الجمعة، 9 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الحج والعمرة : الوقوف بعرفة

الوقوف بعرفة


فضل يوم عرفة:
عن جابررضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مامن أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة».
فقال رجل: هن أفضل، أم من عدتهن جهادا في سبيل الله؟ قال: «هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله. وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: انظروا إلى عبادي، جاءوني شعثا غبرا ضاحين. جاءوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم ير يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة».
قال المنذري: رواه أبو يعلى والبزار، وابن خزيمة، وابن حبان، واللفظ له.
وروى ابن المبارك عن سفيان الثوري، عن الزبير بن علي، عن أنس ابن مالك رضي الله عنه، قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، وقد كادت الشمس أن تثوب.
فقال: «يا بلال: أنصت لي الناس»، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنصت الناس.
فقال: «معشر الناس: أتاني جبريل عليه السلام آنفا، فأقرأني من ربي السلام، وقال: إن الله عز وجل غفر لاهل عرفات، وأهل المشعر الحرام، وضمن عنهم المتبعات».
فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة؟ قال: «هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة».
فقال عمر رضي الله عنه: كثر خير الله وطاب.
روى مسلم وغيره، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟» وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر، ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة».
وما ذك إلالما رأى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما أري من يوم بدر.

قيل: وما رأى يوم بدر يا رسول الله؟ قال: «أما إنه رأى جبريل يزع الملائكة» رواه مالك مرسلا، والحاكم موصولا.

.حكم الوقوف:
أجمع العلماء: على أن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الاعظم، لما رواه أحمد، وأصحاب السنن، عبد الرحمن بن يعمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مناديا ينادي: «الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك».
وقت الوقوف: يرى جمهور العلماءأن وقت الوقوف يبتدئ من زوال اليوم التاسع إلى طلوع فجر يوم العاشر، وأنه يكفي الوقوف في أي جزء من هذا الوقت ليلا أو نهارا.
إلا أنه إن وقف بالنهار وجب عليه مد الوقوف إلى ما بعد الغروب.
أما إذا وقف بالليل فلا يجب عليه شئ.
ومذهب الشافعي: أن مد الوقوف إلى الليل سنة.
المقصود بالوقوف: المقصود بالوقوف: الحضور والوجود، في أي جزء من عرفة ولو كان نائما، أو يقظان، أو راكبا، أو قاعدا، أو مضطجعا أو ماشيا.
وسواء أكان طاهرا أم غير طاهر كالحائض والنفساء والجنب.
واختلفوا في وقوف المغمى عليه ولم يفق حتى خرج من عرفات.
فقال أبو حنيفة ومالك: يصح.

وقال الشافعي وأحمد، والحسن، وأبو ثور، وإسحاق، وابن المنذر: لا يصح، لأنه ركن من أركان الحج.
فلم يصح من المغمى عليه، كغيره من الاركان.
قال الترمذي عقب تخريجه لحديث ابن يعمر المتقدم، قال سفيان الثوري: والعمل على حديث عبد الرحمن بن يعمر عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أن من لم يقف بعرفات قبل الفجر، فقد فاته الحج، ولايجزئ عنه إن جاء بعد طلوع الفجر، ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل، وهو قول الشافعي وأحمد وغيرهما.

.استحباب الوقوف عند الصخرات:
يجزئ الوقوف في أي مكان من عرفة، لأن عرفة كلها موقف إلا بطن عرفة، فإن الوقوف به لايجزئ بالاجماع.
ويستحب أن يكون الوقوف عند الصخرات، أو قريبا منها حسب الإمكان.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في هذا المكان وقال: «وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف» رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، من حديث جابر.
والصعود إلى جبل الرحمة واعتقاد أن الوقوف به أفضل خطأ، وليس بسنة.
.استحباب الغسل:
يندب الاغتسال للوقوف بعرفة.
وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يغتسل لوقوفه عشية عرفة. رواه مالك.
واغتسل عمر رضي الله عنه بعرفات وهو مهل.

.آداب الوقوف والدعاء:
ينبغي المحافظة على الطهارة الكاملة، واستقبال القبلة والاكثار من الاستغفار والذكر والدعاء لنفسه، ولغيره، بما شاء من أمر الدين والدنيا مع الخشية، وحضور القلب، ورفع اليدين.
قال أسامة بن زيد: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، فرفع يديه يدعو رواه النسائي.
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير» رواه أحمد والترمذي، ولفظه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الدعاء، دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير».
ويروى عن الحسين بن الحسن المروزي قال: سألت سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة.
فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
فقلت له: هذا ثناء وليس بدعاء.
فقال: أنا تعرف حديث مالك بن الحارث؟ هو تفسيره.
فقلت: حدثنيه أنت، فقال: حدثنا منصور، عن مالك بن الحارث قال: يقول الله عزوجل: «إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين».
قال: وهذا تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال سفيان: أما علمت ما قال أمية بن أبي الصلت حين أتى عبد الله ابن جدعان يطلب نائله؟ فقلت: لا.
فقال: قال أمية: أأذكر حاجتي أم قد كفاني - حياؤك إن شيمتك الحياء وعلمك بالحقوق وأنت فرع - لك الحسب المهذب والسناء إذا أثنى عليك المرء يوما - كفاه من تعرضه الثناء ثم قال: يا حسين، هذا مخلوق يكتفى بالثناء عليه دون مسألة، فكيف بالخالق؟ روى البيهقي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ال وسلم: «إن أكثر دعاء من كان قبلي من الانبياء، ودعائي يوم عرفة، أن أقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في بصري نورا، وفي سمعي نورا، وفي قلبي نورا اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، اللهم أعوذ بك من وسواس الصدر، وشتات الأمر، وشر فتنة القبر وشر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، وشر بوائق الدهر».
وروى الترمذي عنه قال: أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في الموقف: «اللهم لك الحمد كالذي نقول، وخيرا مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي، وإليك مآبي، ولك رب تراثي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر، وشتات الأمر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما تهب به الريح».
الوقوف سنة ابراهيم عليه السلام: وعن مربع الانصاري قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم» رواه الترمذي وقال: حديث ابن مربع، حديث حسن.

.صيام عرفة:
ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر يوم عرفة وأنه قال: «إن يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا - أهل السلام - وهي أيام أكل وشرب».
ثبت عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفات.
وقد استدل أكثر أهل العلم بهذا الأحاديث: على استحباب الافطار يوم عرفة للحاج، ليتقوى على الدعاء والذكر.
وما جاء من الترغيب في صوم يوم عرفة، فهو محمول على من لم يكن حاجا بعرفة.

.الجمع بين الظهر والعصر:
في الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم، جمع بين الظهر والعصر بعرفة.
أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر.
وعن الاسود، وعلقمة، أنهما قالا: من تمام الحج أن يصلي الظهر والعصر مع الإمام بعرفة.
وقال ابن المنذر: «أجمع أهل العلم: على أن الإمام يجمع بين الظهر العصر بعرفة، وكذلك من صلى مع الإمام» فإن لم يجمع مع الإمام يجمع ومنفردا.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يقيم بمكة، فإذا خرج إلى منى، قصر الصلاة.
وعن عمرو بن دينار قال: قال لي جابر بن زيد: أقصر الصلاة بعرفة. روى ذلك سعيد بن منصور.

.الإفاضة من عرفة:
يسن الافاضة من عرفة بعد غروب الشمس، بالسكينة، وقد أفاض صلى الله عليه وسلم بالسكينة، وضم إليه زمام ناقته، حتى إن رأسها ليصيب طرف رحله، وهو يقول: «أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالابضاع» - أي الاسراع - رواه البخاري ومسلم.
وكان - صلوات الله وسلامه عليه - يسير العنق فإذا وجد فجوة نص. رواه الشيخان.
أي أنه كان يسير سيرا رفيقا من أجل الرفق بالناس فإذا وجد فجوة أي مكانا متسعا، ليس به زحام - سار سيرا، فيه سرعة.
ويستحب التلبية والذكر.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي، حتى رمى جمرة العقبة.
وعن أشعث بن سليم، عن أبيه قال: أقبلت مع ابن عمر رضي الله عنهما من عرفات إلى مزدلفة، فلم يكن يفتر من التكبير والتهليل حتى أتينا المزدلفة رواه أبو داود.
الجمع بين المغرب والعشاء في المزدلفة: فإذا أتى المزدلفة، صلى المغرب والعشاء ركعتين بأذان وإقامتين، ومن غير تطوع بينهما.
ففي حديث مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة، فجمع بين المغرب والعشاء، بأذان واحد، وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئا.
وهذا الجمع سنة بإجماع العلماء.
واختلفوا فيما لو صلى كل صلاة في وقتها.
فجوزه أكثر العلماء، وحملوا فعله صلى الله عليه وسلم على الأولوية.
وقال الثوري وأصحاب الرأي: إن صلى المغرب دون مزدلفة، فعليه الاعادة.
وجوزوا في الظهر والعصر أن يصلي كل واحدة في وقتها مع الكراهية