الخميس، 1 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الزكاة : نقل الزكاة


نقل الزكاة

أجمع الفقهاء على جواز نقل الزكاة إلى من يستحقها، من بلد إلى أخرى إذا استغنى أهل بلد المزكي عنها.
أما إذا لم يستغن قوم المزكي عنها، فقد جاءت الأحاديث مصرحة بأن زكاة كل بلد تصرف في فقراء أهله، ولا تنقل إلى بلد آخر، لأن المقصود من الزكاة، إغناء الفقراء من كل بلد، فإذا أبيح نقلها من بلد - مع وجود فقراء بها - أفضى إلى بقاء فقراء ذلك البلد محتاجين.
ففي حديث معاذ المتقدم «أخبرهم: أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم».
وعن أبي جحيفة قال: قدم علينا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا، فكنت غلاما يتيما، فأعطاني قلوصا. رواه الترمذي وحسنه.
وعن عمران بن حصين: أنه أستعمل على الصدقة، فلما رجع قيل له: أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعناه حيث كنا نضعه. رواه أبو داود، وابن ماجه.
وعن طاوس قال: كان في كتاب معاذ: من خرج من مخلاف إلى مخلاف، فإن صدقته وعشره في مخلاف عشيرته. رواه الاثرم في سننه.
وقد استدل الفقهاء بهذه الأحاديث: على أنه يشرع صرف زكاة كل بلد في فقراء أهله، واختلفوا في نقلها من بلدة إلى بلدة أخرى، بعد إجماعهم على أنه يجوز نقلها إلى إلى من يستحقها إذا استغنى أهل بلده عنها، كما تقدم.
فقال الأحناف: يكره نقلها، إلا أن ينقلها إلى قرابة محتاجين لما في ذلك من صلة الرحم، أو جماعة هم أمس حاجة من أهل بلده، أو كان نقلها أصلح للمسلمين، أو من دار الحرب إلى دار الإسلام، أو إلى طالب علم،
أو كانت الزكاة معجلة قبل تمام الحول، فإنه في هذه الصور جميعها، لا يكره النقل.
وقالت الشافعية: لا يجوز نقل الزكاة، ويجب صرفها في بلد المال، إلا إذا فقد من يستحق الزكاة، في الموضع الذي وجبت فيه.
فعن عمرو بن شعيب: أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند - إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم - حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدم على عمر، فرده على ما كان عليه، فبعث إليه بثلث صدقة الناس، فأنكر ذلك عمر، وقال: «لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس، فترد على فقرائهم، فقال معاذ: ما بعثت اليك بشئ وأنا أجد أحدا يأخذه مني».
فلما كان العام الثاني بعث إليه بشطر الصدقة، فتراجعا بمثل ذلك، فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها، فراجعه عمر بمثل ما راجعه، فقال معاذ: ما وجدت أحدا يأخذ مني شيئا. رواه أبو عبيد.
وقال مالك: لا يجوز نقل الزكاة، إلا أن يقع بأهل بلد حاجة، فينقلها الإمام إليهم، على سبيل النظر والاجتهاد.
وقالت الحنابلة: لا يجوز نقل الصدقة من بلدها إلى مسافة القصر.
ويجب صرفها في موضع الوجوب أو قربه، إلى ما دون مسافة القصر.
قال أبوداود: سمعت أحمد، سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد؟ قال: لا قيل: وإن كان قرابته بها؟ قال: لا فإن استغنى عنها فقراء أهل بلدها جاز نقلها، واستدلوا بحديث أبي عبيد المتقدم.
قال ابن قدامة: فإن خالف ونقلها أجزأته، في قول أكثر أهل العلم فإن كان الرجل في بلد، وماله في بلد آخر، فالمعتبر ببلد المال، لأنه سبب الوجوب ويمتد إليه نظر المستحقين فإن كان بعضه حيث هو، وبعضه في بلاد أخرى، أدى زكاة كل مال، حيث هو.
هذا في زكاة المال، أما زكاة الفطر، فإنها تفرق في البلد الذي وجبت عليه فيه، سواء كان ماله فيه، أم لم يكن لأن الزكاة تتعلق بعينه - وهو سبب الوجوب - لا المال.
الخطا في مصرف الزكاة: تقدم الكلام على من تحل لهم الصدقة، ومن تحرم عليهم.
ثم إنه لو أخطأ المزكي، وأعطى من تحرم عليه، وترك من تحل له دون علمه، ثم تبين له خطؤه، فهل يجزئه ذلك، وتسقط عنه الزكاة، أم أن الزكاة لا تزال دينا في ذمته، حتى يضعها موضعها؟ اختلفت أنظار الفقهاء في هذه المسألة: فقال أبو حنيفة، ومحمد، والحسن، وأبو عبيدة: يجزئه ما دفعه ولا يطالب بدفع زكاة أخرى.
فعن معن بن يزيد قال: كان أبي أخرج دنانير، يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت. فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن» رواه أحمد، والبخاري.
والحديث، وإن كان فيه احتمال كون الصدقة نفلا، إلا أن لفظ: «ما» في قوله: «لك ما نويت» يفيد العموم.
ولهم أيضا في الاحتجاج حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: قال رجل: «لاتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق فقال: اللهم لك الحمد لا تصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لاتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد غني. فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على غني فقال. اللهم لك الحمد على زانية، وعلى سارق، وعلى غني، فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته وأما الزانية، فلعلها أن تستعف به عن زناها. وأما الغني، فلعله أن يعتبر، فينفق مما آتاه الله عز وجل» رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي سأله الصدقة: «إن كنت من تلك الاجزاء أعطيتك حقك» وأعطى الرجلين الجلدين، وقال: «إن شئتما أعطيتكما منها، ولاحظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب».
قال في المغني، ولو اعتبر حقيقة الغني، لما اكتفى بقولهم.
وذهب مالك، والشافعي، وأبو يوسف، والثوري، وابن المنذر: إلى أنه لا يجزئه دفع الزكاة، إلى من لا يستحقها، إذا تبين له خطؤه وأن عليه أن يدفعها مرة أخرى إلى أهلها، لأنه دفع الواجب إلى من لا يستحقه فلم يخرج من عهدته، كديون الآدميين.
ومذهب أحمد: إذا أعطى الزكاة من يظنه فقيرا، فبان غنيا، ففيه روايتان: رواية بالاجزاء، ورواية بعدمه.
فأما إن بان الآخذ عبدا، أو كافرا، أو هاشميا، أو ذا قرابة للمعطي، ممن لا يجوز الدفع إليه لم يجزئه الدفع إليه، رواية واحدة، لأنه يتعذر معرفة الفقير من الغني دون غيره {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف}.