كفارة اليمين
تعريف الكفارة: الكفارة صيغة مبالغة من الكفر، وهو الستر، والمقصود بها هنا الاعمال التي تكفر بعض الذنوب وتسترها حتى لا يكون لها أثر يؤاخذ به في الدنيا ولا في الاخرة.
والذي يكفر اليمين المنعقدة إذا حنث فيها الحالف:
1- الاطعام
2- الكسوة
3- العتق على التخيير:
فمن لم يستطع فليصم ثلاثة أيام.
وهذه الثلاثة مرتبة ترتيبا تصاعديا - أي تبدأ من الادنى للاعلى، فالاطعام أدناها، والكسوة أوسطها، والعتق أعلاها.
يقول الله تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون}.
.حكمة الكفارة:
الحنث خلف وعدم وفاء، فتجب الكفارة جبرا لهذا.
.الإطعام:
لم يرد نص شرعي في مقدار الطعام ونوعه، وكل ما كان كذلك يرجع فيه إلى التقدير بالعرف، فيكون الطعام مقدرا بقدر ما يطعم منه الإنسان أهل بيته غالبا - لا من الاعلى الذي يتوسع به في المواسم والمناسبات، ولا من الادنى الذي يطعمه في بعض الاحيان.
فلو كانت عادة الإنسان الغالبة في بيته أكل اللحم والخضروات وخبز البر فلا يجزئ ما دونه، وإنما يجزئ ما كان مثله وأعلى منه، لأن المثل وسط، والاعلى فيه الوسط وزيادة.
وهذا مما يختلف باختلاف الافراد والبلاد.
وقد كان الإمام مالك، رضي الله عنه، يرى أن المد يجزئ في المدينة، قال: وأما البلدان فلهم عيش غير عيشنا، فأرى أن يكفروا بالوسط من عيشهم، لقوله تعالى: {من أوسط ما تطعمون أهليكم}.
وهذا مذهب داود وأصحابه.
واشترط الفقهاء أن يكون العشرة المساكين من المسلمين إلا أبا حنيفة، فإنه جوز دفعها إلى فقراء أهل الذمة.
ولو أطعم مسكينا عشرة أيام، فإنه يجزئ عن عشرة مساكين عند أبي حنيفة.
وقال غيره: يجزئ عن مسكين واحد.
وإنما تجب كفارة الاطعام على المستطيع، وهو من يجد ذلك فاضلا عن نفقته ونفقة من يعول.
وقدر بعض العلماء الاستطاعة بوجود خمسين درهما عنده كما قال قتادة، أو عشرين كما قاله النخعي.
.الكسوة: وهي اللباس.
ويجزئ منها ما يسمى كسوة.
وأقل ذلك ما يلبسه المساكين عادة - لأن الآية لم تقيدها بالاوسط، أو بما يلبسه الاهل، فيكفي القميص السابغ جلابية مع السراويل.
كما تكفي العباءة أو الازار والرداء.
ولا يجزئ فيها القلنسوة أو العمامة أو الحذاء أو المنديل أو المنشفة.
وعن الحسن وابن سيرين: أن الواجب ثوبان، ثوبان.
وعن سعيد بن المسيب: عمامة يلف بها رأسه، وعباءة يلتحف بها.
وعن عطاء، وطاووس، والنخعي: ثوب جامع كالملحفة والرداء.
وعن ابن عباس، رضي الله عنه: عباءة لكل مسكين أو شملة.
وقال مالك وأحمد، رضي الله عنهما: يدفع لكل مسكين ما يصح أن يصلي فيه إن كان رجلا أو امرأة، كل بحسبه.
.تحرير الرقبة:
أي إعتاق الرقيق وتحريره من العبودية، ولو كان كافرا، عملا بإطلاق الآية عند أبي حنيفة وأبي ثور وابن المنذر.
واشترط الجمهور الايمان، حملا للمطلق هنا على المقيد في كفارة القتل والظهار، إذ تقول الآية: {فتحرير رقبة مؤمنة}.
.الصيام عند عدم الاستطاعة:
فمن لم يستطع واحدة من هذه الثلاث، وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام.
فإن لم يستطع لمرض أو نحوه - ينوي الصيام عند الاستطاعة، فإن لم يقدر، فإن عفو الله يسعه.
ولا يشترط التتابع في الصوم.
فيجوز صيامها متتابعة، كما يجوز صيامها متفرقة.
وما ذكره الحنفية، والحنابلة - من اشتراط التتابع - غير صحيح.
فقد استدلوا بقراءة جاء فيها كلمة {متتابعات} وهي قراءة شاذة ولا يستدل بالقراءة الشاذة، لأنها ليست قرآنا - ولم تصح هنا حديثا حتى تكون تفسيرا من النبي صلى الله عليه وسلم، للاية.
.إخراج القيمة:
اتفق الائمة الثلاثة على أن كفارة اليمين لا يجزئ فيها إخراج القيمة عن الاطعام والكسوة.
وأجاز ذلك أبو حنيفة، رضي الله عنه.
.الكفارة قبل الحنث وبعده:
اتفق العلماء على أن الكفارة لا تجب إلا بالحنث، واختلفوا في جواز تقديمها عليه.
فجمهور الفقهاء يرى أنه يجوز تقديم الكفارة على الحنث، وتأخيرها عنه، ففي الحديث عند مسلم وأبي داود والترمذي: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل». ففي هذا الحديث جواز تقديم الكفارة على الحنث.
وإذا تقدمت الكفارة على الحنث كان الشروع في الحنث غير شروع في الاثم، إذ تقديم الكفارة يجعل الشئ المحلوف عليه مباحا.
وعند مسلم أيضا ما يفيد جواز تأخير الكفارة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأتها، وليكفر عن يمينه».
قال هؤلاء: ومن قدم الحنث كان شارعا في معصية، وقد يموت قبل أن يتمكن من الكفارة، ولعل هذه هي حكمة إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تقديم الكفارة.
ويرى أبو حنيفة أن الكفارة لا تصح إلا بعد الحنث، لتحقق موجبها حينئذ.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «فليكفر عن يمينه، وليفعل الذي هو خير».
معناه عنده: فليقصد أداء الكفارة، كقوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ} أي إذا أردت.
والأول أرجح.