الخميس، 1 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الزكاة : أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة ونصاب كل نوع


أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة ونصاب كل نوع


أوجب الإسلام الزكاة في الذهب، والفضة، والزروع، والثمار وعروض التجارة والسوائم، والمعدن، والركاز.

.زكاة النقدين: الذهب والفضة.
.وجوبها:
جاء في زكاة الذهب والفضة، قول الله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}.
والزكاة واجبة فيهما، سواء أكانا نقودا، أم سبائك، أم تبرأ، متى بلغ مقدار المملوك من كل منهما نصابا، وحال عليه الحول، وكان فارغا عن الدين، والحاجات الاصلية.

.نصاب الذهب ومقدار الواجب:
لا شيء في الذهب حتى يبلغ عشرين دينارا، فإذا بلغ عشرين دينارا، وحال عليها الحول، ففيها ربع العشر، أو نصف دينار، وما زاد على العشرين دينارا يؤخذ ربع عشره كذلك، فعن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس عليك شيء - يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون دينارا، فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك، وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول» رواه أحمد، وأبو داود، والبيهقي، وصححه البخاري، وحسنه الحافظ.
وعن زريق مولى بني فزارة: أن عمر بن عبدالعزز كتب إليه - حين استخلف -: خذ ممن مر بك من تجار المسلمين - فيما يديرون من أموالهم - من كل أربعين دينارا: دينارا، فما نقص فبحساب ما نقص حتى يبلغ عشرين، فإن نقصت ثلث دينار فدعها، لا تأخذ منها شيئا، واكتب لهم براءة بما تأخذ منهم، إلى مثلها من الحول، رواه ابن أبي شيبة.
قال مالك في الموطأ: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا أن الزكاة تجب في عشرين دينارا كما تجب في مائتي درهم.
والعشرون دينارا تساوي 28 درهما وزنا بالدرهم المصري.
نصاب الفضة ومقدار الواجب: وأما الفضة، فلا شيء فيها حتى تبلغ مائتي درهم، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها ربع العشر، وما زاد فبحسابه، قل أم كثر، فإنه لا عفو في زكاة النقد بعد بلوغ النصاب.
فعن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة الفضة من كل أربعين درهما: درهم، وليس في تسعين ومائة شئ، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم» رواه أصحاب السنن.
قال الترمذي: سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: صحيح.
قال: والعمل عند أهل العلم، ليس فيما دون خمسة أوراق صدقة، والاوقية أربعون درهما، وخمس أوراق مائتا درهم.
والمائتا درهم 9 / 27 7 ريالا و5 / 555 قرشا مصريا.

.ضم النقدين:
من ملك من الذهب أقل من نصاب، ومن الفضة كذلك لا يضم أحدهما إلى الاخر، ليكمل منهما نصابا، لأنهما جنسان: لا يضم أحدهما إلى الثاني، كالحال في البقر والغنم، فلو كان في يده 199 درهما وتسعة عشر دينارا، لا زكاة عليه.
.زكاة الدين: للدين حالتان:
1- الدين إما أن يكون على معترف به، باذل له، وللعلماء في ذلك عدة آراء:
الرأي الأول: أن على صاحبه زكاته، إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه فيؤدي لما مضى، وهذا مذهب علي، والثوري، وأبي ثور، والأحناف والحنابلة.
الرأي الثاني: أنه يلزمه إخراج الزكاة في الحال، وإن لم يقبضه، لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه، فلزمه إخراج زكاته كالوديعة، وهذا مذهب عثمان، وابن عمر، وجابر، وطاووس، والنخعي، والحسن، والزهري، وقتادة، والشافعي.
الرأي الثالث: أنه لا زكاة فيه، لأنه غير نام فلم تجب زكاته، كعروض القنية، وهذا مذهب عكرمة، ويروى عن عائشة، وابن عمر.
الرأي الرابع: أنه يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة.
وهذا مذهب سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح.
2- وإما أن يكون الدين على معسر، أو جاحد، أو مماطل به.
فإن كان كذلك، فقيل: إنه لا تجب فيه الزكاة وهذا قول قتادة، وإسحاق وأبي ثور، والحنفية، لأنه غير مقدور على الانتقاع به.
وقيل: يزكيه إذا قبضه لما مضى.
وهو قول الثوري وأبي عبيد، لأنه مملوك يجوز التصرف فيه، فوجبت زكاته لما مضى كالدين على الملئ، وروي عن الشافعي الرأيان.
وعن عمر بن عبد العزيز، والحسن، والليث، والاوزاعي، ومالك: يزكيه إذا قبضه، لعام واحد.
زكاة أوراق البنكنوت والسندات: أوراق البنكنوت والسندات: هي وثائق بديون مضمونة تجب فيها الزكاة، إذا بلغت أول النصاب 27 ريالا مصريا لأنه يمكن دفع قيمتها فضة فورا.
زكاة الحلى:
اتفق العلماء على أنه لا زكاة في الماس، والدر، والياقوت، واللؤلؤ، والمرجان، والزبرجد، ونحو ذلك من الاحجار الكريمة إلا إذا اتخذت للتجارة ففيها زكاة.
واختلفوا في حلي المرأة، من الذهب والفضة.
فذهب إلى وجوب الزكاة فيه، أبو حنيفة، وابن حزم، إذا بلغ نصابا، استدلالا بما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأتان في أيديهما أساور من ذهب: فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتحبان أن يسوركما الله يوم القيامة أساور من نار؟» قالتا: لا، قال: «فأديا حق هذا الذي في أيديكما».
وعن أسماء بنت يزيد قالت: دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلينا أسورة من ذهب، فقال لنا: «أتعطيان زكاته؟» قالت: فقلنا: لا. قال: «أما تخافان أن يسور كما الله أسورة من نار؟ أديا زكاته» قال الهيثمي رواه أحمد وإسناده حسن.
وعن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق، فقال لي: ما «هذا يا عائشة؟» فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله؟ فقال: «اتؤدين زكاتهن؟» قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: «هو حسبك من النار» رواه أبو داود، والدارقطني، والبيهقي وذهب الائمة الثلاثة إلى أنه لا زكاة في حلى المرأة، بالغا ما بلغ.
فقد روى البيهقي أن جابر بن عبد الله سئل عن الحلي: أفيه زكاة؟ قال جابر: لا. فقيل: وإن كان يبلغ ألف دينار؟ فقال جابر: أكثر.
وروى البيهقي: أن أسماء بنت أبي بكر كانت تحلي بناتها بالذهب، ولا تزكيه، نحوا من خمسين ألفا.
وفي الموطأ، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: أن عائشة كانت تلي بنات أخيها، يتامى في حجرها، لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة، وفيه أن عبد الله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة.
قال الخطابي: الظاهر من الكتاب يشهد لقول من أوجبها، والاثر يؤيده، ومن أسقطها ذهب الى النظر، ومعه طرف من الاثر.
والاحتياط أداؤها.
هذا الخلاف بالنسبة للحلي المباح، فإذا اتخذت المرأة حليا ليس لها اتخاذه - كما إذا اتخذت حلية الرجل، كحلية السيف - فهو محرم، وعليها الزكاة، وكذا الحكم في اتخاذ أواني الذهب والفضة.

.زكاة صدقة المرأة:
ذهب أبو حنيفة إلى أن صداق المرأة لا زكاة فيه، إلا إذا قبضته، لأنه بدل عما ليس بمال، فلا تجب فيه الزكاة قبل القبض، كدين الكتابة.
ويشترط بعد قبضه أن يبلغ نصابا، ويحول عليه الحول، إلا إذا كان عنها نصاب آخر سوى المهر، فإنها إذا قبضت من الصداق شيئا ضمته إلى النصاب، وزكته بحوله.
وذهب الشافعي إلى أن المرأة يلزمها زكاة الصداق، إذا حال عليه الحول، ويلزمها الاخراج عن جميعه آخر الحول، وإن كان قبل الدخول ولا يؤثر كونه معرضا للسقوط بالفسخ، بردة أو غيرها، أو نصفه بالطلاق.
وعند الحنابلة: أن الصداق في الذمة دين للمرأة، حكمه حكم الديون عندهم، فإن كان على ملئ به فالزكاة واجبة فيه، إذا قبضته أدت لما مضى، وإن كان على معسر أو جاحد، فاختيار الخرقي وجوب الزكاة فيه.
ولا فرق بين ما قبل الدخول أو بعده.
فإن سقط نصفه بطلاق المرأة قبل الدخول، وأخذت النصف، فعليها زكاة ما قبضته، دون ما لم تقبضه.
وكذلك لو سقط كل الصداق قبل قبضه، لانفساخ النكاح بأمر من جهتها، فليس عليها زكاته.
.زكاة أجرة الدور المؤجرة:
ذهب أبو حنيفة ومالك، إلى أن المؤجر لا يستحق الاجرة بالعقد، وإنما يستحقها بانقضاء مدة الاجارة.
وبناء على هذا، فمن أجر دارا لا تجب عليه زكاة أجرتها حتى يقبضها، ويحول عليها الحول، وتبلغ نصابا.
وذهبت الحنابلة إلى أن المؤجر يملك الاجرة من حين العقد، وبناء عليه، فإن من أجر داره تجب الزكاة في أجرتها إذا بلغت نصابا وحال عليها الحول، فإن المؤجر يملك التصرف في الاجرة بأنواع التصرفات، وكون الاجارة عرضة للفسخ لا يمنع وجوب الزكاة، كالصداق قبل الدخول، ثم إن كان قد قبض الاجرة أخرج الزكاة منها، وإن كانت دينا فهي كالدين، معجلا كان أو مؤجلا.
وفي المجموع للنووي: وأما إذا أجر داره أو غيرها بأجرة حالة، وقبضها، فيجب عليه زكاتها بلا خلاف.

زكاة التجارة:
.حكمها:
ذهب جماهير العلماء من الصحابة، والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء إلى وجوب الزكاة في عروض التجارة.
لما رواه أبو داود البيهقي عن سمرة بن جندب قال: أما بعد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع.
وروى الدار قطني والبيهقي عن أبي ذر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها وفي البقر صدقتها، وفي البز صدقته» وروى الشافعي، وأحمد وأبو عبيد، والدارقطني والبيهقي وعبد الرزاق عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه قال: كنت أبيع الادم والجعاب فمر بي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أد صدقه مالك، فقلت يا أمير المؤمنين، إنما هو الادم.
قال: قومه، ثم أخرج صدقته.
قال في المغني وهذه قصة يشتهر مثلها، ولم تنكر، فيكون إجماعا.
وقالت الظاهرية: لا زكاة في مال التجارة.
قال ابن رشد: والسبب في اختلافهم في وجوب الزكاة بالقياس.
واختلافهم في تصحيح حديث سمرة، وحديث أبي ذر.
أما القياس الذي اعتمده الجمهور، فهو أن العروض المتخذة للتجارة مال مقصود به التنمية، فأشبه الاجناس الثلاثة التي فيها الزكاة باتفاق - أعني الحرث، والماشية، والذهب، والفضة.
وفي المنار: جمهور علماء الملة يقولون بوجوب زكاة عروض التجارة، وليس فيها نص قطعي من الكتاب أو السنة وإنما ورد فيها روايات، يقوي بعضها بعضا، مع الاعتبار المستند إلى النصوص، وهو أن عروض التجارة المتداولة للاستغلال نقود، لا فرق بينها وبين الدراهم والدنانير التي هي أثمانها إلا في كون النصاب يتقلب ويتردد بين الثمن وهو النقد، والمثمن وهو العروض، فلو لم تجب الزكاة في التجارة لامكن لجميع الاغنياء، أو أكثرهم أن يتجروا بنقودهم، ويتحروا أن لا يحول على نصاب من النقدين أبدا، وبذلك تبطل الزكاة فيهما عندهم.
ورأس الاعتبار في المسألة: أن الله تعالى فرض في أموال الاغنياء صدقة لمواساة الفقراء ومن في معناهم، وإقامة المصالح العامة، وأن الفائدة في ذلك للاغنياء، تطهير أنفسهم من رذيلة البخل، وتزكيتها بفضائل الرحمة بالفقراء وسائر أصناف المستحقين، ومساعدة الدولة والأمة في إقامة المصالح العامة، والفائدة للفقراء وغيرهم، إعانتهم على نوائب الدهر، مع ما في ذلك من سد ذريعة المفاسد، في تضخم الأموال، وحصرها في أناس معدودين، وهو المشار إليه بقوله تعالى في حكمة قسمة الفئ {كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم} فهل يعقل أن يخرج من هذه المقاصد الشرعية كلها، التجار الذين ربما تكون معظم ثروة الأمة في أيديهم؟ متى تصير العروض للتجارة؟: قال صاحب المغني: ولا يصير العرض للتجارة، إلا بشرطين: الأول: أن يملكهب فعله كالبيع، والنكاح، والخلع، وقبول الهبة، والوصية، والغنيمة، واكتساب المباحات، لأن ما لا يثبت له حكم الزكاة بدخوله في ملكه، لا يثبت بمجرد النية، كالصوم، ولا فرق بين أن يملكه بعوض أم بغير عوض، لأنه ملكه بفعله، فأشبه الموروث.
والثاني: أن ينوي عند تملكه، أنه للتجارة، فإن لم ينو عند تملكه أنه للتجارة لم يصر للتجارة، وإن نواه بعد ذلك.
وإن ملكه بإرث، وقصد أنه للتجارة، لم يصر للتجارة، لأن الاصل القنية، والتجارة عارض، فلا يصير إليها بمجرد النية، كما لو نوى الحاضر السفر، لم يثبت له حكم السفر بدون الفعل، وإن اشترى عرضا للتجارة فنوى به الاقتناء صار للقنية، وسقطت الزكاة منه.

.كيفية تزكية مال التجارة:
من ملك من عروض التجارة قدر نصاب، وحال عليه الحول قومه آخر الحول، وأخرج زكاته، وهو ربع عشر قيمته.
وهكذا يفعل التاجر في تجارته كل حول، ولا ينعقد الحول حتى يكون القدر الذي يملكه نصابا، فلو ملك عرضا، قيمته دون النصاب، فمضى جزء من الحول، وهو كذلك، ثم زادت قيمة النماء به، أو تغيرت الاسعار، فبلغ نصابا، أو باعه بنصاب، أو ملك في أثناء الحول عرضا آخر، أو أثمانا، تم بها النصاب، ابتدأ الحول من حينئذ ولا يحتسب بما مضى.
وهذا قول الثوري والأحناف، والشافعي، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور، وابن المنذر.
ثم إذا نقص النصاب أثناء الحول، وكمل في طرفيه، لا ينقطع الحول عند أبي حنيفة، لأنه يحتاج إلى أن تعرف قيمته في كل وقت، ليعلم أن قيمته فيه تبلغ نصابا، وذلك يشق.
وعند الحنابلة: أنه إذا نقص أثناء الحول، ثم زاد حتى بلغا نصابا، استأنف الحول عليه، لكونه انقطع بنقصه في أثنائه.

.زكاة الزروع والثمار:
وجوبها:
أوجب الله تعالى زكاة الزروع والثمار فقال: {يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض} والزكاة تسمى نفقة، قال تعالى: {وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أمثر وءاتوا حقه يوم حصاده}.
قال ابن عباس: حقه، الزكاة المفروضة.
وقال: العشر، ونصف العشر.
الاصناف التي كانت تؤخذ منها الزكاة على عهد الرسول:
وقد كانت الزكاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تؤخذ من الحنطة والشعير والتمر والزبيب.
فعن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم، فأمرهم أن لا يأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب رواه الدار قطني، والحاكم، والطبراني، والبيهقي، وقال: رواته ثقات وهو متصل.
قال ابن المنذر وابن عبد البر: وأجمع العلماء: على أن الصدقة واجبة في الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب.
وجاء في رواية ابن ماجه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما سن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذرة.
وفي إسناد هذه الرواية، محمد بن عبيدالله العرزمي وهو متروك الأصناف التي لم تكن تؤخذ منها ولم تكن تؤخذ الزكاة من الخضروات، ولا من غيرها من الفواكه إلا العنب والرطب.
فعن عطاء بن السائب: أن عبد الله بن المغيرة أراد أن يأخذ صدقة من أرض موسى بن طلحة من الخضروات فقال له موسى بن طلحة: ليس لك ذلك، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «ليس في ذلك صدقة» رواه الدار قطني، والحاكم، والاثرم في سننه.
وهو مرسل قوي.
وقال موسى بن طلحة: جاء الاثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسة أشياء: الشعير، والحنطة، والسلت والزبيب، والتمر، وما سوى ذلك مما أخرجت الأرض فلا عشر فيه.
وقال: إن معاذا لم يأخذ من الخضر صدقة.
قال البيهقي: هذه الأحاديث كلها مراسيل، إلا أنها من طرق مختلفة، فيؤكد بعضها بعضا، ومعها من أقوال الصحابة عمر وعلي وعائشة.
وروى الاثرم: أن عامل عمر كتب إليه في كروم فيها من الفرسك والرمان ما هو أكثر غلة من الكروم أضعافا؟ فكتب إليه: إنه ليس عليها عشر، هي من العضاه.
قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم: أنه ليس في الخضروات صدقة.
وقال القرطبي: إن الزكاة تتعلق بالمقتات، دون الخضروات وقد كان بالطائف الرمان والفرسك والاترج فما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منها زكاة، ولا أحد من خلفائه.
قال ابن القيم: ولم يكن من هديه أخذ الزكاة من الخيل والرقيق، ولا البغال، ولا الحمير، ولا الخضروات، ولا الاباطخ والمقاتي، والفواكه التي لا تكال ولا تدخر إلا العنب والرطب فإنه يأخذ الزكاة منه جملة، ولم يفرق بين ما يبس وما لم ييبس.
رأي الفقهاء: لم يختلف أحد من العلماء في وجوب الزكاة في الزروع والثمار، وإنما اختلفوا في الاصناف التي تجب فيها، إلى عدة آراء نجملها فيما يلي:
1- رأي الحسن البصري والشعبي أنه لا زكاة إلا في المنصوص عليه، وهو الحنطة، والشعير والذرة، والتمر، والزبيب.
لان ما عداه لا نص فيه، واعتبر الشوكاني هذا، المذهب الحق.
2- رأي أبي حنيفة: أن الزكاة واجبة في كل ما انبته الأرض، لا فرق بين الخضروات وغيرها، واشترط أن يقصد بزراعته استغلال الأرض ونماؤها عادة، واستثنى الحطب، والقصب الفارسي والحشيش، والشجر الذي لا ثمر له. واستدل لذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم. «فيما سقت السماء العشر» وهذا عام يتناول جميع أفراده، ولأنه يقصد بزراعته نماء الأرض فأشبه الحب.
3- رأي أبي يوسف ومحمد: أن الزكاة واجبة في الخارج من الأرض، بشرط أن يبقى سنة بلا علاج كثير، سواء أكان مكيلا كالحبوب، أو موزونا كالقطن والسكر.
فإن كان لا يبقى سنة، كالقثاء والخيار، والبطيخ، والشمام ونحوها من الخضروات والفواكه، فلا زكاة فيه.
4- مذهب مالك: أنه يشترط فيما يخرج من الأرض أن يكون مما يبقي وييبس ويستنيته بنو آدم، سواء أكان مقاتا كالقمح والشعير، أو غير مقتات، كالقرطم والسمسم، ولا زكاة عنده في الخضروات والفواكه، كالتين، والرمان والتفاح.
5- وذهب الشافعي: إلى وجوب الزكاة فيما تخرجه الأرض.
بشرط أن يكون مما يقتات ويدخر، ويستنبته الادميون، كالقمح والشعير.
قال النووي: مذهبنا: أنه زكاة في غير النخل والعنب من الاشجار. ولا في شيء من الحبوب إلا فيما يقتات ويدخر، ولا زكاة في الخضروات.
وذهب أحمد: إلى وجوب الزكاة في كل ما أخرجه الله من الأرض، من الحبوب، والثمار، مما ييبس، ويبقى، ويكال ويستنبته الادميون في أراضيهم سواء أكان قوتا: كالحنطة، أو من القطنيات، أو من الاباريز، كالكسبرة: والكراويا، أو من البذور: كبذر الكتان، والقثاء، والخيار، أو حب البقول: كالقرطم والسمسم.
وتجب عنده أيضا، فيما جمع هذه الاوصاف من الثمار اليابسة كالتمر، والزبيب، والمشمش، والتين واللوز والبندق والفستق.
ولا زكاة عنده في سائر الفواكه كالخوخ، والكمثرى والتفاح، والمشمش والتين، اللذين لا يجففان ولا في الخضروات كالقثاء،
والخيار، والبطيخ، والباذنجان واللفت والجزر.
.زكاة الزيتون:
قال النووي: وأما الزيتون، فالصحيح عندنا أنه لا زكاة فيه: وبه قال الحسن بن صالح، وابن أبي ليلى، وأبو عبيد.
وقال الزهري والاوزاعي، والليث، ومالك، والثوري، وأبو حنيفة وأبو ثور: فيه الزكاة.
قال الزهري، والليث، والاوزاعي: يخرص فتؤخذ زكاته زيتا.
وقال مالك: لا يخرص، بل يؤخذ العشر بعد عصره وبلوغه خمسة أوسق. انتهى.
سبب الخلاف ومنشؤه:
قال ابن رشد: وسبب الخلاف: أما بين من قصر الزكاة على الاصناف المجمع عليها، وبين من عداها إلى المدخر المقتات، فهو اختلافهم في تعلق الزكاة بهذه الاصناف الأربعة، هل هو لعينها، أو لعلة فيها، وهي الاقتيات؟ فمن قال: لعينها، قصر الوجوب عليها.
ومن قال: لعلة الاقتيات، عدى الوجوب لجميع المقتات.
وسبب الخلاف بين من قصر الوجوب على المقتات، وبين من عداه إلى جميع ما تخرجه الأرض - إلا ما وقع عليه الاجماع من الحشيش، والحطب، والقصب - معارضة القياس لعموم اللفظ: أما اللفظ الذي يقتضي العموم، فهو قوله عليه الصلاة والسلام: «فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر» وما بمعنى الذي، والذي من الفاظ العموم.
وقوله تعالى: {وهو الذي أنشأ جنات معروشات} الآية إلى قوله: {وآتوا حقه يوم حصاده}.
وأما القياس فهو أن الزكاة إنما المقصود بن سد الحلة، وذلك لا يكون غالبا إلا فيما هو قوت.
فمن خصص العموم بهذا القياس، أسقط الزكاة مما عدا المقتات.
ومن غلب العموم، أوجبها فيما عدا ذلك، إلا ما أخرجه الاجماع.
والذين اتفقوا على المقتات، اختلفوا في اشياء، من قبل اختلافهم فيها، هل هي مقتاتة أم ليست بمقتاتة، وهل يقاس على ما اتفق عليه أو ليس يقاس؟ مثل اختلاف مالك، والشافعي، في الزيتون، فإن مالكا ذهب إلى وجوب الزكاة فيه ومنع الشافعي ذلك في قوله الأخير بمصر.
وسبب اختلافهم، هل هو قوت، أو ليس بقوت.

.نصاب زكاة الزروع والثمار:
ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الزكاة لا تجب في شيء من الزروع والثمار، حتى تبلغ خمسة أوسق بعد تصفيتها من التبن والقشر، فإن لم تصف، بأن تركت في قشرها فيشترط أن تبلغ عشرة أوسق.
1- فعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» رواه أحمد، والبيهقي بسند جيد.
2- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة».
والوسق، ستون صاعا بالاجماع، وقد جاء ذلك في حديث أبي سعيد، وهو حديث منقطع.
وذهب أبو حنيفة ومجاهد إلى وجوب الزكاة في القليل والكثير، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «فيما سقت السماء العشر»، ولأنه لا يعتبر له حول، فلا يعتبر له نصاب.
قال ابن القيم - مناقشا هذا الرأى - وقد وردت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في تقدير نصاب المعشرات بخمسة أوسق، بالمتشابه من قوله: «فيما سقت السماء العشر وما سقي بنضح أو غرب فنصف العشر».
قالوا وهذا يعم القليل والكثير وقد عارضه الخاص، ودلالة العام قطعية كالخاص وإذا تعارضا قدم الاحوط، وهو الوجوب.
فيقال: يجب العمل بكلا الحديثين، ولا يجوز معارضة أحدهما بالاخر، وإلغاء أحدهما بالكلية، فإن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فرض في هذا، وفي هذا، ولا تعارض بينهما - بحمد الله تعالى - بوجه من الوجوه فإن قوله «فيما سقت السماء العشر» إنما أريد به التمييز، بين ما يجب فيه العشر، وما يجب فيه نصفه، فذكر النوعين، مفرقا بينهما في مقدار الواجب.
وأما مقدار النصاب فسكت عنه في هذا الحديث، وبينه نصا في الحديث الاخر، فكيف يجوز العدول عن النص الصحيح الصريح المحكم الذي لا يحتمل غير ما أول عليه ألبتة، إلى المجمل المتشابه، الذي غايته أن يتعلق فيه بعموم لم يقصدوا بيانه بالخاص المحكم المبين كبيان سائر العمومات بما يخصصها من النصوصين؟ اهـ.
وقال ابن قدامة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» متفق عليه: هذا خاص يجب تقديمه وتخصيص عموم ما رووه به كما خصصنا قوله: «في كل سائمة من الإبل الزكاة» بقوله: «ليس فيما دون خمس ذود صدقة» وقوله: «في الرقة ربع العشر» بقوله: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة» ولأنه مال تجب فيه الصدقة، فلم تجب في يسيره، كسائر الأموال الزكوية. وانما لم يعتبر الحول، لأنه يكمل نماؤه باستحصاده، لا ببقائه. واعتبر الحول في غيره، لأنه مظنة لكمال النماء في سائر الأموال. والنصاب اعتبر ليبلغ حدا يحتمل المواساة منه، فلهذا اعتبر فيه.
يحققه: أن الصدقة إنما تجب على الاغنياء ولا يحصل الغني بدون النصاب، كسائر الأموال الزكوية.
هذا، والصاع قدح وثلث.
فيكون النصاب خمسين كيلة فإن كان الخارج لا يكال، فقد قال ابن قدامة: ونصاب الزعفران والقطن، وما ألحق بهما من الموزونات، ألف وستمائة رطل بالعراقي، فيقوم وزنه مقامه.
قال أبو يوسف: إن كان الخارج مما لا يكال، لا تجب فيه الزكاة إلا إن بلغ قيمة نصاب من أدنى ما يكال.
فلا تجب الزكاة في القطن إلا إذا بلغت قيمته خمسة أوسق، من أقل ما يكال، كالشعير ونحوه.
لأنه لا يمكن اعتباره بنفسه، فاعتبر بغيره، كالعروض يقوم بأدنى النصابين من الاثمان.
وقال محمد: يلزم أن يبلغ خمسة أمثال من أعلى ما يقدر به نوعه، ففي القطن لا تجب فيه الزكاة إن بلغ خمسة قناطير، لأن التقدير بالوسق فيما يوسق كان باعتبار أنه أعلى ما يقدر به نوعه.
مقدار الواجب: يختلف القدر الذي يجب إخراجه، باختلاف السقي: فما سقي بدون استعمال آلة - بأن سقي بالراحة - ففيه عشر الخارج، فإن سقي بآلة أو بماء مشترى، ففيه نصف العشر.
1- فعن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فيما سقت السماء والبعل، والسيل العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر» رواه البيهقي، والحاكم، وصححه.
2- وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فيما سقت السماء والعيون، أو كان عشريا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر» رواه البخاري، وغيره.
فإن كان يسقى تارة بآلة، وتارة بدونها، فإن كان ذلك على جهة الاستواء ففيه ثلاثة أرباع العشر.
قال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافا، وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الاقل تابعا للاكثر، عند أبي حنيفة، وأحمد، والثوري، وأحمد قولي الشافعي.
وتكاليف الزرع من خصاد وحمل ودياسة، وتصفية، وحفظ، وغير ذلك من خالص مال المالك، ولا يحسب منها شيء من مال الزكاة.
ومذهب ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما أنه يحسب ما اقترضه من أجل زرعه وثمره.
عن جابر بن زيد: عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما - في الرجل يستقرض فينفق على ثمرته وعلى أهله - قال: قال ابن عمر: يبدأ بما استقرض فيقضيه ويزكي ما بقي.
قال وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يقضي ما أنفق على الثمرة، ثم يزكي ما بقي رواه يحيى بن آدم في الخراج.
وذكر ابن حزم عن عطاء: أنه يسقي مما أصاب النفقة فإن بقي مقدار ما فيه الزكاة زكي، وإلا فلا.

.الزكاة في الأرض الخراجية:
تنقسم الأرض إلى:
1- عشرية وهي الأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا، أو فتحت عنوة وقسمت بين الفاتحين، أو التي أحياها المسلمون.
2- وخراجية، وهي الأرض التي فتحت عنوة، وتركت في أيدي أهلها، نظير خراج معلوم.
والزكاة كما تجب في أرض العشر، تجب كذلك في أرض الخراج، إذا أسلم أهلها، أو اشتراها المسلم، فيجتمع فيها العشر والخراج، ولا يمنع أحدهما وجوب الاخر.
قال ابن المنذر: وهو قول أكثر العلماء.
وممن قال به، عمر بن عبد العزيز، وربيعة، والزهري، ويحيى الانصاري ومالك، والاوزاعي، والثوري، والحسن بن صالح، وابن أبي ليلى، والليث، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وداود، واستدلوا على ذلك بالكتاب والسنة، والمعقول - أي القياس -.
أما الكتاب فقول الله تعالى: «يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض» فأوجب الانفاق من الأرض مطلقا، سواء كانت الأرض خراجيه، أو عشرية.
وأما السنة فقوله عليه الصلاة والسلام: «فيما سقت السماء العشر» وهو عام يتناول العشرية والخراجية.
وأما المعقول، فلان الزاكة والخراج حقان بسببين مختلفين لمستحقين فلم يمنع أحدهما الاخر، كما لو قتل المحرم صيدا مملوكا.
ولان العشر وجب بالنص، فلا يمنعه الخراج الواجب بالاجتهاد.
وذهب أبو حنيفة: إلى أنه لا عشر في أرض الخراجية، وإنما الواجب فيها الخراج فقط كما كانت، وإن من شروط وجوب العشر أن لا تكون الأرض خراجية.
أدلة أبي حنيفة ومناقشتها:
استدل الإمام أبو حنيفة لمذهبه:
1- بما رواه ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم».
وهذا الحديث مجمع على ضعفه، انفرد به يحيى بن عنبسة، عن أبي حنيفة، عن حماد عن إبراهيم النخعي عن علقمة، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال البيهقي في معرفة السنن والاثار: هذا المذكور إنما يرويه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم من قوله، فرواه يحيى هكذا مرفوعا.
ويحيى بن عنبسة مكشوف الأمر في الضعف لروايته عن الثقات، الموضوعات.
قاله أبو أحمد ابن عدي الحافظ فيما أخبرنا به أبو سعيد الماليني عنه. وضعفه كذلك الكمال بن الهمام من أئمة الحنفية.
2- وربما رواه أحمد ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، قالها ثلاثا، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه».
وليس في هذا الحديث دلالة على عدم أخذ الزكاة من الأرض الخراجية، فقد أوله العلماء على معنى أنهم سيسلمون، وتسقط الجزية عنهم.
أو أنه إشارة إلى الفتن التي تقع آخر الزمان، المؤدية إلى منع الحقوق الواجبة عليهم، من زكاة، وجزية، وغيرهما.
قال النووي - عقب التأويلين -: لو كان معنى الحديث ما زعموه، للزم أن لا تجب زكاة الدراهم والدنانير والتجارة، وهذا لا يقول به أحد.
3- وروى: أن دهقان بهر الملك، لما أسلم، قال عمر بن الخطاب: سلموا إليه الأرض، وخذوا منه الخراج.
وهذا صريح في الأمر بأخذ الخراج، دون الأمر بأخذ العشر.
وهذه القصة يقصد بها أن الخراج لا يسقي بإسلامه، ولا يلزم من ذلك سقوط العشر، وإنما ذكر الخراج، لأنه ربما يتوهم سقوطه بالإسلام كالجزية، وأما العشر، فمعلوم أنه واجب على الحر المسلم فلم يحتج إلى ذكره.
كما أنه لم يذكر أخذ زكاة الماشية منه.
وكذك زكاة النقدين، وغيرها، أؤ لأن الدهقان لم يكن له ما يجب فيه العشر.
4- وأن عمل الولاة والائمة على عدم الجمع بين العشر والخراج.
وهذا ممنوع بما نقله ابن المنذر من أن عمر بن عبد العزيز جمع بينهما.
5- وأن الخراج يباين العشر: فإن الخراج وجب عقوبة بينما العشر وجب عبادة، ولا يمكن اجتماعهما في شخص واحد فيجبا عليه معا.
وهذا صحيح في حالة الابتداء، ممنوع في حالة البقاء وليس كل صور الخراج أساسها العنوة والقهر، بل يكون في بعض صورة مع عدم العنوة، كما في الأرض القريبة من أرض الخراج، أو التي أحياها وسقاها بماء الأنهار الصغار.
6- أن سبب كل من الخراج والعشر واحد، وهو الأرض النامية حقيقة، أو حكما، بدليل أنها لو كانت سبخة لا منفعة لها، لا يجب فيها خراج ولا عشر، وإذا كان السبب واحدا، فلا يجتمعان معا في أرض واحدة، لأن السبب الواحد لا يتعلق به حقان من نوع واحد، كما إذا ملك نصابا من السائمة للتجارة سنة، فإنه لا يلزمه زكاتان.
والجواب: أن الأمر ليس كذلك، فإن سبب العشر الزرع الخارج من الأرض، والخراج يجب على الأرض، سواء زرعها أم أهملها.
وعلى تسليم وحدة السببية، فلا مانع من تعلق الوظيفتين بالسبب الواحد، الذي هو الأرض.
كما قال الكمال ابن الهمام يرى جمهور العلماء أن من استأجر أرضا فزرعها فالزكاة عليه، دون مالك الأرض.
وقال أبو حنيفة: الزكاة على صاحب الأرض.
قال ابن رشد: والسبب في اختلافهم، هل العشر حق الأرض أو حق الزرع؟ فلما كان عندهم أنه حق لاحد الأمرين، اختلفوا في أيهما أولى أن ينسب إلى موضع الانفاق.
وهو كون الزرع والأرض لمالك واحد.
فذهب الجمهور: إلى أنه ما تجب فيه الزكاة، وهو الحب.
وذهب أبو حنيفة: إلى أنه ما هو أصل الوجوب، وهو الأرض.
ورجح ابن قدامة رأي الجمهور فقال: إنه واجب في الزرع، فكان على مالكه، كزكاة القيمة، فيما إذا أعده للتجارة، وكعشر زرعه في ملكه، ولا يصح قولهم: إنه من مؤنة الأرض لأنه لو كان من مؤنتها، لوجب فيها، وإن لم تزرع، كالخراج، ولوجب على الذمي، كالخراج، ولتقدر بقدر الأرض لا بقدر الزرع، ولوجب صرفه إلى مصارف الفئ، دون مصرف الزكاة.

.تقدير النصاب في النخيل والأعناب:
بالخرص دون الكيل:
إذا أزهى النخيل والاعناب، وبدا صلاحها، اعتبر تقدير النصاب فيها بالخرص دون الكيل، وذلك بأن يحصي الخارص الأمين العارف، ما على النخيل، والاعناب، من العنب والرطب، ثم يقدره تمرا وزبيبا، ليعرف مقدار الزكاة فيه، فإذا جفت الثمار أخذ الزكاة التي سبق تقديرها منها.
فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فلما جاء وادي القرى، إذا امرأة في حديقة لها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اخرصوا، وخرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق، فقال لها: أحصي ما يخرج منها» رواه البخاري.
هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل أصحابه من بعده وإليه ذهب أكثر أهل العلم.
وخالف في ذلك الأحناف: لأن الخرص ظن وتخمين، لا يلزم به حكم.
وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى، فإن الخرص ليس من الظن في شئ، بل هو اجتهاد في معرفة قدر الثمر، كالاجتهاد في تقويم المتلفات.
وسبب الخرص، أن العادة جرت بأكل الثمار رطبا، فكان من الضروري إحصاء الزكاة قبل أن تؤكل وتصرم ومن أجل أن يتصرف أربابها بما شاءوا، ويضمنوا قدر الزكاة.
وعلى الخارص، أن يترك في الخرص الثلث، أو الربع، توسعة على أرباب الأموال، لأنهم يحتاجون إلى الأكل منه، هم وأضيافهم وجيرانهم.
وتنتاب الثمرة النوائب من أكل الطير والمارة وما تسقطه الريح، فلو أحصي الزكاة من الثمر كله، دون استثناء الثلث، أو الربع، لاضر بهم.
فعن سهل بن أبي حثمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع» رواه أحمد، وأصحاب السنن، إلا ابن ماجه.
ورواه الحاكم، وابن حبان وصححاه. قال الترمذي: والعمل على حديث سهل، عند أكثر أهل العلم.
وعن بشير بن يسار قال: بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا حثمة الانصاري على خرص أموال المسلمين، فقال: إذا وجدت القوم في نخلهم قد خرفوا فدع لهم ما يأكلون، لا تخرصه عليهم.
وعن مكحول قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص قال: «خففوا على الناس، فإن في المال العرية والواطئة والأكلة» رواه أبو عبيد.
وقال: الواطئة السابلة سموا بذلك، لوطئهم بلاد الثمار مجتازين.
والأكلة: أرباب الثمار، وأهلوهم، ومن لصق بهم.
.الأكل من الزرع:
يجوز لصاحب الزرع أن يأكل من زرعه، ولا يحسب عليه ما أكل منه قبل الحصاد، لأن العادة جارية به، وما يؤكل شيء يسير.
وهو يشبه ما يأكله أرباب الثمار من ثمارهم فإذا حصد الزرع، وصفى الحب، أخرج زكاة الموجود.
سئل أحمد عما يأكل أرباب الزروع من الفريك؟ قال: لا بأس أن يأكل منه صاحبه ما يحتاج إليه.
وكذلك قال الشافعي، والليث، وابن حزم.

.ضم الزروع والثمار:
اتفق العلماء على أنه يضم أنواع الثمر بعضه إلى بعض، وإن اختلف في الجودة، والرداءة واللون، وكذا يضم أنواع الزبيب بعضها إلى بعض وأنواع الحنطة، بعضها إلى بعض، وكذا أنواع سائر الحبوب.
واتفقوا أيضا على أن عروض التجارة تضم إلى الاثمان وتضم الاثمان إليها، إلا أن الشافعي لا يضمها إلا إلى جنس ما اشتريت به، لأن نصابها معتبر به.
واتفقوا على أنه لا يضم جنس إلى جنس آخر، في تكميل النصاب، في غير الحبوب والثمار فالماشية لا يضم جنس منها إلى جنس آخر.
فلا يضم الإبل إلى البقر في تكميل النصاب، والثمار لا يضم جنس إلى غيره، فلا يضم التمر إلى الزبيب.
واختلفوا في ضم الحبوب المختلفة، بعضها إلى بعض.
وأولى الاراء وأحقها: أنه لا يضم شيء منها في حساب النصاب، ويعتبر النصاب في كل جنس منها قائما بنفسه، لأنها أجناس مختلفة، وأصناف كثيرة، بحسب أسمائها فلا يضم الشعير إلى الحنطة، ولا هي إليه، ولا التمر إلى الزبيب، ولا هو إليه، ولا المحص إلى العدس.
وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وإحدى الروايات عن أحمد، وإليه ذكب كثير من علماء السلف.
قال ابن المنذر: وأجمعوا على أنه لا تضم الإبل إلى البقر، ولا إلى الغنم، ولا البقر إلى الغنم، ولا التمر إلى الزبيب، فكذا لا ضم في غيرها، وليس للقائلين بضم الاجناس دليل صحيح صريح فيما قالوه.
متى تجب الزكاة في الزروع والثمار: تجب الزكاة في الزروع إذا اشتد الحب وصار فريكا، وتجب في الثمار إذا بدا صلاحها، ويعرف ذلك باحمرار البلح، وجريان الحلاوة في العنب.
ولا تخرج الزكاة إلا بعد تصفية الحب وجفاف الثمر. وإذا باع الزارع زرعه بعد اشتداد الحب، وبدو صلاح الثمر فزكاة زرعه وثمره عليه، دون المشتري، لأن سبب الوجوب العقد، وهو في ملكه.

.إخراج الطيب في الزكاة:
أمر الله سبحانه المزكي بإخراج الطيب من ماله، ونهاه عن التصدق بالردئ، فقال: {يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بأخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعملوا أن الله غني حميد}.
روى أبو داود والنسائي، وغيرهما، عن سهل بن حنيف، عن أبيه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لونين من التمر: الجعرور، ولون الحبيق وكان الناس يتيممون شرار ثمارهم فيخرجونها في الصدقة. فنهوا عن ذلك، ونزلت: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}».
وعن البراء قال: في قوله تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} نزلت فينا معشر الانصار، كنا أصحاب نخل، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته، وكان الرجل يأتي بالقنو، والقنوين فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصفة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع، أتى القنو فضربه بعصاه فسقط البسر والتمر، فيأكل، وكان ناس ممن لا يرغب في الخير، يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص، والحشف والقنو قد انكسر، فيعلقه، فأنزل الله تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه}.
قال: لو أن أحدكم أهدى إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا على إغماض وحياء.
قال: فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب.
قال الشوكاني: فيه دليل على أنه لا يجوز للمالك أن يخرج الردئ عن الجيد الذي وجبت فيه الزكاة، نصا في التمر، وقياسا في سائر الاجناس التي تجب فيها الزكاة وكذلك لا يجوز للمصدق أن يأخذ ذلك.
ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا زكاة في العسل.
قال البخاري: ليس في زكاة العسل شيء يصح.
وقال الشافعي: واختياري ألا يؤخذ منه، لأن السنن والاثار ثابتة فيما يؤخذ منه، وليست ثابتة فيه، فكان عفوا.
وقال ابن المنذر: ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يثبت، ولا إجماع، فلا زكاة فيه، وهو قول الجمهور.
وذهب الحنفية، وأحمد: إلى أن في العسل زكاة، لأنه وإن لم يصح في إيجابه حديث، إلا أنه جاء فيه آثار يقوي بعضها بعضا، ولأنه يتولد من نور الشجر، والزهر، ويكال ويدخر، فوجبت فيه الزكاة، كالحب والتمر، ولان الكلفة فيه دون الكلفة في الزروع والثمار.
واشترط أبو حنيفة في إيجاب الزكاة في العسل، أن يكون في أرض عشرية ولم يشترط نصابا له، فيؤخذ العشر من قليله وكثيره.
وعكس الإمام أحمد، فاشترط أن يبلغ نصابا، وهو عشرة أفراق، والفرق ستة عشر رطلا عراقيا.
وسوى بين وجوده في الأرض الخراجية، أو العشرية.
وقال أبو يوسف: نصابه عشرة أرطال.
وقال محمد: بل هو خمسة أفراق.
والفرق، ستة وثلاثون رطلا.
وهذا ظاهر كلام أحمد.

.زكاة الحيوان:
جاءت الأحاديث الصحيحة، مصرحة بإيجاب الزكاة في الإبل، والبقر، والغنم، وأجمعت الأمة على العمل.
ويشترط لايجاب الزكاة فيها: أن تبلغ نصابا وأن يحول عليها الحول وأن تكون سائمة، أي راعية من الكلا المباح أكثر العام.
والجمهور على اعتبار هذا الشرط، ولم يخالف فيه غير مالك، والليث فإنهما أوجبا الزكاة في المواشي مطلقا: سواء أكانت سائمة، أو معلوفة، عاملة أو غير عاملة.
لكن الأحاديث جاءت مصرحة بالتقييد بالسائمة، وهو يفيد بمفهومه: أن المعلوفة لا زكاة فيها، لأنه لا بد للكلام عن فائدة، صونا له عن اللغو.
قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا قال بقول مالك، والليث، من فقهاء الأمصار.

.زكاة الإبل:
لا شيء في الإبل حتى تبلغ خمسا، فإذا بلغت خمسا، سائمة، وحال عليها الحول، ففيها شاة.
فإذا بلغت عشرا، ففيها شاتان، وهكذا كلما زادت خمسا زادت شاة.
فإذا بلغت خمسا وعشرين، ففيها بنت مخاض وهي التي لها سنة ودخلت في الثانية أو ابن لبون وهو الذي له سنتان ودخل في الثالثة فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون.
وفي ست وأربعين حقه وهي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة وفي إحدى وستين جذعة وهي التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة وفي ست وسبعين بنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان، إلى مائة وعشرين.
فإذا زادت، ففي كل أربعين، ابنة لبون وفي كل خمسين حقة فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة - وليست عنده جذعة، وعنده حقة - فإنها تقبل منه، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهما.
ومن بلغت عنده صدقة الحقة - وليست عنده إلا جذعة - فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما، أو شاتين.
ومن بلغت عنده صدقة الحقة - وليست عنده.
وعنده ابنة لبون - فإنها تقبل منه، ويجعل معها شاتين، إن استيسرتا له، أو عشرين درهما.
ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون - وليست عنده الاحقة - فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين.
ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون - وليست عنده ابنة لبون، وعنده ابنة مخاض - فإنها تقبل منه، ويجعل معها شاتين، إن استيسرتا له أو عشرين درهما.
ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض - وليس عنده إلا ابن لبون ذكر - فإنه يقبل منه، وليس معه شئ.
ومن لم تكن معه إلا أربع من الإبل، فليس فيها شئ، إلا أن يشاء ربها.
هذه فريضة صدقة الإبل، التي عمل بها الصديق رضي الله عنه، بمحضر من الصحابة، ولم يخالفه أحد.
فعن الزهري عن سالم عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كتب الصدقة، ولم يخرجها إلى عماله حتى توفي فأخرجها أبو بكر رضي الله عنه فعمل بها حتى توفي، ثم أخرجها عمر رضي الله عنه من بعده فعمل بها، قال: فلقد هلك عمر يوم هلك، وإن ذلك لمقرون بوصيته.

.زكاة البقر:
وأما البقر فلا شيء فيها، حتى تبلغ ثلاثين سائمة، فإذا بلغت ثلاثين سائمة، وحال عليها الحول ففيها تبيع، أو تبيعة وهو ما له سنة ولا شيء فيها غير ذلك حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة وهي ما لها سنتان ولا شيء فيها حتى تبلغ ستين، فإذا بلغت ستين، ففيها تبيعان.
وقال غيرهم: يلزم في الأربعين مسنة أنثى، فقط إلا إذا كانت كلها ذكورا فإنه يجوز الاخراج منها اتفاقا.
وفي السبعين مسنة، وتبيع، وفي الثمانين، مسنتان، وفي التسعين، ثلاثة أتباع.
وفي المائة، مسنة، وتبيعان، وفي العشرة والمائة، مسنتان، وتبيع.
وفي العشرين والمائة، ثلاث مسنات، أو أربعة أتباع وهكذا ما زاد ففي كل ثلاثين، تبيع، وفي كل أربعين مسنة.

.زكاة الغنم:
لا زكاة في الغنم حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين سائمة وحال عليها الحول، ففيها شاة، إلى مائة وعشرين، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان، إلى مائتين، فإذا بلغت مائتين وواحدة، ففيها ثلاث شياه، إلى ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة، ففي كل مائة شاة.
ويؤخذ الجذع من الضأن، والثني من المعز.
هذا ويجوز إخراج الذكور في الزكاة اتفاقا، إذا كان نصاب الغنم كله ذكورا.
فإن كان إناثا، أو ذكورا وإناثا، جاز إخراج الذكور عند الأحناف وتعينت الأنثى عند غيرهم.

.حكم الأوقاص:
الاوقاص: جمع وقص، وهي ما بين الفريضتين، وهو باتفاق العلماء عفو لا زكاة فيه.
فقد ثبت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في صدقة الإبل: «فإذا بلغت خمسا وعشرين، ففيها بنت مخاض أنثى، فإذا بلغت ستا وثلاثين، إلى خمس وأربعين، ففيها بنت لبون أنثى».
وفي صدقة البقر يقول: «فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل تابع، جذع أو جذعة، حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين، ففيها بقرة مسنة».
وفي صدقة الغنم يقول: «وفي سائمة الغنم، إذا كانت أربعين، ففيها شاة، إلى عشرين ومائة».
فما بين الخمس والعشرين، وبين الست والثلاثين من الإبل وقص، لا شيء فيها.
وما بين الثلاثين، وبين الأربعين من البقر وقص كذلك.
وهكذا في الغنم.

.زكاة الفصلان والعجول والحملان:
من ملك نصابا من الإبل، أو البقر، أو الغنم، فنتجت في أثناء الحول، وجبت زكاة الجميع، عند تمام حول الكبار وأخرج عن الاصل وعن النتاج، زكاة المال الواحد، في قول أكثر أهل العلم.

لما رواه مالك، والشافعي، عن سفيان بن عبد الله الثقفي أن عمر بن الخطاب قال: تعد عليهم السخلة يحملها الراعي، ولا تأخذها، ولا تأخذ الاكولة، ولا الربى، ولا الماخض ولا فحل الغنم، وتأخذ الجذعة والثنية، وذلك عدل بين غذاء المال وخياره.
ويرى أبو حنيفة، والشافعي، وأبو ثور: أنه لا يحسب النتاج ولا يعتد به، إلا أن تكون الكبار نصابا.
وقال أبو حنيفة أيضا: تضم الصغار إلى النصاب، سواء كانت متولدة منه، أم اشتراها، وتزكى بحوله.
واشترط الشافعي: أن تكون متولدة من نصاب، في ملكه قبل الحول.
أما من ملك نصابا من الصغار، فلا زكاة عليه، عند أبي حنيفة، ومحمد، وداود، والشعبي، ورواية عن أحمد.
لما رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني، والبيهقي، عن سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول: «إن في عهدي أن لا تأخذ من راضع لبن» الحديث وفي إسناده هلال بن حباب، وقد وثقه غير واحد، وتكلم فيه بعضهم.
وعند مالك، ورواية عند أحمد: تجب الزكاة في الصغار كالكبار، لأنها تعد مع غيرها، فتعد منفردة.
وعند الشافعي وأبي يوسف: يجب في الصغار واحدة صغيرة منها.
.ما جاء في الجمع والتفريق:
1- عن سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: «إنا لا نأخذ من راضع لبن، ولا نفرق بين مجتمع، ولا نجمع بين متفرق وأتاه رجل بناقة كوماء فأبى أن يأخذها» رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي.
2- وحدث أنس «أن أبا بكر كتب إليه: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين» وفيه: «ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية» رواه البخاري.
قال مالك في الموطأ: معنى هذا أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة، وجبت فيها الزكاة، فيجمعونها حتى لا يجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحد أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاة، فيكون عليهما فيها ثلاث شياه، فيفرقونها، حتى لا يكون على كل واحد منهما إلا شاة واحدة.
وقال الشافعي: هو خطاب لرب المال من جهة، وللساعي من جهة، فأمر كل منهما أن لا يحدث شيئا، من الجمع والتفريق خشية الصدقة. فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة، فيجمع، أو يفرق لتقل، والساعي يخشى أن تقل الصدقة، فيجمع أو يفرق لتكثر فمعنى قوله: خشية الصدقة، أي خشية أن تكثر، أو تقل، فلما كان محتملا للامرين، لم يكن الحمل على أحدهما أولى من الاخر، فحمل عليهما معا.
وعند الأحناف: أن هذا نهي للسعاة أن يفرقوا ملك الرجل الواحد، تفريقا يوجب عليه كثرة الصدقة، مثل رجل له عشرون ومائة شاة، فتقسم عليه إلى أربعين، ثلاث مرات، لتجب فيها ثلاث شياه، أو يجمعوا ملك رجل واحد إلى ملك رجل آخر، حيث يوجب الجمع كثرة الصدقة.
مثل أن يكون لواحد مائة شاة وشاة، ولاخر مثلها، فيجمعها الساعي ليأخذ ثلاث شياه، بعد أن كان الواجب شاتين.

.هل للخلطة تأثير؟
ذهب الأحناف: إلى أنه لا تأثير للخلطة، سواء كانت خلطة شيوع أو خلطة جوار فلا تجب الزكاة في مال مشترك إلا إذا كان نصيب كل واحد يبلغ نصابا على انفراد.
فإن الاصل الثابت المجمع عليه، أن الزكاة لا تعتبر إلا بملك الشخص الواحد.
وقالت المالكية: خلطاء الماشية كمالك واحد في الزكاة ولا أثر للخلطة، إلا إذا كان كل من الخليطين يملك نصابا، بشرط اتحاد الراعي، والفحل، والمراح - المبيت - ونية الخلطة، وأن يكون مال كل واحد متمايزا عن الاخر، وإلا كانا شريكين، وأن يكون كل منهما أهلا للزكاة. ولا تؤثر الخلطة إلا في المواشي.
وما يؤخذ من المال يوزع على الشركاء بنسبة ما لكل، ولو كان لاحد الشركاء مال غير مخلوط اعتبر كله مخلوطا.
وعند الشافعية: أن كل واحدة من الخلطتين تؤثر في الزكاة، ويصير مال الشخصين، أو الاشخاص كمال واحد.
ثم قد يكون أثرها في وجوب الزكاة، وقد يكون في تكثيرها، وقد يكون في تقليلها.
مثال أثرها في الايجاب: رجلان لكل واحد عشرون شاة، يجب بالخلطة شاة، ولو انفردا لم يجب شئ.
ومثال التكثير: خلط مائة شاة وشاة بمثلها، يجب على كل واحد شاة ونصف، ولو انفردا، وجب على كل واحد شاة فقط.
ومثل التقليل، ثلاثة، لكل واحد أربعون شاة خلطوها.
يجب عليهم جميعا شاة، أي أنه يجب ثلث شاة على الواحد، ولو انفرد لزمه شاة كاملة.
واشترطوا لذلك:
1- أن يكون الشركاء من أهل الزكاة.
2- وأن يكون المال المختلط نصابا.
3- وأن يمضي عليه حول كامل.
4- وأن لا يتميز واحد من المال عن الاخر في المراح والمسرح والمشرب والراعي والمحلب.
5- وأن يتحد الفحل إذا كانت الماشية من نوع واحد.
وبمثل ما قالت الشافعية، ذهب أحمد، إلا أنه قصر تأثير الخلطة على المواشي، دون غيرها، من الأموال.

.زكاة الركاز والمعدن:
معنى الركاز: الركاز مشتق من ركز يركز: إذا خفي، ومنه قول الله تعالى: {أو تسمع لهم ركزا} أي صوتا خفيا.
والمراد به هنا: ما كان من دفن الجاهلية.
قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا، والذي سمعت أهل العلم يقولون: أن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية، ما لم يطلب بمال، ولم يتكلف فيه نفقة ولا كبير عمل، ولا مؤونة.
فأما ما طلب بمال، وتكلف فيه كبير عمل، فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز.
وقال أبو حنيفة: هو اسم لما ركزه الخالق، أو المخلوق.
معنى المعدن وشرط زكاته عند الفقهاء: والمعدن: مشتق من عدن في المكان، يعدن عدونا، إذا أقام به إقامة، ومنه قوله تعالى {جنات عدن} لأنها دار إقامة وخلود.
وقد اختلف العلماء في المعدن الذي يتعلق به وجوب الزكاة.
فذهب أحمد: إلى أنه كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها، مما له قيمة، مثل الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص، والياقوت، والزبرجد، والزمرد، والفيروزج، والبلور، والعقيق، والكحل والزرنيخ، والقار والنفط والكبريت، والزاج، ونحو ذلك.
واشترط فيه، أن يبلغ الخارج نصابا بنفسه، أو بقيمته.
وذهب أبو حنيفة: إلى أن الوجوب يتعلق بكل ما ينطبع ويذوب بالنار، كالذهب، والفضة، والحديد والنحاس.
أما المائع، كالقار، أو الجامد الذي لا يذوب بالنار، كالياقوت، فإن الوجوب لا يتعلق به، ولم يشترط فيه نصابا، فأوجب الخمس، في قليله، وكثيره.
وقصر مالك، والشافعي، الوجوب على ما استخرج من الذهب والفضة، واشترطا - مثل أحمد - أن يبلغ الذهب عشرين مثقالا، والفضة مائتي درهم، واتفقوا على أنه لا يعتبر له الحول، وتجب زكاته حين وجوده، مثل الزرع.
ويجب فيه ربع العشر عند الثلاثة ومصرفه مصرف الزكاة عندهم.
وعند أبي حنيفة مصرفه مصرف الفئ.

.مشروعية الزكاة فيهما:
الاصل في وجوب الزكاة في الركاز، والمعدن: ما رواه الجماعة عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العجماء جرحها جبار والبئر جبار، والمعدن جبار. وفي الركاز الخمس».
قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا خائف هذا الحديث، إلا الحسن، فإنه فرق بين ما وجد في أرض الحرب وأرض العرب فقال: فيما يوجد في أرض الحرب الخمس، وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة.
وقال ابن القيم: وفي قوله: «المعدن جبار» قولان أحدهما:
أنه إذا استأجر من يحفر له معدنا، فسقط عليه، فقتله، فهو جبار.
ويؤيد هذا القول اقترانه بقوله: البئر جبار، والعجماء جبار.
والثاني: أنه لا زكاة فيه.
ويؤيد هذا القول، اقترانه بقوله: «وفي الزكاة الخمس» ففرق بين المعدن، والركاز، فأوجب الخمس في الركاز، لأنه مال مجموع يؤخذ بغير كلفة ولا تعب، وأسقطها عن المعدن، لأنه يحتاج إلى كلفة، وتعب، في استخراجه.

.صفة الركاز الذي يتعلق به وجوب الزكاة:
الركاز الذي يجب فيه الخمس، هو كل ما كان مالا، كالذهب والفضة، والحديد، والرصاص، والصفر، والانية، وما أشبه ذلك.
وهو مذهب الأحناف، والحنابلة، وإسحق، وابن المنذر، ورواية عن مالك، وأحد قولي الشافعي.
وله قول آخر: أن الخمس لا يجب إلا في الاثمان: الذهب والفضة.

.مكانه:
لا يخلو موضعه من الاقسام الاتية:
1- أن يجده في موات، أو في أرض لا يعلم لها مالك، ولو على وجهها، أو في طريق غير مسلوك، أو قرية خراب، ففيه الخمس بلا خلاف، والأربعة الاخماس له.
لما رواه النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: «ما كان في طريق مأتي: أو قرية عامرة، فعرفها سنة، فإن جاء صاحبها، وإلا فلك، وما لم يكن في طريق مأتي، ولا قرية عامرة: ففيه وفي الركاز الخمس».
2- أن يجده في ملكه المنتقل إليه، فهو له، لأن الركاز مودع في الأرض، فلا يملك مملكها وإنما يملك بالظهور عليه فينزل منزلة المباحات، من الحشيش، والحطب، والصيد الذي يجده في أرض غيره، فيكون أحق به إلا إذا ادعى المالك الذي انتقل الملك عنه: أنه له، فالقول قوله: لأن يده كانت عليه، لكونها على محله.
وإن لم يدعه فهو لواجده، وهذا رأي أبي يوسف والاصح عند الحنابلة.
وقال الشافعي: هو للمالك قبله، إن اعترف به وإلا فهو لمن قبله كذلك، إلى أول مالك.
وإن انتقلت الدار بالميراث حكم أنه ميراث، فإن اتفقت الورثة على أنه لم يكن لمورثهم، فهو لاول مالك.
فإن لم يعرف أول مالك، فهو كالمال الضائع الذي لا يعرف له مالك.
وقال أبو حنيفة ومحمد: هو لاول مالك للارض، أو لورثته، إن عرف، وإلا وضع في بيت المال.
3- أن يجده في ملك مسلم، أو ذمي، فهو لصاحب الملك عند أبي حنيفة ومحمد، ورواية عن أحمد.
ونقل عن أحمد أنه لواجده، وهو قول الحسن بن صالح وأبي ثور واستحسنه أبو يوسف، لما تقدم من أن الركاز لا يملك بملك الأرض، إلا إن ادعاه المالك، فالقول قوله، لأن يده عليه تبعا للملك، وإن لم يدعه فهو لواجده.
وقال الشافعي: هو للمالك أن اعترف به وإلا فهو لاول مالك.

.الواجب في الركاز:
تقدم أن الركاز هو ما كان من دفن الجاهلية، وأن الواجب فيه الخمس، وأما الأربعة الاخماس الباقية، فهي لاقدم مالك للارض إن عرف، وإن كان ميتا فلورثته، إن عرفوا، وإلا وضع في بيت المال.
وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي ومحمد.
وقال أحمد وأبو يوسف: هو لمن وجده، هذا ما لم يدعه مالك الأرض.
فإن ادعى أنه ملكه، فالقول قوله اتفاقا.
ويجب الخمس في قليله وكثيره، من غير اعتبار نصاب فيه.
عند أبي حنيفة، وأحمد، وأصح الروايتين عن مالك، وعند الشافعي في الجديد: يعتبر النصاب فيه.
وأما الحول، فإنه لا يشترط بلا خلاف.
على من يجب الخمس: جمهور العلماء: على أن الخمس واجب على من وجده، من مسلم، وذمي، وكبير، وصغير، وعاقل، ومجنون، إلا أن ولي الصغير والمجنون هو الذي يتولى الاخراج عنهما.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الذمي في الركاز يجده: الخمس، قاله مالك، وأهل المدينة، والثوري، والاوزاعي وأهل العراق، وأصحاب الرأي، وغيرهم.
وقال الشافعي: لا يجب الخمس إلا على من تجب عليه الزكاة لأنه زكاة.

.مصرف الخمس:
مصرف الخمس - عند الشافعي - مصرف الزكاة لما رواه أحمد، والبيهقي عن بشر الخثعمي، عن رجل من قومه قال: سقطت علي جرة من دير قديم بالكوفة، عند جباية بشر، فيها أربعة آلاف درهم، فذهبت بها إلى علي رضي الله عنه، فقال: اقسمها خمسة أخماس، فقسمتها، فأخذ علي منها خمسا، وأعطاني أربعة أخماس، فلما أدبرت دعاني فقال: في جيرانك فقراء ومساكين؟ قلت: نعم، قال: فخذها، فاقسمها بينهم.
ويرى أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، أن مصرفه مصرف الفئ، لما رواه الشعبي: أن رجلا وجد ألف دينار مدفونة، خارجا من المدينة فأتى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأخذ منها الخمس، مائتي دينار، ودفع إلى الرجل بقيتها، وجعل عمر رضي الله عنه يقسم المائتين، بين من حضره من المسلمين، إلى أن أفضل منها فضلة، فقال: أين صاحب الدنانير؟ فقام إليه، فقال عمر: خذ هذه الدنانير فهي لك.
وفي المغني: ولو كانت زكاة لخص بها، أهلها، ولم يرده على واجده، ولأنه يجب على الذمي، والزكاة لا تجب عليه.
زكاة الخارج من البحر الجمهور: على أنه لا تجب الزكاة في كل ما يخرج من البحر، من لؤلؤ، ومرجان، وزبرجد، وعنبر، وسمك، وغيره إلا في إحدى الروايتين عن أحمد: إذا بلغ ما يخرج من ذلك نصابا، ففيه الزكاة.
ووافقه أبو يوسف، في اللؤلؤ، والعنبر.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في العنبر زكاة، وإنما هو شيء دسره البحر.
وقال جابر: ليس في العنبر زكاة، إنما هو غنيمة لمن أخذه.
.المال المستفاد:
من استفاد مالا، مما يعتبر فيه الحول - ولا مال له سواه - وبلغ نصابا، أو كان له مال من جنسه ولا يبلغ نصابا، فبلغ بالمستفاد نصابا، انعقد عليه حول الزكاة من حينئذ.
فإذا تم حول وجبت الزكاة فيه.
وإن كان عنده نصاب لم يخل المستفاد من ثلاثة أقسام.
1- أن يكون المال المستفاد من نمائه، كربح التجارة، ونتاج الحيوان، وهذا يتبع الاصل في حوله، وزكاته.
فمن كان عنده من عروض التجارة، أو الحيوان، ما يبلغ نصابا،
فربحت العروض، وتوالد الحيوان أثناء الحول، وجب إخراج الزكاة عن الجميع: الاصل، والمستفاد.
وهذا لا خلاف فيه.
2- أن يكون المستفاد من جنس النصاب، ولم يكن متفرعا عنه أو متولدا منه - بأن استفاده بشراء أو هبة أو ميراث - فقال أبو حنيفة يضم المستفاد إلى النصاب، ويكون تابعا له في الحول، والزكاة، وتزكى الفائدة مع الاصل.
وقال الشافعي وأحمد: يتبع المستفاد الاصل في النصاب، ويستقبل به حول جديد، سواء كان الاصل نقدا، أم حيوانا.
مثل أن يكون عنده مائتا درهم، ثم استفاد في أثناء الحول أخرى فإنه يزكي كلا منهما، عند تمام حوله.
ورأي مالك مثل رأي أبي حنيفة، في الحيوان، ومثل رأي الشافعي وأحمد في النقدين.
3- أن يكون المستفاد من غير جنس ما عنده.
فهذا لا يضم إلى ما عنده في حول، ولا نصاب، بل إن كان نصابا استقل به حولا، وزكاه آخر الحول، وإلا فلا شيء فيه، وهذا قول جمهور العلماء.

وجوب الزكاة في الذمة لا في عين المال مذهب الأحناف، ومالك، ورواية عن الشافعي وأحمد: أن الزكاة واجبة في عين المال.
والقول الثاني للشافعي، وأحمد: أنها واجبة في ذمة صاحب المال لا في عين المال.
وفائدة الخلاف تظهر، فيمن ملك مائتي درهم مثلا، ومضى عليها حولان دون أن تزكى.
فمن قال: إن الزكاة واجبة في العين، قال: إنها تزكى لعام واحد فقط، لأنها بعد العام الأول، تكون قد نقصت عن النصاب قدر الواجب فيها، وهو خمسة دراهم.
ومن قال: إنها واجبة في الذمة، قال إنها تزكى زكاتين، لكل حول زكاة، لأن الزكاة وجبت في الذمة، فلم تؤثر في نقص النصاب.
ورجح ابن حزم وجوبها في الذمة، فقال: لا خلاف بين أحد من الأمة - من زمننا إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم - في أن من وجبت عليه زكاة بر، أو شعير، أو تمر، أو ذهب، أو إبل، أو بقر، أو غنم، فأعطى زكاته الواجبة عليه، من غير ذلك الزرع، ومن غير ذلك التمر، ومن غير ذلك الذهب، ومن غير تلك الفضة، ومن غير تلك الإبل، ومن غير تلك البقر، ومن غير تلك الغنم، فإنه لا يمنع ذلك، ولا يكره ذلك له، بل سواء أعطى من تلك العين، أو مما عنده من غيرها، أو مما يشترى، أو مما يوهب، أو مما يستقرض.
فصح يقينا: أن الزكاة في الذمة، لا في العين، إذ لو كانت في العين، لم يحل له ألبتة، أن يعطي من غيرها، ولوجب منعه من ذلك كما يمنع من له شريك في شيء من كل ذلك أن يعطي شريكه، من غير العين، التي هم فيها شركاء، إلا بتراضيهما، وعلى حكم البيع.
وأيضا فلو كانت الزكاة في عين المال، لكانت لا تخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما.
وذلك إما أن تكون الزكاة في كل جزء من أجزاء ذلك المال، أو تكون في شيء منه بغير عينه.
فلو كانت في كل جزء منه لحرم عليه أن يبيع منه رأسا، أو حبة فما فوقها، لأن أهل الصدقات في ذلك الجزء شركاء ولحرم عليه أن يأكل منها شيئا لما ذكرناه، وهذا باطل بلا خلاف، وللزمه أيضا أن لا يخرج الشاة إلا بقيمة مصححة مما بقي، كما يفعل في الشركات ولا بد.
وإن كانت الزكاة في شيء منه بغير عينه فهذا باطل.
وكان يلزم أيضا مثل ذلك، سواء سواء.
لأنه كان لا يدري، لعله يبيع أو يأكل الذي هو حق أهل الصدقة؟ فصح ما قلنا يقينا.
هلاك المال بعد وجوب الزكاة وقبل الأداء:
إذا استقر وجوب الزكاة في المال، بأن حال عليه الحول، أو حان حصاده، وتلف المال قبل أداء زكاته، أو تلف بعضه، فالزكاة كلها واجبة في ذمة صاحب المال سواء كان التلف بتفريط منه، أو بغير تفريط.
وهذا معنى، على أن الزكاة واجبة في الذمة، وهو رأي ابن حزم، ومشهور مذهب أحمد.
ويرى أبو حنيفة: أنه إذا تلف المال كله، بدون تعد من صاحبه، سقطت الزكاة، وإن هلك بعضه، سقطت حصيته، بناء على تعلق الزكاة بعين المال، أما إذا هلك بسبب تعد منه، فإن الزكاة لا تسقط.
وقال الشافعي والحسن بن صالح، وإسحق، وأبو ثور، وابن المنذر: إن تلف النصاب قبل التمكن من الاداء سقطت الزكاة، وإن تلف بعده لم تسقط.
ورجح ابن قدامة هذا الرأي فقال: والصحيح - إن شاء الله - أن الزكاة تسقط بتلف المال، إذا لم يفرط في الاداء، لأنها تجب على سبيل المواساة، فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال، وفقر من تجب عليه ومعنى التفريط، أن يتمكن من إخراجها فلا يخرجها، وإن لم يتمكن من إخراجها، فليس بمفرط، سواء كان ذلك لعدم المستحق، أو لبعد المال عنه، أو لكون الفرض لا يوجد في المال، ويحتاج إلى شرائه فلم يجد ما يشتريه أو كان في طلب الشراء، أو نحو ذلك.
وإن قلنا بوجوبها بعد تلف المال فأمكن المالك أداؤها أداها، وإلا أنظر بها إلى ميسرته، وتمكنه من أدائها، من غير مضرة عليه، لأنه لزم إنظاره بدين الادمي، فبالزكاة التي هي حق الله تعالى، أولى.