمرة بآية واحدة فربما ارتدَّ بعضهم، أو نصفهم عن الإسلام، لكن الله لطيف، قال:
﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)﴾
(سورة النحل)
فقط.. ألطف إشارة إلى أن الخمر هي رزق ولكنه ليس حسناً، فقال:
﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً﴾
مادة مُسكِرة، ورِزقاً حسناً: تظنون أنه حسن وهو مسكر فليس بحَسَن، هذه أول إشارة. وبعد ذلك قال:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾
(سور النساء آية 43)
يعني إن شربْتَ فلا عليك ولكن دعه عند الصلاة، وبعد ذلك قال:
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)﴾
(سورة البقرة)
المنافع للذين يتاجرون بها ويعيشون على دخلها، ثم يقول الله عز وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)﴾
(سورة المائدة)
فهو سبحانه لطيف حرّمَهَا بالتدريج، وكذلك قد يذهب شاب إلى الجامع فيسمع درساً ووعظاً، فيقول: والله إنه درس جميل، وأريد أن أداوم عليه و يكون على عشرين أو ثلاثين معصية، وربنا للطفه لا يذكره بها كلها، لكن الله اللطيف يذكره بواحدة منها بين الحين والحين. هذه حرام وهذه حرام، فلا حول ولا قوة إلا بالله، لقد كنت جاهلاً، فلعله يتركها ؟؟ ولو أعطيناه القائمة بالمعاصي كلها لترك الدين كله، ولكن اللطيف تدرج به واحدة واحدة، وبعد ستة أو ثمانية أشهر، ترك هذه وهذه وهذه، وربنا يُسخِّر لَهُ شخصاً يُذكِرُهُ بالأشياء بلطف، فهذه حرام يا أخي وهذه لا يجوز أن تأتيها، وهذا اللقاء لا يجوز، و هذا البيع فيه شبهة وهذه البضاعة لا يحل الإتجار بها فهي محرمة شرعاً. أتتاجر بطاولات نرد ؛ فإليك حديث النبي صلى الله عليك وسلم فيها:
((عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ ))
(أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة وأحمد)
وبالتدريج ربنا يعالج الأمور، فربنا لطيف في العلاج، والإنسان أحياناً يغلب رجاؤه على خوفه، وربنا لطيف يخوفه، وأحياناً يغلب خوفه على رجائه وربنا لطيف يطمئنه.
العلم الدقيق مع التدريج في العمل، هذا هو الاسم الجامع المانع لاسم اللطيف، ويستحقه من يعلم حقائق المصالح وغوامضها ثم يسلك في إيصالها إلى مستحقها سبيل الرفق دون العنف، حين يجتمع له هذا العلم. وإليك مثلاً: إن الوالد إذا ارتكب ابنه مخالفة للشرع أو للأخلاق، فيمكن أن يعاقبه بعنفٍ وقسوة، ولكن الأجدى أن يتابعه ويراقبه ويشجعه ويكافئه ويعاقبه ويعرض عنه ويراوح في كل ذلك، وبعد شهرين أو ثلاثة يستقيم طواعية وقناعة، فأنت نقلته من حال التلّبُس بهذه المخالفة إلى حال التوبة منها بطريقة لطيفة من دون أن تُحطِمُهُ، أو تجرحه، أو تَسحَقَهُ، أو ترضَّه رضاً ودون ألم وعنف، والمربي المؤمن لطيف، ينقل من يعالجه ويربيه من درجة إلى درجة بالرفق واللطف.
دخل رجل إلى المسجد فأحدث جلبة وضجيجاً وَشَوّشَ على المصلين يريد أن يلحق مع الرسول ركعة، فلما انتهى قال عليه الصلاة والسلام لهذا الذي أحدث جلبة وضجيجاً، زادك الله حِرصاً ولا تعد ! لقد ترفق به، ولذلك فإن الله رفيق يحب كل رفيق.
وإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وعلموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف.
ومن لطف الله بعباده، أنه أعطاهم فوق الكفاية، وكلّفهم دون الطاقة خمس صلوات كل صلاة ثلث ساعة، عشرون دقيقة بخمس صلوات أي مائة دقيقة ومجموعها ساعة وثلثان من أربع وعشرين ساعة، ولو كلّفَكَ بخمسين صلاة لما استطعت ! ثلاثين يوماً صياماً في السنة فلو كلفك ستة أشهر صياماً متتابعة لما أطقت.
الله لطيف بأوامره، لطيف بخلقه، فلو كانت هذه التفاحة تحتاج إلى منشار ومجموعة أدوات عند النجار لَشَق الأمر على الناس جميعاً، فأنت بسكين تأكلها، ولو كانت البيضة تحتاج إلى مفتاح ولم تجد المفتاح لقست الحياة وأتعبت أهلها، لنك على طرف الصحن تكسرها.
عنقود العنب تريد أن تسحبه نحو الأسفل فينسحق بيديك، ولكن بالعكس له مفصل، الله لطيف، إذا عملت حركة معاكسة باتجاه العنقود يصير بيدك، تُمسك الدراقة فتصبح بحركة في يدك، فربنا عز وجل لطيف، الفاكهة لها طعم ولها شكل ولها قِوام مقبول مع الأسنان، ولو كانت التفاحة بقِوام الصخر تماماً فما الطريقة إلى أكلها ؟ إننا نحتاج إلى مطحنة بحصٍ كي نصنع عصير تفاح، إذ لا نقدر على أكلها، فالتفاحة قِوامُها هشّ ممكن أن تأكلها بسهولة.
الذي دبّرَ الأمور هو الحكيم والذي أوجدها هو الجواد والذي رتبها هو المصوّر، والذي وضع كل شيء في موضعه هو العادل، أما الذي لم يترك فيها دقائق إلا وعرفها فهو اللطيف، واللطيف هو الذي أعطى العباد فوق الكفاية وكلفهم دون الطاقة، واللطيف الميسر لكل عسير الجابر لكل يسير، واللطيف من وفق للعمل في الابتداء وختمه بالقبول في الانتهاء، واللطيف هو الذي وليَ فستر، وأعطى فأغنى، وأنعم فأجزل، وعلم فأجمل.
أما حظ العبد من هذا الاسم فهو الرِفقُ بعباد الله واللطف بهم في الدعوة إلى الله.
﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى(46)﴾
(سورة طه)
دخل أحدهم على ملك وقال له سأعِظُكَ بِغِلْظَة، قال له ولِمَ الغِلْظَة يا أخي لقد أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني أرسل موسى وهارون إلى فرعون فقال لهما فقولا له قولاً ليناً.
فإذا عرفت شيئاً سيئاً فاستره وكن لطيفاً، وإذا تحركت نحو فعل شيء فكن بهذه الحركة لطيفاً، وإذا أردت إحداث شيء فاجعل لهذا الشيء برنامجاً لا يُثقل على صاحبه، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان في قمة النشوة في صلاته مع ربه، ووراءه أصحابه، فسمع بكاء طفل صغير، فعلى غير عادته قرأ آية قصيرة رحمة بهذا الطفل واختصر الصلاة وسلّم، فإذا دعوت إلى الله عز وجل فكُنّ لطيفاً وكن ليناً وكُنْ رحيماً وقال بعض المحققين: العارف إذا أمر بالمعروف أمر برفقِ ناصحٍ لا بعنفِ معسرٍ، وكيف وهو مستبصر بسر الله تعالى.
وخلاصة بحثنا أن النبي عليه الصلاة والسلام في بعض ما ورد عنه يقول
(( تخلقوا بأخلاق الله ))
فإذا كان الله لطيفاً في علمه، لطيفاً في وجوده، لطيفاً في تصرفاته فكن أنت أيضاً لطيفاً